غزة - تحقيق - إياد عبد الكريم العبادله
هل هي عادة مكتسبة … تمرد على العادات والتقاليد … أم نتاج الواقع الأليم المجتمع الفلسطيني جزء من المجتمعات العربية تربطهم عادات وتقاليد مشتركة ,فعادة التدخين تعتبر من العادات السيئة التي يرفضها المجتمع ,ويعمل على محاربتها بشتى الوسائل خصوصا من الناحية الدينية ,أما بعد الانفتاح التي طرأ على المجتمعات العربية وخصوصا المجتمع الفلسطيني بعد قدوم السلطة الفلسطينية وإعادة افتتاح الفنادق والمقاهي أصبحت
ظاهرة “مودرن” بالنسبة للشباب والبنات. كذلك في الأوساط العربية عموما ,بعد انتشار الفضائيات وانتشار البرامج والخيمات الرمضانية التي تعبق بدخان الشيشة من الجنسين ,فهل هي موضة..؟ أم تمرد على العادات والتقاليد..؟ أم صراع مع بالذات للترويح عن آلامهم ..؟
دعاني صديقي علاء الذي يعمل مهندسا في احد المصارف المالية في غزة إلى “كوفي شوب” لنشرب الارجيلة سويا ونتحدث في الأمور العامة ,فلفت انتباهي خمس فتيات يرتدين الخمار ويجلسون على طاولة خلفنا موضوعة عليها فناجين الشاي والقهوة وأكواب الماء وبينهم الارجيلة ويهمسن بحديث نسائي خاص , قطعت حديثنا وأخرجت من جيبي بطاقة التعريف الإعلامية وقدمت لهم نفسي على أنني صحفي ,فرحبن بي وسمحوا لي بالجلوس بينهم وبدأنا الحديث عن الأرجيلة وميولهم لها في ظل رفض المجمع لهذه الظاهرة التي بدت في ازدياد.
عادة مكتسبة من صديقات السوء أم هروب من الواقع الأليم
م.ن بعد أن غازلتني بعبق الدخان المتطاير من تحت النقاب المسترسل من بين شفتيها إلى فضاء السماء الطاهرة وبنبرة نمرودة تليق بدلع الفتاة قالت “أنا بشرب شيشة بمعدل يومي وأهلي ما بيعرفوش بس لو مسكوني مش حتشوفوني ثاني” وعندما سألتها عن السبب أجابت “أنا عارفة أنها عادة سيئة ومرفوضة اجتماعيا , بس بالنسبة لي موضة مثل كل البنات .
قاطعتنا هدى .ن التي عللت شربها للارجيلة من إحساسها بالمتعة ورائحتها الجذابة وخصوصا لما تكون بنكهة التفاح ودخنتها الكثيرة و القعدة الحلوة مع البنات وخصوصا لما يكون فيها شوية روشنة على حد قولها , وحول سؤالي لها عن ارتداء النقاب أجابت ليس دين ولكن كان من شروط أهلي لدخولي الجامعة لابد أن ارتدي النقاب لأننا نعيش في مجتمع عائلي والشباب عينيها من “الرايحة والجاية” .
وتضيف ن أنا ما كنتش اعرف الشيشة ومرة انزلت مع زميلتي على الكوفي لإعداد بحث التخرج فعزمتي على ارجيلة وأقنعتني أنها تعمل دماغ ما فهمت عليها ساعتها بس رائحتها عجبتني ولما دخنتها اقتنعت فيها ومن يومها أصبحت لا تفارقني.
تختلف عنهم في الرأي نهال .ع التدخين والشيشة بالنسبة لها هروب من الواقع المرير التي تعيشه حيث تسكن في عائلة مكونة خمسة عشر شخصا , والأب لا يعمل والأخوة الكبار متزوجين في نفس البيت وتنام هي وثلاث من أخواتها في غرفة واحدة نظرا لضيق المكان وقلة دخول المواد الأساسية للبناء , فهي لا تستطيع الدراسة في البيت وترتاد المقاهي أحيانا من اجل استكمال دراستها وخصوصا أيام الامتحانات .
وتتفق معها في الرأي أمال .ق التي تعاني من نفس المشكلة وتلجأ التدخين كوسيلة للهروب من الواقع الأليم الذي تعيشه فهي مطلقة وتعمل موظفة في شركة وتعيش في في بيت العائلة فراتبها الشهري لا تأخذ منه سوى المواصلات و مصروف جيب لا يتجاوز ثمن علب السجائر التي تشتريها في اعتقاد أنها تخفف من معاناتها.
تقليد للرجال أم راحة للأعصاب
الأخصائي الاجتماعي نادر العبادلة ل”بلادي” ،إن تردد الكثير من النساء بهذه العادة، يأتي في محاولة مهمة لامتطاء مصطلح سيدات المجتمع، وتقليد الرجال لإثبات أنهن على نفس القدر من المساواة في كل شئ معهم.
ويأتي رأي خ.ع صاحب احد هذه المقاهي، متوافقا مع الأخصائي الاجتماعي، حين قال انه بالرغم من أن هذا يدر عليه الربح الوفير إلا انه شخصيا لا يحب هذه الظاهرة ولا يميل للنساء المدخنات للارجيلة، مضيفا إن ظاهرة تدخين الارجيلة كانت تتم منذ سنوات من قبل الرجال على استحياء في بعض المقاهي المغلقة، ومن ثم بالخيام الرمضانية، حتى انتشرت في الآونة الأخيرة ببعض المقاهي الراقية للفتيات إلى ان أصبحت الفتيات والسيدات يقمن بتدخينها في هذه المقاهي المفتوحة.
وفي تبرير لتدخين الارجيلة وإجابة حول إذا ما كان بها شئ من الإدمان تقول س .س أثناء لقائي لها في احد المقاهي،إن تدخين الارجيلة مجرد رغبة، فالأشخاص رغباتهم تختلف وتتفاوت، مضيفة إن تدخينها للارجيلة ليس بشكل يومي، ولكن أحيانا تقوم بهذا لتريح أعصابها في إحدى هذه المقاهي أثناء جلوسها مع صديقاتها في لقاءاتهم العائلية بعد عناء النهار من عمل وأشغال منزلية.
وأشارت إلى ان هذا ربما نوع من التسلية وليس أكثر ولكنها تصبح عادة والإشكالية هنا تكون في الإقلاع عن هذه العادة وليس في الإدمان.
تدخين البنات للارجيلة تمرد على العادات والتقاليد
ل,ق تدرس العلوم السياسية في جامعة الأزهر التقتها “بلادي” في احد المقاهي, تتمتع بشخصية قوية لها حضور اجتماعي قوي منتسبة لعدة جمعيات أبرزها الدفاع عن حقوق المرأة تدخن على الارجيلة منذ دخولها الجامعة ,
الارجيلة بالنسبة لها حرية شخصية , لا تعترف بالعادات والتقاليد بقدر ما تؤمن بالحريات الارجيلة من ضمن حريتها الشخصية ولا تسمح لأحد بالتدخل حتى في حياتها العامة ,رفضت الحديث معي الارجيلة والتعبير عن كونها تمرد على العادات والتقاليد واعتبرتها على حد قولها حرية شخصية نابعة من ثقة الأهل وأردفت قائلة :”لا تستغربوا لو قلت لكم أنني اجلس بجوار زوجي ونتبادل تدخين الارجيلة سوا”.
الطرف الخشن يعتبرها تمرد على العادات والتقاليد وآخر يعللها بالتمرد على الأنوثة فيقول ابوحسين رجل أعمال ” لقد صادفت مرة فتاة تجلس على طاولة قريبة مني وفوجئت أنها تطلب من “الجرسون” ارجيلة لم التفت إليها ولكن الذي أدهشني عندما غطى عبق دخانها المكان الذي نجلس فيه ,فتساءلت في قرارة نفسي هل يعقل فتاة بكل هذه الأنوثة الطاغية ان تفعل ما لا يفعله الرجال,وكيف سيتقبل المجتمع الشرقي هذه الظاهرة الدخيلة وهي مرفوضة أساسا دينيا وعرفيا.
لا يختلف عنه في الرأي ادهم ش الذي علل تدخين الفتاة للارجيلة عدم متابعة من الاهل ويضيف “يوميا أصادف بنات يرتادون المقاهي بصفة دائمة واعرفهم جيدا واعلم علم اليقين ان أهاليهم لا يعرفون ذلك وفي مرة من المرات ذهبت وأخبرت أهل إحدى الفتيات فاتهمتني بالتحرش بها ومعاكستها وهذا كان آخر المعروف “.
نسوان فاضين لاشغلة ولا عملة
وان توافقت الآراء او تضاربت حول هذه الظاهرة فان ما يلفت الانتباه أن الأخ ابوخالد كان احد موظفي الأجهزة الأمنية سابقا ومنذ فترة طويلة بلا عمل حتى كادت البطالة ان تقتله منذ سنوات، حين قال انه لم يذهب أصلا إلى هذه الأماكن ولم ير من يدخن الارجيلة هناك سواء كانوا رجال ام سيدات، لأنه منشغل بحال أطفاله،مضيفا بسخرية ان اللواتي يدخنون الارجيلة ليس أكثر من “نسوان فاضيين لا شغلة ولا عملة”، وان هذا ترف أكثر من الواجب،على حد وصفه.
الماكياج في نظره أفضل من الخرطوم
وتابع قائلا، الأجمل للمرأة أن تلتقط علبة الماكياج بدل التقاطها خرطوم الارجيلة، متسائلا هل يكون هناك إيحاء جنسي حين تنبعث روائح الدخان من المرأة المتشبهة بالرجال أم حين تسترسل منها روائح العطور وتنطلق أنوثتها كزهرة توارت خجلا من الهواء.
عوامل نفسية واجتماعية
العوامل التي تجعل الفتاة تقدم على ذلك يراها الدكتور محمد اسعد رشيد أخصائي الطب النفسي في غزة ل”بلادي” يتحدد في عدة أمور منها أولاً العوامل الأسرية المتمثلة في التفكك الأسري والخلافات الزوجية التي تقود إلى إهمال التنشئة الاجتماعية السليمة، وجود فرد في الأسرة مدخن أو يتناول الأرجيلة وضعف الوازع الديني.
ثانياً:- العوامل خارج المنزل كصديقات السوء أو الممارسات لهذه العادة.
ثالثاً:- العوامل النفسية كالقلق والاكتئاب وغياب الهدف أو ضغوط الحياة.
رابعاً:- استخدامها كوسيلة رفاهية خاصة بها.
ويضيف د. محمد بأن تلك العوامل مجتمعة أو أحدها تجعل الفتاة تفقد أهم ما تتميز به المرأة من حياء وجمال فقد أثبتت الدراسات أن لهذه المواد آثاراً كبيرة مدمرة لجمال المرأة وصحتها كتغير لون الأسنان وظهور علامات الشيخوخة مبكراً. كما أنها تضر بالصحة حيث تقل المناعة مما يجعل الفتاة عرضة لأمراض القلب والرئة والسرطانات المختلفة كما تؤثر على الخصوبة وتؤدي إلى التشوهات الجينية، كما تقضي على مكانة الأم عند أبنائها ويكونون عرضة للإدمان بكل تبعاته.
ازدياد تدخين المرأة للنرجيلة في المقاهي أصبح ظاهرة واضحة في هذه الأيام تنمو بكثرة حتى من الطبيعي جدا ان تدخل مقهى وتجد بنات يمسكن الارجيلة وهذه الظاهرة لها أبعاد اجتماعية نفسية
ويلخص أبعاد الظاهرة الاجتماعية الأخصائي الاجتماعي الأستاذ نادر العبادلة ل “بلادي”
1- التقليد: للرجل وللمرأة أيضاً .. فالمرأة تقلد الرجل في هذه العادة وتعتبر نفسها مثله، كما أن المرأة تقلد المراة الأخرى وتنافسها.
2- التنافس: مع الرجل في هذا السلوك .. حيث جرت العادات أن يكون التدخين في بلادنا مرتبطاً بالرجل .. وحين تدخن المرأة فهي تنافس الرجل في سلوكه وتتحداه وتأخذ منه ماهو مرتبط به.
3- الظهور بمظهر اجتماعي معين: والصورة الاجتماعية للمراة المدخنة هي شخصية مغرورة، قوية، مستقلة. وهذه الصورة تشجعها شركات التبغ بأشكال عديدة على الرغم من أنها غير واقعية وغير صحيحة.
ومن النواحي النفسية تتلخص الأبعاد من وجهة نظر الأخصائية الاجتماعية علا عليان ل “بلادي”في عدة نقاط ولاسيما في الدراسات الغربية الحديثة التي بحثت ظاهرة ازدياد تدخين المراهقات والشابات صغيرات السن .. ومنها:
1- التمرد والخروج عن التقاليد
2- الاستقلالية والقوة
3- المغامرة والتجريب
4- الابتعاد عن الأسرة والاستغراق في عالم الأصدقاء
5- وجود معلومات ناقصة عن التدخين وأضراره وإدمانه
6- القلق العام والتوتر والضغوط المتنوعة الاجتماعية والعاطفية والأسرية
7- الاكتئاب والاستعداد له .. حيث يمكن للفتاة أن تعالج نفسها من قلقلها واكتئابها بواسطة التدخين أو تخفف من معاناتها وآلامها ولكن العلاج غير صحيح وخاطئ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المصباح .. دروبــــــ ــ ــ ــ .doroob
/ قال الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية 18/
الرجاء الالتزام بأداب النشرفي كتابة الاستفسارات والتعليق.