بينما يعاني المشهد الفني المغربي من الرقابة،
تأتي بواعث فنية جديدة خاصة من مغاربة المهجر. قبل فترة وجيزة من مقتل المغربية الفرنسية ليلى العلويK حاورتها ميلاني كريستينا مور حول الآفاق العابرة للحدود والهجرة والتصوير.
ليلى العلوي، مصورة فنانة مغربية فرنسية، توفيت إثر أزمة قلبية بعد إصابتها في الإعتداء الإرهابي على فندق ومطعم نهاية الأسبوع الماضي في واغادوغو. وبحسب ما نقلت وكالة الأنباء الرسمية عن السفارة المغربية في واغادوغو، فإن ليلي توفيت في إحدى عيادات العاصمة عقب سكتة قلبية، مضيفة أنه "سيتم نقل الجثمان إلى المغرب في أقرب وقت ممكن بعد استكمال الإجراءات". ليلى العلوي كانت وقت الهجوم في مقهى ومطعم يحمل اسم
"كابوتشينو"، وأصيبت برصاصتين واحدة على مستوى الذراع وأخرى في الساق، ليتم نقلها بعد ذلك إلى إحدى العيادات حيث أجريت لها عملية جراحية.
ليلى التي توفيت عن 33 عاما، كانت فنانة ومصورة معروفة بإلتزامها بالقضايا الإنسانية وجاءت إلى واغادوغو لالتقاط صور فوتوغرافية لصالح منظمة العفو الدولية، حيث تعد الضحية رقم 30 للهجوم.
في هذا الحوار الذي أجراه معها موقع "قنطرة" قبل فترة وجيزة من حادث مقتلها تطرح نظرتها للتحولات التي يعيشها المجتمع المغربي.
قنطرة: ليلى علوي، المغربي أم الفرنسي ماهو الغالب لديك؟
ليلى علوي: لقد نشأت في المغرب كفرنسية مغربية – ولكن كان يُنظر إلي دائما كفرنسية في المغرب ومغربية في فرنسا. على الرغم أنني أعتبر نفسي مغربية، لم يكن عندي حاجة قوية للانتماء. بل ممكن أن أقول أن هويتي الكوزموبوليتية تشكلت في نيويورك، وازدادت في وقت لاحق من خلال عملي كفنانة مُرتحلة، ومن خلال اهتمامي بمواضيع التنوع ومسألة الهوية الثقافية، ولكن مازلت ببساطة مرتبط بقوة بهوية البحر الأبيض المتوسط. أقضي وقتي بين المغرب ولبنان وفرنسا، وأشعر حقا أن هذه البلدان الثلاثة هي وطني، المهم بالنسبة لي فقط إمكانية التحرك.
عدد غير قليل من المغاربة لديهم ردة فعل رافضة عندما يتم تصويرهم، فما سبب ذلك من وجهة نظرك؟
ليلى علوي: المغرب لديه علاقة خاصة جدا مع المصورين والناس الذين يأخذون الصور بسبب العديد من التجارب السلبية. يشعر المغاربة بأن ثقافتهم تُستغَل – وخاصة الملابس الشعبية والصروح المعمارية – وأن المصورين يحاولون خلق فانتزية خاصة بهم "لعالم آخر" خيالي غرائبي. هذا واحد من الأسباب. ولكن الاعتقاد بالخرافات والسحر يلعب أيضا دورا في ذلك. على سبيل المثال هو جزء من الوعي الجماعي، الذي ما زالوا يعتقدون فيه بأن الكاميرة تسلب أرواحهم.
أنت تتنقلين باستمرار بين لبنان والمغرب. أين يكمن أوجه التشابه وكذلك التناقض بين المشهد الفني في بيروت ومراكش برأيك؟
ليلى علوي: مايجمع المدينتين حاليا هو المشهد الفني الأكثر حيوية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. في حين أن مراكش أثبتت نفسها بثقة على الخارطة من خلال بينالي الفن المعاصر ومتحف التصوير الفوتوغرافي والفنون البصرية. تتألق بيروت في رأيي من خلال مؤسسات قوية للفن المعاصر، مثل مركز بيروت للفنون وأشكال ألوان.
إضافة إلى ذلك هناك غالريهات عالمية محترفة جدا مثل صفير-زملر، وفاكتوم للفن، أو غاليري تانيت. تتميز بيروت أيضا بوجود أماكن عديدة إبداعية بديلة ومتنامية، وكذلك تنامي المجتمع الفني المحلي والدولي أيضاً، كما هو الآن في تطور بطيء في مراكش، حيث أُنشئت غالريهات جديدة مثل غالري الصوت أو الأمكنة التي أسسها الفنانون مثل المقام أو رياض 18 التي تُثري المشهد الفني بشكل كبير في مراكش.
أكثر الفنانين العرب المعاصرين المعروفين يعيشون ويعملون في بلدان المهجر في أوروبا أو الولايات المتحدة. ما هو الفرق الجوهري بين الفنانين المغاربة الذين يعملون في الخارج والذين يرتبطون بالمغرب؟
ليلى علوي: لقد شهدنا مؤخرا أن المشهد الفني في المغرب ما زال يرضخ تحت رقابة قوية جدا. النقاش حول فيلم نبيل عيوش "الزين اللي فيك"، والذي يتناول فيه قضية البغاء أظهر ذلك بشكل واضح جدا. وعند النظر إلى الفنانين المعاصرين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا - نجد أن القليل منهم من المغرب. معظم الفنانين التي أعمالهم تحمل مضمون سياسي يعيشون في المهجر، مثل منير فاطمي أو محمد الباز.
أنا لا أعرف الكثير من الفنانين المغاربة الذين يعيشون بالفعل في المغرب ولديهم خطاب اجتماعي وسياسي. هذا مرتبط بالخوف من الرقابة. يمر المجتمع المغربي بتحول هائل. نحن مقيدون بين التقاليد والحداثة، حرية التعبير من جهة والخوف من السلطات من جهة أخرى. وإذا نظرنا إلى البلدان الأخرى في المنطقة، فالمغاربة قلقون إزاء مستقبل بلادهم. نحن نفضل الحفاظ على الهدوء، نغمض عيوننا من أجل أن نكون متأكدين تماما من أن البلد محافظ على صورته الإيجابية وينعم بالسلام.
بالنسبة لهذه المسألة، أنا مقتنعة أن عدم التزام الفنانين له أكثر صلة بالرقابة الذاتية. هناك غياب المؤسسات الفنية المستقلة التي تدعم الفنانين، وبالتالي يمكنها أن تكون جزءا من الخطاب الاجتماعي. وهذا بدوره يعيق العملية الفنية. لهذه الأسباب فضّل العديد من الفنانين الملتزمين سياسيا التوجه إلى أماكن أخرى والسعي إلى المنابر الدولية.
يبدو لي أن جيل الشباب المغربي، لا سيما الذين يعيشون في الخارج ينقلون صورة رومانسية عن المغرب. ماهو رأيك؟
ليلى علوي: الحياة في الغربة تجلب معها دائما رومانسية الوطن. سأعمل في واحدة من مشاريعي الشخصية بالضبط على هذا الموضوع. مزيج من فن الفيديو والتصوير الفوتوغرافي والوثائق الأرشيفية يعالج الواقع الحالي للهجرة إلى فرنسا ما بعد فترة الاستعمار. سيلقي المشروع الضوء على كلتا الذاكرتين الفردية والجماعية للجيل الأول من أجل الوصول إلى فهم أفضل لمشكلة الجيل القادم. ولكن أريد أيضا أن ألفت الانتباه إلى دور الهجرة اليوم، والى مسائل تشكيل الهوية والانتماء لا سيما في هذا الوقت، الذي يزداد فيه الخوف من "الغريب \ الآخر" في المجتمعات الأوروبية.
ما الذي دفعك للعمل على مشروع فيلمك الجديد "المعابر"؟
ليلى علوي: كان المغرب لفترة طويلة جدا بلد عبور فقط، ولكن اليوم هو بلد لجوء للكثير من المهاجرين من جنوب الصحراء الذين يبحثون عن حياة أفضل. تحول اضطهاد هؤلاء المهاجرين على مر السنين إلى قضية نزاع شائك في المغرب. أخجل جداً كمغربية، وأشعر أيضا أنني مسؤولة بسبب التعامل العنيف مع المهاجرين الآتين من جنوب الصحراء، والذين سُلبت منهم حقوق الإنسان بسبب وضعهم غير القانوني. عندما قررت العمل في هذا المشروع، أمضيت عدة شهور كمراقبة نشيطة في مجتمعات المهاجرين، في الأحياء الفقيرة جدا في الرباط وطنجة. في ذلك الوقت كنت مندمجة كليا في عمل الناشطين والصحفيين ومنظمات حقوق الإنسان، التي تشارك في تحسين أوضاع المهاجرين واللاجئين في المغرب. ساعدتني هذه التجربة في مواصلة تنفيذ مشاريعي السمعية البصرية من خلال تاريخي في الهجرة المشطور شخصيا، والذي ينبغي أن يعكس رحلة مفزعة. لقد كانت رغبتي الصادقة في تحقيق مشروع يركز على إنسانية وكرامة المهاجرين.
حاورتها: ميلاني كريستينا مور
ترجمة: سليمان توفيق
أمضت ليلى علوي، المولودة عام 1982 في باريس، طفولتها وشبابها في المغرب. ومن بعد ذلك أمضت 8 سنوات في نيويورك حيث درست التصوير وصناعة الأفلام. عادت عام 2008 إلى المغرب.
تُعرض أعمالها منذ عام 2009 عالمياً. وآخرها كان هذا العام 2015، حيث عرضت في بينالي مراكش مشروعها فيديو "المعابر" لمدة ست دقائق على شاشات متعددة والذي يصف رحلة الأفارقة السود بدءا من وطنهم إلى المغرب.
عن موقع" دولتشه فيله"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المصباح .. دروبــــــ ــ ــ ــ .doroob
/ قال الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية 18/
الرجاء الالتزام بأداب النشرفي كتابة الاستفسارات والتعليق.