د. هدى برهان طحلاوي
الحكم من ذكر اللقاء الأول بين موسى عليه السلام وربه في القرآن الكريم كثيرة منها:
1. كلم الله موسى وكلنا نحب أن يكلمنا الله، ولكن لماذا لا يكلمنا الله؟ هل نحن مثل موسى في العلم والحكمة والقوة؟ هل نتحمل ما تحمل موسى من المسؤولية أمام فرعون الظالم، وظلمه كان بقدر ظلم حكام العالم أجمعين؟
2. كلم الله موسى تكليماً خاصاً به دون وساطة جبريل، وتميز عن باقي الرسل والأنبياء بهذا الكلام، ولكل نبي أو رسول معجزة خاصة به، وهذه حكمة الله ليرينا كيف هو قادر على كل شيء، وكيف يستمر وجود الكافرين رغم كل هذه المعجزات وعددها.
3. هل أتاك حديث موسى؟ إنه سؤال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل بعده الجواب ليعلمه الله القصص الصحيح عن الأنبياء والرسل، وليعلمها هو بدوره لقومه دون غش أو كذب أو تحريف للوقائع، وليتخذ قومه منها العظة والحكم فلا يسألوه أسئلة عرفوا جوابها منها.
4. رأى موسى ناراً فقال لأهله امكثوا إني آنست ناراً_ أي أبصرتها بوضوح واستأنست بها_ والنار مخيفة ومفيدة بنفس الوقت، فمخيفة بفعلها المخرب والحارق، ومفيدة للإنارة وتخويف الحيوانات بها والأعداء أيضاً، وتستخدم بأعمال الطهي وغيرها, ولكن موسى توقع أيضاً أن يجد على النار هدى، ولم يأخذ أهله معه حتى يستطلع الخبر، ولعله هو رآها لوحده وخاف على أهله من الاقتراب منها، فقال لهم امكثوا لأن الإنسان الشجاع يقدم بنفسه ولا يعرض أهله للخطر معه.
5. ذهب موسى لوحده حيث وجد ناراً، ولكنه وعد أهله خيراً حتى لا يخافوا عليه منها، وعدهم بقبس منها أو جذوة لعلهم يصطلون، أو هداية لطريقه أو خبر، وهكذا يجب على الإنسان أن يطمئن من حوله ولا يخيفهم من الأحداث والظروف.
6. لما أتاها نودي يا موسى بورك من في النار ومن حولها، وسبحان الله رب العالمين، وهي كلمات سبقت إني أنا ربك ورب العالمين أنا الله، حتى يتدرج الله بلطفه ومفاجأته لموسى، وكم تقشعر الأبدان عند تخيل هذا الموقف، فالله العظيم نفسه يتكلم مع عبده دون أن يراه في مكان فسيح في واد لا أنس فيه ولا جن يستأنس بهم، وحيداً أمام رب العالمين، وهذه حكمة الله أبعده عن أهله ليكلمه بعد أن تاب وعمل صالحاً، حيث أراد أن يرسله إلى فرعون الظالم، واختاره من أجل ذلك على علم على العالمين، وهذه مشيئة الله وحكمته يختار من يشاء.
7. أول ما أمره الله أن يخلع نعليه احتراماً للواد المقدس، وتطهيراً للباس من يكلم الله، وكلنا نعلم كم يتسخ الحذاء من المشي في الطرقات سواء كانت معبدة أم غير معبدة لا نعلم على ماذا ندوس، ولذلك كان خلع الحذاء عادة لدخول الأماكن المقدسة والطاهرة كبيوت الله إلى يومنا هذا.
8. نودي من شاطئ الوادي الأيمن طوىً في البقعة المباركة من الشجرة، أي تحديد دقيق للمكان وليس أهلاساً سمعية أو بصرية.
9. أخبره الله عن اختياره له وأمره بالاستماع، فاطمأن قلب موسى وأطاع، وهذا الاستماع هو أول طريق الهداية، ولذلك على الإنسان أن يستمع للقول ويتبع أحسنه دوماً وخاصة كلام الله.
10. أول تعريف لله عن نفسه هو أنه لا إله إلا هو، وهذا التعريف يتشارك به كل الرسل والأنبياء، ولذلك من الهراء أن نصدق أنه توجد آلهة أخرى أو أولاد لله يعتبرون كآلهة لأن ذلك يتنافى مع لا إله إلا الله.
11. ثم عرف الله نفسه بالعزيز الحكيم لأن العزة والحكمة من الصفات العظيمة لله يهب بعضها لعظماء البشر.
12. ثم ذكر الله لموسى أنه غفور رحيم، وهي من أسمائه الحسنى التي احتاج إليها موسى المذنب سابقاً، ويحتاج إليها جميع البشر.
13. أمر الله موسى بعبادته وعدم الإشراك به أولاً، ثم بإقامة الصلاة لذكره ثانياً، ولكل ديانة صلاة خاصة بها لذكر الله، فلنتمسك بصلاتنا دوماً طالما هي ترضي الله عنا، وتحيينا وتحيي الذكر في قلوبنا وعقولنا المشغولة دوماً بأمور الحياة إلى درجة نسيان الله وحمده وتعظيمه.
14. ثم أخبره الله عن أمر عظيم وهو الساعة أي اليوم الآخر، وبين له أنها آتية لا محالة، ويكاد الله يخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى، أي أن الله يهتم كثيراً بتلك الساعة ويبلغ أنبياءه عنها دوماً، حتى يقدموا لها من سعيهم ويحسبوا حساباً لها ولا يتوقعون أن الله يحاسب في الدنيا على كل الأعمال، فكم من ظالم مات ولم يحاسبه الله في الدنيا، ولكن أمهله للآخرة لأن الله يمهل ولا يهمل.
15. قال الله أنه يكاد يخفي الساعة، أي أنه هناك إمارات وعلامات، أو ربما علمٌ لا يعلمه إلا القليل، وكلها غير مؤكدة حتى يظل المرء يحسب حساباً لها ويتوقعها في أي لحظة، فلا يطغى ولا يتجبر لو كان له عقل أو قلب مؤمن.
16. وعدنا الله بالساعة لتجزى كل نفس بما تسعى، أي علينا بالسعي دوماً لعمل الخير ولا نتقاعس عنه، فنسعى كثيراً قدر ما نستطيع، ولا حدود لهذا السعي لأنه هناك درجات كثيرة في الجنة يتميز فيها البشر بهذا السعي، فهل أفضل من هذا العدل والحث على العمل؟!
17. أمر الله موسى أن لا يصده عن الساعة من لا يؤمن بها، لأنه يوجد في الدنيا كثير من البشر لا يؤمنون بها، ويحاولون صد البشر عنها وعدم تصديق حدوثها، فيقولون خذوا ما شئتم من هذه الحياة واغتنموها، ويحللون لأنفسهم ما ليس لهم، فيفسدون في الأرض، ويتمتعون بأنانية مفرطة سراً وعلانية إذا لم يخافوا من أحد وكان لهم السلطة وبيدهم العقاب الدنيوي، ولا يخافون إلا من القانون الذي يحاكمهم لو استطاع، وكم هي الحالات كثيرة التي لم يستطع فيها القانون معرفة الجاني ومعاقبته، أو الوصول إليه من نفوذه وقوته.
18. كما حذر الله موسى من الذين يتبعون أهواءهم حتى لا يردى ويسقط في الدنيا والآخرة، لأن اتباع الأهواء والمصالح الشخصية يودي بالمجتمع إلى الهاوية.
19. سأل الله موسى وما تلك بيمينك يا موسى؟ وهو أعلم بالجواب ولكن من لطف الله تعالى فهو يسأل ويسمع الجواب، ويستأنس الخائف بالتكلم والشرح والبيان.
20. موسى كان كغيره من الرجال يستعملون العصا في حلهم وترحالهم، فهي تفيدهم في التوكؤ والرعي وعند الدفاع عن النفس، وأمور أخرى، وهي عادة جيدة فقدناها في الزمن الحاضر، وأصبحت دليل عجز وشيخوخة مع أنها تفيد الشباب أيضاً.
21. كان موسى راعي غنم، ويقال ما من نبي إلا وقد رعى الغنم لما للغنم ورعيه من فائدة عظيمة للبشر في كل زمان ومكان.
22. أمره الله بإلقاء عصاه فألقاها، والله إذا أمر يجب طاعته بكل شيء حتى لو كان أمراً لا نحبه.
23. ألقى عصاه بأمر الله فإذا هي حية تسعى تهتز كأنها جان، فخاف موسى وولى مدبراً ولم يعقب، وأين يهرب ومعه الله؟ لطف به الله وآمنه، فخاطبه أن لا يخاف لأن المرسلين لا يخافون لدى ربهم إلا من ظلم ثم بدل حسناً بعد سوء يغفر الله لهم كحالة موسى، فكيف لا يخاف إذاً من الله الظالمون الذين لا يبدلون حسناً بعد سوء ولا يتوبون؟
24. أعاد الله العصا كما كانت، حتى تهدأ نفس موسى الخائفة من هول الصدمة والمفاجأة، وهذا من لطف رب العالمين أيضاً ورحمته.
25. أكمل الله له تسع آيات من بينها عصاه، ويده البيضاء، وضم جناحه، وهذا يعتبر من آيات الله الكبرى، وأمره أن يذهب إلى فرعون وملئه بها لعلهم يتقون، فالمعجزات الإلهية هي لإقناع الكافرين بصدق الرسل، وتختلف من رسول لآخر كما أسلفنا.
26. عبر موسى عن خوفه من تكذيبه وضيق صدره وتلعثم لسانه أمام فرعون، كما خاف القتل من قبل فرعون لأنه ارتكب ذنباً في السابق وهدد بالقتل عندهم وفر إلى مدين من أجل هذا، كما طلب العون من الله أن يرسل معه أخاه هارون فصيح اللسان، وكم يفيد الأخ أخاه في مثل هذه المواقف، وكم تفيد فصاحة اللسان في الإقناع، فهي موهبة من رب العالمين.
27. استجاب الله له بما طلب من مؤازرة أخيه ليكون وزيره، وشرح له صدره، ويسر له أمره، وحل له عقدة من لسانه، والله يستجيب للمؤمن ما يطلب حتى يطمئن قلبه.
28. موسى يحب أخاه هارون، ويريد إشراكه في أمره العظيم، وهذا حال المؤمن دوماً يجب أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
29. وعد موسى ربه أن يسبحه كثيراً، ويذكره كثيراً مع أخيه، فالتسبيح والذكر الجماعي يرضي الله.
30. اعترف موسى أن الله كان بهم بصيراً، وهذا نوع من الحمد والشكر لله.
31. أرسل الله موسى إلى فرعون وقومه لأنهم كانوا فاسقين وظالمين، حتى يتقوا الله، ولكن الله ذكر فرعون أكثر من قومه، لأن رأس القوم إذا صلح صلحوا، وإذا فسد فسدوا.
32. جعل الله لموسى وهارون سلطاناً، حتى لا يصل إليهما فرعون وقومه بأذى عن طريق الآيات المعجزات التي أيده بها، وتكفي العصا التي تتحول لثعبان، أو تضرب البحر فتشقه نصفين، أو تضرب الحجر فينبثق منه ماء الشرب، فكيف ببقية الآيات؟!
33. وعد الله موسى وهارون ومن اتبعهم بالغلبة على فرعون وملئه، والله إذا وعد وفى، والمؤمنون يثقون بالله دوماً.
34. بلغ الله موسى أنه اصطنعه لنفسه ليتفرغ إلى ما وكله به الله، فيذهب هو وأخوه بآياته إلى فرعون وقومه، ولا يقصران في ذكر الله، أو يفتران في تبليغ رسالته.
35. أرسل الله موسى وهارون إلى فرعون لأنه طغى، وطلب منهما أن يقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى، وهكذا الله يحب أن يلطف بعباده ويمهلهم ولو كانوا طغاة، لعلهم يتنبهون للحق، أو يخافون من الله الحق، ولعل الحكمة والموعظة الحسنة تؤثر بهم رغم أنه كان بمقدوره طبعاً أن يخلص العباد منه بأمر كن فيكون.
36. عندما رأى الهخ تخوف موسى وهارون طمأنهم أنه معهما يسمع ويرى، لأن من كان معه الله يجب أن لا يخاف أبداً.
37. أمرهما الله أن يقولا لفرعون أنهما رسولا ربه، ليرسل معهما بني إسرائيل ولا يعذبهم، إذ أراد الله لهما ولقومهما البعد عن فرعون وقومه، ليمن الله على المستضعفين ويهديهم ويحررهم من العبودية لفرعون، فيرى كيف يعملون وهم أحراراً.
38. الآيات التي أيد الله بها موسى وهارون هي معجزات لا يتمتع بها أحد، حتى يصدق فرعون كلامهما، ويفعل ما أمراه به.
39. بلَّغ موسى فرعون أن السلام على من اتبع الهدى، أي أن كل من يتبع هدى الله عليه السلام من ربه، وكل من يريد السلام والأمان عليه بتقوى الله.
40. العذاب على من كذب وتولى، أي الذي يكذب بما أنزل الله، ويبتعد عنه، فسيصيبه عذاب عاجلاً أم آجلاً.
41. ذكَّر الله موسى بقصة حياته منذ طفولته الأولى، وكيف منَّ عليه بوحيه إلى أمه أن تقذفه في التابوت، ثم في اليم، وكيف ألقاه اليم بالساحل، ليأخذه عدوه وعدو الله ليتربى بمحبة الله ويصنع على عين الله، وكيف مشت أخته قربهم ودلتهم على أمه التي كفلته وأرضعته، فرجع إلى أمه الحنون كي تقر عينها ولا تحزن، وذكَّره الله أيضاً كيف قتل نفساً ونجاه من الغم وفتنه، ولبث سنين في أهل مدين، حتى جاء على قدر الله، وكل هذه المعلومات لا يعرفها إلا الله وقليل من أهله، حتى لا يقتله فرعون لو عرفها، وحتى يطمئن موسى ويصدق أن الذي يكلمه هو الله الذي يعلم كل شيء، وهذا دليل آخر من الله له غير المعجزات التي خصه بها.
42. طلب الله من موسى أن يقول لفرعون هل لك إلى أن تزكى، أي تتخلص من الكفر والطغيان، كما يقول له وأهديك إلى ربك فتخشى لأن الذي يعرف الله يخافه ولا يرتكب المعاصي والجرائم التي حرمها الله.
والله أعلم
المصادر:
هي آيات القرآن الكريم التالية:
"إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا163/4وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا" النساء: 163-164
"وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى9/20إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى10/20فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى11/20إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى12/20وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى13/20إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي14/20إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى15/20فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لاَ يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى16/20وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى17/20قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى18/20قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى19/20فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى20/20قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى21/20وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى22/20لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى23/20اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى24/20قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي25/20وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي26/20وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي27/20يَفْقَهُوا قَوْلِي28/20وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي29/20هَارُونَ أَخِي30/20اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي31/20وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي32/20كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا33/20وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا34/20إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا35/20قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى36/20وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى37/20إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى38/20أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي39/20إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى40/20وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي41/20اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي42/20اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى43/20فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى44/20قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى45/20قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى 46/20فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى47/20إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّى"
طه: 9-48
"وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ10/26قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ11/26قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ12/26وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ13/26وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ14/26قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ15/26فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ16/26أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ " الشعراء: 10-17
"إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ7/27فَلَمَّا جَاءهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ8/27يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ9/27وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ10/27إِلَّا مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ11/27وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ " النمل: 7-12
"فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ 29/28فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ30/28وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ31/28اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ32/28قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ33/28وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ34/28قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ" القصص: 29-35
"وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ" القصص:46
"هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى15/79إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى16/79اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى17/79فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى18/79وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى" النازعات:15-19
الحكم من ذكر اللقاء الأول بين موسى عليه السلام وربه في القرآن الكريم كثيرة منها:
1. كلم الله موسى وكلنا نحب أن يكلمنا الله، ولكن لماذا لا يكلمنا الله؟ هل نحن مثل موسى في العلم والحكمة والقوة؟ هل نتحمل ما تحمل موسى من المسؤولية أمام فرعون الظالم، وظلمه كان بقدر ظلم حكام العالم أجمعين؟
2. كلم الله موسى تكليماً خاصاً به دون وساطة جبريل، وتميز عن باقي الرسل والأنبياء بهذا الكلام، ولكل نبي أو رسول معجزة خاصة به، وهذه حكمة الله ليرينا كيف هو قادر على كل شيء، وكيف يستمر وجود الكافرين رغم كل هذه المعجزات وعددها.
3. هل أتاك حديث موسى؟ إنه سؤال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل بعده الجواب ليعلمه الله القصص الصحيح عن الأنبياء والرسل، وليعلمها هو بدوره لقومه دون غش أو كذب أو تحريف للوقائع، وليتخذ قومه منها العظة والحكم فلا يسألوه أسئلة عرفوا جوابها منها.
4. رأى موسى ناراً فقال لأهله امكثوا إني آنست ناراً_ أي أبصرتها بوضوح واستأنست بها_ والنار مخيفة ومفيدة بنفس الوقت، فمخيفة بفعلها المخرب والحارق، ومفيدة للإنارة وتخويف الحيوانات بها والأعداء أيضاً، وتستخدم بأعمال الطهي وغيرها, ولكن موسى توقع أيضاً أن يجد على النار هدى، ولم يأخذ أهله معه حتى يستطلع الخبر، ولعله هو رآها لوحده وخاف على أهله من الاقتراب منها، فقال لهم امكثوا لأن الإنسان الشجاع يقدم بنفسه ولا يعرض أهله للخطر معه.
5. ذهب موسى لوحده حيث وجد ناراً، ولكنه وعد أهله خيراً حتى لا يخافوا عليه منها، وعدهم بقبس منها أو جذوة لعلهم يصطلون، أو هداية لطريقه أو خبر، وهكذا يجب على الإنسان أن يطمئن من حوله ولا يخيفهم من الأحداث والظروف.
6. لما أتاها نودي يا موسى بورك من في النار ومن حولها، وسبحان الله رب العالمين، وهي كلمات سبقت إني أنا ربك ورب العالمين أنا الله، حتى يتدرج الله بلطفه ومفاجأته لموسى، وكم تقشعر الأبدان عند تخيل هذا الموقف، فالله العظيم نفسه يتكلم مع عبده دون أن يراه في مكان فسيح في واد لا أنس فيه ولا جن يستأنس بهم، وحيداً أمام رب العالمين، وهذه حكمة الله أبعده عن أهله ليكلمه بعد أن تاب وعمل صالحاً، حيث أراد أن يرسله إلى فرعون الظالم، واختاره من أجل ذلك على علم على العالمين، وهذه مشيئة الله وحكمته يختار من يشاء.
7. أول ما أمره الله أن يخلع نعليه احتراماً للواد المقدس، وتطهيراً للباس من يكلم الله، وكلنا نعلم كم يتسخ الحذاء من المشي في الطرقات سواء كانت معبدة أم غير معبدة لا نعلم على ماذا ندوس، ولذلك كان خلع الحذاء عادة لدخول الأماكن المقدسة والطاهرة كبيوت الله إلى يومنا هذا.
8. نودي من شاطئ الوادي الأيمن طوىً في البقعة المباركة من الشجرة، أي تحديد دقيق للمكان وليس أهلاساً سمعية أو بصرية.
9. أخبره الله عن اختياره له وأمره بالاستماع، فاطمأن قلب موسى وأطاع، وهذا الاستماع هو أول طريق الهداية، ولذلك على الإنسان أن يستمع للقول ويتبع أحسنه دوماً وخاصة كلام الله.
10. أول تعريف لله عن نفسه هو أنه لا إله إلا هو، وهذا التعريف يتشارك به كل الرسل والأنبياء، ولذلك من الهراء أن نصدق أنه توجد آلهة أخرى أو أولاد لله يعتبرون كآلهة لأن ذلك يتنافى مع لا إله إلا الله.
11. ثم عرف الله نفسه بالعزيز الحكيم لأن العزة والحكمة من الصفات العظيمة لله يهب بعضها لعظماء البشر.
12. ثم ذكر الله لموسى أنه غفور رحيم، وهي من أسمائه الحسنى التي احتاج إليها موسى المذنب سابقاً، ويحتاج إليها جميع البشر.
13. أمر الله موسى بعبادته وعدم الإشراك به أولاً، ثم بإقامة الصلاة لذكره ثانياً، ولكل ديانة صلاة خاصة بها لذكر الله، فلنتمسك بصلاتنا دوماً طالما هي ترضي الله عنا، وتحيينا وتحيي الذكر في قلوبنا وعقولنا المشغولة دوماً بأمور الحياة إلى درجة نسيان الله وحمده وتعظيمه.
14. ثم أخبره الله عن أمر عظيم وهو الساعة أي اليوم الآخر، وبين له أنها آتية لا محالة، ويكاد الله يخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى، أي أن الله يهتم كثيراً بتلك الساعة ويبلغ أنبياءه عنها دوماً، حتى يقدموا لها من سعيهم ويحسبوا حساباً لها ولا يتوقعون أن الله يحاسب في الدنيا على كل الأعمال، فكم من ظالم مات ولم يحاسبه الله في الدنيا، ولكن أمهله للآخرة لأن الله يمهل ولا يهمل.
15. قال الله أنه يكاد يخفي الساعة، أي أنه هناك إمارات وعلامات، أو ربما علمٌ لا يعلمه إلا القليل، وكلها غير مؤكدة حتى يظل المرء يحسب حساباً لها ويتوقعها في أي لحظة، فلا يطغى ولا يتجبر لو كان له عقل أو قلب مؤمن.
16. وعدنا الله بالساعة لتجزى كل نفس بما تسعى، أي علينا بالسعي دوماً لعمل الخير ولا نتقاعس عنه، فنسعى كثيراً قدر ما نستطيع، ولا حدود لهذا السعي لأنه هناك درجات كثيرة في الجنة يتميز فيها البشر بهذا السعي، فهل أفضل من هذا العدل والحث على العمل؟!
17. أمر الله موسى أن لا يصده عن الساعة من لا يؤمن بها، لأنه يوجد في الدنيا كثير من البشر لا يؤمنون بها، ويحاولون صد البشر عنها وعدم تصديق حدوثها، فيقولون خذوا ما شئتم من هذه الحياة واغتنموها، ويحللون لأنفسهم ما ليس لهم، فيفسدون في الأرض، ويتمتعون بأنانية مفرطة سراً وعلانية إذا لم يخافوا من أحد وكان لهم السلطة وبيدهم العقاب الدنيوي، ولا يخافون إلا من القانون الذي يحاكمهم لو استطاع، وكم هي الحالات كثيرة التي لم يستطع فيها القانون معرفة الجاني ومعاقبته، أو الوصول إليه من نفوذه وقوته.
18. كما حذر الله موسى من الذين يتبعون أهواءهم حتى لا يردى ويسقط في الدنيا والآخرة، لأن اتباع الأهواء والمصالح الشخصية يودي بالمجتمع إلى الهاوية.
19. سأل الله موسى وما تلك بيمينك يا موسى؟ وهو أعلم بالجواب ولكن من لطف الله تعالى فهو يسأل ويسمع الجواب، ويستأنس الخائف بالتكلم والشرح والبيان.
20. موسى كان كغيره من الرجال يستعملون العصا في حلهم وترحالهم، فهي تفيدهم في التوكؤ والرعي وعند الدفاع عن النفس، وأمور أخرى، وهي عادة جيدة فقدناها في الزمن الحاضر، وأصبحت دليل عجز وشيخوخة مع أنها تفيد الشباب أيضاً.
21. كان موسى راعي غنم، ويقال ما من نبي إلا وقد رعى الغنم لما للغنم ورعيه من فائدة عظيمة للبشر في كل زمان ومكان.
22. أمره الله بإلقاء عصاه فألقاها، والله إذا أمر يجب طاعته بكل شيء حتى لو كان أمراً لا نحبه.
23. ألقى عصاه بأمر الله فإذا هي حية تسعى تهتز كأنها جان، فخاف موسى وولى مدبراً ولم يعقب، وأين يهرب ومعه الله؟ لطف به الله وآمنه، فخاطبه أن لا يخاف لأن المرسلين لا يخافون لدى ربهم إلا من ظلم ثم بدل حسناً بعد سوء يغفر الله لهم كحالة موسى، فكيف لا يخاف إذاً من الله الظالمون الذين لا يبدلون حسناً بعد سوء ولا يتوبون؟
24. أعاد الله العصا كما كانت، حتى تهدأ نفس موسى الخائفة من هول الصدمة والمفاجأة، وهذا من لطف رب العالمين أيضاً ورحمته.
25. أكمل الله له تسع آيات من بينها عصاه، ويده البيضاء، وضم جناحه، وهذا يعتبر من آيات الله الكبرى، وأمره أن يذهب إلى فرعون وملئه بها لعلهم يتقون، فالمعجزات الإلهية هي لإقناع الكافرين بصدق الرسل، وتختلف من رسول لآخر كما أسلفنا.
26. عبر موسى عن خوفه من تكذيبه وضيق صدره وتلعثم لسانه أمام فرعون، كما خاف القتل من قبل فرعون لأنه ارتكب ذنباً في السابق وهدد بالقتل عندهم وفر إلى مدين من أجل هذا، كما طلب العون من الله أن يرسل معه أخاه هارون فصيح اللسان، وكم يفيد الأخ أخاه في مثل هذه المواقف، وكم تفيد فصاحة اللسان في الإقناع، فهي موهبة من رب العالمين.
27. استجاب الله له بما طلب من مؤازرة أخيه ليكون وزيره، وشرح له صدره، ويسر له أمره، وحل له عقدة من لسانه، والله يستجيب للمؤمن ما يطلب حتى يطمئن قلبه.
28. موسى يحب أخاه هارون، ويريد إشراكه في أمره العظيم، وهذا حال المؤمن دوماً يجب أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
29. وعد موسى ربه أن يسبحه كثيراً، ويذكره كثيراً مع أخيه، فالتسبيح والذكر الجماعي يرضي الله.
30. اعترف موسى أن الله كان بهم بصيراً، وهذا نوع من الحمد والشكر لله.
31. أرسل الله موسى إلى فرعون وقومه لأنهم كانوا فاسقين وظالمين، حتى يتقوا الله، ولكن الله ذكر فرعون أكثر من قومه، لأن رأس القوم إذا صلح صلحوا، وإذا فسد فسدوا.
32. جعل الله لموسى وهارون سلطاناً، حتى لا يصل إليهما فرعون وقومه بأذى عن طريق الآيات المعجزات التي أيده بها، وتكفي العصا التي تتحول لثعبان، أو تضرب البحر فتشقه نصفين، أو تضرب الحجر فينبثق منه ماء الشرب، فكيف ببقية الآيات؟!
33. وعد الله موسى وهارون ومن اتبعهم بالغلبة على فرعون وملئه، والله إذا وعد وفى، والمؤمنون يثقون بالله دوماً.
34. بلغ الله موسى أنه اصطنعه لنفسه ليتفرغ إلى ما وكله به الله، فيذهب هو وأخوه بآياته إلى فرعون وقومه، ولا يقصران في ذكر الله، أو يفتران في تبليغ رسالته.
35. أرسل الله موسى وهارون إلى فرعون لأنه طغى، وطلب منهما أن يقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى، وهكذا الله يحب أن يلطف بعباده ويمهلهم ولو كانوا طغاة، لعلهم يتنبهون للحق، أو يخافون من الله الحق، ولعل الحكمة والموعظة الحسنة تؤثر بهم رغم أنه كان بمقدوره طبعاً أن يخلص العباد منه بأمر كن فيكون.
36. عندما رأى الهخ تخوف موسى وهارون طمأنهم أنه معهما يسمع ويرى، لأن من كان معه الله يجب أن لا يخاف أبداً.
37. أمرهما الله أن يقولا لفرعون أنهما رسولا ربه، ليرسل معهما بني إسرائيل ولا يعذبهم، إذ أراد الله لهما ولقومهما البعد عن فرعون وقومه، ليمن الله على المستضعفين ويهديهم ويحررهم من العبودية لفرعون، فيرى كيف يعملون وهم أحراراً.
38. الآيات التي أيد الله بها موسى وهارون هي معجزات لا يتمتع بها أحد، حتى يصدق فرعون كلامهما، ويفعل ما أمراه به.
39. بلَّغ موسى فرعون أن السلام على من اتبع الهدى، أي أن كل من يتبع هدى الله عليه السلام من ربه، وكل من يريد السلام والأمان عليه بتقوى الله.
40. العذاب على من كذب وتولى، أي الذي يكذب بما أنزل الله، ويبتعد عنه، فسيصيبه عذاب عاجلاً أم آجلاً.
41. ذكَّر الله موسى بقصة حياته منذ طفولته الأولى، وكيف منَّ عليه بوحيه إلى أمه أن تقذفه في التابوت، ثم في اليم، وكيف ألقاه اليم بالساحل، ليأخذه عدوه وعدو الله ليتربى بمحبة الله ويصنع على عين الله، وكيف مشت أخته قربهم ودلتهم على أمه التي كفلته وأرضعته، فرجع إلى أمه الحنون كي تقر عينها ولا تحزن، وذكَّره الله أيضاً كيف قتل نفساً ونجاه من الغم وفتنه، ولبث سنين في أهل مدين، حتى جاء على قدر الله، وكل هذه المعلومات لا يعرفها إلا الله وقليل من أهله، حتى لا يقتله فرعون لو عرفها، وحتى يطمئن موسى ويصدق أن الذي يكلمه هو الله الذي يعلم كل شيء، وهذا دليل آخر من الله له غير المعجزات التي خصه بها.
42. طلب الله من موسى أن يقول لفرعون هل لك إلى أن تزكى، أي تتخلص من الكفر والطغيان، كما يقول له وأهديك إلى ربك فتخشى لأن الذي يعرف الله يخافه ولا يرتكب المعاصي والجرائم التي حرمها الله.
والله أعلم
المصادر:
هي آيات القرآن الكريم التالية:
"إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا163/4وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا" النساء: 163-164
"وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى9/20إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى10/20فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى11/20إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى12/20وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى13/20إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي14/20إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى15/20فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لاَ يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى16/20وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى17/20قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى18/20قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى19/20فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى20/20قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى21/20وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى22/20لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى23/20اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى24/20قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي25/20وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي26/20وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي27/20يَفْقَهُوا قَوْلِي28/20وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي29/20هَارُونَ أَخِي30/20اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي31/20وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي32/20كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا33/20وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا34/20إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا35/20قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى36/20وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى37/20إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى38/20أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي39/20إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى40/20وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي41/20اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي42/20اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى43/20فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى44/20قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى45/20قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى 46/20فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى47/20إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّى"
طه: 9-48
"وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ10/26قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ11/26قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ12/26وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ13/26وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ14/26قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ15/26فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ16/26أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ " الشعراء: 10-17
"إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ7/27فَلَمَّا جَاءهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ8/27يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ9/27وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ10/27إِلَّا مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ11/27وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ " النمل: 7-12
"فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ 29/28فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ30/28وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ31/28اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ32/28قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ33/28وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ34/28قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ" القصص: 29-35
"وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ" القصص:46
"هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى15/79إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى16/79اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى17/79فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى18/79وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى" النازعات:15-19
د. هدى برهان طحلاوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المصباح .. دروبــــــ ــ ــ ــ .doroob
/ قال الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية 18/
الرجاء الالتزام بأداب النشرفي كتابة الاستفسارات والتعليق.