وقد لفتني في الآونة الأخيرة وعبر وسائل التواصل الاجتماعي إعلان من قبل المخرج حازم بخاري عن فيلم وثائقي يستذكر فيه بعض من رؤى الشاعر، وحقيقة الأمر أن هذا " الإيقاظ" المتعمد لشاعر برّي كالماغوط في هذا الزمن تستوجب شجاعة تستحقّ الشكر من قبلنا للمخرج بخاري، فالماغوط سجّلت له – وإن بصعوبة – لقاءات عدة في محطات
سورية وعربية، وجميعها قال فيها الماغوط بنفس الروح ونفس الألق كثير من أفكاره التي سجّلها في كتبه أو أعماله؛ سواء على لسانه أو على لسان الشخصيات التي يخلقها، وهو في الحقيقة بقدر ما يبدو أمراً سهلاً لأي متابع أن يجد كلام الماغوط معروفاً وسيرته محفوظة، إلا أن التفسير لأقوال الماغوط التي جعلها طيلة حياته - كما هي شخصيته - عصية على التصنيف، ومن باب المثال على هذا الأسلوب مسرحية "العصفور الأحدب" للماغوط التي لم يُحسم حتى الآن، فيما إذا كانت مسرحية أو قصيدة متعددة الأصوات، ومنه سنصل إلى فيلم السيد بخاري الذي نجح بالهروب من جعله فيلماً توثيقياً لحياة الماغوط إنما فيلماً ربطياً بين لغة الماغوط وواقعنا الحالي؛ هذه اللغة التي بدأت من أواخر خمسينيات القرن الماضي حتى نهاية حياته الأرضية في نيسان 2006، والتي نجدها ثاقبة وموجعة ورنّانة تقرع أجراس التحذير مما آلت إليه الأوضاع اليوم، وهو ما يؤكد أن الشعراء خلفاء الأنبياء.
من المهم القول أيضاً إن حرص المخرج بخاري على إيراد قصائد بصوت الماغوط من لقاءات سابقة في أواخر حياته، جعلته مفيداً جداً لأن من عرف الماغوط عرف أنه كان ممن يستصعبون قراءة شعرهم، وإن كانت هذه القراءة بحدّ ذاتها تسترعي الاهتمام لجمال بساطتها، فزاد ورود هذه القصائد بصوته "التبغي" نكهةً مختلفة للفيلم الذي أورد شهادات أربعة أشخاص، منهم شوقي أبي شقرا وبوول شاؤول، وبرهان بخاري، وقريب الشاعر، السيد أسامة الماغوط، مع حفظ الاحترام للأسماء الواردة، والتي قدمت مزيد من القراءات في شخص الماغوط الشعري كثير التأويل.
كما اعتمد السيد بخاري على ربط عبارات وقصائد وردت في أفلام وقصائد ومسرح الماغوط بصور عصفت برؤانا في الأعوام الماضية وما زالت، فإذ به كان قد قالها وتنبّأ بها بشكل غريب كأنه عاشها، وهو ما نحمد الله أنه لم يفعل، لأنني لا أؤيد إغراقه في وجع الواقع، بعد غرقه في وجع الحلم الذي عاشه سبعين عاماً كاملاً.
إن إيقاظ ذكرى الماغوط في عقولنا ما هو إلا عمل متميّز فعله السيد البخاري، وإن كنت أتمنّى منه أن يعطينا موسيقى تصويريّة جديدة ومخصّصة لهذا العمل دون الإتكاء على موسيقى تصويرية قدّمت لأغراض سابقة.
وتبقى الخطوة مميزة بحدّ ذاتها، عسى أن تقرع في أذهاننا رنين تحذيرات الماغوط فنخفف هول ما يمكن أن نصل إليه.
بلدنا- أحمد سيزيف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المصباح .. دروبــــــ ــ ــ ــ .doroob
/ قال الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية 18/
الرجاء الالتزام بأداب النشرفي كتابة الاستفسارات والتعليق.