أخر الأخبار >> مجلة المصباح دروب ثقافية أدبية * ثقافية * فنون تشكيلية كما نرحب بجميع المساهمات الواردة عبر البريد الإلكتروني m.droob77@gmail.com أهلا بكم أصدقائنا * مع تحيات أسرة التحرير

أحـدث المقالات

قراءة في كتاب: ميثولوجيا آلهة العرب قبل الإسلام

ما مدى أهمية الإله الذي عبده الجاهلي؟ هل هو وليد العقل الجمعي وتمثلاته، أم هو نتاج جملة من السياقات الدينية والاجتماعية والثقافية والسياسية؟، ماذا عبد؟، وكيف عبد، هل عرف عرب الجاهلية عقيدة التثليث، هل عرف العرب الطوطمية؟ هل هذه الهوية الإلهية كانت تذلل مشكلة الإنسان الوجودية؟.
بهذه الأسئلة يفتتح الباحث التونسي الساسي بن محمد الضيفاوي كتابه “ميثولوجيا آلهة العرب قبل الإسلام” الصادر بالتعاون بين المركز الثقافي العربي ومؤسسة مؤمنون بلا حدود، مشيرًا إلى أن دراسة تاريخ الآلهة تحلينا على ما تركه من أثر قوي في نفوس الناس وسلوكهم وعادتهم وتقاليدهم ومواقفهم من ذواته والكون فلا
يمكن دراسة تاريخ العرب وتراثهم دون التعرف على تاريخهم الديني الممتد لقرون طويلة قبل الإسلام، وفي هذا السياق يقول الساسي في مقدمة الكتاب “دراسة تاريخ الأديان من أنجح الطرق التي يتوسل بها الإنسان ليحدد علاقته مع الماضي، وليعرف هويته، وغايتنا من هذا البحث الوقوف على صورة الإله كما تكشف للعرب قبل الإسلام، ومن ثمة عرض تاريخه وإيضاح مدلوله ورمزيته وخصائصه وأبعاده الإنسانية وأنساقه النفسية والانثروبولوجية”.
ويوضح الساسي أنه ليس من السهل تكوين فكرة صحيحة ووافية عن مفهوم الدين والتدين عن عرب الجاهلية، وكيفية عبادتهم لآلهتهم، وكيفية تصورهم لها، لعدة أسباب منها عزوف المؤرخين الإسلاميين والرواة والإخباريين عن الخوض فيها، وصعوبة تحديد المنهج لمعالجة هذه المسألة، إذ في أغلب الأحيان تعالج بآليات يطغى عليها التوجس والتكرار والخوف من الوقع في المحظور، مشيرًا إلى إعتماده في بحثه على منهج يجمع بين المقاربة الأنثروبولوجية والتاريخية من خلال عدة مصادرة متنوعة ومن أبرزها كتابي الأصنام” لابن الكلبي وكتاب “أخبار مكة” للازرقي.
يحتوي الكتاب _الذي أنجز بالأساس كرسالة ماجستير في جامعة القيروان بتونس_ على ثلاث فصول هى أولًا: المشهد الديني في الجزيرة العربية قبل الإسلام، وثانياً: البحث في هوية الإله عند العرب قبل الإسلام، وثالثًا: الآلهة والمحمولات الرمزية، في الفصل الأول يتتبع الكاتب نشأة مفهوم القداسة في المنطقة العربية وما تبعه من ظهور لفكرة الإله والأديان راصدًا الظروف الاجتماعية والتاريخية والاقتصادية والنفسية المصاحبة لها وفي هذا السياق يقول ” كل واحد يدرك إلهه على صورته ومثاله، وبحسب ما يوحي به مخياله؛ فالنظرة إلى الإله بحسب الأقوام وثقافتهم ولغاتهم وأنساقهم النفسية والاجتماعية والتاريخية، إذ كل تجمّع إنساني يدرك إلهه على صورته وبحسب لغته، فالعبرانيون مثلاً يشكّلون إلههم من منظور يهودي والمسيحيون من منظور مسيحي، واليونان من زاوية إغريقية والعرب برؤية وثنية أو توحيدية، وكذا الحال مع كل أمّة وكل طائفة وكل مجموعة وكل قبيلة”.
ويشير الساسي إلى أن ظهور مفهوم القداسة مرتبط باحتياج إنساني بالأساس، فالإنسان كائن يشعر بتفرده عن باقي الكائنات لكن هذا التفرد يظل محدود ومحل شك وتسأل مستمر عن جدوى الحياة وما قبلها وما بعدها، والأهم احتياج الإنسان لقوة أكبر منه تحميه من شر الكائنات الأخرى وتقلبات الطبيعة وغضبهاـ ومن هنا نشأ مفهوم القداسة وتطور تدريجيًا من تقيم بعض مظاهر الطبيعة إلى تقديس الإنسان ذاته في صورة أشخاص صالحين أو حكام أقوياء ثم ظهرت دعوات التوحيد، وكل هذه التطورات والتراث الطويل والمتنوع من العبادات والآله والأديان كان لها تأثيرا كبيرا على العرب ما قبل الإسلام ” لقد تأثر عرب الجاهلية بما حولهم وخاصة في أمور الدين والثقافة والتجارة، فقد أدخل أهل مكة بعد عهد اسماعيل عبادة الأوثان التي استوردوها غالباً من الأنباط في الشمال. ولعلهم لأسباب سياسية وتجارية واقتصادية كانوا يرحبون بكل أنواع الأصنام والأوثان لتشجيع عبادها على زيارة مكة مما أحدث حراكاً دينياً واجتماعياً واقتصادياً. وهكذا تحول الفضاء المكي إلى معرض للأصنام والأوثان حتى بلغت ثلاثمائة وستين صنماً وفق ما جاء في (أخبار مكة) وما جاء فيها من الآثار”.
وفي هذا السياق يرسم الكاتب خريطة توضح التنوع الكبير في المشهد الديني في الجزيزة العربية قبل الإسلام ” إذا نظرنا إلى شمال الجزيرة العربية نجد الغساسنة من عرب الجنوب القحطانيين، ونقصد قبائل غسان وقضاعة وربيعة، وقد اتبع الغساسنة الديانة المسيحية، أما جنوب الجزيرة فكانت بلاد اليمن التي تنوس بين اليهودية في ظل حكم زرعة بن كعب بن حسان الملقب بذي نواس الحميري الذي اعتنق اليهودية واضطهد المسيحيين في بلاد اليمن والمسيحية التي لم تنتشر إلا في عهد النجاشي الذي فتح البلاد ثم اعتنقت المجوسية في عهد كسرى أنو شروان، أما الشرق فكان أحياناً يهودياً في منطقة بني الحارث وحمير من بلاد اليمن وكذلك يثرب المتمثلة في قبائل ثلاث كبرى، بني قريضة، وبني النظير وبني قينقاع حليفة قبيلة الخزرج العربية. وهذا ما أفرز فسيفساء عقائدي. الدهريون واليهود والمسيحيون والوثنيون والمجوس والصابئة والأحناف. وكانت قبائل العرب وما جاورها موزعة بين هذه الديانات”.
وبجانب البعد التجاري المهم في حياة القبائل العربية كان هناك بعد إجتماعي وثقافي حيث كانت الآلهة تمثل رمز للقبيلة ووحدتها وقوتها، ويشير الساسي إلى أن العرب ثأثروا أيضًا بفكرة الأرواح وتمثلاتها في الطبيعة الصحرواية ” الاعتقاد بالأرواح يشغل حيزاً كبيراً عند الجاهليين، والمراد هو اعتقادهم بأن هناك شيئاً ما يسكن بعض الأشجار والأحجار والكهوف والعيون والآبار والجبال، أي أن هذه الظواهر تكمن فيها قوة خارقة تستطيع التأثير في حياة الناس، فتقربوا إليها بالتضرع والزيارات والذبائح والأدعية والنذور” ومن ضمن أبرز الألهة التي تعكس هذا التصور الآله هبل آله الخصب والزراعة والذي يرجح الكاتب أن عبادته انتقلت للعرب من الشام فقد كان العبرانيين يعبوده بأسم بعل ثم حرف إلى هبل عندما نقل للجزيزة العربية، ويشير الكاتب إلى أن التعدد الكبير في الأصنام جعل حضورها متباين في حياة القبائل والأشخاص فقد كانت هناك أصنام معظمى تحج لها العديد من القبائل العربية ويحلق الرجال رؤسهم تباركًا بها واحترامًا لها في حين كانت هناك أصنام أخرى أقل شهرة وقداسة كان العرب أذا أصابهم مكروه في سفر أو حرب يدمرونها ويلعنوها، ويوضح الكاتب أيضًا أن تعدد الاصنام واكبه تعدد لبيوت العبادة وتعدد للكعبات عند العرب، مشيرًا إلى أن هذا التغيب لدور العبادة والكعبات المتنوعة في المراجع التاريخية الإسلامية قد تكون الغاية منه التعيم والمغالطة التاريخية.
في الفصل الثاني من الكتاب ينتقل الكتاب لتحليل شبكة الدوال المفاهيم المرتبطة بالله عند العرب متتبعًا ألفاظ مثل إيل والأله والله والرب موضحًا أن لفظة الله كانت حاضرة ومستخدمة عند العرب قبل الإسلام، وكانت تستخدم كصيغة نداء للرب فهذا أبو طالب يقول اللهم أنصرنا عمن ظلمنا، وكان العرب يكتبون في عقودهم باسمك اللهم، والصحفية التي كتبتها قريش في مقاطعة بني هاشم كتبت فيها باسمك اللهم، ويوضح الكاتب أن العرب قبل الإسلام قد عرفوا صورا مختلفة للتوحيد، فلم تكن الأصنام جميعها تعبد لذاتها، وإنما كانت هناك أصنام تعبد كوسيط للتقرب إلى الله، وهناك أصنام كانت تعكس مفهوم التثليث الماشبه للرؤية المسيحية وهم اللات والعزي ومناة، وفي هذا السياق يقول الكاتب “لقد نشأة المنظومة اللاهوتية العربية بمختلف تفرعاتها الأخلاقية والتاريخية والطبيعية والإيمانية من منطلقات لغوية ونفسية واجتماعية، وفي استمرارية خطية تقريبًا مع الأديان السابقة من صائبة ومجوسية ويهودية ومسيحية إلا ان هذه المنظومة طلت تتحرك تارة بين التشدد والانغلاق رافضة لما يتناقض معها، وان استجابت كان ذلك حسب الحاجة وسنن التطور”، ويوضح الكاتب أن التوحيدية في سياق الدعوة المحمدية نزعة صفة الألوهية عن الخوافي من أموات وأرواح وملائكة وجن، مشددة على عبادة الإله الواحد فقط .
ويختتم الساسي كتابه مشيرًا إلى أن الصنمية قد تفشت في كثير من الأمم عبر التاريخ، واتخذت أشكالًا مختلفة وصورًا شتى، فاتجه الناس إلى الظواهر الطبيعية والكونية من إنسان او حيوان أو نبات، وجسدوا ذلك كله أو بعضه صورًا أو تماثليًا خلعوا عليها أسماء وصفات تعكس بيئتهم وذاكرتهم ومتخيلهم الجمعي وقدسوها باعتبارها رموزًا لتلك الظواهر، فأطوار التدين مهما كانت تتماهى مع الثقافة الرمزية للشعوب والقبائل وهذه الرمزية لا يمكن عزلها أو أقصائها عن سياقها التاريخي والحضاري والسياسي والإبستيمولوجي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المصباح .. دروبــــــ ــ ــ ــ .doroob
/ قال الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية 18/
الرجاء الالتزام بأداب النشرفي كتابة الاستفسارات والتعليق.

دروب أدبية

دروب المبدعين

دروب ثقافية