أخر الأخبار >> مجلة المصباح دروب ثقافية أدبية * ثقافية * فنون تشكيلية كما نرحب بجميع المساهمات الواردة عبر البريد الإلكتروني m.droob77@gmail.com أهلا بكم أصدقائنا * مع تحيات أسرة التحرير

أحـدث المقالات

إيلي شويري يختتم «ربيع بيروت» بحفلة غنائية.. نشيد الأرض

استعادت حفلة ختام «مهرجان ربيع بيروت»، مساء السبت الفائت، مناخاً غنائياً لبنانياً صافياً، مُشعّاً بكلمة راقية، ولحن مؤثّر، ونبرة صوتية طالعة من عمق الذات إلى فضاء مسكون بحكايات أناس وبلد. استعادت شيئاً من ألق الحكاية اللبنانية، المفتوحة على حبّ وطن «مُقدّس» لكنه مفقود، وعلى هيام بعشق موؤود، وببلد مشلّع على رياح الخراب الدائم. أرادت «مؤسّسة سمير قصير» جعل الختام أنيقاً بارتباط الحدث كلّه بمعنى الانتماء إلى أرض،
لا تزال عامرة بالفوضى والخيبات، وبالأحلام الطازجة. أرادت جعل الختام لائقاً بمكانة مدينة، لا تزال ملتبسة المعاني والموقع والهوية.
بالتعاون مع «مكتب الإعلام والتسويق» في «الجامعة الأميركية في بيروت»، كانت حفلة ختام المهرجان مزيجاً من حب وانفعال و«خبطات» لا تهدأ على أرض أنجبت تناقضات العيش كلّها. في قاعة «أسمبلي هول»، أحيا إيلي شويري حفلة «من القلب للقلب»، مغنّياً بعض قديمه، ومفسحاً في المجال أمام زميله جوزف عازار (بكتب اسمك يا بلادي)، ومُقدّما خشبة المسرح لجنفياف يونس («عامر فرحكن» و«يا قمر مشغرة») تارة، ولجوقة «جامعة سيّدة اللويزة» تارة أخرى («كل شي تغيّر» و«تِعْلا وتتعمّر يا دار»)، ومتيحاً لبيار مطر فرصة إنشاد «يا أهل الأرض». حفلة معقودة على لحظة الانتشاء بوقع النبرة المحلية، وبجمال صوت تفوّق جوزف عازار به على صديقه «رسول الأمل» (كما جاء على غلاف كتالوغ الحفلة). لم يكن صوت إيلي شويري أقلّ جمالاً. فيه شيء من عذوبة عاشق، وقوّة مناضل. فيه شيء من حرية الإنصات إلى نبض القلب، وجنون العقل. لكن صوت جوزف عازار بدا جهورياً وصلباً في «بكتب اسمك يا بلادي»، تماماً كصلابة وقوفه أمام الحاضرين، مبدياً حماسة فائقة في التغنّي بهذه البلاد، وبتلك «الشمس التي لا تغيب»، وبذاك اللون الوطني المتهالك لاحقاً، وسط التشرذم القاتل لبيئة وأمكنة.
غير أن جديد إيلي شويري (مواليد بيروت، 27 كانون الأول 1939) لم يبلغ مرتبة إبداع صنعه الفنان اللبناني سابقاً، وإن وُلِد الجديد من راهن محرِّض على قول الفاجعة والانكسار، ومن لحظة آنيّة جعلت بؤس الواقع اللبناني حافزاً لمناكفة هذا الواقع نفسه: في «رسالة من الشهيد» و«لا تحكوا باسم الحرية»، صنع إيلي شويري «خلطة» غنائية وموسيقية لم تبتعد كثيراً عن المناخ العام الذي عرفته «لغة» أغنيات عدّة له متعلّقة بهذه «البلاد» أيضاً، وبشقائها اللامتناهي. صنع خطاباً مباشراً عن معاناة شعب لا يزال قانعاً بمعاناته، وعن متاهة مجتمع لا ينتفض لكرامته.
جديد إيلي شويري، المتمثّل بأغنيتيه هاتين اللتين قدّمهما في ختام الحفلة، انبثق من نصّ مشابه لرسائل تلامذة المسيح، المنتشرين في أصقاع العالم للتبشير بخلاص روحي من أدران الدنيا، واستُكمل بدعوة لمناهضة الحاكمين الكاذبين باسم الحرية، دفاعاً عن حرية مفقودة، وسلام لا يأتي. أما الشهيد في رسالته فهو سمير قصير: «إذا شعبي قرّر الانتقام، سيُنزل في الأرض ويلات لم تُروَ في الكتب». أما الحرية المفقودة فهي بعض حكاية تلك «البلاد» المكتوب اسمها على «شمس لا تغيب». وبعض ذاك الحب، الذي أراده المؤلّف والملحّن جامعاً مواطنين كانوا على شفير حرب أهلية مدمِّرة (يا ناس حبّوا الناس). وبعض هذا الهيام بالبلد المنذور للخراب، فإذا بنبرة أعضاء الجوقة تصدح عالياً بـ«تِعلا وتتعمَّر يا دار».
للحبّ والجمال مكانهما أيضاً في حفلة «من القلب للقلب»: الصوت الهادئ لإيلي شــويري بدا تعبيراً جميلاً عن معنى الــعلاقة التفـاعل بين الذات والآخر («وصلوا الحلوين»)، أو عن لحظة الانشقاق بين هذه الذات وذاك الآخر («قصقص ورق»). للحبّ والجمال والقسوة أيضاً حضورٌ متداخل في لحظة المحاولة الأخيرة للانعتاق من وطأة القسوة الراهنة، وغياب الحبّ والجمال.

نديم جرجوره
السفير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المصباح .. دروبــــــ ــ ــ ــ .doroob
/ قال الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية 18/
الرجاء الالتزام بأداب النشرفي كتابة الاستفسارات والتعليق.

دروب أدبية

دروب المبدعين

دروب ثقافية