بين حرق مكتبة الإسكندرية في {عزازيل} ،وتدميرالملا عمر تمثالي بوذا في {محال}، وإغتصاب الزوج لزوجته في {ظل الأفعى}، بين محاولة إقناع النبطي إدعاء النبوة في {النبطي} بين سحل هيباتيا وحرقها ، وقتل السياح وتقطيع أجزائهم ،وإقتلاع عيونهم، يترنح قلم يوسف زيدان من ألم الإنسان الرافض للعنف والتعصب والتمييز في كل صوره، ويقدم لنا حلا نموذجيا في {النبطي} ممثلا في أم البنين تلك الأم التي تعبد اللات وابنها الأكبر هودي والأوسط سلومة مسيحي والأصغر النبطي باحثا عن دين جديد ورغم ذلك تعيش الأسرة في سلام وتناغم حتى حين تحول مالك وسلامة إلى الإسلام.
والقاريء لروايات يوسف زيدان قد يجد نفسه يصرخ بأعلى صوته لا تقتلوا هيباتيا ، أو لا تذبحوا والد هيبا لا تدمروا مظاهر الحضارة ،لا لتهميش دور المرأة ولا لمحاولات الدول القوية فرض سيطرتها على الدول المتخلفة وقهرها.
استطاع يوسف زيدان أن يحفر لنفسه خطا روائيا خاصا به ممثلا في إلقاء الضوء على فترة تاريخية فارقة في تاريخ الإنسانية ، وذلك من خلال أهم بعض الأحداث الرئيسية في الرواية أو الأحداث الفرعية وأحيانا بالإشارة إليها من خلال جملة أو جملتين أو ربما فقرة كاملة، دون الخوض في تفاصيلها وكأنه يلقى حجرا في المياه الراكدة فتتحرك الأسئلة .
وقد يكون الحديث عن الحدث بارزا كما في مقتل هيباتيا، وقد يكون في بعض الأحيان مجرد إشارة عابرة “بعد حين عاد وسأله عن السبب في أن الأذان لا يعلو في الأجواء ، مع أنهم في وسط المدينة ، فأخبره “عليشير”بأن الأذان ممنوع تماما في طشقند، ومن غير المسموح أن يصلي الناس في جماعة، بل من غير المأمون أن يصلي الشخص علانية. أضاف هامسا وهو يتلفت :الذي يتدين هنا ، تسميه الحكومة “وهابي” وهي كلمة تعني عندهم “إرهابي”ولا جزاء لصاحبها غير الاعتقال والتعذيب..كان عليشير خائفا وهو يتكلم ،مع أنهما في السيارة وحدهما” محال ص 164
مثلي مثل معظم قراء د.يوسف زيدان بدأت التعرف على إنتاجه الأدبي مع عزازيل ثم قرأت الثلاث روايات الأخرى وهي ظل الأفعى ، النبطي ، محال ، وهناك مشكلة واجهتني بمجرد الانتهاء من عزازيل وقبل البدء في الرواية التالية فقد وضعت شرطا وهميا للمؤلف وهو أن تكون الروية الجديدة في مستوى عزازيل من حيث حدثها التاريخي ولغتها الشعرية الممتزجة بالصوفية والحوار الفلسفي المتأمل وأحداثها الغير معروفة لي ، ومع توالي القراءة شعرت أن هذا إجحاف للمؤلف حين نقرأ له وفق مخيلتنا لا وفق ما يعرضه هو لنا.
كل رواية لها مذاقها الخاص فعزازيل ذات لغة شعرية وحوار فلسفي مناسب لشخصية البطل ذلك الراهب المتأمل ، أما إذا نظرنا إلى النبطي فسنجدها غارقة في الوصف مما يتماشى مع رحلة على الجمال عبر الصحراء .وذلك لأن السرد على لسان مارية التي تمر بالاماكن لأول مرة وتلك طبيعة الأنثى في الوصف ، حيث تصف أدق التفاصيل وعلى مهل. أما في ظل الأفعى وهي الرواية الأولى لدكتور يوسف زيدان فقد جاء النصف الأول للسرد على لسان البطل عبده ثم على لسان الأم المثقفة ، أما في محال نجد الكاتب يمزج بين العامية والفصحى ويكثر من التناص القراَني وأعتقد أنه وفق في ذلك وخاصة أن الرواية تعاصر بعض الأحداث التي عاصرها القاريء ولذلك كان لابد للغة وأن تكون قريبة من اللغة الحياتية ، أما الإكثار من الأيات القراَنية فهو موفق في رواية محال وخاصة أنها تدور حول فكرة سيطرة المد الديني وظهور الجماعات المتطرفة التي تتخذ من الدين ستارا لها .
وان كانت كل رواية لها طابعا خاصا إلا أن هناك رابطا يربط بين الروايات الاربعة وهو:
1ـ يسير السرد مع الشخصية الرئيسة في الرواية في حين أن الحدث الأهم يكون من خلال الشخصية الثانوية كما في هيباتيا {عزازيل} والنبطي {النبطي}وأسامة بن لادن {محال} والأم {ظل الأفعى}
2ـ إلقاء الضوء على فترة تاريخية فارقة في تاريخ الإنسانية ، وذلك من خلال أهم حدث من وجهة نظر الكاتب ، أثر في تلك الفترة.
3ـ مناهضة العنف والتميز في كل صوره .فما من رواية إلا وتوجه صرخة توقظ بها ضمير الإنسانية .
4ـ اللغة الجزلة القوية والتي تميل إلى الشاعرية والتأمل، والإقتباسات الصوفية.
5ـ الحث على أن الدين علاقة روحية بين الإنسان وربه ، لا دخل لمخلوق في تلك العلاقة الروحية لذا يجب أن يكون الدين بعيدا عن الدولة .
وبعد أربعة روايات هي إنتاج د.يوسف زيدان الروائي حتى الاَن نضع عزازيل والنبطي في جانب ونضع ظل الأفعى ومحال في جانب أخر ونحن في انتظار الرواية الخامسة والتي بلا شك ستتفوق على الروايات الأربعة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المصباح .. دروبــــــ ــ ــ ــ .doroob
/ قال الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية 18/
الرجاء الالتزام بأداب النشرفي كتابة الاستفسارات والتعليق.