أخر الأخبار >> مجلة المصباح دروب ثقافية أدبية * ثقافية * فنون تشكيلية كما نرحب بجميع المساهمات الواردة عبر البريد الإلكتروني m.droob77@gmail.com أهلا بكم أصدقائنا * مع تحيات أسرة التحرير

أحـدث المقالات

أخيولة السرد الروائي في رواية «محاولة لدخول سجل غينيس» .. بقلم الدكتور عبد الله أبو هيف

فأصدر عدة مجموعات شعرية تنتمي الى قصيدة النثر، هي:«ما هَمَس به الفجر تحكيه النجوم»(1996)، و«قصائد» (1998)، و«آنى لي ان أقول أكثر من ذلك» (2000)، و«لا أحب ان أشرب قهوتي وحيداً»(2001)، و«نافذة للأمل..نسخة للتذمر»(2003)، وهذه هي المرة الأولى التي يتجه فيها الى الرواية التجريبية في نصه السردي«أحمد كامل الخطيب يحاول دخول سجل غينيس» (دار عروة للطباعة، طرطوس2003)، و«شيء يشبه الكذب..دار الينابيع، دمشق2004)،و«هستيريا المعنى والدجاج»(دار الينابيع،دمشق، 2005)، و«شرق الحواس، جنون المشاعر» (دار الينابيع، دمشق،2006).

يياسر أحمد كامل الخطيب في تجريبه الروائي الى مسعاه في أخيولة السرد الروائي من منظورات متعددة تمازج بين الواقعي والمتخيل بوساطة اللغة مشحونة بالمفارقة والمجاز بالدرجة الأولى، ثم يعمد الى تشظية السرد من خلال أمرين، الأول هو كسر الايهام بمخاطبة المتلقي خروجاً على مدى التخييل نحو اختراق المألوف والاعتيادي، والثاني هو الصوغ التوليفي اعتمالاً بالتحفيز التركيبي الذي يوائم بين حوافز(وحدات قصصية صغرى)، مختلفة المبنى الواقعي والرمزي، على ان فيض اللغة سرعان ما يندغم بفضاء السرد اثراء لوجهة النظر وإثارة لأسئلة الوجود والتاريخ، وقد استعان الخطيب بالحكائية في الموروث السردي العربي القديم، من شكل الخبر الى الحكاية الى السيرة، مثلما استفاد من تقانات حديثة واضحة مثل تعدد الرواة لبلوغ تعدد الأصوات،  وقد أفلح في تثمير ادغام هذا التعدد لتعضيد صوت الراوي الكاشف عن أغراض الرواية، ولا سيما أطروحات الشخصية الرئيسة التي تقول أكثر مما تحكي( زمن الحكي في الواقع)، أو تقص(زمن القصة في المتن السردي)، لأن أصوات شعرنة السرد هي الغالبة لاظهار مواقف من التفجع والشكوى والتأسي على الأوضاع السائدة من الهيمنة الأمريكية الواحدية الى مجازر الاحتلال الصهيوني في فلسطين الى العجز العربي المؤسي.
إننا نسمع الأقوال بصيغ مختلفة، ولكننا لا نقع إلا قليلاً على فعلية تندرج في التحفيز التركيبي الذي اعتمده الروائي باختيار وقائع وأحداث من ذاكرة مشتعلة، وبتفاصيل حياة مستغرقة باحتراق الأفكار والمشاعر والعواطف في أتون الاهتلاك اليومي، في المتع واللذائذ قضاء للوقت في السهر .
والترحال وإحياء العلاقات مع النساء والفنّ والأماكن القصية، بينما يرتفع صوت الحكمة المغالي في تعاطفه الانساني حيناً، وفي انتقاده للظواهر الاجتماعية والثقافية والسياسية في أمدائها العميقة حيناً آخر.
يتعامل الراوي عامداً مع تنامي الفعلية(التحفيز) بالتغاضي عن الحوافز الدالة على الوقائع والأحداث انهماكاً بالأقوال الصاخبة عن معاني التوجع من واقع الحال.
بدأ خطيب محاولته السردية بثلاث كلمات مفتاحية، تومىء الأولى الى رواية الفلسطيني عن تهشيم جسده وتحطيم أحلامه، وتنخرط الثانية في التجنيح الشعري لفعل المقاومة بالحجر، وتثير الثالثة الشجن حول حال الأمة الموجع، ثم سرعان ما كُسر إيهام السرد حين مدح على لسان كاتب الرواية بطبيعة اللعبة السردية التخييلية التي تخترق المألوف، وتكسر منطق الأشياء واللغة والتحفيز برمته، وبأن رهانه لدخول سجل غينيس هو كتابة الرواية خلال أربعة أيام، ويتيح المنظور السردي الى مدى المفارقة بلبوس الدعابية أو السخرية المرة، إذ مدّ مدار الكذب الى أكبر كذابين هما بوش وشارون، ثم انفتحت الدعابية على فصل الرمل من خلال التجنيح اللغوي متأسياً من الهيمنة الأمريكية، في وجهها المغبش وكأنه الشرخ في الرمال، وانتقل اللعب  السردي الى رواية سعدى جدته لأمه، دخولاً في الترميز، فكيف ترضى أمتنا مقدم الغريب الى فلسطين، وما يلبث الترجيع الذاتي الشجي ان يتدفق مرمزاً بأشكال كثيرة.
غير ان أصوات الرواة... تمتد الى البعد القومي لوطأة المتغيرات، فقد درّس في الجزائر في السنوات التالية للاستقلال، وما يزال يتذكر بمزيد من الأسى الوقائع القاهرة مما دعاه الى تكليف طلابه ان يكتبوا موضوعات إنشاء، تمتزج بمفاجأة موت  زميل قديم له اغتيالاً، ثم تحوّل مدرساًً لأصول الفكر الديني.
لقد استجمع الراوي تنويعات على حادثة غرق مجموعة تلاميذ من كلماخو في البحر لتتمازج داخل المتن السردي مع الحكمة المجنونة وضروب ممارستها كالترميز لغزو العراق للكويت واستتباعاته القاسية على أوضاع الأمة، ويعاود خطيب كسر الايهام السردي بإيراد مداخلة لا صلة لها بالموضوع على سبيل المفارقة الساخرة عن اختلاط تعويض الاستكتاب المتدني بسلوك دولة عظمى مهيمنة، ويحيل إلى راوٍ خبيث فاضح للتحالف الأمريكي الصهيوني، ثم يستغرق بتشظية السرد ترميزاً لمأساة الواقع في العراق، ووصف كايل بن مكيالين من عائلة قبان الكتروني حرّ إلماحاً الى الدور الأمريكي الظالم، فيدور حوار عن موضوعات تافهة إمعاناً  بالسخرية، ويستمر التلاعب اللفظي الساخر والتهكم عن الفروق بين الجنسين حتى كادت أم العبد ان تقلب على قفاها من شدة الضحك وتدخل خطيب مسوغاً إدخال هذا الفصل على النص بوصفه فاصلاً ترفيهياً في روايته لا أكثر.
يستعيد الراوي ذكرى الجزائر التي تندغم دون تسويغ فني  وفكري بذكرى الشاعرة نبيهة حداد مدرسة الفلسفة، ويورد تعليقاً غامضاً، فلربما كان فصل الجزائر هو من قاده الى كتابة هذا الفصل.
وينشغل الراوي في حيز طويل بمفارقة انتشار الأغاني الاستهلاكية مثل أغنية«سمرا وأنا الحاصودي» ويتساءل المرء حول  مبالغة اهتمامه بذلك، وهو الذي يرحل من مكان الىآخر بعيد... ليستمع الى مثل هذه الأغاني، ولعله أطنب في هذا الاهتمام تمهيداً للعناية بحكايته مع مطربة في ملهى رخيص، ويجعل الراوي ذلك مراحاً لانشغالات كثيرة مبنية على الاحالات الكلامية والثقافية والتناص مع اعمال أخرى مثل «رسمت خطاً في الرمال» لهاني الراهب، أو الاحالة الى  العدد السنوي الكبير لجرائم الشرف في الأردن، أو ما كتبه ملحق الثورة الثقافي عن ظاهرة الأغاني الاستهلاكية، أو مصادقة الكونغرس  على القدس عاصمة أبدية لاسرائيل، وعلى ضرب العراق، ويختتم تعقيبه بسؤال عن دعم اليهود لبوش وتأثيره على فوزه رئيساً لأمريكا.
ينخرط الراوي بتفاصيل حكايته مع المطربة الرخيصة مؤشراً الى إنسانيتها من تعاطفه معها الى وفائها له، ويتمازج الداخل والخارج في وصف الذاتي والعام، وقد خالجته أسئلة ناشزة لا يناسب فيها المقال مقامه، ربما على سبيل انفلات الايقاع كله، حيث اختلاط  اغراض السرد  بالتعابث اللفظي، ويختتم السرد بتناص مع دعاء «أبانا الذي في السماوات» الذي يصير الى مرثية للحال العامة.
نص «أحمدكامل الخطيب يحاول دخول سجل غينس» السردي تجريب روائي... يستفيد من بعض تقانات الحداثة وما بعدها لاشاعة رؤى متداخلة عن وطأة الراهن على التاريخ والوجود، ولعل الاشتغال على الملفوظية السردية المتناغمة مع أصوات النجوى المتأسية، هو جوهر هذا النص سعياً لسوية المرثية، وان غلب عليها نثر الأقوال دون محتوى الأفعال غالباً.


 د.عبد الله أبو هيف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المصباح .. دروبــــــ ــ ــ ــ .doroob
/ قال الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية 18/
الرجاء الالتزام بأداب النشرفي كتابة الاستفسارات والتعليق.

دروب أدبية

دروب المبدعين

دروب ثقافية