بقلم/ صلاح عبد الله الباشا
الطفل
هو الطفل في أي مكان في العالم، تأسرك ابتسامته الملائكية، وتأخذك جاذبيته
الطبيعية في صمت وسكوت، وكذلك صوت ضحكته أو طريقة نظرته، فهو يحاول دائما
أن يجذب انتباهك بكل وسيلة يملكها أو يكتسبها، يشد انتباهك بضحكه وبكائه،
وكذلك بسكونه وحركاته، فهو ينشد منك النظر والانتباه، ولا يطمع في أي شيء
أكثر من اقتسام الوقت معك في ملاطفة رقيقة، أو مداعبة ظريفة، وفي أبعد
الظنون والاحتمالات.. يكون أقصى أمانيه قطعة حلوى تهديه إياها أو لعبة
تحضرها له ليلهو بها، فيدخل بها عالمه اللا نهائي من الحوارات والخيالات
والتخيلات.
فيبعد
عن ذلك الصخب المحيط ليكون بذاته مع ذاته، وفي هذه الأثناء ينشغل عنك بك،
فتكون حاضراً في عقله وأحاديثه، وفي ابتكاراته لشخصيات يعيش معها ويحاورها،
بل ويضيف عليها لمسته الخاصة، فيتوهج السحر الذي يتلألأ بمزيج من
التلقائية والعفوية، وتنشأ ملامح بكر غضة في هذا الكيان الملائكي، يزينها
اكتساب ألفاظ ومفردات، مفعمة بالمشاعر الصادقة لكل ما يراه ويشعر به، وبكل
ما يجد من المحيطين به من مشاعر وأحاسيس، وينعكس ذلك أول ما ينعكس عليك
أنت، فهو كقطعة الإسفنج التي لم تستعمل من قبل، إن غمستها في العسل وأردت
استرجاع ما تناولته، بمجرد أن تقبض بأصابعك عليها، سيخرج منها العسل ولا
تستبقِ لنفسها شيئا منه، وإن وضعتها في حبر أسود وأردت أن تقبض عليها
بأصابعك فلن تحصل وقتئذ إلا على سيل من الحبر الأسود، يؤذ أول ما يؤذ
أصابعك أنت، ولا تلومن إلا نفسك.
في
عالمنا العربي، وذلك ما يهمنا في المقام الأول، سلبيات تحتاج لوقفة،
والوقفة لصالح تقدم عالمنا العربي، وكذلك على قدم المساواة حق الطفل في
العالم أجمع، يأتي في خاطري سؤال بدون إجابة شافية عن سر وسبب القسوة
المبالغ فيها تجاه الأطفال.
سؤال
بلا رد عن سبب العنف والبطش في أسلوب تعامل البعض مع الأطفال، لماذا يكون
التعامل بالحبل والقيد والعقاب بالضرب المبرح، الذي يصل في كثير من الأحيان
إلى إصابات بالغة، فتصير عاهة مستديمة، بل والأنكى من ذلك أنه في بعض
الأحيان يصل لحد القتل، وأستطيع أن أضع ألف علامة تعجب واندهاش!!!
ما
سر احتفاظ الأم بعصا داخل البيت وخارجه، وضرب الطفل في شغله وفراغه،
ومفرداً أو وسط جموع الناس في وسط السوق، أي إهانة وقتل لكرامة بكر لم تمس
من قبل، وأي خوف محيط ويحاصر الطفل في أشد أنواع الإرهاب ضراوة، إرهاب
القلب، ولماذا ذلك الرعب المجسم بطرق العصا على قطعة من أثاث خشبي أو على
الأرض وهذا في حالة ابتعاد الطفل عن مجال الإصابة المباشر، فيكون البديل هو
زرع الرعب بالداخل بديلاً عن الرعب بالخارج.
فليفسر
لي عالم أو متخصص في الأمراض النفسية، مساوىء العقاب بالقيد لطفل في عمر
الزهور، وأي فرد ناشىء في انتظار السنين ليكبر ويحقق ما عجز أبواه عن
تحقيقه، سواء لنفسه أو لبلده أو لوطنه، هل نرجو إلا المصلحة وهل نسلط الضوء
إلا للتنبيه، هل نستدر الرحمة أم يجب أن تكون موجودة من الأصل والأساس؟… إرحموا أطفالكم، وإن لم يكن لكم أطفال، فاغرسوا في قلوبكم محبة كل الأطفال، فسيراها كل طفل تلتقون به وسيبلغها لقرينه وصاحبه، ارحموهم يرحموكم.
ما
ظنكم بالأطفال في أي سن؟ حتى أطفال ما قبل مرحلة الكلام، هل هم معدومي
الإحساس؟ أو فاقدي العاطفة والشعور؟ هل لأنهم لا يتكلمون فهم لا يسمعون أو
يميزون؟ لسنا هنا لنسرد الحقائق العلمية ولكننا هنا لنسلط هالة من الضوء
على الأمل القادم، على من سوف يبني لك ما وضعت أنت أساسه. نحن هنا للتعبير
عن كل طفل يشعر بإهانة شخصيته وجرح كرامته، نحن هنا للتحدث بلسان كل طفل
يعجز عن الحديث عن نفسه ولنفسه، سواء كان لأنه لا يقوى على الكلام، أو لأنه
يأس من أن يسمع صوته أحد.
من
يطلب الرحمة قبل أن يرتكب أي جرم عن قصد وسبق إصرار وترصد، أو عن زلة
وفِعل للخطأ عن دون قصد، من يطلب الرحمة وهي حقه الأصيل والراسخ، فأصبح
يستجديها ممن نهبوها منه، ولم يكتفون بذلك، بل والعجيب أنهم يلوكوها في
أفواههم، فأمسوا يطلبونها لأنفسهم من غيرهم، ولكنهم يضنون بها على من هم
مؤتمنون عليهم.
ليس
صعباً ولا مستحيلاً.. الأمر بيدي ويدك، من فضلك هيا نبدأ الآن ونرحمهم،
ونسمع صوتهم حين يتكلمون ويطلبون الرحمة، وحينما يكفون عن كلام الألسنة
ولكن تطلبها عيونهم، فأحياناً يكون صوت طلب العيون أبلغ من أي صوت للطلب
بسواها.
إرحمهم
وإحترم حقهم في أن ترحمهم، كما سيحترمون حقك في أن يرحموك حينما تتبدل
المواقف والأدوار، وكأنني أسمع صوت الطفل يناشدك، فأناشدك بدوري ولنرحم
بعضنا البعض، فتسود الرحمة بيننا كبيراً وصغيراً، ولنحي أدب التعامل فيما
بيننا بمن فضلك.. ارحمني..
صلاح عبد الله الباشا - الإمارات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المصباح .. دروبــــــ ــ ــ ــ .doroob
/ قال الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية 18/
الرجاء الالتزام بأداب النشرفي كتابة الاستفسارات والتعليق.