بعدما توقفنا عند التعرف على حضور الأدب المغربي من حيث الكم لابد من الوقوف عند مساءلته من حيث النوع، بمعنى آخر من ناحية طبيعية انتقاء النصوص وكذا أهم الإشكالات التي تتخبط فيها، خاصة ونحن نختار النصوص الأدبية لتلاميذتنا علينا أن نؤثر الأناة حتى لا يفلت منا أدب يدفعهم إلى عمل شائب وسلوك معين. هذا ولا يجب إغفال مسألة هامة ترتبط بتقسيم نصوص الأدب المغربي داخل المحاور المعتمدة في المقررين، وهو تقسيم يجب خضوعه بطبيعة الحالة لمعايير محددة حتى يستطيع النص الأدبي تحقيق أهدافه التربوية. إذن ما هي أهم الإشكاليات التي يطرحها الأدب المغربي بالتركيز على النقطتين السابقتين؟
ـ غياب محور خاص بالأدب المغربي: أول إشكالية تواجهنا ونحن نحاول رصد بعض السلبيات التي اعترت عملية اختيار النصوص، نلاحظ غياب، أي محور خاص بالأدب المغربي للتعريف بأعلامه واتجاهاته وأجناسه، فالمقرر لا يتضمن إلا نصوصا متفرقة لأدباء وكتاب مغاربة في مختلف الأجناس الأدبية والتي استدعتها مختلف المحاور، وعندما نضطلع على التقديم العام الذي يسبق كل مجزوءة، فإن هذا الأدب لا يقدم إلا باعتباره امتدادا للأدب المشرقي، وليس كأدب له خصوصياته. ـ عدم ملاءمة النصوص للمستوى المعرفي للتلميذ: إضافة إلى ما سبق فإن ما ميز النصوص الأدبية المغربية هي ارتباطها بأسماء نخبة من المبدعين المغاربة الذي فعلا ساهموا في بناء صرح الأدب المغربي كالأستاذ عابس الجراري، أحمد بوزفور، عبد الكريم بن ثابت… سواء في الجانب النقدي أو الإبداعي وهي مسألة إيجابية لكن هناك إشكالية ترتبط ببعض النصوص وهي المرتبطة بالتلقي، إذ ان هذه النصوص خوطب بها ذو قدرات أعلى وأصحاب معارف أوسع ولم يتم التوجه بها إلى فئة التلاميذ، ولعلنا نمثل لأبرز هاته النصوص: “بنية التوثر” للأستاذ محمد مفتاح. “لعبة الحقيقة والوهم” عبد الكريم برشيد. ولنقف قليلا عند نص الأستاذ محمد مفتاح، هذا الأخير الذي اشتهر بأسلوبه المعقد في تناول الظواهر لأنه ينطلق من خلفيات معرفية متعددة وينطلق من مصطلحات صعبة تحتاج إلى كثرة التأويلات، ونحن نعلم أن تدريسية الأدب تحتم النقل الديداكتيكي للمعارف العالمة، والانضباط لتوجيهات العملية التعلمية. ـ تفاوت توظيف الفنون الأدبية: إلى جانب كل ما قيل يلاحظ أن هناك تفاوت في توظيف الأجناس الأدبية داخل كل مقرر إذ نجد هيمنة فنون على أخرى مثلا في مقرر “في رحاب اللغة العربية” هيمن الشعر على باقي الأجناس الأخرى، أما في “الممتاز في اللغة العربية” فقد هيمنت النصوص النقدية، وهذا التفاوت قد ينعكس على العملية التعلمية إذ سيكون التعرف على أجناس أدبية معينة وتهميش أخرى. هذا التفاوت صاحبه كذلك تغييب لبعض النصوص الأدبية في بعض المحاور وهي ملاحظة تنطبق على مقرر “الممتاز في اللغة العربية” لعدم إدراجه ولو لنموذج وحيد من الإبداع المغربي في تيار “البعث والإحياء”، بالرغم من أن شعراءنا تركوا بصمتهم التي لا يمكن إنكارها بحال من الأحوال من خلال تخليفهم لعدة قصائد تعبر عن هذا الاتجاه ولعلي أقف قليلا لذكر أسماء شعراء مغاربة كان لهم باع طويل في هذا المضمار يقول الأستاذ حسن الوركلي: “أولى الطوائف بأتي في طليعتها: محمد موسى، محمد بن إبراهيم الإلغي، وعبد المالك البلغيثي، وهبد القادر حسن، ومحمد الحلوي، ومحمد بن علي الوكيلي وغيرهم، هؤلاء تشبعوا بالشعر العربي القديم ونسجوا على منواله من حيث المحافظة على وحدة البيت والقافية من إطالة واستنزاف الروي، أحيانا مثلما نجد في بعض بدائع ابن موسى، ووطنيات السوسي، ومولديات علال، فهم يمثلون المدرسة المغربية الأصيلة في الشعر”[1] إذن لا مبرر لتغييب إبداع مغربي في المحور، إلا إذا كان أدبنا لا يتوفر على قصائد خالدات في هذا التيار، لكن هذا الافتراض يدحضه استعانة فرق التأليف في المقرر بقصيدة لعلال الفاسي من ديوانه (روض الملك ج II) في مكون التعبير والإنشاء. فكان بالأحرى استثمار نصه في مكون النصوص الأدبية لأننا في حاجة إلى تأكيد حضور الأدب المغربي في جميع أطوار التطور التي شهدها الأدب العربي الحديث منذ بداية النهضة إلى الفترة الراهنة. ـ غياب معيار موحد: كما يمكننا إضافة إشكالية أخرى ارتبطت باختيار النصوص، وهي غياب المعيار بمعنى عدم اعتماد فرق التأليف على منهج معين في تقسيم النصوص وتوزيعها داخل المحور، فعندما نتصفح الكتاب لأول وهلة نعتقد أنه يتبع السبق التاريخي في إدراج النصوص فمثلا “الممتاز في اللغة العربية” يبدأ بنص للبارودي وهذا بطبيعة الحال يستمد مبرره من اعتماد السبق التاريخي كمعيار، وكل يعلم أن البارودي كان من السباقين في تأسيس تيار البعث والإحياء، لكن سرعان ما يقع نوع من الخلط عند انتقالنا لمحور القصة القصيرة إذ يتم في كلا المقررين الشروع بتقديم نصين قصصيين مغربين هما “البحار المتقاعد” و”المبارزة” لمحمد إبراهيم بوعلو، ونحن نعلم جيدا تأخر المغاربة في الإبداع القصصي عن المشارقة بسبب الظروف التي كان يعيشها المغرب آنذاك، هذا دفعنا إلى افتراض خاصة عندما نلاحظ غياب نموذج للقصة القصيرة التجريبية في مقرر “في رحاب اللغة العربية”، فمع أن النص النظري للأستاذ احمد المديني يعالج معايير ومقاييس القصة القصيرة سواء الكلاسيكية أو الحداثية ، منتصرا للقصة القصيرة التجريبية المتمردة كما نعلم على المعايير التقليدية، وفي المغرب تمكن العديد من القصاصين الانخراط في هذا التيار التجريبي مقدمين أعمالا فنية قيمة ولنتوقف لذكر بعضهم: ـ مصطفى يعلى ـ محمد عز الدين التازي ـ عبد الجبار السحيمي ـ أحمد بوزفور ـ محمد زفزاف ـ إدريس الخوري ـ إدريس الصغير… أما مقرر “الممتاز في اللغة العربية”، لم يسقط من حسابه إدراج نموذج من القصة القصيرة المغربية التجريبية وهي للأستاذ أحمد بوزفور “الغابر الظاهر”، مع خطإ فادح في فهرس الكتاب والمرتبط بإدراج اسم “محمد بوزفور” عوض أحمد بوزفور، هذا الخطأ لا يجب الوقوع فيه خاصة في الكتاب المدرسي الذي يعلم التلاميذ فلا يجب تعليمهم الأخطاء. ـ شكل النصوص الأدبية: وهناك ملاحظة أخرى لا يمكن أن تفوت على بالنا وهي المتعلقة بجميع النصوص الأدبية المدرجة في المقررين دون استثناء، إذ تقدم هذه النصوص مشكولة إلى التلميذ وأعتقد أم مثل هذا التقديم لا يحتاج إليه تلميذ في السنة الختامية من التعليم الثانوي وعلى مشارف الجامعة. ـ بتر مضامين النصوص الأدبية: فضلا عن كل ما قيل فقد تعرضت نصوص الأدب المغربي للبتر والحذف في بعض المرات والذي من شانه أن يوقع التلميذ والأستاذ في نوع من الخلط خلال عملية الفهم وسنأخذ مثلا نص “لعبة الحقيقة والوهم” لعبد الكريم برشيد الواردة في كتاب “في رحاب اللغة العربية”، عند قراءة النص تعتقد أن الأمر يتعلق بلعبة يدبرها الممثلون للمخرج، في حين أنك عند قراءة الإضاءة المرفقة بالنص تفهم العكس وأن الأمر يتعلق بلعبة يدبرها المخرج للممثلين، ونضيف مثالا آخر وهو النص النظري للأستاذ أحمد المديني الذي لم ينتهي بخاتمة بل حذفت منه وظل مبتورا. ـ فصل النصوص عن سياقها: ونلاحظ كذلك أن بعض النصوص المغربية قد تم فصلها عن السياق العام المنتج لها، فمثلا تم إدراج نص الأستاذ نجيب العوفي في مقرر “في رحاب اللغة العربية” والمعنون بـ “البعد الاجتماعي في الكتابة القصصية” والمأخوذ من “درجة الوعي في الكتابة” ضمن النصوص المعبرة عن المنهج الاجتماعي الذي يستمد مقوماته من المنهج التاريخي، والنظرية الماركسية والذي ظل رهين التعامل الخارجي مع النص، في حين أن النص يندرج في إطار البنيوية التكوينية التي يعرفها الأستاذ محمد خرماش بكونها “هي إحدى مشتقات أو تطورات المنهج الاجتماعي في النقد الأدبي، وهي تأخذ باعتبار الأدب ظاهرة اجتماعية تاريخية، لكنها تهتم كذلك ببنياته الخاصة وبتأملاته الفنية لعالم الواقع ومتغيراته، على أن اعتبار أن كل أعمال الإنسان تأخذ شكل بنيات يمكن تفسيرها في إطار العلاقات الموجودة بين العناصر المكونة لها، وبينها وبين العناصر الخارجية المتفاعلة معها ومن ثم لا يمكن فهمها فهما صحيحا إلا بدراسة عملية “تبنينها” وتطورها الديناميكي في اتجاه المستقبل المتوازن”، إذن هناك فرق شاسع بين المنهج الاجتماعي في صورته الأولى والمنهج البنيوي التكويني، ونمثل كذلك لهذا العزل بنص الأستاذ محمد مفتاح وهو نص: “بنية التوثر” المأخوذ من كتابه “تحليل الخطاب الشعري” (استراتيجية التناص)، وهو يمثل ليس فقط البنيوية في صورتها الأولى المتمثلة في التعامل مع النص الأدبي كبنية مغلقة تركز على ثلاثة مستويات أساسية (صرفية، تركيبية، دلالية)، ولكن نصنا عكس أو بالأحرى يتبنى منهجا متطورا عنه وهذا ما يؤكد كلام الأستاذ محمد خرماش” صحيح أن محمد مفتاح لا يصرح بأنه بنيوي تكويني، وقد لا يأخذ بفلسفة هذا المنهج، ولكنه بإدماج النص في سياقه العام لا يبقى بنيويا فقط، وإنما يخرج إلى شيء من التكوينية ولو من خلال نظرة مباشرة أو تفسيرية علائقية ومنطقية وهذا التراوح بين الاهتمام حينا بالبنية الشكلية، وحينا بالدلالة والقصد جعله غير مستقر لا في البنيوية ولا في الاجتماعية، بل هو يعمل على تعميق منهجية من خلال التوفيق بين عدة مفاهيم نقدية مقتبسة من اتجهات لسانية وسيميائية رغم ما تتضمنه هذه العملية من “مشاق ومزالق”[2]. ـ غياب الكتابة النسوية: وآخر ما يمكن إضافته يرتبط بغياب الكتابة النسوية داخل المقرر ككل إذ لا نصادف داخل المقررين أي نموذج لنص من إبداع امرأة مغربية بالرغم مما حققته هاته الأخيرة من طفرة نوعية على جميع المستويات كما أنها نالت حظوة هامة في مجال الأدب. كانت تلكم أبرز الإشكالات التي تخبطت فيها نصوص المقررين وهي إشكالات كان يجب على فرق التأليف تفاديها خاصة وأن الأمر يرتبط بكتب تهدف تكوين ثقافة أجيال المستقبل، أجيال مقبلين على التوسع في ميدانهم إن ولجوا عالم الجامعة، كما أن أهمية الكتاب المدرسي لا تكمن في كونه وعاء للمعرفة ولا واسطة بين المتعلم وكتب التراث، بل إنه وسيلة لتمرير مجموعة من المعارف والمهارات التي لابد للمتعلم أن يلم بها ويخبرها دون الوقوع في الخلط، إضافة إلى ذلك فهو عنوان على النضج الفكري لكل من يشتغل به سواء كان مؤلفا أو مستعملا. خاصة وأن مجتمعنا يعيش عدة إكراهات لا سبيل إلى بنائها إلا بالتربية الحقة التي تتضافر فيها جميع التخصصات وتتوحد فيها خاصة مع ما استتبع العولمة من انفتاح وتفتح أدى إلى مهاجمة الإنسان في هويته، إذ عليه تحصينها بمناعة فعالة تبقى عليه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المصباح .. دروبــــــ ــ ــ ــ .doroob
/ قال الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية 18/
الرجاء الالتزام بأداب النشرفي كتابة الاستفسارات والتعليق.