بقلم الدكتور الياس عفيف سليمان
اعتمدت في كتابة هذا المقال على شهادة موشيه عميئيل الموجودة في مركز جابوتنسكي وعلى كتاب ” تاريخ الهاجاناه” المجلد الثالث صفحة 1543 وما يليها والتي نشرتها كلية هرتسوغ . وثائق من الارشيف الصهيوني المركزي ومن ارشيف جيش الدفاع الاسرائيلي ويوميات دافيد بن غوريون التي اعتمد عليها وعلى غيرها الدكتور اوري ميلشطين المؤرخ والباحث العسكري في كتابه ” تاريخ حرب الاستقلال ” المجلد الثاني الصادر في اللغة العبرية في العام 1999 والتي كانت مهمة لتوضيح وشرح الاحداث .
في يوم 29 نوفمبر 1947 اصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار التقسيم ,بما معناه دولة يهودية واخرى عربية وتكون القدس وضواحيها تحت وصاية واشراف دولي .جاء رد الفعل العربي الفلسطيني سريعا حيث قتل العرب 184 يهوديا في مناطق مختلفة من فلسطين ,لهذا السبب قررت منظمة ”ايتسل ” الانتقام من العرب باي شكل كان في الوقت الذي طلبت به منظمة ” الهاجاناه ” التروي والتريث لتهدئة الخواطر الامر الذي ادى الى ازدياد حالة التوتر بل العداوة بين منظمة ”ايتسل ” ومنظمة ” الهاجاناه ” . ( ”ايتسل” منظمة عسكرية قومية تأسست في القدس في العام 1931 وعملت حتى العام 1948 , قائدها الاول ابراهام تهومي واخرهم مناحيم بيجين ,اعتبرها الانتداب البريطاني منظمة ارهابية ) ( ” الهاجاناه ” منظمة عسكرية كبيرة ومركزية عملت بين السنوات 1920- 1948 وكانت النواة لإقامة جيش الدفاع الاسرائيلي بعد قيام الدولة ) .
كان لمنظمة ”ايتسل ” وحدة عسكرية صغيرة في حيفا, بعد وقت قصير من يوم 29 نوفمبر 1947 اصدر ضابط العمليات في المنظمة عميحاي فيجلن الملقب ” غيدي ” امرا لقائد الوحدة موشيه عميئيل بمهاجمة قرية طيرة الكرمل – طيرة اللوز- العربية الفلسطينية القريبة من حيفا . في يوم 11 ديسمبر من العام 1947 وفي ساعات اليل والسكان نيام , تسلل الى القرية 15 رجلا ( في مصدر اخر 12 ) من منظمة ”ايتسل ” تحت امرة موشية عميئيل , حاملين معهم سلاحا اوتوماتيكيا خفيفا , وبحوزتهم مواد متفجرات وصفائح مليئة بالبنزين , فقاموا بكسر بعض النوافذ وسكبوا البنزين الى داخل البيوت واضرموا النيران بها وعلى من بداخلها ,وقام خبراء المتفجرات بزرع العبوات الناسفة قرب البيوت وتفجيرها. ملأ الصراخ والصياح وازيز الرصاص القرية , بعد ذلك انسحبت هذه الوحدة وكانت النتيجة مقتل العشرات من سكان الطيرة وتدمير العديد من المنازل. (حسب علمي لم يذكر من بحت هذا الموضوع هذه العملية وهذه المعطيات عن طيرة الكرمل).
في يوم 30 ديسمبر من العام 1947 قام بعض افراد منظمة ”ايتسل” في جولة بسيارة ” تندر” مع قائدهم موشيه ليفي الملقب ” يريف ” بالتفتيش عن ”هدف” القصد مجمع عربي او تجمع للعرب في الحي العربي في حيفا, بعد جولة قصيرة قام افراد المنظمة بأرسال خبر الى القائد المسؤول شموئيل مايطين الملقب ” امنون ” مفاده :” يوجد تجمع للعرب قرب مصافي تكرير النفط في حيفا, وافق مايطين على العملية ” بعد ذلك عاد ركاب السيارة اليهود الى نقطة تجمع العرب والقوا باتجاههم ثلاثة علب طعام تم افراغها وتعبئتها بمواد متفجرة وبشظايا معدنية ادت الى مقتل ستة عمال عرب على الفور وجرح العشرات .
في تلك الفترة عمل في معامل ومصافي تكرير النفط في حيفا 470 يهودي و1400 عربي , قام العمال العرب بمهاجمة العمال اليهود بكل ما وقع تحت ايديهم من بلطات ,هراوات ,مطارق ,قضبان حديدية ,حجارة وغيره ,هرب العمال اليهود باتجاه مخزن الاسلحة في المعمل لكن المسؤول البريطاني منعهم من دخوله فاختبئوا حيت وجدوا مكانا ,لحق بهم العمال العرب وقتلوا منهم 39 يهوديا ( في مصدر اخر 41 ) وتم التمثيل في بعض الجثث , 11 يهوديا اصيبوا اصابات بالغة واصيب العشرات بجراح خفيفة .
بعد مرور اكثر من ساعة وصل الى المكان 4 رجال شرطة ,3 بريطانيين وشرطي يهودي, حاول افراد الشرطة وقف العنف ,بعد نصف ساعة من وصول الشرطة وصلت مصفحة عسكرية بريطانية وجنود بريطانيين وباصات لنقل العمال العرب الى بيوتهم.
قرر موشيه كرمل الملقب ” زليتسكي ” قائد لواء حيفا وقائد الجبهة الشمالية تنفيذ عملية انتقاميه ضد العرب في نفس اليوم فاصدر اوامره الى يوسف هاس قائد الوحدة في الكتيبة 21 الى التصدي الى الباصات التي تنقل العمال العرب بهدف مهاجمتهم واصابتهم . لتنفيذ الاوامر طلب هاس من يعقوب بريسليب من قرية حسيديم استعمال شاحنته التي تحمل سلالم من خشب وتشبه الى حد كبير سيارات الشحن العربية .قام جنود الوحدة بالاختباء في الشاحنة, ونصبوا كمينا قرب منطقة نيشر , القوا القنابل اليدوية واطلقوا النار من رشاشات اوتوماتيكية على الباصات المليئة بالعمال العرب.
قامت القيادة العامة لمنظمة ” الهاجناة ” بتل ابيب بإيفاد احد قادتها يوسف ابيدار الملقب ”روكل ” الى حيفا لتقصي الحقائق, عاد ابيدار الى دافيد بن غوريون حاملا معه طلبات يهود حيفا والتي تلخصت بما يلي : ” وقف العمل في مصافي تكرير النفط اذا لم يتم ابعاد وحدات فيلق شرقي الاردن من المنطقة وفي حال عدم تعيين وحدة حراسة يهودية في المعامل .
سال بن غوريون ابيدار ” هل تعرض الفيلق لليهود بالأمس ؟ اجاب ابيدار ” الفيلق لم يطلق النار ,بل ورفض تزويد العرب بالبنادق رغم طلبهم والحاحهم ,بالمقابل منع الفيلق دخول المساعدة اليهودية التي اتت من شركة الكهرباء”
اجاب بن غوريون ” ان ايقاف العمل في مصافي تكرير النفط قد يضر في الاقتصاد اليهودي بسبب نقص الوقود ,عليه يجب التنبه من ايقاف العمل. بالمقابل يجب عرض الطلبات دون التراجع عنها اذا كانت واقعية وعملية. وعليه فان ابعاد الفيلق العربي غير عملي بحسب الظروف والمعطيات الراهنة .لن يقبل الفيلق العربي ان يضع الفي عامل عربي تحت رحمة اليهود … اذا كان ابعاد الفيلق العربي مشروط بان نأخذ على عاتقنا المسؤولية عن المكان وحمايته من الغزاة فنحن مستعدون, ولكن اذا رفض طلب ابعاد الفيلق العربي عندها يتوجب علينا طلب ادخال حراس يهود مسلحين ”.
كشفت احداث معامل تكرير النفط نقاط الضعف في خطة الدفاع عن المدينة. كاتب تاريخ ”الهاجاناة ” في حيفا ايشيل تسادوق قال” في منطقة محاطة بمعامل يهودية كان من الممكن القيام بمذبحة , ساعة كاملة ,دون القيام باي خطوة من اجل تقديم المساعدة للمصابين, كثيرون سالوا انفسهم وبألم , اين كانت منظمة ” الهاجاناة ” في هذه الساعة العصيبة التي حلت على مصافي تكرير النفط ؟
تم تعيين لجنة تحقيق محلية هدفها : ” التحقيق في الاسباب التي ادت الى القتل الجماعي داخل معامل تكرير النفط وللوقوف عن كثب عن مدى فعالية ونجاعة الخطوات والتدابير الامنية التي تم اتخاذها قبل يوم 30 ديسمبر 1947 ,ولتحديد الاسباب التي ادت الى هذه المصيبة ورفع النتائج الى لجنة الدولة المؤقتة ”.
قدمت لجنة التحقيق المحلية النتائج التالية: ” الترتيبات الامنية للشركة لم تكن ناجعة ”, اتهمت اللجنة الشرطة والجيش بالإهمال وحددت ان السبب المباشر لأعمال الشغب هو تلك القنابل التي القاها رجال منظمة ” ايتسل ” على العرب الذين وقفوا قرب بوابة معامل تكرير النفط , ولخصت نتيجة التحقيق بما يلي : عملية كهذه هي عمل لن نقبل به, بدون شك فان هذه العملية هي شهادة على التفكك التام لجهاز الشرطة والمخابرات … ”.
وتابعت : ”ان عملية القاء القنابل على العرب امام بوابة معامل تكرير النفط ادت الى فقدان هيبة ومكانة منظمة ”ايتسل ” بين اليهود ,حتى بعض اعضاء هذه المنظمة تعجبوا واستغربوا من تلك العملية . وفي جريدة ” الشباب ” التابعة لمنظمة ”ايتسل ” جاء ما يلي : ” نحن غير معفيين من التعلم والتصحيح واستخلاص العبر ”.وادلى موشية عميئيل قائد العمليات في منظمة ” ايتسل ” بما يلي : ” هبطت الروح المعنوية لدى افراد المنظمة …..حيث ان النتيجة الفورية للعملية كانت عدم رضا سكان حيفا اليهود عن افراد منظمة ”ايتسل ”.
هذه القضية زادت الطين بلة وزادت من حدة التوتر في العلاقات بين منظمة ” ايتسل ” و ” الهاجاناه ” ,تلك العلاقات التي كانت متوترة اصلا والتي دفعت قيادة ” الهاجاناه ” الى التحضير لعملية انتقامية في بلد الشيخ المسماة اليوم ”تل – حنان” والتي سآتي على بحثها في مقال اخر .
drelias10@yahoo.com
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المصباح .. دروبــــــ ــ ــ ــ .doroob
/ قال الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية 18/
الرجاء الالتزام بأداب النشرفي كتابة الاستفسارات والتعليق.