|
بمناسبة فوز منال سلامة بجائزة أفضل ممثلة مسرحية في مهرجان المغرب
،لم أكن أتوقع أن أجد نفسي مرغماً علي الكلام عن هذه السيدة المليئة
بالموهبة التي اعتلت عرش المسرح.. علي غفلة منا جميعاً.. وأثبتت من
خلال أدائها لدور شديد الصعوبة بأن المسرح العالمي قدرتها الاستثنائية التي
كانت خبيئة عنا طوال سنوات كثيرة.
منال سلامة في (من يخاف فرجينا وولف) مسرحية إدوارد البي الشهيرة..
وفي دور مارثا العجوز المدقعة
المليئة عقداً ومرارة علي العالم.. والتي تثأر من نفسها ومن الدنيا ومن
زوجها المحبط.. وتخترع لنفسها (ابناً) وهي العاقر التي لا تنجب..
ترعاه.. علي مدي سنوات ليصبح أملها الوحيد في هذه الدنيا التي ترفضها..
والتي تستطيع هي أيضاً في لحظة بأس نادرة ومدهشة.. تعتبر من أجمل
اللحظات المضيئة في تاريخ المسرح الأمريكي كله تقرر (قتله).. ودفن
الحلم الذي يجعلها تتمسك بأهداب الحياة.. محققة المثل الشهير (عليّ
وعلي أعدائي يارب).منال سلامة في (من يخاف فرجينا وولف) مسرحية إدوارد البي الشهيرة..
منال سلامة اقتحمت في هذا الدور أبواباً كثيرة موصدة، وفتحت نوافذ واسعة لمسرحنا المغلق علي نفسه منذ سنوات طويلة. كانت أشبه ما تكون بنسمة هواء عذب.. في صيف لاهب محرق.. أحرقت معنوياً الخشبة التي تقف عليها وحولتها لهباً وناراً.
انفجرت أمامنا شظايا.. ونثرت دماء من قلبها وشرايينها.. بثتها في كلمات عرفت كيف ترسلها كطلقات من رصاص فولاذي يقتحم أقسي الأبواب وأشدها.
منذ ظهورها علي المسرح.. قادمة من حفلة تكريم جامعية، وقد ملأت الخمر عروقها والنشوة جسدها.. ولكن البأس المروع.. وفراغ الحياة التي تحياها.. كان ينتظرها في هذه الفيلا الجامعية الأنيقة.. التي منحها إياها والدها عميد الجامعة لتعيش بها مع زوجها المحبط الذي أكلت العنكبوت قلبه.. وجعلت منه حطاماً بشريا.. يتكلم وكأنه يهذي.. يعيش وكأنه يحلم.. وقفت مارثا إلي جانب زوجها جورج.. لتستقبل ضيوفاً آخرين لحقوا بها شباب لازال في مقتبل العمر.. ولكنه وصل دون أن يدري إلي نفس الدرجة البؤس واليأس التي يمر بها جورج ومارثا دون أن يشعرا. ولكن مارثا.. تعرف.. ولا تريد أن تستسلم للوهم أكثر مما استسلمت وتقرر أن تزيح الغطاء عن كومة الرماد المنطفئ.. أو علي حد تعبيرها (الزبالة) التي تعيش علي أريجها.
منال سلامة فهمت كل أبعاد دورها الصعب وأدته بمهارة خارقة للعادة.. جعلتني أحس وكأن هذه الفنانة الكبيرة.. ولدت ممثلة مسرحية قبل أن تفطم.. منذ أن حلت قدماها علي الخشبة.. احتلتها كلها.. وأصبحت ملكها وحدها.. تسيطر علي كل حركة فيها.. وعلي كل همسة.. وكل نظرة.. وكل إحساس. رحلت منال سلامة.. لتحل محلها مارثا.. بكل عنفوانها وقوتها وغطرستها وضعفها المذهل.. وخيبة أملها في العالم الذي تحيا فيه. لم يكن غريباً.. علي أداء مثل هذا أن يتفوق علي كل أداء آخر.. في هذا المهرجان المسرحي المغربي الكبير الذي ضم فرقاً عربية من الشرق والغرب.
ولم يكن غريباً.. أن يبرز اسم منال سلامة بين الأسماء كلها ببريق شامخ لاهب، وأن يسيطر أداءها علي القلوب والنفوس جميعاً.. وأن تنال بالإجماع جائزة أحسن ممثلة مسرحية عربية.. في هذا المهرجان الذي ضم كبار ممثلي المسرح في العالم العربي.
هنيئاً لنا بمنال سلامة.. هنيئاً للمسرح العربي كله.. ولفن التمثيل عموماً في مصر الذي وجد أخيراً من يعتلي عرشه الذهبي الفارغ منذ سنوات طويلة.. وبعد أن استبد بنا اليأس حتي وصل إلي الحلقوم.
اخبار الفن
رفيق الصبان
rafikelsabban@Gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المصباح .. دروبــــــ ــ ــ ــ .doroob
/ قال الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية 18/
الرجاء الالتزام بأداب النشرفي كتابة الاستفسارات والتعليق.