أريد
أن تكون ليلتي بشموع و بمصابيح عتيقة..غيمة وردية سابحة في حلم ، كما
يليق برأس السنة ..أريد أن أغسل معطفي من أدران الرتابة في عينيّ سندريلا
حافية ..بأثواب رثّة، لأمنحها فرصة أن تكون أميرة لليلة..لنشاهد عرضا
مسرحيا، لنسمع موسيقى ، قد نرقص أيضا…أريدها هي، إنّها شبيهة بالوهم، لها
روح قديسة و وجه ملاك ، شفتاها لم يزرعهما قبل اليوم حرّ و لا برد، لم
يتسلق ضفيرتها ليل..
يجتاحني صوت الشقراء:
-هل نلتقي الليلة في الفندق؟
-لا ، الليلة لدي موعد مهمّ.
ألغي كلّ مواعيدي، الليلة تدلّت عناقيد شوقي،أريد أن أضع في سلّتي فقرها و شقاءها، ربيعها و شتاءها ..
يسأل السائق:
-هل أنتظر سيدي؟
-لا ، لا أحتاجك الليلة.
الليلة، لا أحتاج السائق ، كلّ ما أحتاجه ، دهشة طارئة على بريق حذائي.
***
كنت
أهدهد خيبتي في مهد الجرح ، حين عثر عليّ ذاتَ حزن ، أقضم خبز الحرف،
أفرغت قهوتي من ذاكرة الأمس..فستاني بلون أصفر باهت عمره أكثر من جرح ،
حذائي تآكل فصل من برده، و أبقى على شتاء واحد و بقايا حلم..الأحذية ماكرة
تفضح جوعنا ، عرينا و التصاقنا بالأرض..
تسارعت خطاي، الشارع كرجل خائن يحيط أرصفته بالوحل..يفرطق الوحل تحت خطى قلقي ، يبتلعني الزحام ، ترفس الأقدام ما تبقى من الوقت ..
أصل
متأخرة بعمر ، محمومة بوعكة يُتْم..أقف على جمر المكان ، يمدّ يده تصافح
انتظاري..يحدث من فرط مرور الوقت أن يتحوّل عضو في أجسادنا إلى حالة ،
كالانتظار أو اليأس..تنبس شفتاه بكلمات:
-سنشاهد مسرحية.
-يااااه أنت تشبه أوطاننا ، تبني لنا المسارح و تتركنا جياعا، لنشبع رقصا غناء و تمثيلا ..
***
-تفضّلي مدام.
قالها البائع و ناولني قارورة العصير..لأنّه بالقرب مني تنتصب ربطة عنق صرت "مدام"..
لم أحلم يوما أن أعرف رجلا بربطة عنق، و بحذاء له بريق..
خفتت الأنوار ، تحرّك الممثّلون على الخشبة، قلت له:
-الشخوص هلامية، لماذا يضعون جثّة على الخشبة، الرائحة تخنق ما تبقى من نور؟
-كي يصير الأقزام عمالقة.
-كيف؟
- إذا تحلّقوا حول الجثّة …الجثّة ستعكس الشخوص عملاقة على الجدار.
قهقهاته لامست الجدران، سكبت سمّ كلامه في أذني ساخرا:
-لم تجرّبي أن تطوفي بجثّة؟
-أنت أيضا لم تجرّب أن تولد من حبر ، أن تتوسّد حزنا ، عاريا من أيّ سقف..البارحة ، أنا و إخوتي نمنا جياعا..
***
-
تحرّري قليلا من عقدة الشقاء و الحزن، يحدث أن تطلّ علينا ليلة القدر،
تعتق أحلامنا..أنا ليلة قدرك ، القمر يتوضّأ في جناحي، و الشمس تحزم
سنابلها في أرصدتي.
***
فستاني الذي قاوم دهرا ، الآن يتمزّق بفعل لحظة انفعال تضطره لاتخاذ موقف ضدّي..
الأثواب الرثّة لا تصادق ربطات العنق ، و اليد المتهشّمة بفعل الانتظار ، خرجت عن القانون حين صافحت يده..
-كلّ ما في الأمر أنّني طلبت منك وظيفة..
**
تداخل ظلي مع ظلّ العمالقة في الجدار ، تنحنحتْ أتربة صوتي:
- أنا أريد أن أدخلك جنّتي ، و أنت تتحدّثين عن وظيفة و لقمة عيش؟
***
تحوّلت الجثّة على الخشبة إلى نار ، لا مكان هناك سوى لألسنة اللّهب..
صورة الجدار انقسمت نصفين ، تهاوى ظلّها على وجهي ،تطاير بعض غبار صوتي:
-سأصليك جحيم فقري ، سأذيقك عذاب بؤسي و يتمي ، ستحلّ بك لعنتي مع طلوع الصبح.
أُسْدلَ الستار ، انتهت المسرحية..يفرطق الوحل تحت قدمي ، فقدت حذائي، عدت إلى بيتي العاري من أحلامه ،و إلى إخوتي الجيّاع.
ملاحظة: المطر كان خارج النص.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المصباح .. دروبــــــ ــ ــ ــ .doroob
/ قال الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية 18/
الرجاء الالتزام بأداب النشرفي كتابة الاستفسارات والتعليق.