الرفيقة مرآة / بقلم: عبد الرحيم التوراني

في مخفر التحقيق واجهوني مع المرآة، قالت لهم لا أعرفه ولم أقابله من قبل ولا مرة٠ عندما التقت عيناي بعينيها في الزجاج العاكس غمزت لي برمشها، (اصمد٠٠ اصمد٠٠٠)، فقلت أنا أيضا للمحقق : لا أعرفها ولم أقابلها من قبل٠ صرخ في الجلاد أن أصمت٠٠ “لم يأت دورك بعد يا ولد القحــ”٠ كانت لديهم تسجيلات مكالماتي الطويلة مع الرفيقة المرآة، وخطتنا للتواطؤ ضد التجاعيد والشيخوخة المبكرة وهزم الوجوم وتسهيل تسلل عصابات الضحك المسلحة بالابتسام إلى البلاد٠ بكت المرآة مستعطفة متوسلة نافية مبعدة كل التهم عنها، حتى أنها صرحت بكرهها للضحك الخائن القاتل المجرم، وذكرت لهم أنه حاول أكثر من مرة التربص بها وبعائلتها للقضاء عليها وقتلها، بل إنه قتل والدها عندما جاءه مقنعا في السعال٠ هنا تلقت المرآة لكمة على خدها الأيسر، فسال دمها زجاجا قانيا أحمر٠ لم يبق سوى عرض فيلم فيديو صادروه من موقع يوتوب وأظهر فيه مع المرآة نتأبط ذراعينا على رمل كورنيش “عين الذياب”، وفي لقطة أخرى ندخن ونشرب بيرة في حانة “مارسيل سيردان”٠٠


 وعند الوصول إلى بقية المشاهد كنا غارقين في أوضاع طاعنة في الأحلام٠ تبادلت معي مرآتي نقرات من فيس بوك، وقلت لها: لايك، يعني: اصمدي٠ أجابت الجلاد المتكرش، نعم هذه أنا من تظهر في صور الفيديو، لكن الذي يظهر معي ليس هو الماثل أمامي، ذاك بعلي، إن في الأمر تشابها لديكم يا سادة٠ ضحك الجلاد ولم يستلق على قفاه لأنه بلا قفا وبلا رقبة، وبضربة قوية من يده الضخمة أردى المرآة قتيلة حتى تناثر زجاجها على وجهه ودخلت شظاياه في عينيه ففقد بصره٠
هنا فررت من السجن، وتخفيت في روح مواطن بلا سوابق عدلية و”بلا وسخ”٠٠ ووفاء لرفيقتي أشتغل اليوم عاملا نشيطا بمعمل “20 فبراير”، وهو لمن لا يعرف مصنع لإنتاج المرايا من أحجام وأشكال مختلفة، وأكثر زبائننا من القصر والحكومة، كل يوم يمرون على مصنعنا ويقتنون المرايا بالأطنان، يكسرونها ليعودوا في اليوم الموالي٠ وتسرب أنهم درسوا فكرة شراء المصنع ليغلقوه، لكن القوى الدولية المهيمنة منعتهم من تسريح العمال وإقفال المعمل٠ وقد يفكرون في بناء معمل منافس لإنتاج مرايا مزورة لترشيد نفقات الميزانية والاستجابة لمطالب الشعب٠
نسيت أن أقول لكم، وليبق الأمر سرا بيننا، الرفيقة مرآة لم تمت، بل فقط تظاهرت بالموت، وهي من تقود الآن المظاهرات في كل القرى والمدن٠
الدار البيضاء (المعاريف)
6 ماي 2012

* كاتب وإعلامي مغربي