أخر الأخبار >> مجلة المصباح دروب ثقافية أدبية * ثقافية * فنون تشكيلية كما نرحب بجميع المساهمات الواردة عبر البريد الإلكتروني m.droob77@gmail.com أهلا بكم أصدقائنا * مع تحيات أسرة التحرير

أحـدث المقالات

الاستعمار الفرنسي أم التخلف؟ بقلم : حنان باكير

تختزن الذاكرة أحداثا تنسى. لكنها تستعاد كلما وجدت مناسبة تذكر بها. مشاهد التخلف التي صارت موضة العصر، تذكرني بحادثة قديمة. الزمان، منتصف سبعينيات القرن الماضي. المكان احدى مدارس الأونروا.  أخبرني زميل يدرّس في مدرسة مجاورة لمدرستي، بأن هناك فكرة حول انشاء صف فرنسي في مدرسته. وربما يكون مقدمة لادخال تعليم اللغة الفرنسية في الأونروا! راقتني الفكرة وتحمست لها. وسيحصل الطالب الفلسطيني/ الفرنسي على منحة دراسية في جامعة القديس يوسف في لبنان، أو يرسل الى الجامعات الفرنسية. أي ان التعليم مضمون حتى انتهاء المرحلة الجامعية.
بدأت التحضيرات بإنشاء أول صف في احدى المدارس في منطقة بعجور. بعد أشهر قليلة، دعاني محمد أسعد، وهو اسم الزميل الأستاذ، لحضور حصة تدريس والاطلاع على مستوى طلاب صف أول ابتدائي. كانت المفاجأة أكبر مما توقعت. وسائل الايضاح، السينما على الحائط، وسائل تعليمية لم تكن شائعة في حينها. يجيد الطلاب التعبير بطلاقة وبلهجة فرنسية صحيحة وجميلة، وبمستوى يفوق مستوى الصف السادس في القسم الانجليزي!  ولم يغفل الأستاذ ايضا عن تعليم الاتيكيت الفرنسي والنظافة، وكيفية التعامل فيما بينهم! غادرت الصف وقلبي يزقزق فرحا.. لم أتوقع تلك النتيجة، وتلك التربية.. كانوا حقا مختلفين عن بقية الصفوف حتى في سلوكياتهم. مضى شهران أو اكثر قليلا، التقيت الأستاذ، وبفرح سألته عن الصف الفرنسي.. صمت بدهشة وأسى.. ثم قال: ليش ما عرفت شو صار؟ بدا منزعجا وربما كابد ليحبس دمعه. قال: يئست يا صديقتي وأفكر جديا بالهجرة! أما ما حدث، فقد تعرض الصف لهجوم نسوي، وتسلحن بـ "القباقيب الخشبية" التي كنا ندعوها قبقاب غوار الطوشي! شنت النسوة الهجوم على الأستاذ الذي أكل نصيبه من العلقة، وقمن بتحطيم الأجهزة جميعها، وطردن الطلاب الهلعين الباكين من الصف.. وكن يصرخن "ما بدنا استعمار فرنسي ومش ناقصنا استعمار فرنسي!" واغلق الصف، وعاد الطلاب الى القسم الانجليزي.. وعرفنا أن مدير المدرسة، الذي لن اذكر اسمه، كان وراء محاربة الفكرة وتدبير الهجوم، لأسباب لم تعرف وبقيت حبيسة في نفس صاحبها، ورحلت معه ان كان قد غادر الدنيا.. ما عرف فقط، انه دفع لتلك النسوة من مخيم برج البراجنة، عشر ليرات يتقاسمنها بعد اتمام المهمة. هاجر الأستاذ الى استراليا. ومن اختار لأولاده التعليم الفرنسي، من الفلسطينيين، قد تخرجوا من الجامعات الفرنسية وجامعة الـ "سان جوزيف".. ربما كان الاستعمار الانجليزي اكثر حنانا ورأفة من نظيره الفرنسي! وما دمت في ذلك الزمان والمكان، فقد استحضرني نموذج آخر للتخلف. وهي شخصية المنافق. وهو معلم قصير القامة، نحيل الجسم، كان تابعا لمعلم آخر بطول نخلة. وعضو في فصيل يستند الى دولة عربية قوية.  في فترة الاستراحة، جاء مسلحان ضخمان. سألا عن الأستاذ الطويل.. تحرك المعلم التابع وسار نحوهما بعنفوان وشموخ مزيفين: نعم ماذا تريدان منه؟ إنت ما دخلك نحن نريده هو وليس أنت! أنا هنا أنوب عنه! قال أحد المسلحين: إكفينا شرك نريد "الآخر" وليس أنت! ردّ عليه التابع: أنا مرافقه وأنوب عنه بكل شيء! رد احدهما: بكل شيء؟ أجاب: نعم.. أنت متأكد؟ نعم؟ وهل أنت متأكد بأنك ستبلغه الرسالة؟ بكل تأكيد.. طيّب تعال وشده من كتفه وهات يا ضرب.. اشبعوه ضربا وسط صراخ المعلمات ومحاولة تدخل بعض الأساتذة.. لكن ما لا أدريه.. ان كان التابع قد أوصل الرسالة لسيده وأخذ درسا في الكرامة!!

الحياة الجديدة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المصباح .. دروبــــــ ــ ــ ــ .doroob
/ قال الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية 18/
الرجاء الالتزام بأداب النشرفي كتابة الاستفسارات والتعليق.

دروب أدبية

دروب المبدعين

دروب ثقافية