
كتبت : سلوى متولى
تمثل الكاتبة أحلام مستغانمي، سيدة الأدب النسائي في العصر الحديث، بلا منازع ، تبدت شخصيتها واضحة في رواية (الأسود يليق بك) من خلال بطلتها، التي أورثتها جبال الأوراس في الجزائر شموخا نفسيا، وكبرياء وثقة، رسمت من خلالها الكاتبة صورة الفتاة العربية الأبية رغم كل الظروف.
......
حللت الرواية قضايا المجتمع الجزائري، وشرحت حالة الإرهاب في عهد الحبيب بو رقيبة وتعرضت الرواية لتحليل حياة الإرهابيين، وكيف كانوا يتصفون بالخسة والدناءة، واستعرضت كذلك حال المجتمعات العربية، وحياة اللاجئين من العراق، ولم تترك وصف مصر ولمس قضية الاهتمام بالوقت التى يفتقدها الكثيرون، وإن كانت صعوبة المرور مبررا قويا لذلك.
.......................
هناك سمو في استخدام اللغة ، ومعانيها، ودقة متناهية في رسم مفرداتها، والعزف علي إيقاع المشاعر برقة ورشاقة ، وحسن بيان.
تنظر لعباراتها فتجدها كأنها قصيدة شعر، أو قطعة نثر فني، أو لوحة يتوه في جمالها الوجدان. وراحت أحلام تحلل أفكار المرأة ومشاعرها، بل وأنفاسها بفن ، يطير له العقل، وينفعل به القلب، وتتأثربه الروح.
والأكثر من ذلك أنها استطاعت وبجدارة تحليل مشاعر الرجل وأفكاره ، التى تخص علاقته بالمرأة ، وكيف ينظر لها، وكيف يقتحم عالمها، ويجعلها تنجذب إليه، بعد أن يدرس ثقافتها وفكرها، فيتقمص دورا تمثيليا، يتكشف تدنيه بعد وقت قريب، فللمرأة ذكاء فطري يستطيع فهم تلك الحيل ، خاصة إذا كانت المرأة بصفات عربية أبية، لا تضعف أمام خطايا الوجدان، وضلالات الشعور - التي قد تحدث أحيانا لبني البشر - ، ومن إحدى عباراتها التي شرحت فيها ذلك، تفكير بطل الرواية واستراتيجياته في جذب المرأة واقتحام مشاعرها:تقول
" الحب هو ذكاء المسافة، ألا تقترب كثيرا فتلقي اللهفة، ولا تبتعد طويلا فتنسى، ألا تضع حطبك دفعة واحدة في موقد من تحب ، أن تبقيه مشتعلا بتحريك الحطب ليس أكثر، دون أن تلمح الآخرين يدك المحركة لمشاعره، ومسار قدره"
.......................
طبعا كل هذه الحيل من الرجل المخادع ذلك النموذج التي اختارته السيدة أحلام ليكون بطل روايتها، يمثل الفكر الأغلب في النظر للمرأة بدونية المستوى الفكري، كذلك ، كان البطل- هاشم - معبرا صارخا عن ازدواجية الرجل الشرقي، الذي أراه صنيعة الأسرة بطرفيها، فلابد أن هناك جهل متوارث من بعض الأمهات يشارك في بناء ذلك الفكر، ولا يمكن أن يتحمل الأب وحده مغبة ذلك، أضف لذلك ركام من الجهل العام، الذي يسمح للتطرف الفكري وعدم الاعتدال....
..........................
تبقى نقطة اختلافي مع هذه الكاتبة الرائعة ، هي الاستطراد والتفصيل الذي يشف علاقة الرجل والمرأة، وتوضيحها بجمال ينافي واقع الخطيئة، الحقيقة أن هذه الإشكالية لم تكن مع أحلام فقط ، فالمسألة مبدأ ، فالفن قول، والقول له ضوابطه من الجمال والدين والخلق، ولا يجب على الكاتب تجمييل وتزين الخطأ مهما كان، ثم إن مبدأ الأخلاق - إلم يكن الدين - يرفض تلك العلاقات البذيئة التي لا تحمل ضابطا شرعيا، فإن قيل أحداث الرواية فرضت ذلك، فلا يجب الوقوف على التفاصيل بدرجة تحول الكلمات لصور شيطانية، تخرج بالرواية من إطار الفكر، لإطار الإثم.....
......................
ولا شك أن أحلاما أصبحت تحلق في سماء الرواية العربية , وتغرد بلا نظير ولا شبيه، وفي نظري أنها تسعي ، لوجود يتوازى مع عظمة نجيب محفوظ ، ولا تقل عنها.ولنا الفخر أن ترقي الكاتبة العربية لمكانها المأمول الذي ينبض بعظمة خلق الإنسان، ورقي الإنسانية...
ــــــــــــ
(الأسود يليق بك ..وروعة الأدب النسائي) مقالة بقلم الشاعرة / سلوى متولى
باحثة دكتوراه ، لغة عربية ( أدب ونقد )
كلية الآداب ، جامعة القاهرة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المصباح .. دروبــــــ ــ ــ ــ .doroob
/ قال الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية 18/
الرجاء الالتزام بأداب النشرفي كتابة الاستفسارات والتعليق.