يبتدع الفلسطيني اشكالا مختلفة، للتعبير عن عشقه وتمسكه بأرضه. فلا يكاد يخلو بيت فلسطيني في الشتات، من بضع حبات زيتون فلسطينية جافة، يحفظها في علبة أنيقة، أو حفنة تراب في زجاجة، أو اصداف غريبة من بحر الوطن. كلها أيقونات يتعامل معها بشيء من القدسية. عزيز الحيفاوي.. الذي عشق التعاطي مع الأرض، جاء الى النرويج شابا. عمل في اوسلو، ثم عاوده الحنين للتراب، ولم تعد روحه تحتمل فراق الأرض. فاشترى بيتا مع حديقة كبيرة، خارج أوسلو. استعاد في تلك الحديقة، عشقه والتصاقه بالأرض. حمل شجرة زيتون
فلسطينية مع بعض ترابها. غرسها في الحديقة، ففرضت شروط بقائها، على عوامل الطبيعة الجديدة.. حافظت على هويتها، واندمجت مع محيطها وأثمرت. عزيز الفلاح الفلسطيني، ينكش الأرض على طريقة اجداده، بالمنكوش. يبذر الحبوب فيها. فتنبت له معظم خضروات وطنه. فالبذور والشتلات، يحضرها من فلسطين. في فصلي الربيع والخريف، يكتفي ذاتيا بخضار أرضه التي تحمل جينات فلسطينية، بنكهة تراب النرويج. ويشاركه اصدقاؤه، أكل الملوخية والكوسا والباذنجان. وسرعان ما أصبح الرجل معلما من معالم المنطقة، عند النرويجيين، ولا يذكر اسم فلسطين الا كمرادف لاسم هذا الفلاح الفلسطيني. لحرث الأرض أو نكشها وزراعتها طقوس خاصة.. يجتمع الأصدقاء لمساعدته. يعملون وهم يترنمون بالأغاني التراثية التي تحتفي بالأرض وتعلن التمسك بها. يأكلون ويروون حكايا الوطن.. وطن هؤلاء ابناؤه، كيف يموت؟ مقهى عكا غادر الجليلي أمية، عكا لدراسة الطب في ايطاليا. فتعلق بحب فتاة نرويجية، ورافقها الى موطنها. افتتح مقهى في شارع معروف، وسماه "عكا".. هو ابن حيفا، لكن نشأته في أجمل المدن القديمة، وتعلقه بها، دفعه لإطلاق اسمها على المقهى. زُينت جدران المقهى بصور كبيرة، لأجداده أيام فلسطين، وأخرى لبيارات الوطن. وصورة كبيرة لبيت كبير فخم. هو بيت العائلة الكبير في حيفا. وللبيت حكاية صمود ونصر كبيرين، في معركة كان السلاح فيها نظرات تحد وصرامة.. فكيف يمكن مواجهة قوة عاتية، بنظرة ويكتب لها النصر! يوم اقتلع الجد الأكبر من بيته، وأجبر على مغادرته بالقوة، غادر ولم يحمل الا كرسيا صغيرا. وضعه أمام المنزل، وجلس عليه. واستوطن الكرسي، بدل المنزل. يداوم طيلة نهاره من الصباح حتى المساء. يلقي بكفيه فوق بعضهما، على رأس عكازه المكور، ويلقي بذقنه على يديه.. فقط يراقب المحتلين في دخولهم وخروجهم من البيت. يرمقهم بتحد وصرامة وربما بشيء من الوعيد أو الكراهية. لم يسمعه أحد ينبس بكلمة واحدة. فقط هو متسمر، جل همه، التحديق بمحتلي بيته. لم يتحمل السكان نظرات الرجل المسن. فعرضوا البيت للبيع. سارع المسن واشترى بيته، وعاد اليه. ثم أعيد اقتلاعه مرة ثانية.. ووجد نفسه يحمل كرسيه ويعود الى سيرته.. يجلس أمام البيت، ويحدق بصمت، في الداخلين والخارجين منه. هذه المرة كانت دولة أجنبية من اشترى البيت الكبير، ليكون سفارة لها. فطلب منهم الرجل، السماح له بالعيش في احدى الغرف تحت الأرض كانت تستعمل مخزنا، فسُمح له.. يتخذ الرجل كل صباح الوضع ذاته، يتكئ على عصاه ويرمق الداخلين والخارجين، بنظراته الحادة، التي تراجعت امامها قوة عسكرية. خاف موظفو السفارة، وعرضوا البيت للبيع.. فاشتراه الرجل المسن مرة ثانية.. وهو المالك الأصلي! لا يهم أي الأسلحة تمتلك.. شاملة أم فتاكة، الأهم ان تجيد استعمالها! نظرات.. بقوة تدمير شامل!
صحيفة الحياة الجديدة / رام الله
فلسطينية مع بعض ترابها. غرسها في الحديقة، ففرضت شروط بقائها، على عوامل الطبيعة الجديدة.. حافظت على هويتها، واندمجت مع محيطها وأثمرت. عزيز الفلاح الفلسطيني، ينكش الأرض على طريقة اجداده، بالمنكوش. يبذر الحبوب فيها. فتنبت له معظم خضروات وطنه. فالبذور والشتلات، يحضرها من فلسطين. في فصلي الربيع والخريف، يكتفي ذاتيا بخضار أرضه التي تحمل جينات فلسطينية، بنكهة تراب النرويج. ويشاركه اصدقاؤه، أكل الملوخية والكوسا والباذنجان. وسرعان ما أصبح الرجل معلما من معالم المنطقة، عند النرويجيين، ولا يذكر اسم فلسطين الا كمرادف لاسم هذا الفلاح الفلسطيني. لحرث الأرض أو نكشها وزراعتها طقوس خاصة.. يجتمع الأصدقاء لمساعدته. يعملون وهم يترنمون بالأغاني التراثية التي تحتفي بالأرض وتعلن التمسك بها. يأكلون ويروون حكايا الوطن.. وطن هؤلاء ابناؤه، كيف يموت؟ مقهى عكا غادر الجليلي أمية، عكا لدراسة الطب في ايطاليا. فتعلق بحب فتاة نرويجية، ورافقها الى موطنها. افتتح مقهى في شارع معروف، وسماه "عكا".. هو ابن حيفا، لكن نشأته في أجمل المدن القديمة، وتعلقه بها، دفعه لإطلاق اسمها على المقهى. زُينت جدران المقهى بصور كبيرة، لأجداده أيام فلسطين، وأخرى لبيارات الوطن. وصورة كبيرة لبيت كبير فخم. هو بيت العائلة الكبير في حيفا. وللبيت حكاية صمود ونصر كبيرين، في معركة كان السلاح فيها نظرات تحد وصرامة.. فكيف يمكن مواجهة قوة عاتية، بنظرة ويكتب لها النصر! يوم اقتلع الجد الأكبر من بيته، وأجبر على مغادرته بالقوة، غادر ولم يحمل الا كرسيا صغيرا. وضعه أمام المنزل، وجلس عليه. واستوطن الكرسي، بدل المنزل. يداوم طيلة نهاره من الصباح حتى المساء. يلقي بكفيه فوق بعضهما، على رأس عكازه المكور، ويلقي بذقنه على يديه.. فقط يراقب المحتلين في دخولهم وخروجهم من البيت. يرمقهم بتحد وصرامة وربما بشيء من الوعيد أو الكراهية. لم يسمعه أحد ينبس بكلمة واحدة. فقط هو متسمر، جل همه، التحديق بمحتلي بيته. لم يتحمل السكان نظرات الرجل المسن. فعرضوا البيت للبيع. سارع المسن واشترى بيته، وعاد اليه. ثم أعيد اقتلاعه مرة ثانية.. ووجد نفسه يحمل كرسيه ويعود الى سيرته.. يجلس أمام البيت، ويحدق بصمت، في الداخلين والخارجين منه. هذه المرة كانت دولة أجنبية من اشترى البيت الكبير، ليكون سفارة لها. فطلب منهم الرجل، السماح له بالعيش في احدى الغرف تحت الأرض كانت تستعمل مخزنا، فسُمح له.. يتخذ الرجل كل صباح الوضع ذاته، يتكئ على عصاه ويرمق الداخلين والخارجين، بنظراته الحادة، التي تراجعت امامها قوة عسكرية. خاف موظفو السفارة، وعرضوا البيت للبيع.. فاشتراه الرجل المسن مرة ثانية.. وهو المالك الأصلي! لا يهم أي الأسلحة تمتلك.. شاملة أم فتاكة، الأهم ان تجيد استعمالها! نظرات.. بقوة تدمير شامل!
صحيفة الحياة الجديدة / رام الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المصباح .. دروبــــــ ــ ــ ــ .doroob
/ قال الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية 18/
الرجاء الالتزام بأداب النشرفي كتابة الاستفسارات والتعليق.