إن الحضارت في العالم تقاس دوما بما تقدمه لبني البشر من علم ورقي وتحضر ولكل امة حضارتها التي اسهمت في ركب التطور الانساني علي مر وجود الانسان علي الارض والناظر في حضارة المسلمين نجد ان هناك مناطق للاشعاع كانت علي مر العصور بؤرة لأزدهار الحضارة لبني الانسان ومن هذه الماطق بلاد ماوراء النهر بحواضرها المشرقة ونحن الان في محاولة لاستقراء التاريخ في حلقة من حلقاته علي ارض اضاءت البشرية بنور من العلوم والفنون .
1- القيادة المستنيرة و الازدهار الحضاري في عهد الامير تيمور
يعد الموقع المميز الذي تحتله بلاد ماوراء النهر واشرافها علي طريق الحرير القديم
والذي جعل منها قاعدة للانبعاث الروحي والسياسي والاقتصادي في حلقات مختلفة
لتاريخ العالم مماعرضها لهجمات متعددة علي يد جيوش متعاقبة ولعل هزيمة السلطان محمود ودخول المغول الي تلك البلاد لون من الوان السيطرة الخارجية علي بلاد المسلمين والذي تعددت صوره في حواضر الدولة الاسلامية حتي نهاية الخلافة العباسية
وسقوط حاضرتها علي يد المغول .
ولان الشعوب صاحبة البعث الحضاري في العالم هي التي تنهض بأبنائها للخروج من كبوتها
فقد ظهر في هذه البقعة من العالم رجل من اشهر رجالاتها وهو الامير تيمور والذي يعد بحق رمزا من رموز التاريخ الاسلامي كما وصفه( ول ديورانت ) صاحب كتاب تاريخ الحضارة
فمن منتصف القرن الرابع عشر الميلادي اصبحت بلاد ماوراء النهر بحواضرها العظيمة
محجا يتوافد عليه طلاب العلم والدين فقد اصبحت سمر قند قبلة للدين والعلم والفن في عهد
التيموريين
وُلدالأمير تيمور في 9 أبريل عام 1336 في قرية خوجا إلغار بالقرب من سمرقند
و كان الأمير تيمور من أيام الطفولة يمتاز بالظرف و الذاكرة القوية وكان يقرأ آيات القرآن الكريم حفظا عن ظهر قلب و يدرس الأحاديث الشريفة. إنه كان رجلا سياسيا حكيما و مصلحا في القرون الوسطى و نصيرا راسخا للعدالة و حاكما عظيما لما وراء النهر و منشئا للدولة الكبرى في آسيا الوسطى.
وعلي الرغم من غزواته لبلد الوطن العربي واحتلاله بغداد وتدميرها الا ان في بلاده
احرزت العلوم الاسلامية والعلوم الطبيعية والفنون والادب تقدما واسعا في تلك الفترة
و راجت في تلك الفترة الصناعات والحرف وازدهرت حركة التجارة بين الدولة التيمورية والبلدان الاخري وقد وضع الاميرتيمور سياساته في كتاب اسماه ( منظومات تيمور )
ولعل التناغم بين القيادة الدينية والقيادة السياسيةكان له اثر بالغ علي التقدم حيث تم الاعتماد علي الاسلام في كل المجالات
وكان المنطلق للتقدم العلمي والثقافي في تلك الفترة ولعل كم المؤلفات الدينية والثقافية يعطينا لمحة علي ماكانت عليه البلاد من ازدهار هذا اضافة
الي الاهتمام بأحوال الناس من بناء للاسواق وشق الطرق بين القري المتباعدة وربطها
بحواضر الدولة التي اتسعت وترامت اطرافها .
وكان اهتمام الاميرتيمور بالعلم واضحا من خلال بناء المدارس والمساجد وجعلها قبلة للعلم
ومن ابرز علماء الفقه الشيخ شمس الدين ابن محمد الجزائري ومن فلاسفة هذا العصر
سعد الدين التفتزاني ومن علماء اللغة العلامة خوجه فضل ابن الليث وفي الرياضيت والفلك
والطب والعمارة والتاريخ واشير هنا الي واحد من اهم المؤرخين في عصره وهو نظام الدين
الشامي وغيرهم كثير تزدحم بهم كتب ومعاجم العالم .
لقد حدث هذا التطور الواسع نتيجة استيعاب المفردات العلمية في العهد قبل السابق والذي
بدأ مع القرن التاسع الي القرن الثاني عشر وتطوير هذه المنجزات وخلق روح الابتكار وحب
العلم والمعرفة ويحق لنا القول ان هذا العصر هو عصر التقدم العلمي في اسيا الوسطي .
2- الغ بك ونهضة العلوم والفنون في عهد الدولة التيمورية
ألغ بك محمد طرغاي بن شاه رُح ابن الامير تيمور ، رابع حكام الأسرة التيمورية في هراة، كان عالماً بالرياضيات والفلك، وكان والده شاه رُح يحكم بلاداً واسعة عاصمتها مدينة هراة. وقد تميز ألغ بك منذ صغره بالذكاء وحب المعرفة، فجعله والده في عام 1408م أميراً على تركستان، ثم على بلاد ما وراء النهر، فاتخذ مدينة سمرقند حاضرة لإمارته، واستقر فيها حاكماً تسعاً وثلاثين سنة، انصرف في أثنائها إلى خدمة العلوم، والفنون والآداب عامة، حتى غدت سمرقند في عهده مركز إشعاع للعلوم الإسلامية .
كان ألغ بك عالماً رياضياً وفلكياً وأديباً ومشاركاً في الفنون والعمارة، وكان إلى جانب ذلك حافظاً فقيهاً أكب على دراسة القرآن، فحفظه وجوّده بالقراءات السبع. وشغف بالشعر، فاتخذ لنفسه شاعراً خاصاً هو خواجة عصمت البخاري، وقرّب غيره من الشعراء والكتّاب، كما اهتم بالتاريخ، وكان هو نفسه مؤرخاً، فصنّف في تاريخ أبناء جنكيزخان الأربعة كتاباً عنوانه (
وجمع في بلاطه العلماء من سائر الأقطار، وأغدق عليهم الأموال، وأجزل لهم الرواتب، كما استدعى من سمع بفضله منهم وضمه إلى حاشيته، أمثال صلاح الدين موسى، المعروف بقاضي زادة الرومي (ت نحو 835هـ/1431م)، وغياث الدين جمشيد الكاشي (ت832هـ/1428م)، وملا علاء الدين القوشجي (ت879هـ/1474م)، والشاعر عصمت البخاري وغيرهم.
ولعل مااشتهر به الغ بك هو مرصده الذي يعد والي الان احد اهم العلامات الفلكية في العالم
وانشأ المرصد في مدينة سمرقند سنة 823هـ/1420م وكان يقع شمال المدينة مباشرة منحرفاً نحو الشرق، واختار مكانه المناسب فلكيون مشهورون. وتوخى ألغ بك أن يكون المرصد شاهداً على عظمة الدولة وقوتها فجعل أساسه في الصخر ونقاط ارتكازه تشبه أساس الجبل، وحصنه وأقام منشآت من الحجر القاسي وكساها بالرخام والمرمر، وكان المرصد يضم نماذج عشرة كواكب، وتمثيلاً لسبع دوائر سماوية مع دوائر لسبعة كواكب ثابتة عليها، وتمثيلاً لبعض الكواكب السيارة والمناخات والجبال والبحار والصحارى. وكل ذلك ممثل في رسوم مدهشة، وعلى مخططات لا شبيه لها داخل حجرات بناء مرتفع مشيد على مكان عال.
وتعد المزولة (الدائرة العمودية) أساساً للمرصد، وكانت في الأصل تتألف من قوسين متوازيين من الحجر المكسو بالمرمر داخل مبنى دائري، وبلغ نصف قطر المزولة 40.214 متراً، وطول قوسها 63 متراً ولم يبق منها سوى القوس السفلية وطولها 32ْ مقسمة إلى درجات وموجودة ضمن خندق محفور في الصخر بعرض مترين وعمق أحد عشر متراً، ويبرز جزء منها فوق الأرض. كما بنى ألغ بك في مرصده ربع الدائرة التي استعملها لتعيين ارتفاع قطب النقطة التي بني فيها المرصد. وذكر أن ارتفاعها كان يضاهي ارتفاع قباب جامع آياصوفيا في القسطنطينية. كما زود المرصد بجميع آلات الرصد المعروفة في زمانه وامتازت بحجمها الكبير ودقتها الفائقة، وأضاف إليه آلات مبتكرة جديدة حتى عُد المرصد في ذلك الوقت إحدى عجائب الدنيا.
اخيرا يعد عصرالغ بك هو امتداد طبيعي لعصر التموريين الذي عر فت فيه حواضر بعينها منارت للعلم كما هو الحال في سمر قند وبخاري .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المصباح .. دروبــــــ ــ ــ ــ .doroob
/ قال الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية 18/
الرجاء الالتزام بأداب النشرفي كتابة الاستفسارات والتعليق.