قرطبة مدينة أندلسية تقع في غرب أسبانيا ، كانت مركزاً للحضارة الإسلامية في أوربا لقرابة خمسة قرون
فقد
دخل الإسلام قرطبة عام 93هـ الموافق711 م ، بقيادة طارق بن زياد الذي كان
يقود جيوش المسلمين لفتح الأندلس ، وكان فتح قرطبة ميسورًا حيث أرسل طارق
بن زياد قائده مغيثاً الرومي إلى قرطبة في سبعمائة فارس، فأقبلوا نحو
المدينة ليلا ونجحوا في دخول أسوار المدينة وفتح أبوابها لجيوش المسلمين
ففتحت قرطبة ، وكان السمح بن مالك الخولاني هو الذي عمرها ورفعها إلى مصاف
الحواضر الكبرى ، وأصبحت هذه المدينة حاضرة الأندلس الإسلامية .
في
عصر الخلافة الأموية بلغت قرطبة أوج عظمتها ، وتألقها الحضاري و خاصة بعد
أن أعلنها عبد الرحمن الداخل عاصمة له و جعلها مركزًا للعلم والثقافة
والفنون والآداب في أوروبا كلها، وقام بدعوة الفقهاء والعلماء والفلاسفة
والشعراء إليها ، في حين كانت أوروبا ما تزال غارقة في أعماق التأخر والجهل
والانحطاط.
قرطبة في عهد الناصر والمستنصروفي
عهد الخليفة عبد الرحمن الناصر وابنه الحكم المستنصر من بعده أصبحت قرطبة
في أوج تألقها الحضاري والثقافي ، فنافست قرطبة آنذاك بغداد عاصمة
العباسيين والقسطنطينية عاصمة البيزنطيين والقاهرة عاصمة الفاطميين، ووصل
سفراء البلاط القرطبي بلادًا بعيدة جدًا كالهند والصين، وتقاطر على قرطبة
مبعوثون ومندوبون عن أباطرة البيزنطيين وألمانيا وملوك كل من فرنسا
وإيطاليا والممالك الأخرى في أوروبا وشمال أسبانيا، وزعماء البربر ورؤساء
القبائل الأفريقية.
الحكم
المستنصر هو الحكم بن عبد الرحمن الناصر هو أحد خلفاء الدولة الأموية
بالأندلس، تولى الحكم في 3 رمضان سنة 350هـ خلفاً لأبيه عبد الرحمن
الناصر ولقب بالحكم المستنصر
يمتاز
عصره بازدهار العلوم والآداب في قرطبة بصورة كبيرة ، فقد كان أكثر خلفاء
بني أمية حبًّا للكتب، وكان يبعث رجالا بأموال طائلة لاستجلاب نفائس الكتب
إلى الأندلس، وأنشأ مكتبة قرطبة التي وصلت محتوياتها إلى أربعمائة ألف
مجلد.
وقد
شهد التعليم في عهد الحكم نهضة عظيمة، فانتشرت بين أفراد الشعب معرفة
القراءة والكتابة، بينما كان لا يعرفها أرفع الناس في أوربا باستثناء رجال
الدين، وقد بَنَى الحكم مدرسة لتعليم الفقراء مجانًا، كما أسس جامعة قرطبة
أشهر جامعات العالم آنئذ، وكان مركزها المسجد الجامع، وتدرس في حلقاتها كل
العلوم ويختار لها أعظم الأساتذة.
وقد
احتلت حلقات الدرس أكثر من نصف المسجد، وتم تحديد مرتبات للشيوخ ليتفرغوا
للدرس والتأليف، كما خصصت أموال للطلاب ومكافآت ومعونات للمحتاجين، ووصل
الأمر بنفر من الأساتذة إلى ما يشبه منصب الأستاذية اليوم في مجالات علوم
القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف والنحو، وعهد الحكم المستنصر إلى
أخيه المنذر بالإشراف على جامعة قرطبة ، كما عهد بمهمة الإشراف على المكتبة
الأموية إلى أخيه عبد العزيز.
يقول
فندث بيدال - العالم الأسباني الكبير - يقول: «وصلت الخلافة الأندلسية في
ذلك العصر إلى أوج روعتها وبسطت سيادتها السلمية على سائر إسبانيا وكفلت
بذلك السكينة العامة». وتوفي الحكم في (2 صفر 366هـ = 30سبتمبر 976م) .
و
قد أخرجت لنا قرطبة الكثير من العلماء في جميع المجالات، أمثال: ابن عبد
البر ، و ابن حزم الظاهري، وابن رشد ، والزهراوي، والإدريسي، والعباس بن
فرناس، والقرطبي وغيرهم.
ظلت
قرطبة تنعم بهذا التفوق على سائر مدن أسبانيا زمنًا إلى أن سقطت الخلافة
الأموية عام (404 هـ/1013م) ، حين ثار جند البربر على الخلافة ودمروا قصور
الخلفاء فيها وهدموا آثار المدينة وسلبوا محاسنها ، ومنذ ذلك الحين انطفأت شعلة تفوقها وانتقلت مكانتها السامية إلى أشبيلية.
و
يعد المسجد الجامع أهم تحفة معمارية أنشئت في عهد عبد الرحمن الداخل ، ولا
يزال مسجد قرطبة الجامع باقيًا حتى اليوم بكل أروقته الإسلامية ومحاريبه،
وقد تحول إلى كاتدرائية بعد الاستيلاء على قرطبة ، بعد إزالة كثير من قباب
المسجد وزخارفه الإسلامية.
ورغم
هذه الظروف التي مرت بها إلا أنها استطاعت أن تحتفظ ببعض من تفوقها ، حتى
سقطت بيد فرناندوا الثالث في يوم 23 شوال سنة 633هـ، وحزن المسلمون لسقوطها
حزنًا عظيمًا، وتحول مسجدها الجامع الكبير إلى كنيسة، وهجرها عدد كبير من
المسلمين، وطويت صفحة حضارية عظيمة للمسلمين امتدت أكثر من خمسة قرون في
هذه المدينة .
قال الشاعر في رثاء الأندلس :لكل شئ إذا ماتم نقصان فلا يغر بطيب العيش إنسان
إلى أن قال ..وأين قرطبة دار العلوم فكم من عالم قد سمى فيها له شان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المصباح .. دروبــــــ ــ ــ ــ .doroob
/ قال الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية 18/
الرجاء الالتزام بأداب النشرفي كتابة الاستفسارات والتعليق.