لقد تميزت السيدة إليف شافاق في نسج روايتها - قواعد العشق الأربعون - بصورة فاقت بها على غيرها من أبناء الجيل، وعلى الرغم من تميز السيدة أحلام مستغانمي ومحاكاتها القريبة لحرفية وإبداعية نجيب محفوظ، إلا أنني لا أخفي انحيازي لذلك النوع الراقي من الأدب الذي لا ينزلق بالأخلاق في منحدر أخلاقي بغية التصوير لمشاعر وملابسات علاقة الرجل بالمرأة....
تميزت إليف شافاق رغم عبورها بنفس المنطقة فيما ندر لكن بشكل راقي لا تكاد تلمس فيه الابتذال، ثم إن الهدف من الرواية أرقي ما عرفته الإنسانية وهو علاقة الإنسان بربه في عقول جميع أنواع البشر وإن كان المحور هو مناقشة الفكر الصوفي ماله وما عليه كيف يرى هو نفسه وكيف يراه الآخرون.......
الرواية تناولت تفصيل هذا الفكر حتى الرقص الصوفي وما يهدف إليه من سمو روحي وإنساني......
استطاعت أن تقنع القاري ء بفكرة الدرويش، الذي عادة ما ينتقده العامة ويرونه مختل العقل، وكيف أن في رقصهم قيمة ، وصفت بطلها شمس بحالة رقي سمت عن عقول البشر ، فأجادت حبك النسيج، واستطاعت أن تفك الصوفية من أسر الانتقاد بمهارة ، عن طريق تبادل الفكر والفكر الآخر، بمنتهي السلاسة.
فانظر كيف أسمت رقصة الصوفية بـ (سما)، وأن الراقص فيها يكون كعباد الشمس..يبحث عن الشمس، يرسل يدا للسماء وأخرى متجهة نحو الأرض، فكل نقطة حب ينالها من الله، يتعهد بتوزيعها على الناس جميعا...
دعت الكاتبة لضرورة التحرر من جمود الفكر في عبادة الله، فلماذا نحاسب الناس، عن حالهم كيف يعبدون ربهم؟
والحقيقة هذا ما ورد في ديننا حقا فقصة موسى عليه السلام وبرخ دليلك في ذلك ، وأيضا قول نبينا الكريم ( رب أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبره) ،والحقيقة أن الله قد حسم القضية من زمن طويل ، وعلم نقص عقولنا وأننا سنتساءل عن الفروق ، فقال سبحانه وتعالى ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ).
والحقيقة لا أنفي تعزيزي لهذا الفكر ، الذي يدع الخلق للخالق ، ويدع الجدل ، ويعتزل بالعلم ، والعمل على إشغال النواقص، فلا نتيجة من السعي في طلب السراب، وما وجدت ذلك السعي إلا خطى شيطان ، ومعصية رحمن....
هذه الرواية مزيج وخليط بين ثقافات عدة، فصاحبتها تركية الأصل، والمترجم أستاذ سوري، وأبطال الشخصيات فارسية . واجتمعت تلك الثقافات لتدافع وترفض فكرة الهجوم المستمر ضد المتعبدين في الأرض، ولدفع الإنسان للنظر لأعلى حيث مولاه ، والنظر لأسفل حيث حقيقته البشرية الترابية المنشأ....
وعلى ذلك لا نستثنى دور الترجمة الأصيلة في توصيل المحتوى الفني على أجود ما يكون ....
هذا وإذا استمرت السيدة إليف شافاق على هذا المستوى من الإبداع فستكون علامة فارقة في تاريخ الأدب الروائي العالمي، خاصة وأنها واحدة من أهم سيدات كتابة الرواية اليوم ، إلى جانب سيدة الرواية النسائية أحلام مستغانمي ، مما يشير بقوة لاعتلاء المرأة للأدب الروائي هذه الأيام ، حتى تبدو كطائر يحلق سابحا في سماء الأدب بلا قيود ، متلاقية مع ذلك الفن الرفيع الذي سبقهم فيه نجيب محفوظ من زمن طويل....
بقلم الشاعرة/ سلوى متولي
باحثة دكتوراه،لغة عربية(أدب ونقد)
كلية الآداب، جامعة القاهرة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المصباح .. دروبــــــ ــ ــ ــ .doroob
/ قال الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية 18/
الرجاء الالتزام بأداب النشرفي كتابة الاستفسارات والتعليق.