من الصعب التأريخ لظاهرة انتشار الدعارة في سورية لسبب بسيط وهو أن الجنس وتجارته ظاهرة عالمية مشتركة مثلها مثل السياسية والدين وأشياء أخرى، أولم يطلق على أولئك الأشقاء الثلاثة تسمية ثالوث المحرمات.
الأخر مجرد طرحها، أو قد يقبل البعض الأخر المتغيرات التي طرأت عليه
عبر العصور، وأظن أن الكثيرين قرؤوا عن مفهوم الجنس المقدس وطقوسه
التي كانت تتم في العصور القديمة، وأكثر من ذلك كانت سورية الكبرى موطنه.
لكن أيا كانت الأمور والآراء فإن معلومات تلك المرحلة متوفرة لدرجة كبيرة في
لكن أيا كانت الأمور والآراء فإن معلومات تلك المرحلة متوفرة لدرجة كبيرة في
كتب التاريخ القديم والمعتقدات القديمة لكن ما يهمنا في هذا الموضوع لملمة شيئا من تاريخ تلك الظاهرة في سورية وتحديدا خلال القرن الماضي
مستعينين بمؤرخين سوريين أو معاصرين لتلك الفترة رفضوا ذكر أسمائهم نظرا لطبيعية الموضوع لكنهم بالطبع لم يبخلوا علينا بالمعلومات.
مستعينين بمؤرخين سوريين أو معاصرين لتلك الفترة رفضوا ذكر أسمائهم نظرا لطبيعية الموضوع لكنهم بالطبع لم يبخلوا علينا بالمعلومات.
271 امتهنوا الدعارة رسميا
من المعروف أن العثمانيين عسكروا المجتمع السوري كأي مجتمع سيطروا عليه، وبالنظر إلى ما للطبيعية العسكرية القاسية للجنود سيما منهم المحتلين فإن اعتداءات كثيرة من قبل العسكر حصلت على النساء المدنيين
ونتيجة لتكرر الحوادث تم وضع تشريع للدعارة تم بموجبه استصدار قرار يتيح بإقامة بيوت خاصة لها تحت إشراف الجهات الحكومية للحفاظ على الأمن العام..
الباحث والمؤرخ في تاريخ سورية الحديث الدكتور سامي مبيض خرق التحفظات التي واجهنا بها الكثير ممن حاولنا الاستعانة بهم ورضي بإدراج اسمه كون هذه الظاهرة كانت حاضرة بشكل ملحوظ وتعاملت معها الحكومات السورية المتعاقبة درءا لمخاطر استفحالها وضرورة الإشراف عليها عدا عن أن التاريخ نسيج متكامل لا يتجزأ.
يستند الدكتور مبيض إلى التقارير الرسمية الغربية والمحلية خلال تسليطه الضوء على تلك الفترة ويقول إن تلك الفترة الممتدة بين عامي 1914 ـ 1920 شهدت ازديادا ملحوظا في انتشار الدعارة وكان سببه الفقر لافتا إلى أنه وبعد دخول فرنسا إلى سورية 1920 تم تنظيم الدعارة واستحداث بيوت خاصة لها.
وحسب التقارير الفرنسية فقد تم إحصاء 271 امرأة تمتهن الدعارة في سورية حتى العام 1922 تحت رعاية حكومة البلاد، وكانت (ممتهنة الدعارة) تخضع لفحص طبي مرتين في الأسبوع، وتدفع الضرائب، ولها أوقات دوام محددة، وكانت توضع عليهم حراسة.
ولكن هذا لا يعني عدم انتشار هذه الظاهرة داخل الجدران المغلقة وبشكل سري، وهذا أيضا وجدت له العقوبات القانونية فالمرأة التي كانت تمارس الدعارة خارج البيوت الرسمية المخصصة لها، كانت تعتبر أنها تعمل بدون رخصة لذلك فإن السلطات المختصة كانت تجبرها في حال تم ضبطها لثلاث مرات بالانتساب الفوري إلى دور الدعارة المرخصة.
تنافس وتسويق
أما داخل تلك البيوت الرسمية طبعا فإن التنافس كان هو ميزة العمل الرئيسية تماما كأي نشاط اقتصادي آخر، وكالعادة في مثل هذه المواضيع فإن معيار الجمال الوجهي والجسمي هو الأهم في التسعيرة، طبعا كان عامل التسويق الذي يقوم به القائم على أعمال إحدى الداعرات دور مهم في وضع التسعيرة أيضا..
وإن كانت البيوت الرسمية متاحة للعموم ومعروفة فإن فرز الزبائن كان له معاييره الخاصة فكبريه ألفريدو في شارع بيروت بدمشق على سبيل المثال كان مخصصا للمريدين من عناصر الجيش الفرنسي..
الدعارة قبيل الاستقلال
الحكومات السورية خلال فترة الانتداب حرصت على تشريع هذه المهنة التي كانت دائما وأبدا محل اعتراض رجال الدين ففي العام 1942 يروي الدكتور المبيض حادثة تاريخية لها دلالاتها حيث قدّم مجموعة من رجال الدين عريضة لرئيس الجمهورية الشيخ تاج الدين الحسيني يطالبونه فيها بتسكير الكبريهات ودور الدعارة ومنع بيع الكحول وإغلاق دور السينما التي تسمح للنساء بدخولها دون والدها أو أخوها، وهي مطالبة لإلغاء ظاهرة كانت معروفة عن تخصيص عروض سينمائية خاصة للسيدات، كما طالبوا بتشكيل شرطة أخلاقية تمنع مظاهر تحرر المرأة..
ورغم أن الشيخ تاج الدين كان ابن الشيخ بدر الدين الحسيني أكبر علماء الدين، إلا أنه رفضها، وبعد وفاته رفعت للرئيس شكري القوتلي في 1944، ورفضها بدوره.
يبدو أن ملاحظة مهمة تبدر عن مثل هذه الوقائع تشير إلى ما تمتع به رؤساء سورية من علمانية لافتة إذ ورغم تدينهم والتزامهم الأخلاقي بتعاليم دينهم، إلا أنهم اصطدموا مع رجال الدين في هذا الملف، لأنهم رجال السياسية كانوا يعتبرون الناس أجناسا وأن مثل تلك الأمور من مظاهر تحرر المجتمع يجب أن تكون تحت إشراف الدولة بدل أن تكون خارج نطاق سيطرتهم ما قد يؤدي إلى فلتان الأمور وانحلال المجتمع أخلاقيا .
ينوه الدكتور مبيض إلى أن الأمور في مطالب رجال الدين تعدت المطالب السابقة لمطالب أخرى مشيرا إلى أنه وخلال حفلة خيرية كان مزمع أن تقام في نادي الضباط أيار من العام 1944 برعاية زوجة وزير المعارف آنذاك نصوحي البخاري بالاشتراك مع جمعية (نقطة الحليب الخيرية) وحضور حرم الجنرال كاترو يد ديغول اليمين، طالب بعض رجال الدين بإلغاء الحفل لأن سيدات سافرات ستحضرنه، فكان رد رئيس شرطة دمشق آنذاك أحمد اللحام ووزير الداخلية لطفي الحفار أن الناس أحرار.
فعمد رجال الدين وخلال خطبة الجمعة إلى تحريض الناس ضد الحفل ونجحوا في ذلك، وحدثت اشتباكات مع الدرك ووقع عدد من القتلى وفي اليوم التالي خرجت مظاهرة أكبر بقيادة المجاهد محمد الأشمر وتم اعتقاله وضعه في سجن تدمر، وكبرت القصة وقال رجال الدين للرئيس شكري القوتلي إن الأمر خرج من أيدينا، فطلب القوتلي تدخل الاتحاد النسائي الذي كانت ترأسه السيدة الفاضلة عادلة بيهم الجزائري، وكان خطوة ذكية من القوتلي لأن الاتحاد النسائي كان خلال الحرب العالمية الثانية يوزع الحليب والسكر واللحمة على الفقراء، وفي اليوم الثاني جاء الفقراء الذين كانوا عصب المظاهرات لأخذ حصصهم من تلك المخصصات فقال لهم القائمون على الأمر في الاتحاد النسائي دعوا رجال الدين يلبون لكم هذا المطلب..فانقلبت المظاهرات ضد رجال الدين..
هذه الحادثة التاريخية وإن كان هناك من يعتبر إيرادها تحت مادة تحمل هذا العنوان إلا أن دلالاتها تتعدى ذلك، فحسابات الحكومات تتجاوز الحسابات الآنية لأنها وإن أرضت فئة ما فإنها ستصطدم مع فئة أخرى..وكون الملتزمين بالتعاليم الدينية والأخلاقية محصنين فيما يخص حديثنا عن بيوت الدعارة إلا أن هناك قسم كبير من الناس تلبي لهم تلك الدور حاجات معينة يفتقدونها على الصعيد الشخصي وربما الأسري أيضا، فلماذا لا يكون تحت أعين السلطات خشية الانحلال الاخلاقي، سيما أن الضوابط الأسرية كانت موجودة في المجتمع السوري وكان هناك حصانة أخلاقية لدى العامة، مع الانتباه إلى أن تسليط الضوء على الظاهرة لا يعني أنها كانت مستفحلة، فالانحراف كان محدودا ومضبوطا بذات الوقت تحت رقابة صحية وقانونية..
دور البغاء الكبرى في دمشق
في النصف الأول من القرن الماضي كان في المنطقة المعروفة اليوم بدوار الجمارك أكبر دار دعارة رسمية للعموم وهي دار سبقت منطقة المرجة في العاصمة دمشق بعقود وكانت بشكل أكثر تحديدا في المنطقة التي أقيمت عليها كلية الهندسة حاليا، وكانت تسير في تلك المنطقة دوريات من الجيش للحفاظ على الأمن ولضبط تصرفات العسكريين.
وبحسب المصادر التي عدنا إليها عن تلك الفترة يتضح أنه خارج البغاء الرسمي كان النشاط السري موجود في عمل (ممتهنة الدعارة) وإن كان نشاطا محدودا جدا، ويمكن القول أنه كانت هناك دور معينة للمترفين يرتادونها، ورغم إدراك الدولة لنشاط تلك الدور إلا أنها أغمضت العين عليها وكانت تضبطه بشكل غير رسمي.
أيضا في حي الحلواني قرب باب الجابيه في العشرينات والثلاثينيات كان هناك دار تحت الرقابة الرسمية..وفي الأربعيات أخرجت ممتهنات الدعارة وتم تحويلها إلى منطقة سكنية.
الدعارة زمن الانقلابات العسكرية
تفاوت التعامل مع (مهنة الدعارة في سورية) خلال فترة أنظمة الانقلابات العسكرية الشهيرة في سورية التي توالت على مدى عقدي النصف الثاني الأخير من القرن الماضي وإن كانت إلى حد ما يجمعها خط واحد في هذا المجال تقريبا وهو قناعة مفادها أن هذا الأمر سيحدث سواء برضى الدولة أو بعدمه فقررت أن يتم تحت إشرافها بضوابط صحية معينة. لكن المعروف أنه في أيام الشيشكلي 1951-1954 وضعت قوانين صارمة لدخول الغرباء إلى سورية، كما منع دخول المريض والزاني والمعاق والسارق والعاهرات.
في العام 1957 ذهب رجال الدين إلى الرئيس شكري القوتلي ورئيس المجلس النيابي ناظم القدسي، محتجين على الكبريهات والملاهي الليلية، فكان جواب القوتلي (إذا أردتم أن أصنع لكم جنة على الأرض فماذا تركتم لرب العالمين، نحن علينا ضبط الأمور، والحساب عند رب العالمين سبحانه وتعالى).
الدعارة أيام الوحدة
أيام الوحدة بين مصر وسورية في العام 1958 أصدر جمال عبد الناصر القانون رقم 10 وقضى هذا القانون بإلغاء البغاء وإغلاق كل دور الدعارة وهي خطوة اتخذت بالتزامن مع إغلاق الصحف وإغلاق مقرات الأحزاب وغيرها من مجالات الحراك الاجتماعي والسياسي، أي أن الدعارة لم تكن بمعزل عما يجري بشكل عام في البلاد
(مقرات) الدعارة
ويبدو جليا أن حال (مقرات) الدعارة كان أفضل من مقرات الأحزاب والصحف رغم عراقتها في التاريخ السوري، فعلى الرغم من إغلاقها إلا أن سرية نشاطها كان علنيا بعرف السلطات لكن التعامل معها كان يتم بغض النظر عن ممارساتها، على النقيض تماما من النشاط السياسي الذي قوبل بالقمع..
خلال عقد الستينات والسبعينات ورغم جمود الحراك السياسي في البلاد عاد نشاط دور الدعارة المرخصة وتقول مصادر عاصرت تلك الفترة أنه كان للدعارة بيوت عدة منها بشكل متفرق داخل الحارات وفي أقبية المنازل كما في شارع السادات في العاصمة دمشق ومنها ما كان يعمل بمنطق أقرب لنظام السوق، الاجتماعي ربما، ومن تلك الأسواق سوق المرجة الأشهر بين أسواق الدعارة في البلاد، وإن كانت السلطات المختصة قضت على نشاطه نهائيا خلال السنوات القليلة الماضية عبر حملات متتالية.
في حلب كان هناك سوق بحسيتا بجوار الكراجات القديمة وكان مكون من بناء ضخم قديم مؤلف من طابقين وعشرات الغرف على امتداد حارة تقريبا، ويبدو أن دور بحسيتا كان مرخصة خلال عقد السبعينات لأنه كانت هناك مفرزة عسكرية تضبط حركة الزبائن وتمنع من هم دون عمر الثامنة عشر من دخولها.
وإن كانت دار الدعارة في حمص أصغر من مثيلاتها في حلب ودمشق وكانت تقع قرب مقر كلية الطب حاليا إلا أنها لم تعزل تلك المدينة عن مثل هذه الظاهرة مع الإشارة إلى أن نشاط تلك الدار توقف خلال عقد الستينات.
وفي دير الزور اشتهرت المنطقة المعروفة بالجورة وكانت مرخصة وعليها مفرزة عسكرية أيضا تنظم دخول الزبائن وتضبط تصرفات العسكر.
اليوم ومع انتشار مناطق السكن العشوائي بشكل كبير في سورية وبشكل تجاوز فيه عددها 120 منطقة، فقد ترافق تشكلها بتهيئة التربة الخصبة لنشاط دور الدعارة ونقل القائمون عليها مراكز نشاطهم في كثير من الأحيان إليها.
في عرف الدولة اليوم فإن ممارسة الدعارة سواء بشكل منفرد أو عبر شبكات خاصة، مخالف للقوانين لذلك فهي ممنوعة وتعتبر جريمة قانونية لها عقوباتها الشديدة في قانون العقوبات العامة وتندرج في إطار القوانين المخلة بالآداب العامة والشرف ويجرد كل يمارسها بعض حقوقه المدنية..في وقت تسمح القوانين بفتح الملاهي والمقاصف وتسمح ببعض العروض الخاصة، تلك الأماكن خصص لها أوقات دوام محددة دوريات أمنية لمراقبتها
جورج كدر-بورصات وأسواق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المصباح .. دروبــــــ ــ ــ ــ .doroob
/ قال الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية 18/
الرجاء الالتزام بأداب النشرفي كتابة الاستفسارات والتعليق.