أخر الأخبار >> مجلة المصباح دروب ثقافية أدبية * ثقافية * فنون تشكيلية كما نرحب بجميع المساهمات الواردة عبر البريد الإلكتروني m.droob77@gmail.com أهلا بكم أصدقائنا * مع تحيات أسرة التحرير

أحـدث المقالات

الحب الأول الذي عاد من غربةِ المنفى | إيمان شعبان

أنا في الخامسة من العمر، بحجم زهرة برية، وحبيبُ الطفولة الأول عمرُهُ ألف عام، بِعَرَاقة شجرةِ زيتونٍ. من وراء نافذةِ الشتاءِ الباردةِ وَدّعتُهُ على خيبةِ اللا رجوع، لأنَّه كان لا بُدّ أن يُهَجَّر إلى غربةٍ موحشةٍ، أخذوه في سيارةِ جيب عسكرية وألقوا به على حدودِ دول ٍأخرى لا يجيدُ لغاتِها، ليعملَ ليلاً ونهاراً معصوبَ العينين يأكلُ غربَتَه خبزاً لجوعِهِ، ويشربُ حزنَه ماءاً لعطشِهِ، وكانَ يُدفَعُ له بالعملة الأجنبية مِن مالٍ كان لأبيه وأجدادِهِ



عشراتُ السنين ضاعت بيني وبينه بلا أيِّ خبرٍعاجلٍ يُبَشرني بأنَّه حيّاً ما زالَ ينبض. عوضتُ غيابَهُ – عبثاً- أنبِشُ في ماضيه البعيد، فكُنتُ لا أرى ملامحَ وجهِهِ إلّا في الكتبِ المرصوصةِ كَهَمٍّ ثقيلٍ فوق مئات الأرفف في المكتبات، كُتّابٌ كثيرون وشعراء، مَجَدُّوه في مقدمةِ الكتب وفدُوهُ بالحبرِ والورقِ الرخيصِ، ثمَّ نعُوه وأبَّنُوه في آخرها…..كتابٌ بعد كتابٍ، وصفحةٌ طيَّ صفحةٍ، ضاعت ملامِحَهُ، وتلاشى في ذاكرةِ الغياب

الآن عاد، هبط كَوَحيٍّ مِنَ السماء يحملُ بِشارةَ النُبّوةِ الأخيرةِ، عادَ هارباً من سجّانيه، قاطعاً طريقأ وَعِرَاً إلى زهرةٍ يَئِست من إنتظارِ الربيع وراء نافذة الشتاء المقيم، أطلَّ بوجهٍ مُتعَبٍ أسمرٍ لوَّحته شمسُ الصحارى، جاء راجلاً حافياً على قدمين داميتين وقلبٍ منهك، لكنه رجع حيّا شرساً مشرقاً متوحشاً نابضاً، عادَ كما غاب عاشقاً شاعراً مارداً يُريحُ رأسَه على المحيط ويغسلُ قدميه في الخليج، إذا عَطِشَ شَرِبَ من النيل، وإذا عَشِقَ نَظَمَ قصيدةً قرب دجلة، عاد ثائراً على الظلم كما كُتِبَ له في صفحةِ قدرِهِ التي لم تُلَوِثها قطرةُ حبرٍ من كاتبٍ يائسٍ أو شاعرٍ مأجورٍ،عادَ كتابَهُ بيمينه – لكاتبِ حقٍّ هو الله، خَطَّ فيه أحرفاً قليلةً أسقطت كل ما كتبوا ويكتبون: ” خالدٌ هذا الوطن- أبداً لايموت “

خمسةُ أعوامٍ أنا- ما زلت، ألفُ عامٍ – و يزيد هو….. كلما كَبرتَ أيُّها الوطن، كلما صغرت أنا أكثر وأكثر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المصباح .. دروبــــــ ــ ــ ــ .doroob
/ قال الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية 18/
الرجاء الالتزام بأداب النشرفي كتابة الاستفسارات والتعليق.

دروب أدبية

دروب المبدعين

دروب ثقافية