بعد أربعة إصدارات سابقة يعود أوّلها إلى 1995 في القصة والرّواية والنقد يُطالعنا محمّد عيسى المؤدب بمولود جديد في الرواية : "جهاد ناعم" وهي صادرة في يناير 2017 عن دار زينب للنّشر والتّوزيع بتونس في 260 صفحة من الحجم المتوسّط..
هي ورقات من سيرة بطلها " نضال فتح الله " العائد إلى تونس: خرّج حرّاقا ( مُهَرّباً) يتاجر بقوارب الموت، وعاد إرهابياً ..
هذه الرّواية شهادة على تمكّن الرّواية في المشهد التونسي والعربي تقرأها للوهلة الأولى فتتبيّن أنّها أثر من الحجم الثّقيل، يعكس عمق الوعي بالأزمات التي تعصف بواقعنا المهزوم انطلاقا من المحلّي، مرورا بالوطني فالإقليمي والعالمي، فيستبدّ بك عمق الطرح ، ويشّدك أسلوب مُغرٍ وسلس يجعلك تغوص في عالم الرّواية وتتفاعل مع قضايا هذا الواقع المرير الصادم منذ أوّل العتبات النصية أي العنوان..
فالعنوان وحدة دلالية متماسكة تأخُذ بالقارئ للإبحار في عالم النّص وتكشف عن مدى وعي الكاتب بهواجسه، لذلك إمّا أن يحدث تّناغم بن هذه العتبة والمتن فتكون هذه العتبة في النّص بمنزلة الجسد من الرّوح، أو تكون العتبة صادمة بنية المراوغة وشدّ انتباه المتلقّي، وهو من عوامل الإثارة والتحفيز على خوض مغامرة النّص، لذلك فالعنوان ليس كلمة أو كلمات عابرة توضع اعتباطا، بل هو من الدّلالات الفنية قيمتها تتحدّد من خلال علاقتها بالنصّ.
قراءة في العنوان
على ضوء هذه الإشارات نقرأ عنوان رواية محمّد عيسى المؤدّب "جهاد ناعم " قراءة تبيّن ما في هذه العتبة من جمالية ودلالية صادمة.
ورد هذا العنوان في صيغة جملة اسمية مُختزلة نكرة تعمّد الكاتب تغييب المبتدأ فيها. فـ "جهاد ناعم" عنوان نكرة لمبتدأ محذوف فمنذ البداية تبدأ المراوغة فنتساءل: هل الجهاد لا يكون إلا بأدوات نكرة؟..
الجهاد هو مصطلح سياسي ديني وعقيدةٌ لعمليات عسكرية في فترات تاريخية سابقة يقترن بالقوّة والعنف، ويقوم أيضا على كبح جماح النفس ومجاهدتها على الأهواء. وفي كلتا الحالتين تكون الشدّة، لكنه هنا اقترن بالنعومة واللين.. فهل يكون هذا التشبيه وهذه المفارقة مدخلا مغريا للإمساك بناصية النّص؟ أو لعلّه يعكس حيرة الكاتب الرّافض لهذا الواقع المرير المخزي فيكون هذا الجهاد النّاعم شكلا من أشكال الرّفض ويكون العنوان حمّال دلالات مثيرة : مقاومة وعنف # نعومة ولين ( طباق )..
فنتساءل كيف يقترن الجهاد بالنّعومة في عالم يُفترض فيه البقاء للأقوى. إنّ التاريخ البشري قائم على الصّراع من أجل البقاء فهل أراد عيسى المؤدّب مُخاتلتنا لنقف على شيء ما غير عادي في الرّواية؟..
قراءة في المتن والشخصيات
* في النص
هذه الرّواية ورقات تقاطع فيها الواقع بالتّاريخ والسرد الروائي بالأسطورة والخيال الشعبي بالأغاني الشّبابية والشعبية..لغتها سلسة، شاعرية في مواقع عدّة مزجت بين العربية والعامية والأجنبية أحيانا، لغة وظّفت دلاليا في مختلف السّياقات عبّرت عن الوجع وكشفت كمّا من المعاناة والهموم .
طرحت الرواية قضايا عديدة حارقة كالواقع الاجتماعي المهترئ ،ومشكل الهجرة السّرية عبر البحر والحرّاقة، مشكل الزّواج بالأجانب وسرقة الآثار، حوار ضفّتيْ المتوسط، الجنوب والشّمال في إطار أحداث " الرّبيع العربي."وعلاقة الحاكم بالمحكوم.
رواية اختزلت تاريخ الحضارة العربية الإسلامية في معلم تاريخي لم تبق إلا آثاره شاهدة على العصر هو قصر النوبة، وجعلت منه الإطار المكاني والزّماني الذي انطلقت منه الورقة الأولى من الرواية لنرى لوعة الكاتب على ماض تليد ذهب ولم يعُد ، ولم تبق منه سوى الذّكرى والحنين ..فهل هذا يعني أن الكاتب يجرّنا بقوّة لإعادة استقراء موروثنا الحضاري، والوقوف عليه من جديد ومساءلته قصد حمايته من الشوائب التي علقت به زمن الانحطاط وبعثه من جديد ؟ موروث يرتقي إلى مستوى القداسة استثمر بطريقة سلبية مدروسة ضمن أجندات خارجية تستهدف ماضينا وحاضرنا.
إنّ الرّواية تطرح مفارقة صارخة بين عهدين للحضارة العربية الإسلامية: النهضة /السّقوط والواقع المعيشي المزري في رحلة بحث مضنية،شاقة وُمرهقة، وتضع الإصبع على بيت الدّاء، فكأنّي بالكاتب هنا يُعيد طرح سؤال: لماذا تقدّم الغرب وتأخّر العرب من جديد ؟..
الرواية تفتح أدراجا عديدةً لقضايا من تاريخ العالم وتاريخ تونس عبر عصورها من القديم إلى الآني، حقبات تاريخية تتمفصل حولها أحداث الرواية وتجعل لتونس دورا محوريّا في منطقة البحر المتوسط وفي العالم العربي، وهذا يعكس مدى استراتجية هذا الموقع في المنطقة: بوابة إفريقيا وأوروبا...وهو ما يفسّر تقاطع الأحداث مع الواقع التونسي، ويعكس أيضا مدى تأثّر المنطقة العربية بما يجري فيها من أحداث سياسية، وما التأثر بأحداث ما يُسمّى " بالرّبيع العربي" إلّا شاهد على هذا الترابط.
تناولت رواية "جهاد ناعم" بالطّرح أحداث "الرّبيع العربي" بكلّ جرأة وطرحت جملة من التساؤلات حول مهندسيه وأجنداته وأبعاده وآلياته ومعاول تنفيذه ورهاناته على المنطقة العربية ففتح المؤلف بذلك "موضوعا مازال المنتِج العربي مُقلاّ لجدّته ورهبته " كما جاء في تقديم الرّواية للدكتور علاوة كوسة، "جرأة" جعلت محمد عيسى المؤدب الأسبق للنهل من هذا المشترك..
من تونس انطلقت الرّحلة وبالتحديد من" كاف غراب " بعرض سواحل مدينة الهوّارية ، رحلة دامت 5 سنوات من 2008 تاريخ انطلاق أحداث الحوض ألمنجمي زمن حكم بن علي إلى سنة 2013، ثلاث سنوات على اندلاع ثورة 14 يناير 2011 في فترة الحكومات التي عقبتها..
"جهاد ناعم" رحلة شباب رافض لواقع اجتماعي وسياسي متأزّم وجائر ناتج عن العولمة وإفرازاتها... " للفوضى الخلاّقة " في تونس وفي الجزائر والمغرب ومصر وإفريقيا جنوب الصحراء وفي ليبيا وسوريا، وفي كلّ مكان.شباب مهمّش (نساء ورجالا ) يعيش خارج دائرة الضوء عاطل عن العمل، موجوع في علاقاته وفي نفسيته وفي ثقافته وفي منظومته التربوية وفي واقعه الاقتصادي: فقر خصاصة ،استنزاف الثروة، استغلال، اضطهاد، تجهيل، تصحّر فكري وعقائدي. شباب يعيش اغترابا حضاريا لكنّه حالم بغد أفضل ويرنو الى الضّفة الأخرى للمتوسط – الضفة الشّمالية –حيث الجنّة الدنيوية لا يفصله عنها إلا بعض الأميال البحرية ( والعالم أصبح قرية صغيرة ) علّه يفوز بالجنّة المفقودة لديه . هيّ رحلة ليست سندبادية يقودها" أثرياء عالَّمه"، بل في رحلة سرّية عبر قوارب الموت نحو مصير مجهول وقودها حلم هذا الشباب في مغامرة بحث عن هذا الحظّ السّعيد وقلب الواقع المهزوم. رحلة بحث عن الحظ تكون فيه الثروة والجمال والرّقة والاستقرار، وأيضا الانتقام لجرح أو لعرض هُتك أو لردّ اعتبار ضاع، أمّا عن السّلاح في كلّ ذلك فهو المخدّرات والقذارة والكحول..
الأرضية كانت مهيّأة ومستعدّة نفسيا وماديا للقذف بهذا الشّباب في محرقة الجريمة المنظّمة وقابلة لكلّ الانحرافات، فكتب المؤّدب بحسّ مرهف وواع عن انهيار أحلام شخصيات الرّواية وعن تمزُّقها وحيرتها وخيبتها وإحباطها وعن المجهول الذي ينتظرها في عالم تتلاطم أمواجه و يأكله الضّباب، في عالم المافيا والجريمة المنظمة والفساد المستشري وعن تجارة البشر وسرقة الآثار وانتهاك تاريخ الشعوب والإرهاب وجهاد النّكاح، بالإضافة إلى أجندات إعادة تقسيم الخارطة العربية وسرقة تاريخها..وتركيا المتوثّبة لتضع لها قدما من جديد في المنطقة العربية، وإيطاليا هذا الهجين الحضاري، بلد المافيا والجريمة المنظمة ومركز التخطيط والقرار..
رحلة يقودها نضال فتح الله بطل الرّواية، بين الذّاكرة وأبعادها التاريخية انطلاقا من مَعْلَمِ قصر النوبة بجزيرة شريك وواقع اجتماعي وسياسي مريض بقيم مادية مقيتة أفرزها نظام دولي سليل الاستعمار، نظام جائر أمعن في فكّ أواصر المنطقة العربية ونهب ثرواتها وتقزّيم أبنائها، بطل يتعثّر به الحلم ويكون الفشل..
* في الشخصيات:
شخصيات الرّواية تحمل جنسيات عديدة، وظّفت في خدمة أبعاد مختلفة: اجتماعية وسياسية ونفسية ووجدانية جعلها الكاتب وسائل فنية حمّلها موقفه من الأحداث.. وهي شخصيات مهزومة ومفعول بها يطغى عليها التّشرّد أقحمت في هذا العفن من بداية الرّحلة إلى نهايتها، فجاءت صدى لمفهوم الخيبة والمأساة، تعثّر بها الحلم على واقع القهر الاجتماعي، شخصيات تعيش صراعا بين ثُنائيات: واقع متأزم / حلم .. وطن / غربة .. خوف /اندفاع.. حياة / موت.. مُتْعَة / قَرَفْ..
فكانت شخصيات فاشلة رغم إصرارها على التّحوّل الايجابي والتمسّك بإرادة الحياة وحبِّ النّجاح إلا أنّها تتحوّل إلى معاول هدّامة بأبسط التّكاليف لتنفّذ أجندات خارجية تُحرَّكُ بأياد معروفة، تسطّر المسارات انطلاقا من أنفاق مظلمة : حانات خانقة وغرف مغلقة.
"جهاد ناعم" رّواية تعكس العلاقة غير المتكافئة بين الغرب الفاعل والشرق المفعول به، غرب ينعم باللين والاستقرار وشرق يكتوي بمخطّطات المحرقة..
يُذكر أن رواية " جهاد ناعم" حازت على جائزة الكومار الذهببي بتونس في 23 ابريل 2017 .
* أديبة من تونس.
هي ورقات من سيرة بطلها " نضال فتح الله " العائد إلى تونس: خرّج حرّاقا ( مُهَرّباً) يتاجر بقوارب الموت، وعاد إرهابياً ..
هذه الرّواية شهادة على تمكّن الرّواية في المشهد التونسي والعربي تقرأها للوهلة الأولى فتتبيّن أنّها أثر من الحجم الثّقيل، يعكس عمق الوعي بالأزمات التي تعصف بواقعنا المهزوم انطلاقا من المحلّي، مرورا بالوطني فالإقليمي والعالمي، فيستبدّ بك عمق الطرح ، ويشّدك أسلوب مُغرٍ وسلس يجعلك تغوص في عالم الرّواية وتتفاعل مع قضايا هذا الواقع المرير الصادم منذ أوّل العتبات النصية أي العنوان..
فالعنوان وحدة دلالية متماسكة تأخُذ بالقارئ للإبحار في عالم النّص وتكشف عن مدى وعي الكاتب بهواجسه، لذلك إمّا أن يحدث تّناغم بن هذه العتبة والمتن فتكون هذه العتبة في النّص بمنزلة الجسد من الرّوح، أو تكون العتبة صادمة بنية المراوغة وشدّ انتباه المتلقّي، وهو من عوامل الإثارة والتحفيز على خوض مغامرة النّص، لذلك فالعنوان ليس كلمة أو كلمات عابرة توضع اعتباطا، بل هو من الدّلالات الفنية قيمتها تتحدّد من خلال علاقتها بالنصّ.
قراءة في العنوان
على ضوء هذه الإشارات نقرأ عنوان رواية محمّد عيسى المؤدّب "جهاد ناعم " قراءة تبيّن ما في هذه العتبة من جمالية ودلالية صادمة.
ورد هذا العنوان في صيغة جملة اسمية مُختزلة نكرة تعمّد الكاتب تغييب المبتدأ فيها. فـ "جهاد ناعم" عنوان نكرة لمبتدأ محذوف فمنذ البداية تبدأ المراوغة فنتساءل: هل الجهاد لا يكون إلا بأدوات نكرة؟..
الجهاد هو مصطلح سياسي ديني وعقيدةٌ لعمليات عسكرية في فترات تاريخية سابقة يقترن بالقوّة والعنف، ويقوم أيضا على كبح جماح النفس ومجاهدتها على الأهواء. وفي كلتا الحالتين تكون الشدّة، لكنه هنا اقترن بالنعومة واللين.. فهل يكون هذا التشبيه وهذه المفارقة مدخلا مغريا للإمساك بناصية النّص؟ أو لعلّه يعكس حيرة الكاتب الرّافض لهذا الواقع المرير المخزي فيكون هذا الجهاد النّاعم شكلا من أشكال الرّفض ويكون العنوان حمّال دلالات مثيرة : مقاومة وعنف # نعومة ولين ( طباق )..
فنتساءل كيف يقترن الجهاد بالنّعومة في عالم يُفترض فيه البقاء للأقوى. إنّ التاريخ البشري قائم على الصّراع من أجل البقاء فهل أراد عيسى المؤدّب مُخاتلتنا لنقف على شيء ما غير عادي في الرّواية؟..
قراءة في المتن والشخصيات
* في النص
هذه الرّواية ورقات تقاطع فيها الواقع بالتّاريخ والسرد الروائي بالأسطورة والخيال الشعبي بالأغاني الشّبابية والشعبية..لغتها سلسة، شاعرية في مواقع عدّة مزجت بين العربية والعامية والأجنبية أحيانا، لغة وظّفت دلاليا في مختلف السّياقات عبّرت عن الوجع وكشفت كمّا من المعاناة والهموم .
طرحت الرواية قضايا عديدة حارقة كالواقع الاجتماعي المهترئ ،ومشكل الهجرة السّرية عبر البحر والحرّاقة، مشكل الزّواج بالأجانب وسرقة الآثار، حوار ضفّتيْ المتوسط، الجنوب والشّمال في إطار أحداث " الرّبيع العربي."وعلاقة الحاكم بالمحكوم.
رواية اختزلت تاريخ الحضارة العربية الإسلامية في معلم تاريخي لم تبق إلا آثاره شاهدة على العصر هو قصر النوبة، وجعلت منه الإطار المكاني والزّماني الذي انطلقت منه الورقة الأولى من الرواية لنرى لوعة الكاتب على ماض تليد ذهب ولم يعُد ، ولم تبق منه سوى الذّكرى والحنين ..فهل هذا يعني أن الكاتب يجرّنا بقوّة لإعادة استقراء موروثنا الحضاري، والوقوف عليه من جديد ومساءلته قصد حمايته من الشوائب التي علقت به زمن الانحطاط وبعثه من جديد ؟ موروث يرتقي إلى مستوى القداسة استثمر بطريقة سلبية مدروسة ضمن أجندات خارجية تستهدف ماضينا وحاضرنا.
إنّ الرّواية تطرح مفارقة صارخة بين عهدين للحضارة العربية الإسلامية: النهضة /السّقوط والواقع المعيشي المزري في رحلة بحث مضنية،شاقة وُمرهقة، وتضع الإصبع على بيت الدّاء، فكأنّي بالكاتب هنا يُعيد طرح سؤال: لماذا تقدّم الغرب وتأخّر العرب من جديد ؟..
الرواية تفتح أدراجا عديدةً لقضايا من تاريخ العالم وتاريخ تونس عبر عصورها من القديم إلى الآني، حقبات تاريخية تتمفصل حولها أحداث الرواية وتجعل لتونس دورا محوريّا في منطقة البحر المتوسط وفي العالم العربي، وهذا يعكس مدى استراتجية هذا الموقع في المنطقة: بوابة إفريقيا وأوروبا...وهو ما يفسّر تقاطع الأحداث مع الواقع التونسي، ويعكس أيضا مدى تأثّر المنطقة العربية بما يجري فيها من أحداث سياسية، وما التأثر بأحداث ما يُسمّى " بالرّبيع العربي" إلّا شاهد على هذا الترابط.
تناولت رواية "جهاد ناعم" بالطّرح أحداث "الرّبيع العربي" بكلّ جرأة وطرحت جملة من التساؤلات حول مهندسيه وأجنداته وأبعاده وآلياته ومعاول تنفيذه ورهاناته على المنطقة العربية ففتح المؤلف بذلك "موضوعا مازال المنتِج العربي مُقلاّ لجدّته ورهبته " كما جاء في تقديم الرّواية للدكتور علاوة كوسة، "جرأة" جعلت محمد عيسى المؤدب الأسبق للنهل من هذا المشترك..
من تونس انطلقت الرّحلة وبالتحديد من" كاف غراب " بعرض سواحل مدينة الهوّارية ، رحلة دامت 5 سنوات من 2008 تاريخ انطلاق أحداث الحوض ألمنجمي زمن حكم بن علي إلى سنة 2013، ثلاث سنوات على اندلاع ثورة 14 يناير 2011 في فترة الحكومات التي عقبتها..
"جهاد ناعم" رحلة شباب رافض لواقع اجتماعي وسياسي متأزّم وجائر ناتج عن العولمة وإفرازاتها... " للفوضى الخلاّقة " في تونس وفي الجزائر والمغرب ومصر وإفريقيا جنوب الصحراء وفي ليبيا وسوريا، وفي كلّ مكان.شباب مهمّش (نساء ورجالا ) يعيش خارج دائرة الضوء عاطل عن العمل، موجوع في علاقاته وفي نفسيته وفي ثقافته وفي منظومته التربوية وفي واقعه الاقتصادي: فقر خصاصة ،استنزاف الثروة، استغلال، اضطهاد، تجهيل، تصحّر فكري وعقائدي. شباب يعيش اغترابا حضاريا لكنّه حالم بغد أفضل ويرنو الى الضّفة الأخرى للمتوسط – الضفة الشّمالية –حيث الجنّة الدنيوية لا يفصله عنها إلا بعض الأميال البحرية ( والعالم أصبح قرية صغيرة ) علّه يفوز بالجنّة المفقودة لديه . هيّ رحلة ليست سندبادية يقودها" أثرياء عالَّمه"، بل في رحلة سرّية عبر قوارب الموت نحو مصير مجهول وقودها حلم هذا الشباب في مغامرة بحث عن هذا الحظّ السّعيد وقلب الواقع المهزوم. رحلة بحث عن الحظ تكون فيه الثروة والجمال والرّقة والاستقرار، وأيضا الانتقام لجرح أو لعرض هُتك أو لردّ اعتبار ضاع، أمّا عن السّلاح في كلّ ذلك فهو المخدّرات والقذارة والكحول..
الأرضية كانت مهيّأة ومستعدّة نفسيا وماديا للقذف بهذا الشّباب في محرقة الجريمة المنظّمة وقابلة لكلّ الانحرافات، فكتب المؤّدب بحسّ مرهف وواع عن انهيار أحلام شخصيات الرّواية وعن تمزُّقها وحيرتها وخيبتها وإحباطها وعن المجهول الذي ينتظرها في عالم تتلاطم أمواجه و يأكله الضّباب، في عالم المافيا والجريمة المنظمة والفساد المستشري وعن تجارة البشر وسرقة الآثار وانتهاك تاريخ الشعوب والإرهاب وجهاد النّكاح، بالإضافة إلى أجندات إعادة تقسيم الخارطة العربية وسرقة تاريخها..وتركيا المتوثّبة لتضع لها قدما من جديد في المنطقة العربية، وإيطاليا هذا الهجين الحضاري، بلد المافيا والجريمة المنظمة ومركز التخطيط والقرار..
رحلة يقودها نضال فتح الله بطل الرّواية، بين الذّاكرة وأبعادها التاريخية انطلاقا من مَعْلَمِ قصر النوبة بجزيرة شريك وواقع اجتماعي وسياسي مريض بقيم مادية مقيتة أفرزها نظام دولي سليل الاستعمار، نظام جائر أمعن في فكّ أواصر المنطقة العربية ونهب ثرواتها وتقزّيم أبنائها، بطل يتعثّر به الحلم ويكون الفشل..
* في الشخصيات:
شخصيات الرّواية تحمل جنسيات عديدة، وظّفت في خدمة أبعاد مختلفة: اجتماعية وسياسية ونفسية ووجدانية جعلها الكاتب وسائل فنية حمّلها موقفه من الأحداث.. وهي شخصيات مهزومة ومفعول بها يطغى عليها التّشرّد أقحمت في هذا العفن من بداية الرّحلة إلى نهايتها، فجاءت صدى لمفهوم الخيبة والمأساة، تعثّر بها الحلم على واقع القهر الاجتماعي، شخصيات تعيش صراعا بين ثُنائيات: واقع متأزم / حلم .. وطن / غربة .. خوف /اندفاع.. حياة / موت.. مُتْعَة / قَرَفْ..
فكانت شخصيات فاشلة رغم إصرارها على التّحوّل الايجابي والتمسّك بإرادة الحياة وحبِّ النّجاح إلا أنّها تتحوّل إلى معاول هدّامة بأبسط التّكاليف لتنفّذ أجندات خارجية تُحرَّكُ بأياد معروفة، تسطّر المسارات انطلاقا من أنفاق مظلمة : حانات خانقة وغرف مغلقة.
"جهاد ناعم" رّواية تعكس العلاقة غير المتكافئة بين الغرب الفاعل والشرق المفعول به، غرب ينعم باللين والاستقرار وشرق يكتوي بمخطّطات المحرقة..
يُذكر أن رواية " جهاد ناعم" حازت على جائزة الكومار الذهببي بتونس في 23 ابريل 2017 .
* أديبة من تونس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المصباح .. دروبــــــ ــ ــ ــ .doroob
/ قال الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية 18/
الرجاء الالتزام بأداب النشرفي كتابة الاستفسارات والتعليق.