أخر الأخبار >> مجلة المصباح دروب ثقافية أدبية * ثقافية * فنون تشكيلية كما نرحب بجميع المساهمات الواردة عبر البريد الإلكتروني m.droob77@gmail.com أهلا بكم أصدقائنا * مع تحيات أسرة التحرير

أحـدث المقالات

مواويل الوجد الحزينة / رؤى زهير شكر


رشقات من الهواء الندي الملئ بعطر الرياحين يلامس خصلات شعرها الشقراء، يداعب وجنتيها عندما كانت تمشي قربي على ضفاف دجلة الخير... ألمحها طيفا يطرق أبواب الوجد المطلة على حدائق قلبي.. فأفتح بها أفاق أخرى أغلقها حلم الطفولة الممتزج بغدر ألأيام وأحلامها..لأعود الى الأمس الذي كانت هي فيه طالبة في المرحلة الأولى من دراستها الجامعية، وأنا معها في نفس الجامعة لكن اسبقها بثلاث أعوام...
لم أكن أراقبها قط ، لكن روحي قد بدأت الاعتياد على حنين سرمدي المنبع الى لقياها..، وهج يشتعل في داخل عروقي ليرنو بقلبي الى مكانها ويجثو عند بوابة روحها..
فيرجو عينيها أن ترحم عذاب أستشف بروحي قبل جسدي ألما..، وان ترى قلبي الذي يلج بذكرها في كل نبضة من نبضاته، وعندما أراها تكلم أحد زملائها أشعر بنيران الغيرة تحرق وجدي وتلتهم روحي.. أود منعها، وكيف لي.. فليس لدي أي حق بمنعها، وأنا الذي لم أكلمها إلا بروحي وعيوني..ولم اعرف بعد شيئا عنها......
فبعد أن قضيت ثمانية أعوام وقلبي لم  يخفق للحب، بعدما تزوجت من كنت أتصور بأنني أهواها منذ نعومة أظفاري وتركتني هائما بين ذكريات حب طفولي.. 

وها أنا اليوم أصبحت العاشق المعذب الذي بات يناجي أساطير الغرام ويحاور الأقمار والأفلاك، ويحمل النجوم بأشواقه المحترقة لتكون المرسال الوحيد الصادق الى قلب أخر جديد..
شعور مختلف لم أذق طعمه من قبل ولم أتعرف إليه قط، أشبه بدوامة إعصار تلفني وترمي بي الى صورتها المعلقة في أحداقي..، عشرات الأسئلة تمور في أعماقي وتبقى بلا إجابات، بل وأصبحت سيوفا تحزني حد العظم وتنخره.. حتى باتت أعصابي مرهقة من إعادتها، وبرح فؤادي ألما من قسوتها...
وفي ذات مساء شباطي بارد، قررت أن اكسر أصفادي التي تشد أوتار قلبي ولساني بترانيم الصمت..، كتبت ورقة صغيرة أوضحت فيها مدى عذابي الذي تسقيني إياه في كل ثانية دون أن تدرك كيف أو متى؟ متمنيا  أن تضع حدا لهذا العذاب المستبد، وان توقف نزيف قلب أدمته  سهام العيون، وان تضمد جراحات روح قد حزَ بها الألم بعدها وضعت اسم المكان الذي أتمنى أن تنتهي به غربة فؤادي...
كتبتها واعلم مسبقا إن موتي سيلحق بها.. ففي تلك الليلة لم يطرق النوم أجفاني ولم استطع التعرف إليه..، الثواني فيها مستفزة، الدقائق عاجزة عن الحركة، فلم تكن عقارب ساعتي تتحرك بل كأنها متوقفة إلا عن مداعبة أمالي المحطمة وجراحي النازفة ، وبدأت عيوني تتأمل كل حرف من حروف رسالتي وتحرقه بنار قلبي المضرمة، فوضعت رسالتي فوق وسادتي أطالعها بلهفة ، ثم بدأت أطياف مغرورة تحدثني عما سيكون الموقف غدا، وكيف سيكون لقاؤنا الأول، وما هو محور الحديث الذي سيدور بيننا؟....
 حتى رأيت لون ثوبها وطيفه الذي رحل بي الى عوالم أخر لم ألفها من قبل، والوردة المرتسمة فوق شفتيها على وجنتيها، أبحرت في مرافئ عيونها التي طالما خذلتني وصلبتني على أهدابها لليال طوال..، وأبعدت خصلات شعرها المتطايرة عن جبينها القمري، وهي تذوب بين يدي كقطعة سكر ناعمة في بحور لهفتي ووجدي بخجل طاهر ونقي.. حتى أفقت من هذه الأطياف الساحرة على صوت المنبه، فغيرت ملابسي وهيأت نفسي التي طالعتها بسرعة أمام المرآة..
أتأملت  سواد عيوني الحالك، وبشرتي التي غلبتها السمرة.. فأعطت طابعا من الثقة بالنفس.. ربطت ربطة عنقي بهدوء ورتبت شعري وأخذت كتبي وفوقها رسالة شوقي وحلمي وعزمت طريقي..حاملا بين يدي هواجس قلبي وأشواقه البركانية..
رأيتها شمسا تبرق وسط من حولها، عيونها لألئ متوهجة بالبرأة والأمل. وبين يديها أوراقا تقرأها، وتكتب بعض الكلمات في لحظة ما شعرت بأنها توجه كلماتها إلي.. وان قطع احد ما خلوتي بمراقبتها أفر منه ضجرا لأهرب إليها... حتى سنحت لي الفرصة بان اترك رسالتي بين طيات أوراقها، وهربت مجرما فر من العدالة لألوذ بوجدي وقلقي.. فبعد أن أتممت محاضراتي التي لم افهم حرفا منها فشرود ذهني وبرودة أطرافي وانجمادي يرحل بي الى مدن أخرى...
خرجت مسرعا من جامعتي الى المكان الذي ذكرته لها في رسالتي، وجلست في الطاولة الأولى كي تراني عندما تصل...بدأت دقات قلبي بالتزايد في اضطرابها، وكأنني لم أر فتاة في حياتي ولم اعرف ما هي لغة النساء، خوفي كان يخبرني برد فعل غامض منها، دقيقة تمر وتتلوها دقيقة، ساعة بعد ساعة.. حتى مل صبري من الانتظار، فجمعت أشواقي المتناثرة على أرصفة الانتظار، ولملمت وجدي الجريح لعل الهروب قد يهدئ ألمي، فعصافير قلبي بدأت تشد الرحال الى مدن الثلج للترك نار قلبي تحرقني وتحرق كل شئ في عالمي.. خطوت بخطوات قليلة خارج مكاني الموعود..خطواتي التي كانت تحفر الألم والأحزان في الأرض.. حتى لمحت طيف وطني يرنو إلي من جديد.. إحساسي بالفرحة لم يكن باستطاعة قلبي الصغير أن يحتويها، بل الدنيا بأسرها لا يمكنها أن تحويني.. صافحتها ودعوتها الى الجلوس وقلت:
_ في البدء أود ألاعتذار والأسف عن الطريقة التي دعوتك بها، لكنني لم أجد سواها..
فأجابت بصوت ملؤه الدفء والحنان وفتح في قلبي نوافذ المحبة والأمان..
 _ لا داعي للاعتذار..، فقد قرأت رسالتك عندها بدأت مواويل الشوق تعزف أهدئ الألحان في ساعاتي فتدفعني الى المجئ رغم ترددي...
كنت أتحدث إليها واشعر بشئ ما يكسر لي فرحتي في داخل أعماقي، وشعرت بأن حاجزا ما بيننا لا يمكنه أن يتحطم.. حتى أدركت من خلال حديثها طيا، أن من عادات الديانة المسيحية منع الاقتران من غير ديانتهم، ومن يخرج عن هذه الأعراف سيكون محكوما عليه بالموت الأزلي.. فكيف لي وأنا المسلم؟
بدأت دموعي تنهار أمامي كأنهار متدفقة سرمدية لتطفئ نيران وجدي الملتهبة.. وكل دمعة كانت تتأرجح بين ابتسامة جريحة وأهات ذبيحة، فصرخات روحي تهدم جدران قلبي.. عندها أدركت ليس كل ما أتمناه يكون لي، لذا سيكون من المستحيل أن أرى وردتي تذبل أمامي وبسببي.. ففضلت أن ارتمي وإياها في أحضان الصداقة فرغم عذابي به وموتي البطئ بل انه كان الانتحار بعينه.. وأما هي فقد بدأت ترى بوضوح شديد القضبان التي تحيطها والأصفاد التي تكبل يومها وساعاتها بصداقة ممزوجة بمواويل الشجن وألم الحرمان.. فمن ذا الذي سيحطم جدران القدر القتيل...؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المصباح .. دروبــــــ ــ ــ ــ .doroob
/ قال الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية 18/
الرجاء الالتزام بأداب النشرفي كتابة الاستفسارات والتعليق.

دروب أدبية

دروب المبدعين

دروب ثقافية