أخر الأخبار >> مجلة المصباح دروب ثقافية أدبية * ثقافية * فنون تشكيلية كما نرحب بجميع المساهمات الواردة عبر البريد الإلكتروني m.droob77@gmail.com أهلا بكم أصدقائنا * مع تحيات أسرة التحرير

أحـدث المقالات

حالات وأحوال ـ قصة || ابراهيم درغوثي

غربة-1

خرجنا من المدرسة والشمس تلهث في السماء التي تحول لونها إلى الأزرق الباهت . والإسفلت ، ذاب وسال على جانبي الطريق . والعرق تخلل الثياب . وسيارات المازدا والنيسان وامازدا والكريسيدا والكرونا تمرق من أمامنا كالعفاريت المهتاجة ، وتختفي في غمضة عين .

وكنا وحيدين في الشارع الطويل .

قال : سنرتاح حين نصل المنزل .


قلت : كيف ؟ وأمامنا الطبيخ وإحضار الغداء ؟

أردت أن أواصل الحديث ، إلا أن جملته الأخيرة أوقفتني . فقد صار يهذي بكلام المجانين منذ أيام . وكنت أجاريه في كل مرة حتى لا يغضب .

البارحة مثلا ، قبل النوم ، دخلت غرفته فوجدت بين يديه مجموعة كبيرة من المجلات ، مجلات نسائية في أغلبها . وكان يختار صور النساء الجميلات . صور عارضات الأزياء وممثلات السينما . وكان يقصها بأنات وحذق .

قال : حتى لا أخدش ساقا أوصدرا ، فيسيل الدم وتتألم هذه الملائكة .

في الصباح ، وجدته قد غطى كل جدران البيت بنبيلة عبيد وشريهان والهام شاهين وليلى علوي .

حدثني عنهن بصوت خافت يكاد لا يسمع .

قال : حتى لا يذهب عنهن النوم ، فقد بت الليلة معهن في كلام وسلام الى أن طلع الصباح ، فسكتنا عن الكلام المباح .

في الطريق إلى المدرسة ، همس في أذني : لن نتعب هذا اليوم عند الغداء . لقد وعدتني البارحة الهام شاهين بمائدة من موائد ملوك الحيرة .

ولم أرد عليه ، فقد أصبت بأرق من جراء ضحكه العالي ، وصوت مكيف الهواء ، وضجيج المسجل والتلفزيون .

حين وصلنا أمام البيت ، وضعت المفتاح في القفل ، ودفعت الباب . وقفت مشدوها في العتبة ، فقد شممت رائحة الشواء ، وسمعت خبطا على أواني الأكل في المطبخ …



2-الحصن الحصين

وقفت في باب قاعة الانتظار المكتظة بالمرضى والمرافقين : أطفال صغار في أحضان أمهاتهم . عجوز افترشت الأرض ونامت . امرأة شابة تشكي لجارتها غبنها بهذا الولد الذي لا يبرأ إلا ليعود في اليوم التالي إلى المستشفى . رجل كهل يطلب من زوجته أن تنيم الطفل فقد أعياه الجري بين الصفوف …

ثم فجأة دخل علينا . رجل أنيق . في أربعينات العمر . أجال النظر ذات اليمين وذات الشمال، ثم اختار امرأة مسنة تقطر الطيبة من وجهها . تقدم نحوها ، وقدم لها كتيبا قال : هو الحصن الحصين ، يشفي من الروماتيزم والصداع وجريان الجوف والأورام السرطانية الخبيثة ومرض القلب ، ويداوي كل العلل . ادفعي نصف دينار فقط ثمنا لهذه الثروة يا سيدتي .

امتدت يد المرأة إلى حقيبتها اليدوية . أخرجت منها النقود ووضعت الكتاب في الحفظ والصون . وراح – والابتسامة العريضة – تسبقه ، يوزع كتبه على المرضى ومرافقيهم ، ويقبض النقود .

عرفته . رأيت في وجهه طبيب الصحة العمومية الذي كان ذات يوم ملك المستشفى .

ولم أقل شيئا .

حين وقف الممرض أمام باب الطبيب وبدأ في المناداة على المرضى ، كنت وحيدا . وكانت القاعة فارغة . قاعة الانتظار الفسيحة .

وكان طفلي الصغير يغط في النومة السابعة …

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المصباح .. دروبــــــ ــ ــ ــ .doroob
/ قال الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية 18/
الرجاء الالتزام بأداب النشرفي كتابة الاستفسارات والتعليق.

دروب أدبية

دروب المبدعين

دروب ثقافية