ما قرانا كتابا ولا عاينا فكرا ولا سمعنا رأيا إلا وجدنا للخلفية العقائدية فى قلب صاحبها انعكاسا واضحا لها، يجعله يفلسف جميع الأمور ويحلل جميع المشكلات وفقا لتعمق ومدى استيعاب هذه العقيدة فى قلبه وروحه حتى لأنها تظهر جلية فى كلامه وافعاله واحكامه و حتى فى رؤاه و أحلامه .
ويتضح ذلك جليا عندما نعرف كيف اثر اختلاف مفهوم الإله وعلاقة الدين فى اختيار النظام الاجتماعى و السياسى والاقتصادي ...الخ فى المجتمعات الغربية والشرقية ، فبينما يرى ارسطو اكبر واشهر فلاسفة الغرب - «أن الله لا يدبر أىَّ شأن فى هذا الكون، بل لا يعلم شيئا عما يجرى فيه».
ويتحسر مؤرخ الحضارة والفلسفة «ول ديورانت» فى كتابه «مباهج الفلسفة»، على الألوهية عند أرسطو قائلا : «يا لإله أرسطو من إله مسكين، إنه كملك الإنجليز يملك ولا يحكم».مستنكراَ تعريف ارسطو لله ،
مثل هذا الاعتقاد الذى لا يرسخ المراقبة لله العليم القدير مالك الملك والملكوت بل ويجعله عاجزا ناقصا دفعهم الى فصل الدين عن الدنيا وزاد اقتناعهم بذلك ايضا اعتقادهم بقول المسيح عليه السلام : «دع ما لقيصر لقيصر، وما لله لله» منطلقا للتحلل من قوانين الله ومن الاستجابة لعلماء الدين فى تنظيم الحياة .
بينما يعتقد المسلمون ان الله يعلم كل شىء، ويملك كل شىء، ويدبر كل أمر، ويعلم خائنة الاعين وما تخفى الصدور ، والحياة كلها تدار وفق لغايات وقواعد اساسية وضعها ، وان ترك للبشر اختيار الأسلوب والطريقة التى يطبقونها بها وفق للتغيرات الحضارية والمكانية والزمانية وبالتالى يثبت عندهم «أن قيصر وما لقيصر فهو كله لله الواحد القهار»
وبالتحليل والنظر نجد كيف اثر اختلاف الاعتقاد فى اختلاف عقائد وفكر الشرق عن الغرب الذى جعل الدنيا غايته فتحلل من الالتزام بالدين فى حياتهم وجعلهم يتبعون اهوائهم ويفعلون ما بدا لهم سواء وافق الحق او خالفه وسواء رضى عنه غيرهم او رفضه فقد اعلوا قدر المادية والجسدية الى درجة اخلت بالقوانين الطبيعية بطريقة لا ترضى عنها حتى الحيوانات العجماء فكل ما حرم الله من علاقات بين الرجل والمرأة أحلوه ، وما وضعه من قوانين لتنظيم العلاقات بين البشر مهما تغيرت اديانهم واجناسهم واوطانهم نقضوه ، واصبحت المصلحة الخاصة والاشباع البدنى هو غايتهم ، وليس معرفة الله وعمارة كونه وفق ما اراد وما خلق الكون من اجله منطلق تخطيطهم .
اما المسلمون الذين يملكون كتابا توكل الله بحفظه وجعله دستورا كلما ضلوا عادوا اليه واستنطقوا اياته واحكامه ليهتدوا به ، فلا يستطيع المسلم الملتزم ان يتعداه والا عاش حالة من التأنيب الفكرى والألم النفسى والقلق الروحى ولا يزال يلوم نفسه حتى يغلبها ويؤوب الى رشده مهما طال به البعد ويلتزم الطريق فيطمئن قلبه برضاء ربه .
فنحن الله منطلقنا ومحركنا فى حياتنا لا نستطيع إلا ان نفعل ما يوافق شريعته فى التعامل مع ذواتنا او التعامل مع غيرنا وكوننا ، فشريعتنا تحدد العلاقات بحكمة وعدل ومساواة دون حجر على راى او فكر او تعدى او جور او ظلم ، شريعة تقتص للكافر من المسلم وتعطى الحق لصاحب الحق مهما خالف فى العقيدة ، شريعة لا تكره احد على الدخول فيها لكنها تلزم من عاش بين اهلها ان يلتزم آدابهم وأخلاقهم حتى لا يكون نشاذا بينهم او هادما لمنظومتهم المتكاملة بالقيم ومكارم الاخلاق وصحة فهم الالوهية .
فاذا فقه الغرب ذلك عنا وعلم ان التمسك بحبل الله قد حفظ سيادتنا وقوتنا قرونا طويلة وحاولوا محاربة الدين بتغيير اللغة والدعوة الى القومية دون العربية التى هى لغة القرآن والدين حتى لا يستطيع متفرنج من الرجوع الى دستوره فيتوه عن الطريق ويتبع فكرهم ورأيهم الذى ابهروه به فيضل ويُضل بل ويصير جندا يدعوا الى عقيدتهم وفكرهم لأنها تشبع رغباته وتحلله من مسئولياته والتزامته .
وبهذا لا يصير هناك ميزة لأمة على امة فالجميع أصبح فى الهوى سوا كما يقولون ، وقد خدعوا واضلوا عندما البسوا هذا الاتجاه فى محاربة الامم ثوب الحضارة والتقدم كما يدعون واطلقوا عليه الليبرالية او العولمة وادعوا انها تبادل للعلوم والثقافات والوصول الى تحقيق جميع مطالب الحياة فانساق خلفهم الكثير بل ودعى بدعوتهم ونسى انه ليس مثلهم فهم لا تحكمهم قوانين ولا دين ولا شريعة حافظة للحقوق والنظام لذا يتعدون على حق الانسان فى الحياة ليأخذوا أعضاءه بينما يعد ديننا بانه من قتل نفسا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعا ومن احياها فكأنما احيا الناس جميعا ، يحلون العلاقات غير المشروعة ويعدونها حاجة طبيعية كالطعام والشراب فحولوا الآدمية الى بهيمية جعلت اصحابها يتسافدون فى الطرق كالحمر بل ويشذون فى علاقاتهم مادم الهدف الاشباع دون رقيب ، اما نحن فلا يلغى ديننا الغريزة بل يهذبها وينظمها وفق قوانين حتى يحفظ المجتمع نظيفا عفيفا يثق الابن فيه بابيه وامه ويثق كل صاحب شرف بشرفه .
وبهذا نرى ان الاعتقاد يميز امة عن امة ويجعل ما تحله امة لا يصلح ان تحله اخرى لان هذا رضى بهواه محركا وهذا رضى بربه مراقبا ، فمن أراد ان يتبعهم فقد تخلى عن عقيدته وفكره .
فهل يعى شبابنا المضلل الذين ظلمهم النظام السابق طوال ثلاثين عاما فلم يوفر لهم تعليما يرسخ عقائدهم ويبصرهم بشريعتهم ويعظم لديهم ارتكاب المعاصى لتعظيم المعْصى فى نفوسهم وعقولهم ، بل وحارب كل من حاول ان يسدد عجزه وينهض بالدعوة والهداية دونه فآذاهم وتعقبهم وعذبهم وسجنهم ولكن لا ضير فهذه سنة الله فى كونه ان كل داع الى فضيله يخالفه فيها قومه لا بد ان يعادوه ويحاربواه ، وعليه ان يصبر حتى ينصره الله وقد نصرنا الله وأزلنا راس النظام الذى طمس هويتنا وافسد عقيدة شبابنا واطلق العنان لأعدائنا ليعيسوا فى ديارنا وفكر ابنائنا فسادا ، وعلينا ان نصبر ونواصل جهادنا حتى يتمم الله نصرنا ونوفر الظروف الى تجعلنا نعيد تربية أولادنا وتصحيح عقيدتنا وفكرنا ونحفظ السلام والامان لكل من يعيش معنا وبيننا .
حفظك الله يا مصر من كيد الكائدين وابعد عنك الفتن ما ظهر منها وما بطن فهو ولى ذلك والقادر عليه .
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
احلام الجندى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المصباح .. دروبــــــ ــ ــ ــ .doroob
/ قال الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية 18/
الرجاء الالتزام بأداب النشرفي كتابة الاستفسارات والتعليق.