لم تعد الصحافة مهنة الفهلوة واللعب المتقن على الحبال أو الأكل على كل الموائد.. وإنما هى رسالة أمانة
وصدق، وفن تحرير وصياغة، وحسن إعداد وتقديم، وصناعة ناجحة تُلتزم فيها كل قواعد الاقتصاد النزيه والكسب الحلال.. فقبل أكثر من ثلاثين قرنا أقرَّ المشرع المصرى العظيم القديم مبادئ حرية الرأى والنقد والفكر للإنسانية كلها، ووضع قوانين ترفع من قيمة العلم والعلماء وتشيد بدور القلم وأهمية الصحافة التى لم تكن معروفة بمفاهيمها الحديثة فى ذلك الزمن التليد..
وتشير البرديات إلى هذا المعنى بجلاء؛ حيث جاء فى إحداها "إن صوت الناس يفنى ولكن صوت الكاتب يعيش أبد الدهر"
وقد حرصت الأديان على كفالة حرية الفكر والاعتقاد وجعلت مناط الإيمان عبادة الله بحب لا إكراه فيه، والإقبال عليه سبحانه لأنه الخالق الواحد الأحد المعبود ربنا ورب كل شىئ.. ومن هنا كان الاهتمام بموضوع حرية الصحافة والإعلام له مايبرره وبما يتيح للإعلامى نشر مايتوصل إليه من أخبار أو معلومات مرجحاً مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد، واضعا نظاماً لمساءلته وتصحيح ماينشره بحيث لايقضى نصف عمره يجمع الأخبار، والنصف الآخر يدافع عن نفسه بسببها.. ويكاد يجمع علماء الإعلام والاتصال على أن حرية الصحافة تلزمها حماية خاصة كى تتمكن الصحافة من أن تؤدى دورها الحيوى المنوط بها، وهو دور الحارس الأمين من خلال تقديم المعلومات والأفكار التى تهم الرأى العام وبما يتيح بسهولة ودقة اتخاذ القرارات المناسبة حول المشاكل العامة ولصالح المجتمعات.. فرسالة الإعلام تتلخص فى التعبير الموضوعى لعقلية الجماهير وروحها ميولها واتجاهاتها فى نفس الوقت كما يقول أستاذنا الدكتور إبراهيم إمام: فإن الغاية الوحيدة من الإعلام هى الإقناع عن طريق المعلومات والحقائق والأرقام والإحصاءات.
وهذا يجرنا إلى التحذير من خطورة الترويج لأخبار لا أساس لها من الواقع، أو تعمد المبالغة أو التهويل أو التشويه فى سرد خبر فيه جانب ضئيل من الحقيقة، أو إضافة معلومة كاذبة أو مشوهة لخبرٍ معظمه صحيح، أو تفسير خبر صحيح والتعليق عليه بأسلوب مغاير للواقع والحقيقة.. وذلك بهدف التأثير النفسى فى الرأى العام المحلى أو الإقليمى أو العالمى أو النوعى أو خلط الإعلان المدفوع بالمادة الإعلامية دون تنويه.
والخبر الناجح هو الذى تُلتزم فيه قواعد هامة: منها التركيز والبساطة والدقة والوضوح وعدم التكرار والواقعية، إضافة إلى عوامل الجدة والعامل الإنسانى الذى يضفى عليه الفائدة والأهمية والصدق والموضوعة والحياد.. فصياغة الخبر هى إدلاء بشهادة وليست إصداراً لحكم.. ولم يرد ذم للكذب وتنفير منه أفضل من قوله تعالى: "فلا تطع المكذبين ودوا لو تدهن فيدهنون ولا تطع كل حلَّاف مَهين همَّاز مشَّاءٍ بنميمٍ منَّاعٍ للخير معتدٍ أثيم"، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الصدق يهدى إلى البر وإن البر يهدى إلى الجنة، وإن الكذب يهدى إلى الفجور وإن الفجور يهدى إلى النار"
فهل يراعى زملاؤنا فى الصحف المطبوعة أو الإلكترونية أو على شاشات الفضائيات أو مواقع التواصل الاجتماعى المختلفة قواعد وحرفية المهنة الإعلامية المقدسة، ويضعون شرف المهنة فوق كل اعتبار.. أم يصبحون أبواقاً زاعقةً ناعبةً كالبوم المشؤوم فارغة من كل مضمون جاد ومفيد؟؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المصباح .. دروبــــــ ــ ــ ــ .doroob
/ قال الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية 18/
الرجاء الالتزام بأداب النشرفي كتابة الاستفسارات والتعليق.