كتب : حسن محمد موسى
ليس الحديث عن مسلسل من مسلسلات العنف أو المغامرات الهوليودية ولا عن رواية من روايات الخيال, إنما توصيف لحال مزرية وأوضاع محزنة, تدعو للرثاء والألم, وتعريف بأحوال البعض الذي استطاع التحكم بمقاليد شعب قاوم طويلاً وعانى كثيراً في سبيل الوصول إلى ما يرنو إليه من حرية وانعتاق, وشرحٌ لما آلت إليه أمور القابعين خلف أسوار المقاطعة برام الله في انتظار ما يتلطف به أعداء أمتنا، ويتكرمون عليهم من فضل جود ومنة مالية أو اعتبارية وامتيازات شخصية متنوعة.
فما أن لوح الغرب بطعم خادع المنظر يبدو حلو المذاق هو مؤتمر باريس حتى سال لعاب الجميع وعلى رأسهم السيد الرئيس منتهي الولاية محمود عباس, من أجل هكذا فرصة تاريخية يحق للعاب أن يسيل, فهي ربما لن تتكرر مرة أخرى !! كان الثمن المطلوب لاستثمار هذه الفرصة هو التوقف عن استكمال المصالحة, وأن توضع كل مصالح وحقوق الشعب الفلسطيني في دولاب حديدي تحيط به الأصفاد المعدنية ومن ثم يتم إلقاؤه في البحر عميقاً كي تحفظ هنالك في القاع معززة مكرمة لا تذل ولا تهان !.
لن ينتهي الأمر عند هذا الحد, فهنالك الفرصة الذهبية التالية, معارك أيلول الطاحنة التي لابد أن تكون الغلبة فيها لمحاربي المقاطعة البواسل، الذين تدربوا جيدا وجهزوا أنفسهم بأقوى وأعتى أنواع السلاح الفتاك ألا وهو الشرعية الدولية !! إنها الحصن الحصين الذي لا يمكن للأعداء اختراقه أو هزيمة من بداخله !!, سوف تتوالى الاعترافات بالدولة الفلسطينية على الحدود 1967, وسوف يندب الكيان الصهيوني حظه وينادي بالويل والثبور وعظائم الأمور، وقد يترك مرتزقته أماكنهم عائدين إلى بلادهم الأصلية، كل ذلك خوفاً من الشرعية الدولية !.
من أجل ذلك أيضا يجب أن تتم التضحية بالمصالحة, وأن يكون التنكر لكل الوعود والالتزامات التي قطعت, فالمصالحة بين أبناء الشعب الفلسطيني، والالتزامات التي تقطع لباقي فصائله وعلى رأسها حركة المقاومة الإسلامية حماس، لا قيمة لها أبداً مقارنة بما يمكن أن يحصل عليه الشعب الفلسطيني من فوائد لا حصر لها إذا ما انعقد مؤتمر باريس!! أو فيما لو تحقق الاعتراف بالدولة الفلسطينية في ملحمة أيلول البطولية التي يعلو صوتها فوق كل الأصوات تارة !!..
وتارة أخرى نجد فرسان المقاطعة البواسل يتمنون إلى درجة الرجاء أن يحدث حدث ما أو يتم أي إجراء (مثل أن يوافق الكيان الصهيوني على تجميد الاستيطان لفترة قصيرة) يكون لهم بمنزلة مبرر لعدم الذهاب إلى الأمم المتحدة لحصد ذاك الاعتراف.
إن السؤال الغريب والمحير والذي يطرح نفسه بقوة هو: كيف يمكن أن تكون نتائج الاعتراف الدولي بدولتنا المنتظرة هامة لدرجة إيقاف المصالحة من أجلها وفي نفس الوقت يمكن التخلي عنها بكل بساطة فيما لو وافق العدو الصهيوني على تجميد الاستيطان وبدء المفاوضات؟ ألا يعد هذا اضطراباً في النهج وتشتتاً في الفكر يدل على تخبط في آليات إيجاد الفكرة والعمل على تحقيقها؟، وإن كانت الفكرة هنا هي تحقيق هدف الوصول إلى دولة فلسطينية محررة أفليس من الأجدى بحث كل السبل والآليات التي يمكنها تأكيد تلك الفكرة والوصول إلى النتيجة المرجوة وعلى رأسها سبيل المقاومة المسلحة التي أثبتت جدواها في كل الأزمنة والأمكنة التي خيضت فيها بإصرار وعقيدة حتى وإن تأخرت إشارات النصر بعض الوقت ؟، أم أن هذا التخبط ربما يدل على أن هنالك معرفة مؤكدة بأن كل ما يدور من خطط ومؤتمرات ومشاريع حلول ما هي إلا عبارة عن أوهام تباع في سوق التفريط بحقوق شعبنا وثوابته ؟.
المؤكد في كل الأحوال والواضح جلياً دون لبس أو غشاوة أن كل ما فعله الفلسطينيون المؤمنون بقدرات أوسلو الخارقة ليس إلا جرياً وراء السراب, ومحاولات حثيثة لاصطياده في صحراء المقاطعة الجرداء التي لم ولن ينمو فيها زرع أو شجر, ولن تنتج زهراً أو ثمراً أبداً مادام هذا منوال قاطنيها وحال ساكنيها.
المصدر: صحيفة فلسطين