بقلم الناقد المغربي صالح هشام
يقول شكسبير في رائعته هاملت :(إن كان هذا جنونا ....إلا أن بداخله منهجا ) هذا يعني أن شكسبير يتفق مع نتشه عندما يقول ، ( اللغة نوع من الجنون العذب ،فعند الحديث بها يرقص الإنسان فوق الأشياء ،) يعني أن وراء هذا الجنون منهج في اللغة وفي طريقة التعبير ، ولا نمارس الجنون الفوضوي ، فاللغة لولا هذا المنهج الذي تخلق من خلاله الصورة الشعرية لما اعتبرناها لغة إبداع إبدا ، إلا أن الاتفاق قد كان واضحا بين المبدع والمجنون في الهذيان إلا أن المبدع يمارس الجنون الموثق ، أما المجنون فانه يمارسه عفويا ويهذي لأن الظرف يفرض عليه الهديان ، حتى لا أدخل في فلسفة نتشه وشكسبير
وأوقض علي أعشاش الدبابير ، أقول ببساطة أنا عندما نقرأنصا للشاعرة نرد نجد أنها تتميز بذوق المرأة الأنيق في اختيار الكلمات التي توظف في قصائدها الشعرية ، فتأتي سطورها بطريقة انسيابية رائعة قد لا تشعر بها وهي تتسلل بين أصابعك كالماء الزلا ل ، فعلا إنها تمارس اختيار الكلمات ،كيف لا وهي في فضاء لغوي فوضوي لم يتشكل بعد ، فتشكيل هذا الفضاء وترتيب هذه المقولات اللغوية يخضع بطبيعة الحال لتقنية الشاعرة التي تشبه إلى حد كبير بعد ذلك الصيرفي الماهر الذي يخلق من القلائد عقدا يرفل في الجمال ، فالشاعرة أيضا أمامها مسؤولية تزيين هامة قارئها بهذا السياق الذي يأبى إلا أن يخلق صورا شعرية مفعمة بالغرائبية والإدهاش ،ولو لا هذه الغرائبية لما استحسنا القصيدة الشعرية ، ولاعتبرنا النظم الموزون والمقفى نوعا من الشعر ، لكن انزياح العشق وتحليقه بدون هوية في عالم الشاعرة هو الذي فرض علينا أن نحكم لها بالشاعرية ونقول بملء الفم إنها أصابت الهدف في بيت قصيدها ، فالجمع بين المتناقضات لخلق الصورة الشعرية يعتبر قمة الانزياح ( الشمس/ الققمر """نهرهما جف ) فلا نجد العلاقة بين الشمس والقمر والنهر إلا في عالم الرقص فوف الأشياء ،فعلى مستوى الحقيقة لا علاقة بين الشمس والقمر وحتى العامل الزمني فارق أساس بينهما ،لكن لغة الشعر سميناها لغة الهذيان لأنها تضرب عرض الحائط بكل هذه الأشياء المنطقية التي تجعل جاذبية الارض تشدنا إليها فنراوح مكاننا ولا نحلق ولا نطير ، ويفلت منا حصان الشعراء المجنح ، فالجمع بينهما إذن وإشراكهما في مجموعة من الخصائص هي دعوة صريحة من الشاعرة لتردفنا وتحلق بنا لنرقص معها في عالم الانزباح وبلاغة الغموض ، والشاعر الذي لا يستضيف قارئه فوق السحاب لا يعتبر شاعرا حسب ما تمليه علي ذاكرتي المثقوبة ، يقول الفيلسوف جاك دريدا (كل ما نكتبه ترجمة ) لكن ترجمة ماذا ؟! نعم ترجمة العواطف والإفصاح عن المشاعر وترجمة لعواطف الآخرين وأحاسيسهم ، وليس هؤلاء الآخرين إلا القراء ، الذين يجدون ذواتهم في الكلمة الشعرية التي تنحو مرة لغة المجاز ومرةأخرى تمارس مجاز اللغة ،القدماء أيضا استعذبوا الانزياح وبلاغة الغموض وإن انقسموا في ذلك إلى مدارس ، لا نريد أن نخوض فيها ،فلا نريد أن نكون تمامي(أبوتمام) النزعة أو بحتري الميول ، لأننا هنا بصدد قصيدة شعرية توظف فيها الشاعرة لغة الهذيان الشعري ، وهذا الجنون لم ينزل علينا من السماء كحجرة يطلقها غراب لتكسير نواة ، وإنما ورثناها منهم لأنهم هم أيضا استعذبوا اللعب باللغة وبالتراكيب وبالإسناد وبمختلف أنواع المحسنات التي كانت تخلق الصورة الشعرية الجميلة وإن اختلفت التسميات وتنوعت المصطلحات النقدية من جيل إلى آخر ،فورثنا منهم الحكمة والجنون معا ، هذا الجنون الذي لم يولد معنا وإنما استقيناه منهم ، فاللباس لا يختلف إلا من حيث الألوان يقول الفيلسوف نتشه في :((ليست حكمة العصوروحدها هي ما يسري فينا بل ان جنون هذه العصور ليسري فينا بالمثل ،ما أخطر أن تكون وريثا )) هكذا تكلم زرادشت ،فالشاعرة نرد تمارس في هذه القصيدة صمت الجنون ، وقلت صمت الجنون لأنها تحتاج إلى من يكلم كلماتها ويعيد ترتيب صورها ، ولن يتأتى ذلك إلا بالقراءة االذواقية المتأنية التي ليس بالضرورة تكون متشبعة بمناهج ومباديء مدارس نقدية ، وإنما قراءة واعية تعرف كيف تأكل من القصيدة الكتف ، أعتقد أن أني حاولت أن لا أتطرق إلى ما ورد في هذه القصيدة من معاني ، لأني أصلا أومن بأن الشعر الذي يقول شيئا لا يعتبر شعرا ، فقط أركز على الجماليات التي تكون سببا في خلق الصورة الشعرية الرائعة التي تمتع القاريء ،وهذا هو ديدن نجاح الشعر الحديث ،الذي أصبح كما كنا نقول إنسانيا لا لسانيا وترجمة كما سماه جاك دريدا!!
بقلم الاستاذ صالح هشام
،الرباط / المغرب
النص
*عشق بلا هوية*
الشمس و القمر
وجهان متعبان
نهرهما
جف
قلعتان
تدليان بأنينهما
موجات
كهرومغنطيسيَّة
باعدها الأثر
ثقب عند الباب
يرقبهما
و عيون
تأبى الرحيل
هتكت
أشلاء حروفهما
ظِل الخوف
يقترب
من أعتابهما
و يطوف ضائعا
النجوم تناثرت
و الأرض تبكي
عشق بلا هوية:
ضياع
نرد أزرقان
.
يقول شكسبير في رائعته هاملت :(إن كان هذا جنونا ....إلا أن بداخله منهجا ) هذا يعني أن شكسبير يتفق مع نتشه عندما يقول ، ( اللغة نوع من الجنون العذب ،فعند الحديث بها يرقص الإنسان فوق الأشياء ،) يعني أن وراء هذا الجنون منهج في اللغة وفي طريقة التعبير ، ولا نمارس الجنون الفوضوي ، فاللغة لولا هذا المنهج الذي تخلق من خلاله الصورة الشعرية لما اعتبرناها لغة إبداع إبدا ، إلا أن الاتفاق قد كان واضحا بين المبدع والمجنون في الهذيان إلا أن المبدع يمارس الجنون الموثق ، أما المجنون فانه يمارسه عفويا ويهذي لأن الظرف يفرض عليه الهديان ، حتى لا أدخل في فلسفة نتشه وشكسبير
وأوقض علي أعشاش الدبابير ، أقول ببساطة أنا عندما نقرأنصا للشاعرة نرد نجد أنها تتميز بذوق المرأة الأنيق في اختيار الكلمات التي توظف في قصائدها الشعرية ، فتأتي سطورها بطريقة انسيابية رائعة قد لا تشعر بها وهي تتسلل بين أصابعك كالماء الزلا ل ، فعلا إنها تمارس اختيار الكلمات ،كيف لا وهي في فضاء لغوي فوضوي لم يتشكل بعد ، فتشكيل هذا الفضاء وترتيب هذه المقولات اللغوية يخضع بطبيعة الحال لتقنية الشاعرة التي تشبه إلى حد كبير بعد ذلك الصيرفي الماهر الذي يخلق من القلائد عقدا يرفل في الجمال ، فالشاعرة أيضا أمامها مسؤولية تزيين هامة قارئها بهذا السياق الذي يأبى إلا أن يخلق صورا شعرية مفعمة بالغرائبية والإدهاش ،ولو لا هذه الغرائبية لما استحسنا القصيدة الشعرية ، ولاعتبرنا النظم الموزون والمقفى نوعا من الشعر ، لكن انزياح العشق وتحليقه بدون هوية في عالم الشاعرة هو الذي فرض علينا أن نحكم لها بالشاعرية ونقول بملء الفم إنها أصابت الهدف في بيت قصيدها ، فالجمع بين المتناقضات لخلق الصورة الشعرية يعتبر قمة الانزياح ( الشمس/ الققمر """نهرهما جف ) فلا نجد العلاقة بين الشمس والقمر والنهر إلا في عالم الرقص فوف الأشياء ،فعلى مستوى الحقيقة لا علاقة بين الشمس والقمر وحتى العامل الزمني فارق أساس بينهما ،لكن لغة الشعر سميناها لغة الهذيان لأنها تضرب عرض الحائط بكل هذه الأشياء المنطقية التي تجعل جاذبية الارض تشدنا إليها فنراوح مكاننا ولا نحلق ولا نطير ، ويفلت منا حصان الشعراء المجنح ، فالجمع بينهما إذن وإشراكهما في مجموعة من الخصائص هي دعوة صريحة من الشاعرة لتردفنا وتحلق بنا لنرقص معها في عالم الانزباح وبلاغة الغموض ، والشاعر الذي لا يستضيف قارئه فوق السحاب لا يعتبر شاعرا حسب ما تمليه علي ذاكرتي المثقوبة ، يقول الفيلسوف جاك دريدا (كل ما نكتبه ترجمة ) لكن ترجمة ماذا ؟! نعم ترجمة العواطف والإفصاح عن المشاعر وترجمة لعواطف الآخرين وأحاسيسهم ، وليس هؤلاء الآخرين إلا القراء ، الذين يجدون ذواتهم في الكلمة الشعرية التي تنحو مرة لغة المجاز ومرةأخرى تمارس مجاز اللغة ،القدماء أيضا استعذبوا الانزياح وبلاغة الغموض وإن انقسموا في ذلك إلى مدارس ، لا نريد أن نخوض فيها ،فلا نريد أن نكون تمامي(أبوتمام) النزعة أو بحتري الميول ، لأننا هنا بصدد قصيدة شعرية توظف فيها الشاعرة لغة الهذيان الشعري ، وهذا الجنون لم ينزل علينا من السماء كحجرة يطلقها غراب لتكسير نواة ، وإنما ورثناها منهم لأنهم هم أيضا استعذبوا اللعب باللغة وبالتراكيب وبالإسناد وبمختلف أنواع المحسنات التي كانت تخلق الصورة الشعرية الجميلة وإن اختلفت التسميات وتنوعت المصطلحات النقدية من جيل إلى آخر ،فورثنا منهم الحكمة والجنون معا ، هذا الجنون الذي لم يولد معنا وإنما استقيناه منهم ، فاللباس لا يختلف إلا من حيث الألوان يقول الفيلسوف نتشه في :((ليست حكمة العصوروحدها هي ما يسري فينا بل ان جنون هذه العصور ليسري فينا بالمثل ،ما أخطر أن تكون وريثا )) هكذا تكلم زرادشت ،فالشاعرة نرد تمارس في هذه القصيدة صمت الجنون ، وقلت صمت الجنون لأنها تحتاج إلى من يكلم كلماتها ويعيد ترتيب صورها ، ولن يتأتى ذلك إلا بالقراءة االذواقية المتأنية التي ليس بالضرورة تكون متشبعة بمناهج ومباديء مدارس نقدية ، وإنما قراءة واعية تعرف كيف تأكل من القصيدة الكتف ، أعتقد أن أني حاولت أن لا أتطرق إلى ما ورد في هذه القصيدة من معاني ، لأني أصلا أومن بأن الشعر الذي يقول شيئا لا يعتبر شعرا ، فقط أركز على الجماليات التي تكون سببا في خلق الصورة الشعرية الرائعة التي تمتع القاريء ،وهذا هو ديدن نجاح الشعر الحديث ،الذي أصبح كما كنا نقول إنسانيا لا لسانيا وترجمة كما سماه جاك دريدا!!
بقلم الاستاذ صالح هشام
،الرباط / المغرب
النص
*عشق بلا هوية*
الشمس و القمر
وجهان متعبان
نهرهما
جف
قلعتان
تدليان بأنينهما
موجات
كهرومغنطيسيَّة
باعدها الأثر
ثقب عند الباب
يرقبهما
و عيون
تأبى الرحيل
هتكت
أشلاء حروفهما
ظِل الخوف
يقترب
من أعتابهما
و يطوف ضائعا
النجوم تناثرت
و الأرض تبكي
عشق بلا هوية:
ضياع
نرد أزرقان
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المصباح .. دروبــــــ ــ ــ ــ .doroob
/ قال الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية 18/
الرجاء الالتزام بأداب النشرفي كتابة الاستفسارات والتعليق.