بقلم : سها جلال جودت
لقاؤنا لم يكن محض مصادفة، كان نتيجة حتمية لقراءة بعض نصوص من المنشور منها على الشابكة، الشابكة التي جمعتنا على رحيق الكلمة وبريق الحرف، وأصبح عصياً أن نتخلى عنها، لأنها صارت متنفسنا جميعاً، لقراءة أعمال الأصدقاء، للتعقيب، لتناول المعلومة، للوصول إلى ثقافة الآخر، ووصول الآخر إلى ثقافتنا..
نعلم جميعاً أن الوصول إلى أي بلد عربي يحتاج إلى إجراءات معقدة من فيزا أو تأشيرة خروج، عدا ذلك مصاريف تذكرة السفر والإقامة .... وبوجود الشابكة اقتربت المسافات وحلت لنا أكبر مشكلة إذ أصبحنا نلتقي بمن نريد أن نتواصل معهم، لأنها ألغت لنا الحدود، ولم يعد عسيراً على أحدنا أن يتحدث إلى فلسطيني أو عراقي رغم وجود الاحتلال .
لم ألتق به وجهاً لوجه، ولم أطلب حتى صورته، كي أتعرف على شخصه، قد تعجبون من هذا الكلام، لكنها الحقيقة، حتى أنني يوم التقيته في الملتقى بولاية سطيف برفقة صديقه كنت أنظر من بعيد بين الشك واليقين.
وعن طريق العم "غوغول" استطعت أن أتاكد من شخصيته في مدونته وفي مجلته، في البدايات ساورني الشك، لم أوافق على الحديث معه حتى ثبتت لدي البيانات، لا تؤاخذوا فعلتي، من حقي أن أكون على بينة من أمري، لأننا نتعامل مع أسماء قد تكون حقيقة وقد تكون مزيفة، ومن طبعي أنني أعتبر من حكايات غيري، صديقتي وهي أديبة أخبرتني أنها كانت تحاور أنثى، ثم اكتشفت وقيعتها فتنبهت ونبهت غيرها.
أحاديثي معه لم تكن محاولة لإبداع قصة جديدة، بل كانت محاولة لرصد أفكار إنسان من بلد يهمني أن أعرف تاريخه عن قرب، كيف يعيش أهله بعد حرب الاستقلال في تقديم مليون شهيد ونصف المليون..!
ما أعجبني به أنه كان يبحث عن نوافذ للقارئ الجزائري الذي مورس عليه حصار سياسي ليفيد ويستفيد.
تفكيره منصب على شعبه، وما أصابه من بلوى احتلال دام قرابة مئة وثلاثين سنة ونيف، أجمل ما ذكره لي، تلك المعضلة، التي بدأت تتغلل في نفوس أطفالنا اليافعين والمراهقين، ومن هم أصغر سناً.
قال لي: نلاحظ سلوكيات عند الطلبة غريبة جداً، وهذا بدوره ينعكس على المستوى التربوي والتعليمي.
فرحت لعبارته تلك، وكنت وقتها أحاور دار نشر من مصر حول نشر روايتي، التي انتهت.
طلبت منه أن يحسب لي كم يساوي مبلغ 4500 جنيه مصري، إذا كان كل خمسة جنيه يساوي دولاراً ؟
قال لي: تساوي 22500 دولاراً
ضحكت يومها، وقلت له: أشتري بهذا المبلغ بيتاً.
قال :- لحظة.
راجع الحساب بدقة، فكتب لي:
- 900 دولاراً
عندئذٍ أيقنت أن الإنسان يمكنه أن يخطئ بالحساب في لحظات فقدانه لتوازنه النفسي، لأنه كان في اللحظات تلك، منشغلاً بإنزال مادة كنت قد زودته بها!! يومها تمنى لي أن أنجح في عملي، وطلب مني أن يكون أول واحد يستلم النسخة الأولى، ممهورة بتوقيعي.
لم أنجح بالاتفاق مع صاحب الدار، كانت المادة هي الأساس، ضمن شروط لم أشعر نحوها بارتياح، قفلت الخط، وعدت إليه.
يومها دار بيني وبينه حواراً حول ثقافة الصورة، وكنت البادئة.
قلت له: الصورة مجرد ألوان، تكون في كثير من الأحيان خادعة ومخادعة، والحرف يبقى خالداً لما له من تأثير على حياة الشعوب، أعتبره أقدس الموجودات الناطقة.
كان رجلاً ذكياً، يملك فطنة الحوار، والتأقلم بسرعة مع الموضوع المطروق، وأثناء الحديث تطرقنا إلى موضوع عن علم وكتابات الإنسان " أقسم بالقلم وما يسطرون"، لكنه أخطأ وهو يكتب .
وتملصاً مما وقع فيه عن غير قصد، حكى لي حكاية قريبة من النكتة:
- بدأت أكتب باللغة الهندية، هل تعرفين لغة الأعاجم؟
- لا ..!
- يلفظون الحاء، هاء!
- هذه معلومة جديدة .
- اسمعي هذه: ذهب أحد الجزائريين إلى الهند، وبحكم إسلامه، زار مقاطعة إسلامية، سمعهم يقولون: الهند لله، الهند لله، استغرب الرجل، كيف تكون الهند لله؟! لكنه فهم بعد ذلك أنهم يقولون: الحمد لله.
جعلني أضحك، يملك حس الدعابة الذكية، وهذه ميزة قلما وجدتها عند الأدباء الذين كنت أتحدث إليهم.
كنت على يقين أن شكل الإنسان لا يصنع أدباً، ولا يخرج إبداعاً، الذي يصنع الإبداع عقل الإنسان ومشاعره الصادقة.
أعجبه إيماني بهذا، اعترف لي، أنني استدرجته إلى قناعة كانت غائبة عنه، لكنه وجدها.
أشرت له على تعليق كتبه أحد الرجال في أسفل صفحة الحوار مع مذيعة إعلامية وشاعرة، كاد قلبه أن ينفطر، وهو يتوسل أن تتصل به.
وسألته: هل أصبح الأدب وثيقة ارتباط بالصورة ؟
لم يناقش أي منهم ما ورد في الحوار، الذي طلبوه، اتصال المذيعة بهم..!
قال لي: ملاحظاتك رائعة، في الصميم.
لم يكن حديثنا من أجل إثارة الدهشة في أفكارنا، كان من أجل شيء أسمى وأرقى.
أقسم أن إحساسه بما ذكرتُ له، هو نفسه، لأنه اكتشف أن الكثيرات تكسبن فرصهن من خلال الصورة، وتبالغن بها كثيراً، وذكر لي عندئذٍ، أن المبدأ واحد.
وعقب قائلاً:
- يرسلن الصور جزافاً، إن الحرف أبقى لو كن يفقهن ذلك.
كنت يومها حزينة جداً..
سألني: ما أسباب حزنك أيتها الرائعة؟
لم أدقق كثيراً على كلمة الرائعة، لأنني تعودت على قراءتها في أكثر المواقع التي أنشر فيها.
قلت له:
- أحداث العراق، وما يجري في النهر البارد، وصراع حماس مع فتح...
- في العراق، كل شيء متوقع، بعد انتهاء صدام، انتهى كل شيء في العراق، إنهم بحاجة إلى دكتاتور عادل، وليس إلى ديموقراطية على مقاس أمريكي، لاحظي ماذا جنينا من ديموقراطية أمريكا؟
- الخراب والتفكك العربي.
- وما يزال الخراب يحيط بنا، لأن الحاكم العربي، كبلته أمريكا وإسرائيل باتفاقيات، بدأت بكامب ديفيد، ولا تزال تعقد اتفاقيات التقسيم المشفرة تحت كلمة الديموقراطية، والشعب العربي لا يشاور في مصيره..
كنت أسمعه، لا أقاطعه، أشعر بسعادة كبيرة توزع دفئها في روحي، لأني أحسست أن قلبه على الوطن.
قلت له يومها :
- إذا تعاملت معي على أساس أن المرأة مثل ساحة المسجد، لا يدخل أرضها إلا المطهرون، وفقنا الله لما فيه خير رسالتنا الأدبية لصالح أمتنا، عسانا نرأب الصدع.
قال:
- هذه نظرة جديدة، أنت تتكلمين، وأنا أستمتع في حديثك، كأنك تضعين شيئاً على موضع الألم، معظم الناس تعيش اليوم للنفاق والخداع، والمرأة أصبحت تنافق الرجل من أجل الوصول إلى رأس هرم الشهرة، اقرئي بعضاً مما كتبت، لأنني أتوسم فيك الصدق، وثانياً أريد أن أستفيد من رائعة مثلك، ضعي خطاً تحت كلمة رائعة، لأنني الآن لا أنافق، امرأة أشهد بقدر ما رأيت، وما سمعت...!! وأزعم من دون شك أنني رسمت ملامحك بكل صدق، وأنسيتني مارسمته عن المرأة، بل غيرت فيَ قناعات.
حمدت الله أنه بدأ يتقرب من أفكاري الحصيفة، كانت أحلامي مطردة مع قراءاتي المتعددة، لم أكن أهمل أي كتاب تستهويني لغته وأفكاره، كنتُ مثل الشاعر، الذي يستمد نسغ قصيدته من حلمه بالأنثى، أعطي تطوراتي الإبداعية، كل حاجتها، من أرق وسهد وتفكير وتحليل وحديث نفس، حتى تكتمل صورتها، فأسكبها على الورق.
الشاعر يبحث في الأنثى عن مشاعره وأحاسيسه ليكتب القصيدة، والمرأة تبحث في الرجل عن أفكاره ورؤاه، يكتشف كل واحد ما يفتقده، وما يريد تصويره.
يقف فجأة أمام شخصية محورية، يستلهم منها كل طاقاته الإبداعية ليقدم منجزاً أدبياً يكون ذو صدى.
أشار في حديثه، أنه يشعر معي بالمؤانسة، وبدافعه للتواصل المعرفي.
لا أدعي الأستاذية، ماذكره عن الميكانيزمات أملكه فعلاً، لأنني أملك حرية الفكر، وحرية النفس.
لست أدري إن كنت محقة يوم نبهته إلى ثقافة الصورة، ونفذ على الفور حذف الكثير من الصور، التي كانت تقدم على حساب النص، هل كان هذا لصالح عمل المجلة؟ أم لصالح النص وكاتبته ؟
وفتحنا حواراً جديداً حول نشر الثقافة في المقاهي، قلت له: طبقوا هذا في تونس، أخبرني بهذا الكاتب التونسي ساسي حمام، جاء حلب ليشارك بأمسية، اتصل بي من بيت أحمد دوغان، الذي كان قبل عقدين أستاذاً في الجزائر، فأحبها وأحبته، حتى ليكاد هواء ولاياتها يشفيه من مرضه.
راقتني فكرة أن يتحول المقهى إلى نادٍ ثقافي، لطرح آراء الأدباء، وقصائد الشعراء.
الفضائيات لعبت دوراً كبيراً في تغييب الحضور الجماهيري، للمحاضرات، والندوات الأدبية، مما دفع فريقاً من تونس بإقامة فعالية شعرية افتراضية، كان الشعراء يقرؤون قصائدهم من بلدانهم، تستقبل أصواتهم قاعة جهزت بشاشة كبيرة في منتدى ثقافي، تنقل كل شيء مثل البث المباشر، تناول الشعراء كل قضاياهم المصيرية، لو فعل كل بلد مثلما فعلوا في تونس، عندئذ سنكون قادرين على مجابهة الاستعمار بكل قيوده الاستراتيجية، عندما نعرف كيف نستغل التقنيات الحديثة لصالح الأمة، لكننا لا نفعل، لأن الشللية قتلتنا، كما قتلتنا بيروقراطية مكاتب الثقافة.
الاستعمار صار في العقول، لم تعد الأرض فقط محتلة، ركزوا تقنياتهم على كيفية استغلال العقل العربي لتحطيمه..
من بين هذا التحطيم، أنواع الزواج الذي ظهر فجأة، المسيار والمتعة والعرفي والمشاركة والتكيف ... يومها قلت له: وربما يعود قوم لوط للظهور بشكل علني ... أو ربما يجيزون زواج الإنسان بالحيوان...
برر هذا قائلاً: إنه الفراغ الروحي..
لكنني أكدت عليه، أن هذا بسبب ضياع هُوية الإيمان، ومن الخُلْعاء الذين انتشروا من مدعي الإسلام.
أخبرته أنني رأيت في دمشق، ما لم أجده، أو أعرفه في حلب، كان الأديب يقبل خد الأديبة كناية عن الترحيب بها، فوجئت بهذا، هون عليَ قائلاً:
- إذا كانوا في دمشق يتصافحون باليد، في بلاد أخرى ومدن أخرى يقبلون الخد ، الحمد لله أنك نبهتني، لأنني لو جئتُ دمشق، والتقيت بك وصافحتك أو قبلتُ يدك، ربما ستتهمينني بالمجون.
الخير والشر لا يتعلقان، لا بثقافة ولا بعلم...!!
قاطعته:
- كيف لا يتعلقان؟ وأنا سأتحدث عن الأخلاق، ولا أمارسها..!! سأتحدث عن النزاهة ولا أطبقها..!!
- الموضوع بيني وبينك تحول إلى عتاب، ثقافة الجسد أصبحت موجودة بالفضائيات والمجلات، أصبحنا نقرأ بعيوننا، ونسمع بعيوننا، كل الحواس فينا عطلت، لهذا لانبدع مثلهم..
- لقد نجحوا إذن.
- لا، لم ينجحوا ..!! لأن لكل ردة فعل، فعل مساو له في الحركة مضاد له في الإتجاه ، لدينا يقظة في مواهبنا، وأملنا في جيل الصحوة، القادم الذي يعود مهزوما بعد تجاربه مع ثقافــة الأخر التي حاولت ابتلاعه
لن أخفيك سراً، أنا قرأت بعض نصوصك، أعجبني أسلوبك، فكرت بمكسب جديد أضيفه إلى أصوات الشمال، وثانياً أردت أن أسمع الشهبائية، تحدثتُ إليك، وجدتُ فيك اختلافاً كبيراً، عما تصورته وتخيلته، غيرت فيَ أشيائي وتصوراتي...
وتابع :
- الحياة تجارب، ومن المؤكد أن لك تجربة إما أن تكون قاسية، أو جميلة...! ؟ حدثيني عنك أكثر، أريد أن أعرفك عن قرب، أن أعرف هذه الحلبية ماذا لديها ؟؟
كان في حديثه نوع من الصراحة والجرأة عندما يحاول أن يستنبط شيئاً، كما أنه كان موضوعياً في الحديث عن بني جنسه، لم يدافع عنهم، ويتهم المرأة بالقصور، أو الخلاعة، كما يفعل غيره من الرجال، كان موقناً بوجود الأمل، يعتبره مظهراً من مظاهر الإيمان، ثم عكف في الحديث على قصيدة يطلب فيها من المرأة أن تخلع الحجاب، أعطاني الرابط لأقرأ القصيدة، لم يكن قصده الحجاب العادي، كان قصده حجاب الروح، وجدت تقاطعاً ما بين قصيدته وأفكاري التي أحملها، أجبته: علّه، المضمون الذي تبحث عنه..
قال : - ربما ..!
لكنني لم أكتف بهذا، قلت له بعد الاطلاع على أغلب قصائده:
- رؤيتك للحياة والحب كلها متشابهة في قصائدك، توجد قصيدة قد تكون وحيدة، لم تكتبها بعد..!
- لم أفهم..
أخبرته أنني لو قرأت هذه القصائد من دون أن أعرفه سأعجب بها في البداية، ثم في مرات تالية سأجدها عادية جداً، لم تقدم جديداً يبهرني، يحرك مشاعري، يزيدني طرباً وإيماناً بضرورة حب الشعر وقراءته..
قال رداً على كلامي:
- لديك حاسة جميلة لفهم الشعر وتذوقه..لمَ لاتكتبين الشعر؟
- لأن القصيدة تحتاج إلى احتراقي في داخلها، من لاتحرقه مشاعره، لاتنجح قصيدته في تقديم شاعرها.
وفي حديث آخر وبعد عدة أيام :
- هل أنت غاضبة مني؟
- بل غاضبة من نفسي ومن الكون كله
- خير، اللهم اجعله خيراً
لم يكن بوسعي أن أخفي اجتياح الغضب من ميوعة شاعر فلسطيني، كنت أتحدث إليه، هذا الشاب أصابني بالغثيان، حماس وفتح تتصادمان على السلطة وهو يترنم بقصيدة غزلية يريد أن ينتهي منها، تجرأت وقلت له صادمة كل أحلامه :
- أيعقل أن تسيل الدماء على أرضك، وأنت تكتب قصيدة للغزل..
- بماذا ردّ عليك ؟
- انسحب معتذراً
- هه.. هه
- معك الحق في أن تضحك!!
بهدوء ودعابة ذكية قال لي:
- أنا الآن أتحدث مع الأديبة سها جلال، وليس الشاعر أمل دنقل، هل تعرفين شيئاً عن هذه الأدبية ؟
- سمعت عنها، يقال مغرورة، ذات كبرياء، عفيفة النفس، هل هذا يكفي؟
- لمست هذا بنفسي..لكن اسمعي، نحن الآن في معركة لن تنته بسهولة، سأعود معك إلى ثقافة الصورة، "الفيديو كليب" أصبح عبارة عن فيلم جنسي، للإثارة، في السابق كنا نستمع إلى الأغنية بحواسنا، نعيش كلماتها وأحلامها، الآن أصبحت الحاسة الوحيدة التي تعمل العين فقط، الجنس أصبح يتعلق بالعين، مقاهي "الإنترنيت" خربت عقول الشباب والصغار، لأنها بلا رقيب، أبناؤنا بحجة البحث يدخلون إلى مواقع، تخرب وتشوش طاقاتهم، هل تصدقين أن صبياً عمره ثمان سنوات يدخل إلى مواقع جنسية، هل تتصورين حجم الكارثة التي تهز كيانه، لأنه غير مؤهل نفسياً، ولا جسدياً، لتقبل مثل هذه الأمور، هناك تشويه لحقيقة ومرامي الدين الحنيف، لست إماماً، لكن فطرتي الدينية تهديني، ألم تسمعي بفتوى الخلوة والتحايل، في أن يرضع الصديق من صديقته حتى تحرم عليه؟
أجبته بدهشة اقشعر لها بدني:
- لم أفهم ؟!!
كرر :
- ألم تسمعي بفتوى إرضاع الكبير من زميلته، في مقر العمل كي تحرم عليه؟؟
- لم أفهم؟!! يرضع من؟ وكيف؟
- يخرب بيت من قال هذا الكلام، يبدو أنه مجنون..
- لا، ليس مجنوناً، استند بفتواه على حادثة..
قاطعته فوراً:
- لا تكمل بالله عليك..
طامة كبرى أن يحللوا ويشرعوا ويفتوا بما لا يقترب من العقل والروح بأية مصداقية، إثارة المرأة تتعلق بنهديها، مؤكد أن هذا الرجل قد قبض الثمن من إسرائيل، ليثير الفتنة في الدين.
عندما حدثني عن الفتوى التي أثارت جدلاً في الأزهر والشارع المصري، وأعطاني الرابط كي أقرأ المقال جعلني أستنفر على الواقع الذي بدأنا نتقزز منه، فتح في ذاكرتي قراءة قديمة كنت قد طالعتها في إحدى الصحف المصرية.
كان لايقاطعني، يصغي، وكانت الحكاية، أو الحادثة، تلفت الانتباه لغرابتها، والروع الذي تزرعه في قلب المتلقي أو القارئ...
عندما توفي في قرية تابعة لمنطقة الصعيد في مصر، شيخ، مما يقال أنه يملك الكرامات، قامت الدنيا وما قعدت!؟
كانت الأفعى التي ظهرت من فتحة القبر تحول دون وضع الميت داخل الحفرة.
ارتعب الناس، تركوا التابوت في الأرض، واجتمعوا في ساحة القرية يتشاورون في أمر الميت صاحب الكرامات وهم في هرج ومرج.
وصل الخبر إلى القرى المجاورة، على الفور حضر المشايخ يستفسرون ما الحكاية؟
ساروا في ركب جديد يتقدمهم شيخ جليل، وصلوا المقبرة، ظهرت الأفعى مرة أخرى، وانتصبت في وجوههم، رفع الشيخ عصاه في وجهها، ذكر بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قال:
- بلغتنا رسالة ربك ...!
على الفور توارت الأفعى، دفنوا الميت بسرعة، وعادوا، العجب والغضب والنفور، يرتسم على الوجوه، وأسئلة عاصفة تتوافد على الأذهان وتتربع على عرش الذهول والتعجب..
الحكاية لم تنته...
بعد ثلاثة أيام استيقظ الناس في هزيع الليل على صراخ امرأة تستجير بهم...
حملوا الفوانيس وخرجوا...
ما الحكاية ؟؟
كانت هناك حكاية جديدة، حكاية لن يصدقها البشر العاديون، حكاية قريبة من أساطير ألف ليلة وليلة بوجه قميء وبشع، يُنذر بالشتات وانتشار البغضة بين الرجال وزوجاتهم.
كان عليٌ ينكش قبر أبيه، وهو يصرخ: سأحرقك يا لعين ...!
التمَّ الناس من حوله، حالوا دون ذلك، سألوه، ماالقصة؟
استجمع قوته التي خارت، ذكر لهم، أنه ومنذ موت والده، تظهر في المنام نار، تحيط به، تصرخ فيه أن ينهض، تطلب منه أن يحفر مكان موطئ القدمين في المرحاض، وحين استجاب للطلب، صرعت رأسه الصدمة، تهاوت قوته، لم تصدق عيناه مارأت ....!!؟
دخل الرجال بيته، ضربوا كفاً بكفٍ، استغفروا الله كثيراً، حملوا أوراق المصحف وهم يلعنون هذا الميت الذي خدعهم طيلة حياته.
فتحوا باب خلوته، كانت تحتوي على تسعين كتاباً من كتب السحر لليهود ذات الأوراق الصفراء.
فلا عجب إن خرج رجل بفتوى إرضاع المرأة لصديقها في العمل، ونحن على مشارف الصراع والتحدي، مما تُحيكه لنا أمريكا مع طفلها الإسرائيلي المنغولي المدلل، من ضغائن وأطماع ومخططات، لتقسيم الوطن، حسب مصالحها الاستعمارية.
قلت له احفظ هذه العبارة، لا تهملها:
- إذا أردت أن تمسح هُوية شعب أو أمة، ادسس له في دينه الشك بدل اليقين، يصبح هو وأرضه وعرضه في يدك، سهل التناول..
هي لحظة فرح وأمل وتأمل، لجملته، التي انسربت في داخلي، توقظ تاريخ الشوارع العريقة في دمشق الجميلة.
حين قال:
- أتمنى أن أزور سورية بشهر آب "أغسطس" لأشاهد، سوق الحميدية الذي يطل في نهايته على الجامع الأموي، ومنطقة الصالحية، وقاسيون الأبي، كإباء من سطروا تاريخ البلد بدمائهم...
سأقبل دعوتك إلى المقهى المقابل للقلعة الجميلة، لكنها لن تكون أكثر جمالاً من لغتك..
لن أكون طامعاً بأكثر من جلسة أمام القلعة وبضيافتك أنت،
كتبت عدة قصائد عن المرأة والحب، لم أفز بجائزة، وعندما كتبت قصيدة عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فزتُ، وكان توزيع الجوائز أمام عشرين ألفاً من المتفرجين.. في المدينة المنورة، أقول لك هذا الكلام، كي لا تعتقدي إنني لست محافظاً، أو إنني في حل من التزاماتي الأخلاقية، أنا أحترم من تحترم نفسها.
وسألته هل سلمت الرواية إلى صديقك عيسى:
- سلمتها لصديقي، هو الآن في ملتقى بالجلفة، لا أدري هل سمعت بها ؟
- لا، لم أسمع بها !!
- الجلفة مدينة، عريقة، وتمثل قلب العرب النابض بالنسبة للجزائر، أنجبت عدة شعراء وأدباء، ومازالت أطرافها محافظة، بل فيهم من يعيش طقوسه العربية الضاربــة في العمق حتى الآن، أنا من مدينة سور الغزلان، وهي نقيض الجلفة في العادات والتقاليد، مدينة أكثر انفتاحاً، هي أيضاً مدينة تاريخية، مر بها الرومان، وتركوا بها آثاراً جمة، وهي جميلة جداً، لو رأيتها يوم أن كانت عذراء، ولم تشوهها يد الإنسان، يقال إن تسميتها كانت "أوزيا" في العهد الروماني، ثم أخذت اسم سور الغزلان، وهناك تفسيرين، إما لوجود الغزلان بها، أو لجمال فتياتها، فيها أجمل ثانوية، على مستوى الوطن، درسني بها أساتذة سوريون.
ثم مدينتي الحبيبة الأخرى سيدي عيسى التي أسكنها الان ، مدينة الولي الصالح صاحب الضريحين ، والحكاية تطول لو شرحت لك سر التسمية ...
في الليلة تلك كان ألم الضرس يشتد كلما حاولت أن أحرك أصابعي على لوحة المفاتيح، اعترفت أنني متعبة من هذا الألم القاسي وطلبت الانسحاب، فقال:
- طهورا، إن شاء الله .
غاب هو، وغبت أنا بين عملي وسفري، وكلما سنحت لي الفرصة أسترجع في ذاكرتي ما حكاه لي عن الأمازيغ، بعض المراجع تقول: إنهم الشعب الذي لايضطهد..
وهم من البربر أي الشعب الحر، استوطنوا شمال أفريقيا، وكان لهم قادة تاريخيين مثل "تاكفاريناس" وبوبا الأول وبوبا الثاني.
مفدي زكريا شاعر الثورة الجزائرية كان يقول في الياذته :
لماذا يلقب يوبا بثاني،
أما حقق السبق في المدنية
**
ومن كانت تلهمه "سيفونيزيا"
جدير بأن يتحدى الزمانا
وهناك أعمدة وقامات ثقافية قدمت للوطن والدين كل خير مثل ميلود قاسم نايت قاسم وهو مفكر جزائري أمازيغي يتقن أكثر من لغــة ، ويحكى أنه عندما زار إيران كان متحدثه يتحدث باللغة الفارسية فقال له: حدثني باللغة العربية وإلا حدثتك بلغة لن يترجمها لك أحد، فضحك الرجل وتحدث إليه بالعربية.
وأمازيغ ذابوا مع العرب وأصبحوا جسداً واحداً، بل هم أكثر دفاعاً عن العروبة من العرب مثلما نسميه بالشاوية، وسوادهم الأعظم يقيم بجبل أوراس وباتنة، ومنهم الرئيس هواري بومدين، وكان عبء الثورة الجزائرية من نصيبهم الأكبر لأنهم أبطال حقيقيون، كان الأوراس لــه حضوره المدهش في يوميات الثورة المباركــة.
حتى أنك بباتنة لاتشعرين بأنهم أمازيغ لأنهم أكثر قرباً ولحمة مع العرب الجزائريين، وهم أكثر شراسة واندفاعاً للمشروع القومي العربي الإسلامي من أي منطقة أخرى, وهناك العرب الذين قدموا مع الهلاليين واستوطنوا مناطق جزائرية في الجلفة وبسكرة وبوسعادة.
ومن القادمين من المشرق سيدي نايل ومنه أصبحت الأصول والفروع تملأ الصحراء، ولا تقدرين على التمييز بين عربي وأمازيغي بفعل الخصوصية التراثية الجميلة بالملبس والعادات والتقاليد، الكل متشابه كعيون أهل الصين.
وعدت لا أعثر عليه إلا دقائق قصيرة جداً، كان مشغولاً بمجلته، بالتعقيبات، بأشياء تخص عمله، وأشياء تتعلق بأسرته، كان مثلي عاشقاً ومطيعاً لوالده، وكم وقع احترامه لأبيه في نفسي موقعاً كبيراً، أكبرت فيه هذا الولاء لرجل أنجب منه رجلاً ربما يشبهه في خلقه وهندسة آماله.
كان يتساءل عن هؤلاء الرجال الذين أنجبتهم بطون مليئة بالقوة والشهامة، أمثال العربي بن مهيدي ، قال لي:
- تصوري الجنرال "بيجار" قال: لو كنت أملك ثلــة من أمثال بن المهيدي لفتحت العالم، أي الرجال كانوا هؤلاء الشرفاء من الأبطال؟ صدقيني حين أفكر بهم أجد نفسي لا أشكل نقطة صغيرة في حياتهم .
وتتابعت أحاديثنا تضع الملح على جراح الوطن، وتضع الأمل بين قوسين .
هنا بدأت مقالاتي تأخذ وضعاً جديداً في سطور التعقيبات الجميلة وكان الصديق الشاعر بلطرش رابح يفرح لهذا، ثم بدأت كتاباتي تنساق نحو بعض قصائد الشعراء كالدكتور يوسف وغليسي، وعاشور بوكلوة، عبد الله ضيف، كما كانت تعقيبات الناقد جمال غلاب تشغل مساحة واسعة في ذاكرتي الأدبية.
ـــــــــــــــــ
أصوات الشمال
لقاؤنا لم يكن محض مصادفة، كان نتيجة حتمية لقراءة بعض نصوص من المنشور منها على الشابكة، الشابكة التي جمعتنا على رحيق الكلمة وبريق الحرف، وأصبح عصياً أن نتخلى عنها، لأنها صارت متنفسنا جميعاً، لقراءة أعمال الأصدقاء، للتعقيب، لتناول المعلومة، للوصول إلى ثقافة الآخر، ووصول الآخر إلى ثقافتنا..
نعلم جميعاً أن الوصول إلى أي بلد عربي يحتاج إلى إجراءات معقدة من فيزا أو تأشيرة خروج، عدا ذلك مصاريف تذكرة السفر والإقامة .... وبوجود الشابكة اقتربت المسافات وحلت لنا أكبر مشكلة إذ أصبحنا نلتقي بمن نريد أن نتواصل معهم، لأنها ألغت لنا الحدود، ولم يعد عسيراً على أحدنا أن يتحدث إلى فلسطيني أو عراقي رغم وجود الاحتلال .
لم ألتق به وجهاً لوجه، ولم أطلب حتى صورته، كي أتعرف على شخصه، قد تعجبون من هذا الكلام، لكنها الحقيقة، حتى أنني يوم التقيته في الملتقى بولاية سطيف برفقة صديقه كنت أنظر من بعيد بين الشك واليقين.
وعن طريق العم "غوغول" استطعت أن أتاكد من شخصيته في مدونته وفي مجلته، في البدايات ساورني الشك، لم أوافق على الحديث معه حتى ثبتت لدي البيانات، لا تؤاخذوا فعلتي، من حقي أن أكون على بينة من أمري، لأننا نتعامل مع أسماء قد تكون حقيقة وقد تكون مزيفة، ومن طبعي أنني أعتبر من حكايات غيري، صديقتي وهي أديبة أخبرتني أنها كانت تحاور أنثى، ثم اكتشفت وقيعتها فتنبهت ونبهت غيرها.
أحاديثي معه لم تكن محاولة لإبداع قصة جديدة، بل كانت محاولة لرصد أفكار إنسان من بلد يهمني أن أعرف تاريخه عن قرب، كيف يعيش أهله بعد حرب الاستقلال في تقديم مليون شهيد ونصف المليون..!
ما أعجبني به أنه كان يبحث عن نوافذ للقارئ الجزائري الذي مورس عليه حصار سياسي ليفيد ويستفيد.
تفكيره منصب على شعبه، وما أصابه من بلوى احتلال دام قرابة مئة وثلاثين سنة ونيف، أجمل ما ذكره لي، تلك المعضلة، التي بدأت تتغلل في نفوس أطفالنا اليافعين والمراهقين، ومن هم أصغر سناً.
قال لي: نلاحظ سلوكيات عند الطلبة غريبة جداً، وهذا بدوره ينعكس على المستوى التربوي والتعليمي.
فرحت لعبارته تلك، وكنت وقتها أحاور دار نشر من مصر حول نشر روايتي، التي انتهت.
طلبت منه أن يحسب لي كم يساوي مبلغ 4500 جنيه مصري، إذا كان كل خمسة جنيه يساوي دولاراً ؟
قال لي: تساوي 22500 دولاراً
ضحكت يومها، وقلت له: أشتري بهذا المبلغ بيتاً.
قال :- لحظة.
راجع الحساب بدقة، فكتب لي:
- 900 دولاراً
عندئذٍ أيقنت أن الإنسان يمكنه أن يخطئ بالحساب في لحظات فقدانه لتوازنه النفسي، لأنه كان في اللحظات تلك، منشغلاً بإنزال مادة كنت قد زودته بها!! يومها تمنى لي أن أنجح في عملي، وطلب مني أن يكون أول واحد يستلم النسخة الأولى، ممهورة بتوقيعي.
لم أنجح بالاتفاق مع صاحب الدار، كانت المادة هي الأساس، ضمن شروط لم أشعر نحوها بارتياح، قفلت الخط، وعدت إليه.
يومها دار بيني وبينه حواراً حول ثقافة الصورة، وكنت البادئة.
قلت له: الصورة مجرد ألوان، تكون في كثير من الأحيان خادعة ومخادعة، والحرف يبقى خالداً لما له من تأثير على حياة الشعوب، أعتبره أقدس الموجودات الناطقة.
كان رجلاً ذكياً، يملك فطنة الحوار، والتأقلم بسرعة مع الموضوع المطروق، وأثناء الحديث تطرقنا إلى موضوع عن علم وكتابات الإنسان " أقسم بالقلم وما يسطرون"، لكنه أخطأ وهو يكتب .
وتملصاً مما وقع فيه عن غير قصد، حكى لي حكاية قريبة من النكتة:
- بدأت أكتب باللغة الهندية، هل تعرفين لغة الأعاجم؟
- لا ..!
- يلفظون الحاء، هاء!
- هذه معلومة جديدة .
- اسمعي هذه: ذهب أحد الجزائريين إلى الهند، وبحكم إسلامه، زار مقاطعة إسلامية، سمعهم يقولون: الهند لله، الهند لله، استغرب الرجل، كيف تكون الهند لله؟! لكنه فهم بعد ذلك أنهم يقولون: الحمد لله.
جعلني أضحك، يملك حس الدعابة الذكية، وهذه ميزة قلما وجدتها عند الأدباء الذين كنت أتحدث إليهم.
كنت على يقين أن شكل الإنسان لا يصنع أدباً، ولا يخرج إبداعاً، الذي يصنع الإبداع عقل الإنسان ومشاعره الصادقة.
أعجبه إيماني بهذا، اعترف لي، أنني استدرجته إلى قناعة كانت غائبة عنه، لكنه وجدها.
أشرت له على تعليق كتبه أحد الرجال في أسفل صفحة الحوار مع مذيعة إعلامية وشاعرة، كاد قلبه أن ينفطر، وهو يتوسل أن تتصل به.
وسألته: هل أصبح الأدب وثيقة ارتباط بالصورة ؟
لم يناقش أي منهم ما ورد في الحوار، الذي طلبوه، اتصال المذيعة بهم..!
قال لي: ملاحظاتك رائعة، في الصميم.
لم يكن حديثنا من أجل إثارة الدهشة في أفكارنا، كان من أجل شيء أسمى وأرقى.
أقسم أن إحساسه بما ذكرتُ له، هو نفسه، لأنه اكتشف أن الكثيرات تكسبن فرصهن من خلال الصورة، وتبالغن بها كثيراً، وذكر لي عندئذٍ، أن المبدأ واحد.
وعقب قائلاً:
- يرسلن الصور جزافاً، إن الحرف أبقى لو كن يفقهن ذلك.
كنت يومها حزينة جداً..
سألني: ما أسباب حزنك أيتها الرائعة؟
لم أدقق كثيراً على كلمة الرائعة، لأنني تعودت على قراءتها في أكثر المواقع التي أنشر فيها.
قلت له:
- أحداث العراق، وما يجري في النهر البارد، وصراع حماس مع فتح...
- في العراق، كل شيء متوقع، بعد انتهاء صدام، انتهى كل شيء في العراق، إنهم بحاجة إلى دكتاتور عادل، وليس إلى ديموقراطية على مقاس أمريكي، لاحظي ماذا جنينا من ديموقراطية أمريكا؟
- الخراب والتفكك العربي.
- وما يزال الخراب يحيط بنا، لأن الحاكم العربي، كبلته أمريكا وإسرائيل باتفاقيات، بدأت بكامب ديفيد، ولا تزال تعقد اتفاقيات التقسيم المشفرة تحت كلمة الديموقراطية، والشعب العربي لا يشاور في مصيره..
كنت أسمعه، لا أقاطعه، أشعر بسعادة كبيرة توزع دفئها في روحي، لأني أحسست أن قلبه على الوطن.
قلت له يومها :
- إذا تعاملت معي على أساس أن المرأة مثل ساحة المسجد، لا يدخل أرضها إلا المطهرون، وفقنا الله لما فيه خير رسالتنا الأدبية لصالح أمتنا، عسانا نرأب الصدع.
قال:
- هذه نظرة جديدة، أنت تتكلمين، وأنا أستمتع في حديثك، كأنك تضعين شيئاً على موضع الألم، معظم الناس تعيش اليوم للنفاق والخداع، والمرأة أصبحت تنافق الرجل من أجل الوصول إلى رأس هرم الشهرة، اقرئي بعضاً مما كتبت، لأنني أتوسم فيك الصدق، وثانياً أريد أن أستفيد من رائعة مثلك، ضعي خطاً تحت كلمة رائعة، لأنني الآن لا أنافق، امرأة أشهد بقدر ما رأيت، وما سمعت...!! وأزعم من دون شك أنني رسمت ملامحك بكل صدق، وأنسيتني مارسمته عن المرأة، بل غيرت فيَ قناعات.
حمدت الله أنه بدأ يتقرب من أفكاري الحصيفة، كانت أحلامي مطردة مع قراءاتي المتعددة، لم أكن أهمل أي كتاب تستهويني لغته وأفكاره، كنتُ مثل الشاعر، الذي يستمد نسغ قصيدته من حلمه بالأنثى، أعطي تطوراتي الإبداعية، كل حاجتها، من أرق وسهد وتفكير وتحليل وحديث نفس، حتى تكتمل صورتها، فأسكبها على الورق.
الشاعر يبحث في الأنثى عن مشاعره وأحاسيسه ليكتب القصيدة، والمرأة تبحث في الرجل عن أفكاره ورؤاه، يكتشف كل واحد ما يفتقده، وما يريد تصويره.
يقف فجأة أمام شخصية محورية، يستلهم منها كل طاقاته الإبداعية ليقدم منجزاً أدبياً يكون ذو صدى.
أشار في حديثه، أنه يشعر معي بالمؤانسة، وبدافعه للتواصل المعرفي.
لا أدعي الأستاذية، ماذكره عن الميكانيزمات أملكه فعلاً، لأنني أملك حرية الفكر، وحرية النفس.
لست أدري إن كنت محقة يوم نبهته إلى ثقافة الصورة، ونفذ على الفور حذف الكثير من الصور، التي كانت تقدم على حساب النص، هل كان هذا لصالح عمل المجلة؟ أم لصالح النص وكاتبته ؟
وفتحنا حواراً جديداً حول نشر الثقافة في المقاهي، قلت له: طبقوا هذا في تونس، أخبرني بهذا الكاتب التونسي ساسي حمام، جاء حلب ليشارك بأمسية، اتصل بي من بيت أحمد دوغان، الذي كان قبل عقدين أستاذاً في الجزائر، فأحبها وأحبته، حتى ليكاد هواء ولاياتها يشفيه من مرضه.
راقتني فكرة أن يتحول المقهى إلى نادٍ ثقافي، لطرح آراء الأدباء، وقصائد الشعراء.
الفضائيات لعبت دوراً كبيراً في تغييب الحضور الجماهيري، للمحاضرات، والندوات الأدبية، مما دفع فريقاً من تونس بإقامة فعالية شعرية افتراضية، كان الشعراء يقرؤون قصائدهم من بلدانهم، تستقبل أصواتهم قاعة جهزت بشاشة كبيرة في منتدى ثقافي، تنقل كل شيء مثل البث المباشر، تناول الشعراء كل قضاياهم المصيرية، لو فعل كل بلد مثلما فعلوا في تونس، عندئذ سنكون قادرين على مجابهة الاستعمار بكل قيوده الاستراتيجية، عندما نعرف كيف نستغل التقنيات الحديثة لصالح الأمة، لكننا لا نفعل، لأن الشللية قتلتنا، كما قتلتنا بيروقراطية مكاتب الثقافة.
الاستعمار صار في العقول، لم تعد الأرض فقط محتلة، ركزوا تقنياتهم على كيفية استغلال العقل العربي لتحطيمه..
من بين هذا التحطيم، أنواع الزواج الذي ظهر فجأة، المسيار والمتعة والعرفي والمشاركة والتكيف ... يومها قلت له: وربما يعود قوم لوط للظهور بشكل علني ... أو ربما يجيزون زواج الإنسان بالحيوان...
برر هذا قائلاً: إنه الفراغ الروحي..
لكنني أكدت عليه، أن هذا بسبب ضياع هُوية الإيمان، ومن الخُلْعاء الذين انتشروا من مدعي الإسلام.
أخبرته أنني رأيت في دمشق، ما لم أجده، أو أعرفه في حلب، كان الأديب يقبل خد الأديبة كناية عن الترحيب بها، فوجئت بهذا، هون عليَ قائلاً:
- إذا كانوا في دمشق يتصافحون باليد، في بلاد أخرى ومدن أخرى يقبلون الخد ، الحمد لله أنك نبهتني، لأنني لو جئتُ دمشق، والتقيت بك وصافحتك أو قبلتُ يدك، ربما ستتهمينني بالمجون.
الخير والشر لا يتعلقان، لا بثقافة ولا بعلم...!!
قاطعته:
- كيف لا يتعلقان؟ وأنا سأتحدث عن الأخلاق، ولا أمارسها..!! سأتحدث عن النزاهة ولا أطبقها..!!
- الموضوع بيني وبينك تحول إلى عتاب، ثقافة الجسد أصبحت موجودة بالفضائيات والمجلات، أصبحنا نقرأ بعيوننا، ونسمع بعيوننا، كل الحواس فينا عطلت، لهذا لانبدع مثلهم..
- لقد نجحوا إذن.
- لا، لم ينجحوا ..!! لأن لكل ردة فعل، فعل مساو له في الحركة مضاد له في الإتجاه ، لدينا يقظة في مواهبنا، وأملنا في جيل الصحوة، القادم الذي يعود مهزوما بعد تجاربه مع ثقافــة الأخر التي حاولت ابتلاعه
لن أخفيك سراً، أنا قرأت بعض نصوصك، أعجبني أسلوبك، فكرت بمكسب جديد أضيفه إلى أصوات الشمال، وثانياً أردت أن أسمع الشهبائية، تحدثتُ إليك، وجدتُ فيك اختلافاً كبيراً، عما تصورته وتخيلته، غيرت فيَ أشيائي وتصوراتي...
وتابع :
- الحياة تجارب، ومن المؤكد أن لك تجربة إما أن تكون قاسية، أو جميلة...! ؟ حدثيني عنك أكثر، أريد أن أعرفك عن قرب، أن أعرف هذه الحلبية ماذا لديها ؟؟
كان في حديثه نوع من الصراحة والجرأة عندما يحاول أن يستنبط شيئاً، كما أنه كان موضوعياً في الحديث عن بني جنسه، لم يدافع عنهم، ويتهم المرأة بالقصور، أو الخلاعة، كما يفعل غيره من الرجال، كان موقناً بوجود الأمل، يعتبره مظهراً من مظاهر الإيمان، ثم عكف في الحديث على قصيدة يطلب فيها من المرأة أن تخلع الحجاب، أعطاني الرابط لأقرأ القصيدة، لم يكن قصده الحجاب العادي، كان قصده حجاب الروح، وجدت تقاطعاً ما بين قصيدته وأفكاري التي أحملها، أجبته: علّه، المضمون الذي تبحث عنه..
قال : - ربما ..!
لكنني لم أكتف بهذا، قلت له بعد الاطلاع على أغلب قصائده:
- رؤيتك للحياة والحب كلها متشابهة في قصائدك، توجد قصيدة قد تكون وحيدة، لم تكتبها بعد..!
- لم أفهم..
أخبرته أنني لو قرأت هذه القصائد من دون أن أعرفه سأعجب بها في البداية، ثم في مرات تالية سأجدها عادية جداً، لم تقدم جديداً يبهرني، يحرك مشاعري، يزيدني طرباً وإيماناً بضرورة حب الشعر وقراءته..
قال رداً على كلامي:
- لديك حاسة جميلة لفهم الشعر وتذوقه..لمَ لاتكتبين الشعر؟
- لأن القصيدة تحتاج إلى احتراقي في داخلها، من لاتحرقه مشاعره، لاتنجح قصيدته في تقديم شاعرها.
وفي حديث آخر وبعد عدة أيام :
- هل أنت غاضبة مني؟
- بل غاضبة من نفسي ومن الكون كله
- خير، اللهم اجعله خيراً
لم يكن بوسعي أن أخفي اجتياح الغضب من ميوعة شاعر فلسطيني، كنت أتحدث إليه، هذا الشاب أصابني بالغثيان، حماس وفتح تتصادمان على السلطة وهو يترنم بقصيدة غزلية يريد أن ينتهي منها، تجرأت وقلت له صادمة كل أحلامه :
- أيعقل أن تسيل الدماء على أرضك، وأنت تكتب قصيدة للغزل..
- بماذا ردّ عليك ؟
- انسحب معتذراً
- هه.. هه
- معك الحق في أن تضحك!!
بهدوء ودعابة ذكية قال لي:
- أنا الآن أتحدث مع الأديبة سها جلال، وليس الشاعر أمل دنقل، هل تعرفين شيئاً عن هذه الأدبية ؟
- سمعت عنها، يقال مغرورة، ذات كبرياء، عفيفة النفس، هل هذا يكفي؟
- لمست هذا بنفسي..لكن اسمعي، نحن الآن في معركة لن تنته بسهولة، سأعود معك إلى ثقافة الصورة، "الفيديو كليب" أصبح عبارة عن فيلم جنسي، للإثارة، في السابق كنا نستمع إلى الأغنية بحواسنا، نعيش كلماتها وأحلامها، الآن أصبحت الحاسة الوحيدة التي تعمل العين فقط، الجنس أصبح يتعلق بالعين، مقاهي "الإنترنيت" خربت عقول الشباب والصغار، لأنها بلا رقيب، أبناؤنا بحجة البحث يدخلون إلى مواقع، تخرب وتشوش طاقاتهم، هل تصدقين أن صبياً عمره ثمان سنوات يدخل إلى مواقع جنسية، هل تتصورين حجم الكارثة التي تهز كيانه، لأنه غير مؤهل نفسياً، ولا جسدياً، لتقبل مثل هذه الأمور، هناك تشويه لحقيقة ومرامي الدين الحنيف، لست إماماً، لكن فطرتي الدينية تهديني، ألم تسمعي بفتوى الخلوة والتحايل، في أن يرضع الصديق من صديقته حتى تحرم عليه؟
أجبته بدهشة اقشعر لها بدني:
- لم أفهم ؟!!
كرر :
- ألم تسمعي بفتوى إرضاع الكبير من زميلته، في مقر العمل كي تحرم عليه؟؟
- لم أفهم؟!! يرضع من؟ وكيف؟
- يخرب بيت من قال هذا الكلام، يبدو أنه مجنون..
- لا، ليس مجنوناً، استند بفتواه على حادثة..
قاطعته فوراً:
- لا تكمل بالله عليك..
طامة كبرى أن يحللوا ويشرعوا ويفتوا بما لا يقترب من العقل والروح بأية مصداقية، إثارة المرأة تتعلق بنهديها، مؤكد أن هذا الرجل قد قبض الثمن من إسرائيل، ليثير الفتنة في الدين.
عندما حدثني عن الفتوى التي أثارت جدلاً في الأزهر والشارع المصري، وأعطاني الرابط كي أقرأ المقال جعلني أستنفر على الواقع الذي بدأنا نتقزز منه، فتح في ذاكرتي قراءة قديمة كنت قد طالعتها في إحدى الصحف المصرية.
كان لايقاطعني، يصغي، وكانت الحكاية، أو الحادثة، تلفت الانتباه لغرابتها، والروع الذي تزرعه في قلب المتلقي أو القارئ...
عندما توفي في قرية تابعة لمنطقة الصعيد في مصر، شيخ، مما يقال أنه يملك الكرامات، قامت الدنيا وما قعدت!؟
كانت الأفعى التي ظهرت من فتحة القبر تحول دون وضع الميت داخل الحفرة.
ارتعب الناس، تركوا التابوت في الأرض، واجتمعوا في ساحة القرية يتشاورون في أمر الميت صاحب الكرامات وهم في هرج ومرج.
وصل الخبر إلى القرى المجاورة، على الفور حضر المشايخ يستفسرون ما الحكاية؟
ساروا في ركب جديد يتقدمهم شيخ جليل، وصلوا المقبرة، ظهرت الأفعى مرة أخرى، وانتصبت في وجوههم، رفع الشيخ عصاه في وجهها، ذكر بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قال:
- بلغتنا رسالة ربك ...!
على الفور توارت الأفعى، دفنوا الميت بسرعة، وعادوا، العجب والغضب والنفور، يرتسم على الوجوه، وأسئلة عاصفة تتوافد على الأذهان وتتربع على عرش الذهول والتعجب..
الحكاية لم تنته...
بعد ثلاثة أيام استيقظ الناس في هزيع الليل على صراخ امرأة تستجير بهم...
حملوا الفوانيس وخرجوا...
ما الحكاية ؟؟
كانت هناك حكاية جديدة، حكاية لن يصدقها البشر العاديون، حكاية قريبة من أساطير ألف ليلة وليلة بوجه قميء وبشع، يُنذر بالشتات وانتشار البغضة بين الرجال وزوجاتهم.
كان عليٌ ينكش قبر أبيه، وهو يصرخ: سأحرقك يا لعين ...!
التمَّ الناس من حوله، حالوا دون ذلك، سألوه، ماالقصة؟
استجمع قوته التي خارت، ذكر لهم، أنه ومنذ موت والده، تظهر في المنام نار، تحيط به، تصرخ فيه أن ينهض، تطلب منه أن يحفر مكان موطئ القدمين في المرحاض، وحين استجاب للطلب، صرعت رأسه الصدمة، تهاوت قوته، لم تصدق عيناه مارأت ....!!؟
دخل الرجال بيته، ضربوا كفاً بكفٍ، استغفروا الله كثيراً، حملوا أوراق المصحف وهم يلعنون هذا الميت الذي خدعهم طيلة حياته.
فتحوا باب خلوته، كانت تحتوي على تسعين كتاباً من كتب السحر لليهود ذات الأوراق الصفراء.
فلا عجب إن خرج رجل بفتوى إرضاع المرأة لصديقها في العمل، ونحن على مشارف الصراع والتحدي، مما تُحيكه لنا أمريكا مع طفلها الإسرائيلي المنغولي المدلل، من ضغائن وأطماع ومخططات، لتقسيم الوطن، حسب مصالحها الاستعمارية.
قلت له احفظ هذه العبارة، لا تهملها:
- إذا أردت أن تمسح هُوية شعب أو أمة، ادسس له في دينه الشك بدل اليقين، يصبح هو وأرضه وعرضه في يدك، سهل التناول..
هي لحظة فرح وأمل وتأمل، لجملته، التي انسربت في داخلي، توقظ تاريخ الشوارع العريقة في دمشق الجميلة.
حين قال:
- أتمنى أن أزور سورية بشهر آب "أغسطس" لأشاهد، سوق الحميدية الذي يطل في نهايته على الجامع الأموي، ومنطقة الصالحية، وقاسيون الأبي، كإباء من سطروا تاريخ البلد بدمائهم...
سأقبل دعوتك إلى المقهى المقابل للقلعة الجميلة، لكنها لن تكون أكثر جمالاً من لغتك..
لن أكون طامعاً بأكثر من جلسة أمام القلعة وبضيافتك أنت،
كتبت عدة قصائد عن المرأة والحب، لم أفز بجائزة، وعندما كتبت قصيدة عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فزتُ، وكان توزيع الجوائز أمام عشرين ألفاً من المتفرجين.. في المدينة المنورة، أقول لك هذا الكلام، كي لا تعتقدي إنني لست محافظاً، أو إنني في حل من التزاماتي الأخلاقية، أنا أحترم من تحترم نفسها.
وسألته هل سلمت الرواية إلى صديقك عيسى:
- سلمتها لصديقي، هو الآن في ملتقى بالجلفة، لا أدري هل سمعت بها ؟
- لا، لم أسمع بها !!
- الجلفة مدينة، عريقة، وتمثل قلب العرب النابض بالنسبة للجزائر، أنجبت عدة شعراء وأدباء، ومازالت أطرافها محافظة، بل فيهم من يعيش طقوسه العربية الضاربــة في العمق حتى الآن، أنا من مدينة سور الغزلان، وهي نقيض الجلفة في العادات والتقاليد، مدينة أكثر انفتاحاً، هي أيضاً مدينة تاريخية، مر بها الرومان، وتركوا بها آثاراً جمة، وهي جميلة جداً، لو رأيتها يوم أن كانت عذراء، ولم تشوهها يد الإنسان، يقال إن تسميتها كانت "أوزيا" في العهد الروماني، ثم أخذت اسم سور الغزلان، وهناك تفسيرين، إما لوجود الغزلان بها، أو لجمال فتياتها، فيها أجمل ثانوية، على مستوى الوطن، درسني بها أساتذة سوريون.
ثم مدينتي الحبيبة الأخرى سيدي عيسى التي أسكنها الان ، مدينة الولي الصالح صاحب الضريحين ، والحكاية تطول لو شرحت لك سر التسمية ...
في الليلة تلك كان ألم الضرس يشتد كلما حاولت أن أحرك أصابعي على لوحة المفاتيح، اعترفت أنني متعبة من هذا الألم القاسي وطلبت الانسحاب، فقال:
- طهورا، إن شاء الله .
غاب هو، وغبت أنا بين عملي وسفري، وكلما سنحت لي الفرصة أسترجع في ذاكرتي ما حكاه لي عن الأمازيغ، بعض المراجع تقول: إنهم الشعب الذي لايضطهد..
وهم من البربر أي الشعب الحر، استوطنوا شمال أفريقيا، وكان لهم قادة تاريخيين مثل "تاكفاريناس" وبوبا الأول وبوبا الثاني.
مفدي زكريا شاعر الثورة الجزائرية كان يقول في الياذته :
لماذا يلقب يوبا بثاني،
أما حقق السبق في المدنية
**
ومن كانت تلهمه "سيفونيزيا"
جدير بأن يتحدى الزمانا
وهناك أعمدة وقامات ثقافية قدمت للوطن والدين كل خير مثل ميلود قاسم نايت قاسم وهو مفكر جزائري أمازيغي يتقن أكثر من لغــة ، ويحكى أنه عندما زار إيران كان متحدثه يتحدث باللغة الفارسية فقال له: حدثني باللغة العربية وإلا حدثتك بلغة لن يترجمها لك أحد، فضحك الرجل وتحدث إليه بالعربية.
وأمازيغ ذابوا مع العرب وأصبحوا جسداً واحداً، بل هم أكثر دفاعاً عن العروبة من العرب مثلما نسميه بالشاوية، وسوادهم الأعظم يقيم بجبل أوراس وباتنة، ومنهم الرئيس هواري بومدين، وكان عبء الثورة الجزائرية من نصيبهم الأكبر لأنهم أبطال حقيقيون، كان الأوراس لــه حضوره المدهش في يوميات الثورة المباركــة.
حتى أنك بباتنة لاتشعرين بأنهم أمازيغ لأنهم أكثر قرباً ولحمة مع العرب الجزائريين، وهم أكثر شراسة واندفاعاً للمشروع القومي العربي الإسلامي من أي منطقة أخرى, وهناك العرب الذين قدموا مع الهلاليين واستوطنوا مناطق جزائرية في الجلفة وبسكرة وبوسعادة.
ومن القادمين من المشرق سيدي نايل ومنه أصبحت الأصول والفروع تملأ الصحراء، ولا تقدرين على التمييز بين عربي وأمازيغي بفعل الخصوصية التراثية الجميلة بالملبس والعادات والتقاليد، الكل متشابه كعيون أهل الصين.
وعدت لا أعثر عليه إلا دقائق قصيرة جداً، كان مشغولاً بمجلته، بالتعقيبات، بأشياء تخص عمله، وأشياء تتعلق بأسرته، كان مثلي عاشقاً ومطيعاً لوالده، وكم وقع احترامه لأبيه في نفسي موقعاً كبيراً، أكبرت فيه هذا الولاء لرجل أنجب منه رجلاً ربما يشبهه في خلقه وهندسة آماله.
كان يتساءل عن هؤلاء الرجال الذين أنجبتهم بطون مليئة بالقوة والشهامة، أمثال العربي بن مهيدي ، قال لي:
- تصوري الجنرال "بيجار" قال: لو كنت أملك ثلــة من أمثال بن المهيدي لفتحت العالم، أي الرجال كانوا هؤلاء الشرفاء من الأبطال؟ صدقيني حين أفكر بهم أجد نفسي لا أشكل نقطة صغيرة في حياتهم .
وتتابعت أحاديثنا تضع الملح على جراح الوطن، وتضع الأمل بين قوسين .
هنا بدأت مقالاتي تأخذ وضعاً جديداً في سطور التعقيبات الجميلة وكان الصديق الشاعر بلطرش رابح يفرح لهذا، ثم بدأت كتاباتي تنساق نحو بعض قصائد الشعراء كالدكتور يوسف وغليسي، وعاشور بوكلوة، عبد الله ضيف، كما كانت تعقيبات الناقد جمال غلاب تشغل مساحة واسعة في ذاكرتي الأدبية.
ـــــــــــــــــ
أصوات الشمال
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المصباح .. دروبــــــ ــ ــ ــ .doroob
/ قال الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية 18/
الرجاء الالتزام بأداب النشرفي كتابة الاستفسارات والتعليق.