نتالي ابو شقرا
في الوقت الذي استعد أطفال العالم بحماسة لزيارة بابا ناويل، تذكر أطفال غزة بابا الموت الذي أطاح ببراءتهم و هدّم بيوتهم و سرق أعزّ من لديهم في أواخر 2008. في ذكرى مرور ثلاث سنوات على حرب الإبادة الجماعية التي شنّها الإحتلال الاسرائيلي على أهل القطاع و الذي سقط بها حوالي 1500 قتيل بينهم أكثر من 300 طفل يأتي الخبر التالي: لارا فابيان تحيي حفلاً في لبنان شباط 2012.
تمّ دعوة فابيان الكندية الأصل للغناء في كازينو لبنان في ذكرى عيد العشّاق و قد أقرّ منظمو الحفل أنها ستحيي حفلتين في 14 و 15 فبراير المقبل . و لكن ما لم يشر اليه هؤلاء هو أن فابيان هذه زارت إسرئيل في ال2010 و أدّت لجمهورها الإسرائيلي ( الذي لا شك أن معظمه أدّى أو يؤدي حاليا خدمته العسكرية بقتل الفلسطينيين) أغانيها و قامت قبلها بتقديم أغنية أعدتها خصيصاً للتعبير عن خوالج قلبها و حبّها للدولة الصهيونية في العاصمة الفرنسية خلال ال 2010.
وهناك في لبنان طبقة بأكملها لا تزال تعيش وهم ”لبنان سويسرا الشرق” و تتباها بتجاهلها وتنأى بنفسها من القضايا العربية و فلسطين. فمنذ أسابيع قليلة قامت إذاعة لبنانية بدعوة ”دي جاي” عالمي هو لارمن فان بيورن من هولاندا والذي قدم عرضاً سابقاً في ايلات في الأرض المحتلة خلال ال2010. و قبلها أقدمت شركة تويوتوسي في لبنان على دعوة فرقة ”بلاسيبو” الى بيروت بعد زيارة الفرقة لاسرائيل بالرغم من احتجاجات ناشطي المقاطعة و عدة منظمات فلسطينية على ذلك معتبرين الأمر تبييضاً لجرائم الحرب الإسرائيلية.
بعد غزة 2009 والزخم الذي عرفته حملة مقاطعة إسرائيل، هناك مسؤولية أخلاقية فردية بمقاطعة دولة التفرقة العنصرية هذه و داعميها. اذ يجب أن عزلها كما تقوم هي بعزل فلسطينيي غزة عن العالم وحتى تطبّق ما يملي عليها قانون حقوق الإنسان العالمي. و قد ألغى عدد من الفنّانين العالميين كميغ رايان و داستن هوفمان مشاركتهم في مهرجان القدس للسينما عام 2010 بعد المجزرة التي ارتكبتها إسرائيل بحق ناشطي مافي مرمرة. و قبلها ألغى عدد من الفنانين عروضهم الموسيقية داخل الارض المحتلة في السنوات الماضية مثال دايفد كاستيلو و فرقة الغوريلاز وجيل سكوت هيرون و فرقة ال’بيكسيز” و ذلك إثر خضوعهم للضغوطات من قبل ناشطي المقاطعة.
دعوة فابيان للغناء في بيروت هي نكران كلّي لجرائم الإحتلال من اعتداء يومي على الفلسطينيين وهدم لمنازلهم وفصلهم عن أقاربهم و عائلاتهم و تهجيرهم داخل و خارج فلسطين و من بناء جدار الفصل العنصري. وهو ايضا تغاض عن السياسات العنصرية التي تفرضها إسرائيل على فلسطينيي ال48 ومعاملتهم كمواطني درجة ثانية!
إن لم نعمل الآن على تنشئة ثقافة سياسية مقاومة تتضمن وعي المقاطعة في عالمنا العربي، ونحن في عصر الإنتفاضات وتحدّي سُلطات بلداننا الظالمة، فمتى سنفعل ذلك ؟.
كم طفلا فلسطينيا يجب أن يموت قبل أن ندرك أنّ التطبيع جريمة و أداة يستخدمه الإستعمار ليرسّخ في عقولنا .
إعتيادية وجوده ويمسح بها بقايا ذكرى جرائمه بحقّنا؟ إن التطبيع هو جزء من إستعمار الكيان الغاصب لأذهاننا والسيطرة على لغتنا و هذا ما يمثله حضورنا لعرض لارا فابيان في سياسة غض النظر هذه.
*ناشطة مستقلة من لبنان، طالبة دكتوراه في معهد الدراسات الشرقية و الإفريقية في لندن
القدس العربي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المصباح .. دروبــــــ ــ ــ ــ .doroob
/ قال الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية 18/
الرجاء الالتزام بأداب النشرفي كتابة الاستفسارات والتعليق.