يقيم الإسلام الحياة على الأخلاق الفاضلة، ذلك أن المجتمع الإسلامي مجتمع فاضل، والمسلمون ـــ الذين يتمثلون الإسلام حقا ـــ لهم أخلاق فاضلة في كل مجالات الحياة :السياسية، والاقتصــادية، والاجتماعية.
وقد امتدح الحق سبحانه الرسول صلى الله عليه و سلم بالخلق الكريم، يقول سبحانه : ( و إنك لعلى خلق عظيم ) القلم / 4 ، مبينا أهمية الأخلاق في الحياة، ولذلك كان الرسول صلى الله عليه و سلم القدوة، والقمة السامقة في الأخلاق . كمابيَّن عليه السلام وظيفته الأخلاقية عندما قال: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) .
وقد ارتبطت جوانب الإسلام برباط أخلاقي، بغية تحقيق مقصـد أخلاقي، مما يؤكد أن الأخلاق هي روح الدين الإسلامي، وأن النظام التشريعي ما هو إلا كيان مجسِّد لهذه الروح الأخلاقية.
والإسلام لا ينظر إلى الأخلاق على أنها قيم شكلية، أومثالية كما تنظر إليها الحضارات الأخرى ، بل ينظر إليها على أنها ضرورة حياتية، لا يمكن للإنسان أن يحقق وجوده الإنساني بدونها، كما أن سعادته الدنيوية والأخروية مرتبطة بها . .
إن الأخلاق في نظر الإسلام هي مبادئ وقواعد حددها الوحي الإلهي لتنظيم حياة الإنسان، وتحديد علاقته بغيره على نحو يحقِّق الغاية من وجوده في هذا العالم على أكمل وجه . والتربية الخلقية في الإسلام تربية مقاصدية، ذات أبعاد و غايات و ليست شعارات جوفاء . فمن هذه الغايات التي تتحقَّق بالأخلاق الإسلامية الفاضلة إصلاحُ السر والعلن و الرقابةُ الداخلية الذاتية وتقويمُ السلوك الفردي وفق المنهج الإسلامي ، والعملُ على ترقيته وفقاً للشرع الحنيف ، والشعورُ بالمسؤولية.
ويتميز النظام الأخلاقي الإسلامي بكونه نظاماً إلهياً من حيث المصدر، إنسانياً من حيث الموضوع فلا يكتفي الإنسان ـ في الجانب الأخلاقي ــ بالتنظير بل لا بد إلى جانبه من تطبيق و تَمَثُّل لهذه الأخلاق .
و قد دعا الإسلام إلى اتباع طرق متعددة لغرس الأخلاق في النفوس، بحيث تصبح قناعة لدى الفرد والجماعة، ويكون الحامل على تمثُّلها في كل مجالات الحياة هو الاقتناع بأهميتها وجدواها، و ليس التقليد فقط . كما يجب أن يكون الرقيب الأساس على حفظها وصيانتها هو الوازع الديني، الذي تتولد عنه الرقابة الداخلية، المنبعثة من ذات الفرد والجماعة.
ولعل من أهم هذه الوسائل الوعظُ و الإرشادُ،والتذكيرُ والنصحُ ،والترغيب والترهيب، والعبادة ، و التوبة والمغفرة.
و تغرس هذه الوسائل التربوية السالفة الذكر في نفس المؤمن الفضائلَ ، وتقوي لديه الوازع الديني، وتحمله المسؤولية تجاه ربه سبحانه وتعالى وتجاه نفسه والناس أجمعين و تجاه وكل من يشاركه الحياة ، حتى يصبح ما يصدر عنه من أقوال وأفعال وتصرفات وسلوكات ومواقف واتجاهات مطابقا لمعايير الأخلاق المحمودة التي دعا إليها الإسلام .
و إذا تتبعنا البناء الأخلاقي في القرآن الكريم سنلاحظ أن عدد آيات الأخلاق كبير جدا بالقياس إلى آيات الأحكام، حيث بلغ عددها أربعاً وخمسمائة و ألف آية، موزعة في مختلف سور القرآن الكريم . و هذا دليل على أهمية الأخلاق في المنظومة الإسلامية، يمكِّننا كذلك من فهم أسلوب الحصر"بإنما " الوارد في الحديث النبوي الشريف: ( إنمابعثت لأتمم مكارم الأخلاق) .