إذا كان النصف الأول من القرن العشرين قد شهد اهتماماً واضحاً بالذكاء والقدرات الخاصة، فإن النصف الأخير من القرن نفسه قد شهد الاهتمام بالإبداع وتميز برعاية المبدعين والعناية بهم ، فانكب مئات العلماء والباحثين وعشرات من المؤسسات العامة والخاصة بدراسة المبدعين وخصائصهم، وبدأ العمل بوضع البرامج التربوية لتنمية المواهب والابتكارات لدى الأطفال والتلاميذ منذ المراحل المبكرة من حياتهم ، كما صدرت المؤلفات والكتب والمجلات التي تتناول الإبداع وتعنى بتربية الموهوبين ، ولعل من أهم تلك المجلات المتخصصة التي اهتمت
ببحوث الإبداع مجلة السلوك الإبداعي The Jornal of creative behavior التي صدرت في أمريكا عام 1967 م .وقد سبق هذا التاريخ إرهاصات متعددة منذ الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي دفعت إلى هذا الاهتمام ، وبخاصة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية حيث بدأ التسابق العلمي والتقني بين الدول الصناعية ، وخاصة بين الشرق والغرب إذ واجهت الولايات المتحدة الأمريكية تحديات كبيرة عندما سبقتها روسيا إلى غزو الفضاء والوصول إلى القمر الأمر الذي دفع بها إلى إعادة النظر في مناهجها ومؤسساتها التربوية والعلمية ، فكان الاهتمام بالمبدعين باعتبارهم ثروة قومية يجب أن توظف في خدمة المجتمع وتقدمه ، وسرعان ما وجهت الجهود حول الظاهرة الإبداعية من قبل العلماء والباحثين والمعلمين ليس على مستوى أمريكا فحسب ، بل على المستوى العالمي طيلة هذه الفترة وتحققت نتائج علمية باهرة وتطبيقات تربوية حول مظاهر العملية الإبداعية وتنمية المبدعين تتمثل في الجوانب الآتية :
1- استكشاف طبيعة العملية الإبداعية ومراحلها ومكوناتها وما يحدث بينها من تفاعل دينامي .
2- التعرف على الخصائص النفسية للمبدعين وما يرتبط بها من سلوك وأنشطة إبداعية .
3- تنمية قدرات التفكير الإبداعي لدى الأطفال والطلاب عن طريق البرامج التعليمية والتدريبية المختلفة باستخدام الأساليب العلمية المحكمة ووضع البرامج الإرشادية والأدلة التي تساعد المعلمين والمربين على تهيئة الظروف الملائمة والمشجعة على التفكير الخلاق .
علاوة على ما سبق يضيف الباحث ( الحالي ) إن هذه الفترة قد حققت إنجازات مهمة في تطوير أدوات وأساليب القياس الخاصة بالمبدعين وبالعملية الإبداعية ، حيث صممت مئات الاختبارات وأدوات القياس الموضوعية ، كما تم تقنين وتجريب هذه الاختبارات على نطاق واسع من البيئات والثقافات في العالم ، بدلاً من الاعتماد على اختبارات الذكاء التقليدية التي أظهرت الدراسات التي أجريت منذ عقود مضت أنها لا يمكنها التنبؤ بحدوث النتاج الإبداعي لأفراد معينين ” إذ لوحظ أنه بالرغم من ضرورة وجود حد أدنى للذكاء للأنشطة الإبداعية ، إلا أن هذا الحد الأدنى يختلف من مجال إلى آخر ، كما أن توافر الحد الأعلى من الذكاء لدى بعض الأفراد لا يؤدي بالضرورة إلى نمو الإبداع لديه ” .
ويشير الكسندرو روشكا ، 1989 عالم النفس الروماني إلى أن هناك ثمة مشاكل كبيرة من قبل باحثين عديدين من أمثال جيلفورد وبارون وغيرهم في قيمة الاختبارات التقليدية للذكاء العام التي تتضمن عادة مشكلات نمطية يمكن حلها بإجابة واحدة ، ولهذا أعدت اختبارات خاصة بالإبداع تقوم على التنوع في الإجابة لكي يأخذ التفكير اتجاهات متباينة في حل المشكلات ، ومن هنا كانت اختبارات جيلفورد تؤكد أنماط التفكير التباعدي أو التشعيبي انطلاقاً من التفكير الإبداعي هو تفكير تباعدي .
وهكذا نخلص إلى القول بأن الاهتمام بالعملية الإبداعية لدى الأطفال باتت من الأهداف الأساسية التي ينادي بها الباحثون والمعلمون والمربون بدأ من مراحل الاكتشاف المبكر لمواهبهم وقدراتهم ثم التعرف على خصائصهم ومن ثم العمل على تنمية هذه المواهب أو الابتكارات عن طريق التعليم والتدريب الموجه وتحاول هذه الورقة تسليط الضوء على الموهوبين واقتراح مشروع مبدئي لمحاولة تنمية الأطفال في الجماهيرية انطلاقاً من إحساسنا بقلة الاهتمام إن لم يكن انعدامه بهذه الشريحة المهمة في المجتمع التي تمثل ثروة قومية يجب العناية بها على مختلف المستويات الاجتماعية التي يتفاعل معها الطفل بداية من الأسرة والروضة ثم المدرسة والمجتمع بمؤسساته .
الطفل الموهوب المبدع : تعريفه وخصائصه :-
هناك عدة مفاهيم وألفاظ تطلق على الأطفال الموهوبين ، فقد يقال عنهم بأنهم أذكياء ، أو عباقرة أو نوابغ مبتكرين أو فلتات الجيل ، وإذا كانت هذه الألفاظ تعبر عن معاني المدح والثناء ، ووصف الموهوب بصفات إيجابية سوية ، فهناك بعض الناس من يصفهم ويصورهم بصورة خاطئة فيرى بأنهم شاذين ، غريبي الأطوار ، مخبولين ، وأنهم من ذوي الاضطرابات العصبية وغير مستقرين نفسياً .
والسؤال هنا هل الأطفال الموهوبين المبدعين لديهم شيء من هذه الصفات أم تلك ؟
تشير الدراسات التي أجريت على عينات كبيرة من الأطفال الموهوبين والأطفال العاديين إلى أن الموهوبين عموماً يتمتعون بقوة بدنية عالية ولديهم قدرات عقلية عامة وخاصة تفوق غيرهم من العاديين ، وأنهم يهتمون باهتمامات علمية وفنية وأدبية وميول تطبيقية للجوانب النظرية ، كما يتوافرون على دافعية للتعلم ، ويفكرون ملياً في حل المشكلات وقدرة عالية على طرح الحلول والبدائل للمشكلة الواحدة ، والأطفال الموهوبون ليسوا جميعاً على وتيرة واحدة في القدرات والاهتمامات ، بل يختلفون عن بعضهم البعض شأنهم في ذلك شأن الأطفال العاديين فمنهم من يمتلك خصائص وقدرات عقلية عالية في مختلف المجالات العلمية والأدبية والفنية والتقنية ، ومنهم من يتميز ببعض هذه الخصائص والميزات فقط ، فيكون موهوباً ومبدعاً في لون واحد أو اثنين من ألوان النشاط أو مظاهر الإبداع ومن الناحية الصحية والعضوية ، فغالباً ما يتسم الأطفال والشباب الموهوب بصحة بدنية عالية وقوة وطاقة جسمية مرتفعة تؤهله للقيام بالعديد من الأنشطة والرياضات ، غير أن ذلك لا يعني أن لا يوجد من بينهم المعاقون حركياً أو عضوياً وعادة ما تفسر مثل تلك الظواهر الإبداعية لدى هؤلاء المعاقين عند علماء النفس بالمواهب التعويضية .
وإذا أردنا أن نمضي قدماً في التعرف على شخصيات الموهوبين وعرض خصائصهم فينبغي أن نشير إلى أهم التعريفات التي وردت في التراث التربوي والنفسي للموهوبين والمبدعين. فقد عُرف الطفل الموهوب بأنه ” كل طفل يتميز بالتفوق العقلي عن مرحلته العمرية في بعض القدرات التي تجعله مساهماً عظيماً وفعالاً في تحقيق الرفاهية للمجتمع .
وتشير الموسوعات النفسية والتربوية إلى وصف الطفل الموهوب المبدع بأنه ” الطفل الذي يؤدي أي عمل بكفاءة عالية وبصورة أفضل ممن هم في سنه ، وبأسلوب يبشر بتحقيق إنجازات وإسهامات عالية في المستقبل ” .
ومن التعريفات أيضاً تعريف سبيرمان Spearman للتفكير الإبداعي للطفل بأنه قدرة على إدراك العلاقة بين شيئين بطريقة ما ينبثق عنها ظهور شيء ثالث مخالف لشكليهما الأولين ” .
وتذهب مدرسة الجشتالت Gestalt في علم النفس إلى أن المبدع الموهوب ، هو ذلك الفرد القادر على إعادة دمج المعارف والأفكار بشكل جديد .
وهناك طائفة أخرى من التعريفات تؤكد على تميز الموهوب بقدرات عقلية عليا ، فالموهوبون المبدعون هم أولئك الأفراد الذين يتحصلون على درجات عالية من الذكاء بنسبة 1% من الأطفال حديثي السن.
ويذكر عثمان نجاتي ، 1983 ، بان فئة العباقرة أو الموهوبين هم ذوي الذكاء المرتفع الذين تصل نسبتهم إلى 145 درجة ويمثلون حوالي واحد في الألف من الإحصاءات السكانية العامة وأما فئة الأذكياء فتتراوح نسبة ذكائهم ما بين 130-145 درجة ويمثلون حوالي 2% تقريباً ويتميزون بالتفوق في التحصيل الدراسي .
وكما يلاحظ على هذه التعريفات أنها اعتمدت أسس ومحكات مختلفة في تعريف الموهوب أو المبدع منها محك القدرات العقلية والسمات الشخصية كما ورد في التعريف الأول والتعريفان الأخيران ومنها ما اعتمد على محك التفكير كما هو في تعريف سبيرمان حيث يصف التفكير المبدع بأنه إدراك العلاقة بين شيئين في حين يذهب تعريف مدرسة الجشتالت إلى محك النتاج الإبداعي ، فهو إعادة دمج المعارف والأفكار بشكل جديد .
وبالطبع فهناك محكات أخرى لجأ إليها العلماء والباحثون في تعريفهم للموهوب والمبدع منها وصف العملية الإبداعية والمراحل التي تمر بها وكذلك محك السمات الانفعالية والاجتماعية والقدرة على الإحساس بالمشكلات وطرح البدائل والحلول لحها فقد جاء في تعريف تورانس Torance وهو من الأعلام المشهورين في دراسة الإبداع : إن الإبداع يعني الإحساس بالمشكلات والقدرة على إيجاد الحلول لها ، فالتفكير الإبداعي يعني الإحساس بالثغرات والعناصر المفقودة (في المشكلة) وتكوين الأفكار ووضع الفروض الخاصة ومحاولة اختبارها والوصول إلى النتائج .
خصائص الأطفال الموهوبين : وفي ضوء التعريفات السابقة ، وما توارث في التراث التربوي والنفسي أنه يمكن أن نستنتج جملة من الخصائص والسمات التي يتميز بها الموهوبون :
1- التفوق العقلي : يتسم الموهوبون بالقدرة العقلية العالية فالموهوب يتربع على قمة السلم الهرمي في استجاباته على اختبارات الذكاء ، وكذلك في اختبارات التفكير الابتكاري .
2- القدرة على أداء الأعمال بكفاءة عالية ، وذلك بما يمتكله من مهارات متميزة تنبئ بتحقيق إنجازات عظيمة مستقبلاً وبما يمتلكه من طاقة حيوية هائلة يسخرها للسيطرة على الأشياء .
3- القدرة العالية على الفهم والإدراك في تصور العلاقات بمختلف مستوياتها كالعلاقات الزمانية والمكانية والمجردة بين الأشياء والأفكار والوقائع ، ويظهرون مرونة في التفكير في إنتاج البدائل الجديدة والحلول التي تتصف بالجدية والأصالة والحداثة، فالموهوبون يتعلمون عن طريق الاكتشاف، ويرفضون أساليب الحفظ والتقليد .
4- ولعل من أهم خصائص الموهوبين أيضاً تميزهم بالاستقلالية والثقة بالنفس إلى درجة المخاطرة والمغامرة في القيام بالمهام الصعبة وفي تناول الأشياء وتجريبها ، وتلعب دافعية الموهوب المتزايدة دور في رغبته في التعلم وفي الاكتشاف والفضول المعرفي فهو كثير الأسئلة والتساؤل مما يسبب الإزعاج والقلق لوالديه ومعلميه في أحيان كثيرة .
5- الحساسية للمشكلات والمواقف : إذ أن الموهوب المبدع أكثر حساسية للمشكلات الاجتماعية والمواقف التعليمية ، فهو غالباً ما يميل إلى اكتشاف التناقض في المواقف ، ويظهر العناصر المفقودة في حل المشكلة .
ونظراً لأهمية هذه الخصائص والمميزات لدى الموهوبين المبدعين فقد كانت الأساس التي اعتمد عليها العلماء في بناء اختبارات التفكير الإبداعي التي تؤكد جميعاً على قياس السمات الأساسية الثلاث وهي : الأصالة والمرونة والطلاقة .
أساليب وأدوات الكشف عن الموهوبين المبدعين :
تتعدد الأساليب والأدوات المستخدمة في الكشف عن الأطفال والطلاب الموهوبين ، وفي التعرف عليهم ، وبعض هذه الأساليب والأدوات تقليدية معروفة منذ القدم وبعضها الآخر يُعد حديث نسبياً .
وتعتمد هذه الأساليب والأدوات على محكات معينة لتقدير الموهبة والحكم على الموهوب أو المبدع من قبل المربين والمعلمين والباحثين وتظهر المواهب عادة من خلال ممارسة الأنشطة والميل إلى الهوايات التي يظهرها الأطفال و الطلاب سواء في المدرسة أو البيت أو النادي وغيرها عند ممارستهم لمختلف الأنشطة الرياضية أو الموسيقية أو الفنية أو الأدبية والعلمية ، غير أن عملية الاكتشاف تلك تتطلب من القائمين عليها وبخاصة المعلمين ضرورة الإلمام بالموهبة أو العملية الإبداعية وعناصرها وطبيعتها ، وهذا لا يتأتى إلا بالتدريب والتأهيل وفق برامج خاصة تؤهلهم للتعرف على المواهب واكتشافها ورصد مؤشراتها منذ سن مبكرة وكيفية العناية بها ورعايتها ، حتى لا تطال تلك المواهب والإبداعات مظاهر الإحباط والتراجع والفشل إذا لم تلق العناية والتنمية اللازمة ، فقد أشارت دراسة شكلية وهانزفورد ، 1992 ، Shaklee & Hansford ، أنه ” يمكن إعاقة هؤلاء الأطفال من التمثيل لقدراتهم ذا ما قلت المثيرات والخبرات التربوية والتعليمية في البيئة المنزلية والمدرسية الأمر الذي يحد من التنمية الذهنية ، كما أن نقص الغذاء يمكن أن يؤدي إلى خفض القدرة على التركيز وكذلك العزلة الاجتماعية يمكنها تأخير نمو الفرد” .
ومن أهم الأساليب والأدوات المستخدمة في اكتشاف المواهب لدى الأطفال والطلاب في المدارس والنوادي والمعسكرات في كثير من الدول المتقدمة تتمثل في إجراء الاختبارات والملاحظة والتقديرات الذاتية للتلاميذ وإقامة المسابقات ، وبالرغم من أن معظمها تقليدية ، فهي للأسف لم تتوفر في المدارس الليبية ، فلم تطبق أي نوع من الاختبارات والمقاييس المقننة في اكتشاف المواهب ولم تكن الملاحظة من قبل المعلمين والأخصائيين النفسيين حاضرة في المدارس ، كما أن الاستفتاءات لاستطلاع أراء الأطفال والتلاميذ والطلاب لم تكن مألوفة أو مستخدمة فيها وربما الأداة الوحيدة المعهودة في المدارس هي إجراء المسابقات وإقامة المعارض في نهاية العام الدراسي وعند إقامة بعض الأنشطة الرياضية والموسيقية والمسرحية التي غالباً ما تنتهي بانتهاء العام الدراسي ، دونما الاهتمام بأية برامج للرعاية والتنمية للمواهب التي تبرز في مثل هذه الأنشطة والمسابقات وفيما يلي إشارة موجزة لهذه الأدوات :-
1- الملاحظة : تُعد الملاحظة العلمية لسلوك الأطفال والطلاب وإنجازاتهم الأكاديمية وغير الأكاديمية ، وتحصيلهم الدراسي من الأدوات المهمة المستخدمة في التعرف على الموهوبين وتوجيه الانتباه إليهم ، وينبغي أن يكون هذا الاهتمام موجهاً للأطفال منذ مراحل مبكرة لتشمل مرحلة ما قبل المدرسة ثم مرحلة التعليم الأساسي .
2- الاختبارات والمقاييس النفسية : تعد الاختبارات والمقاييس النفسية من الأدوات الموضوعية التي يلجأ إليها الباحثون والأخصائيون النفسيون في قياس القدرات العامة ( الذكاء ) والقدرات الخاصة : كالقدرة العددية والقدرة اللفظية ، كما أن اختبارات قدرات التفكير الابتكاري من الأساليب الشائعة الآن في اكتشاف الموهوبين من الأطفال و المراهقين والشباب ، ولعل من أشهر تلك الاختبارات اختبار تورانس للتفكير الابتكاري .
3- التقديرات الذاتية للتلاميذ : إذ يمكن للأطفال والتلاميذ أن يفصحوا عن مواهبهم وإبداعاتهم ، ويكشفوا عن طموحاتهم وأمانيهم المستقبلية عن طريق المقابلات الشخصية فنتعرف على هواياتهم وأساليب ممارستها وكيفية قضاء أوقات فراغهم ، وجميع الأنشطة المدرسية وغير المدرسية التي يمارسونها.
4- إقامة المسابقات المتعددة والمعارض المدرسية : ومن الأساليب المتعارف عليها في المدارس حالياً إقامة المسابقات الفكرية والأدبية والفنية والرياضية التي تجرى بين الفصول الدراسية في المدرسة الواحدة أو بين مجموعة من المدارس ، وقد تشمل أيضاً إقامة المعارض المختلفة لإبراز مظاهر النشاط المدرسي وكذلك العروض الموسيقية والمسرحية وإقامة الحفلات وهي لا شك تمثل فرصاُ ثمينة لاكتشاف المواهب والتعرف على شخصيات المبدعين .
وهكذا يمكن للمدرسة أن تلعب دوراً مهماً ليس فقط في اكتشاف الموهوبين ، بل في العناية بهم ورعايتهم بوضع برامج لتنمية مواهب الأطفال والطلاب التي تحترم ثقافتهم، وتعمل على إشباع حاجاتهم وتأكيد نجاحهم في المدرسة والبيت وذلك من خلال مد جسور التعاون والتنسيق بين أسر الموهوبين والمدرسة بما يحقق تشجيع الموهوبين وحفزهم على الإنتاج الإبداعي وتعزيز مكانتهم في المجتمع .
المشكلات والمعوقات التي تواجه الموهوبين المبدعين :
إذا أردنا أن نستقصي المشكلات والعقبات التي تواجه فئة الموهوبين وتعترض مظاهر نموهم الطبيعي ، وتكون سبباً في إحباطهم وفشلهم أحياناً أو تعثر موهبتهم وإبداعاتهم وتأخرها أحياناً أخرى ، فيمكن إرجاعها إلى المصادر التالية التي يتفاعل معها الموهوب وتشكل شخصيته وهي :-
1- مشكلات ذاتية شخصية تتعلق بالموهوب نفسه :-
أ- قد يعاني الطفل الموهوب من مشكلات نفسية تؤدي به إلى سوء التوافق النفسي والاجتماعي ، فالموهوب كما أشرنا يتميز بدافعية عالية نحو التعلم ولديه رغبة في البحث والاستطلاع واستكشاف المعرفة ، فهو يفكر في كل ما يجري من حوله ، فإذا ما مر الطفل بخبرات مؤلمة وبخاصة في مراحل حياته الأولى أو أخفقت البيئة في إشباع حاجاته ، فقد يصاب بالإحباط والفشل وينتابه القلق والتوتر ، وتتحول حياته إلى صراعات نفسية داخلية تدمر ذاته وتقتل الإبداع لديه ، فإما القبول بهذا الواقع الذي لا يتوافق مع ذاته وتطلعاته أو التخلي عن تلك الأنشطة الإبداعية ، ويحدث ذلك في جميع المراحل العمرية للطفل ، وفي كل الأحوال تكون الخسارة فادحة للفرد المبدع وللمجتمع بكامله يفقده مثل هذه المساهمات الفردية والإنجازات الجادة مستقبلاً .
ب- يختار الموهوبون من التلاميذ والطلاب أحياناً مسارات من الدراسة أو أنواع من المهن غير مألوفة لدى الأسرة أو تتعارض مع رغبات الأباء أو يشعرون بأنها لا تتناسب مع مكانتهم الاجتماعية ، مما يدفع بالأباء إلى الوقوف في وجه أبناءهم ومنعهم من الالتحاق بذلك النوع من الدراسة أو المهنة ، مما يؤدي بهؤلاء الموهوبين إلى التراجع والتقهقر ومن ثم الإحباط والفشل.
2- مشكلات تتعلق بالبيئة المنزلية :-
أ- يواجه الأطفال الموهوبين بعض المشكلات أو العقبات التي يكون مصدرها المباشر الأباء أو الأخوة أو الأخوات ، ولعل أهمها عدم اكتراث الأسرة بمواهب الطفل العقلية أو الفنية فتتجاهل نشاطاته ، بل تكرهه أحياناً على عدم ممارسته لها ، ولا توفر له الإمكانات المادية والمعنوية مهما كانت بسيطة ، وهكذا قد تعمل الأسرة على وأد الموهبة في مهدها ، فالأطفال الموهوبون غالباً ما ينسحبون ويتخلون عن مواهبهم وممارسة هواياتهم في حالات الفشل المتكرر ، وبخاصة في المراحل الأولى ، وكذلك في حالات الشعور بالخوف والتهديد من قبل أهلهم وذويهم ، وقد يرجع ذلك إلى أن الموهوبين يتسمون بالعواطف الجياشة من ناحية والحساسية الاجتماعية من ناحية أخرى .
ب- قد تتبع الأسرة أساليب خاطئة في عمليات التربية والتنشئة الاجتماعية ، فلا تتقبل الطفل ومواهبه ، وتنظر إليه على أنه مشاكس وجالب للمشاكل ، وتطلق عليه ألفاظاً وعبارات لا يقبلها أو تسخر منه ومن طموحاته ، وفي المقابل هناك أنماطاً أخرى من التنشئة الاجتماعية الخاطئة أيضاً ، كأن تبالغ الأسرة في إطلاق عبارات الشكر والثناء على ابنها وتمنحه من العطف والتدليل أكثر من اللازم ، مما قد يؤدي به إلى الغرور والشعور بالاستعلاء والتكبر .
ج- ومن الأخطاء التي يقع فيها الأباء أيضاً أنهم يوجهون أطفالهم ويلقنونهم مفاهيم خاطئة وقوالب جامدة في التفكير كالقول بأن حل هذه المشكلة أو تلك لا تتم إلا بطريقة واحدة فقط ، وهي كما يدركونها هم وتعودوا عليها ، وما عداها من الحلول والبدائل فهي خاطئة ، وهذا بطبيعة الحال يقتل روح الإبداع لدى الأطفال الذين يمكنهم اكتشاف حلولاً وبدائل أخرى جديدة ، وغير مألوفة لدى الكبار وأولياء الأمور ، وفي هذا الصدد يشير بليزر وسيويروت ، 1990 ، Blazer & Siewert إلى أنه يمكن إحباط كل الوظائف الذهنية ( لدى الموهوبين ) من خلال المنازل غير اللائقة لحياتهم .
3- مشكلات وصعوبات تتعلق بالبيئة المدرسية :-
تحتوي البيئة المدرسية على متغيرات متعددة ووسائط متنوعة تلعب دوراً مهماً في تنمية الإبداع وصقل الموهبة لدى الأطفال ذ ما تم استغلالها لصالح الطفل ، وفي المقابل يمكن أن تكون مصدراً لإثارة المشكلات لدى الموهوب فتعرقل نموه وتحد من مواهبه وإبداعاته ولعل من أهم تلك المشكلات ما يلي :-
أ- تثار الكير م المشكلات في الفصل الدراسي بين الموهوبين والمعلمين بسبب إن الموهوبين كثيراً ما يبحثون عن فرديتهم الخاصة التي تميزهم عن أندادهم في الفصل ، فقد يكثرون من الأسئلة حول القضايا والموضوعات التي يدرسونها أو حول الأفكار والحلول التي يطرحونها لمعالجة المشكلات أو أنهم يطرحون حلولاً وبراهين مختلفة غير مألوفة لدى المعلمين أو يسألون أسئلة صعبة ومعقدة ، فيضيق المعلمون والمدراء بهم ذرعاً فيلجأون إلى قمعهم أو الاستهزاء بأفكارهم وآرائهم وقد يصفونهم بالمشاكسين والمتخلفين وإنهم يثيرون الفوضى في الفصل الدراسي ، وقد نشرت إحدى الصحف الأمريكية عام 1992 ( جريدة بروفدنس ) Providence وثيقة مفادها: إن أباء الأطفال الموهوبين في إحدى المدن قد احتجوا على الطريقة التي يعامل بها أطفالهم الموهوبين و المبدعين في المدارس ، وقدم هذا الاحتجاج إلى مجلس المدينة من طرف السكرتيرة لجمعية الأطفال الموهوبين والمبتكرين تتهم فيها المدارس العامة بوضع الطلاب المبتكرين في نفس الفصول الدراسية للمتخلفين عقلياً وبسبب المشاكل السلوكية التي تحدث بينهم فإنهم يعاملون معاملة المتخلفين عقلياً . وهكذا يصنف الموهوبون والمبدعون ويوضعون مع فئة المتخلفين عقلياً في أكثر الدول حضارة وتقدماً ، فكيف يكون حال الموهوبين في الدول النامية والمتخلفة إذن .
ب- لما كان الأطفال الموهوبين لا يميلون إلى الحفظ والتلقين ، بل ينتجون أساليب في التعلم مثل التعلم الاكتشافي والبحث عن المعلومات والحقائق بأنفسهم ، أي باستخدام أسلوب التعلم الذاتي ، كما أنهم يعتمدون على أنماط التفكير القائمة على الملاحظة والاستنتاج والتحليل والتقويم ، أي تلك المستويات العليا في التفكير ، فإنهم كثيراً ما يشعرون بالملل والضيق عندما يستخدم المعلمون طرائق تقليدية في التدريس تقوم على أساليب التلقين والتفكير النمطي ، كما أن المناخ المدرسي التقليدي وقلة الإمكانات المدرسية وعدم توفر الأنشطة المدرسية المتنوعة كالأنشطة الرياضية والموسيقية والفنية وبرامج الرحلات والزيارات ، كل ذلك يبعث على السأم والملل لدى الأطفال والتلاميذ الموهوبين ويعوق نموهم الطبيعي الحر .
المشروع التربوي المقترح لتنمية الموهوبين ورعايتهم
مقدمة : تعتبر الطفولة من أهم المراحل النمائية التي يمر بها الإنسان ، فهي تمثل نقطة البدء في النمو بمختلف مظاهره الجسمية والعقلية والانفعالية والاجتماعية ، كما أنها الأساس في بناء الشخصية وفي اكتساب المعارف والمهارات ، وفي تكوين الميول والاتجاهات ، ومن هنا يؤكد علماء النفس – وبخاصة التحليليين منهم – على ضرورة العناية بمرحلة الطفولة وتهيئة البيئة المناسبة لإثارة دوافع الطفل وإبداعاته انطلاقاً من البيئة المنزلية ثم بيئة الروضة فالبيئة المدرسية ، إذ أن هذه البيئات هي مصدر الإلهام الإبداعي للطفل وهي المسؤولة عن نموه وارتقائه أو إحباطه وفشله ، فإذا كانت البيئة خصبة ثرية مشجعة تثير دوافع الطفل وتشبع حاجاته العضوية والنفسية والاجتماعية وتجيب على تساؤلاته وحواراته ، ويسودها الاطمئنان النفسي والثقة بالنفس وتتوافر أيضاً على الإمكانات المادية المناسبة للمرحلة العمرية ، فإن ذلك ييسر عملية الإبداع ، فتنمو الموهبة وتترعرع صاعدة نحو الكمال لتحقيق الإنجازات الهائلة مستقبلاً ، وأما إذا كانت فقيرة معدمة في مثيراتها الفكرية ويسودها روح التسلط والخوف وتنعدم فيها الثقة بالنفس ولا تتوافر على العناصر المادية ، والثقافية اللازمة للعملية الإبداعية ، فغالباً ما تكون سبباً في إحباطات الموهوب وفشله .
وهكذا يمكن القول إن الاهتمام بعملية تنمية التفكير الإبداعي يجب أن تتركز على جانبين الأول : البيئة بمفهومها الواسع التي تشمل البيئة الاجتماعية والنفسية والمادية بأبعادها الثلاثة : الأسرة ( البيئة المنزلية ) والمدرسة ( بما فيها الروض ) والمجتمع بمؤسساته المتعددة الرياضية والاجتماعية والثقافية .
والجانب الثاني : هو الطفل نفسه باعتباره محور الاهتمام الأساسي في عملية التنمية الإبداعية ، وكلا البعدين يكملان بعضهما البعض ، إذ أن الاهتمام بالبيئة هو اهتمام بالطفل في حد ذاته .
وفي إطار هذا الاهتمام بالجوانب المتكاملة للموهوبين وتنمية التفكير الإبداعي لديهم نتساءل عن مدى استجابة النظام التعليمي الليبي الحالي لمطالب التربية الإبداعية وهل يمكن اتخاذ بعض الإجراءات المهنية والبرامج التدريبية في بينة ومحتوى العملية التعليمية لتلبية احتياجات الطفل الموهوب في مدارسنا ؟
إن الإجابة القاطعة على هذه التساؤلات الأساسية ليست بالبساطة وتحتاج إلى تشخيص العملية التعليمية وإجراء دراسة معمقة تتناول كافة المتغيرات في النظام التعليمي ، وهو ما يخرج عن نطاق هذه الورقة وأهدافها ، غير أنه يمكن القول من واقع الملاحظات الإمبريقية وخبرة الباحث الشخصية عن العملية التعليمية إنها تفتقر إلى سياسة تعليمية واضحة المعالم محددة ترمي إلى تنمية التفكير الإبداعي للمواهب وأن ما يمكن ملاحظته من إظهار للمواهب الأهداف واكتشاف البارزين في بعض الأنشطة الرياضية أو الفنية أو الموسيقية والمسرحية في نهاية العام الدراسية ، ما هي إلا حالات وظاهر ظرفية موسمية مؤقتة سرعان ما تفقد هذه المواهب بريقها ويخمد وهجها بانتهاء العام الدراسي ، وهذا لا يحقق مفهوم التنمية الإبداعية للموهوبين التي ينبغي أن تكون عملية مستمرة متواصلة تستند على خطة علمية واضحة المعالم ومحددة الأهداف ، وهذا بالطبع لا يتأتى إلا بإقامة مؤسسة تربوية متخصصة تتبنى برامج تعليمية وتدريبية موجهة تعنى بتنمية مواهب المبدعين ، وتقدم الاستشارات للأسر والمدارس التي تحتضن الموهوبين وتتعامل معهم ، وتحاول هذه الورقة تقديم ملامح مشروع مبدئي يحتوي على إنشاء مركز لتنمية الموهوبين ورعايتهم في الجماهيرية العظمى يرتبط بالمؤسسات التعليمية والأسر التي تختص الموهوبين ارتباطاً وثيقاً ، وذلك بما يقدمه من خطط وبرامج تعليمية وتدريبية يستعين بها المعلمين والمربيين في التعامل مع هذه الفئة ، وتتحدد على ضوء هذه العلاقة المهام والأدوار التي ينبغي أن تقوم بها كل من المدرسة والأسرة تجاه الموهوب بما يحقق نموه الإبداعي ، ونقترح فيما يلي مكونات المشروع وعناصره .
أولاً : اسم المركز وأهدافه :-
اقترح أن يكون اسمه : المركز الوطني لرعاية الموهوبين ، وأما أهدافه فهي :-
- الكشف عن الأطفال الموهوبين منذ سن مبكرة من قبل متخصصين في المجال النفسي والتربوي باستخدام أدوات وأساليب موضوعية ، والتعرف على خصائصهم الشخصية ، ومظاهر الإبداع لديهم
( في مجال واحد أو أكثر ) .
- تنمية التفكير الإبداعي لدى الأطفال الموهوبين باتباع طرق وأساليب منهجية منظمة وبرامج تعليمية موجهة وفق خطة علمية محددة الأهداف .
- تحقيق النمو المتكامل للموهوبين من النواحي الجسمية والعقلية والانفعالية والاجتماعية بما يكفل حسن التوافق النفسي والاجتماعي مع البيئة المنزلية والمدرسية وخلق بيئة مناسبة لإبراز المواهب والأنشطة الإبداعية للموهوبين .
- دعوة المجتمع بفئاته ومؤسساته ذات العلاقة بالموهوبين من باحثين متخصصين وأخصائيين نفسيين ومعلمين ومربين وأولياء أمور وصانعي القرار إلى العناية بالموهوبين من الأطفال والشباب واتخاذ التدابير التعليمية والقانونية لتنمية الموهوبين باعتبارهم ثروة قومية يجب العناية بها واستثمارها .
- توعية الجماهير بمفاهيم الموهبة والتربية الإبداعية والتأكيد على ضرورة رعاية الموهوبين في المدارس والجامعات ، والعمل على إبراز القدرات الإبداعية والتعريف بها في كافة الوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة والمقروءة .
ثانياً : الأسس التربوية والنفسية التي تقوم عليها مراكز رعاية الموهوبين :-
1- الأساس الفلسفي في التربية الإبداعي : تقوم الفلسفة التي ترتكز عليها مثل هذه المراكز على أسس ومبادئ أهمها :-
أ- إن الطفل الموهوب المبدع طفل حر خلاق يمتلك قدرة أو قدرات عالية في مجال أو أكثر من المجالات المعرفية أو النفسية أو الفكرية أو التقنية وهذه القدرات قابلة للنمو والتطور إذا ما توافرت لها الأساليب التربوية المناسبة وهيأت لها الظروف البيئية الملائمة .
ب- إن الطفل الموهوب كائن اجتماعي حر له أهدافه وطموحاته يمكنه أن يحدد أهدافه ويرسم الخطط لحياته المستقبلية في إطار من الحرية الموجهة المبنية على احترام قدراته وتنمية مواهبه وطاقاته إلى أقصى حد ممكن بعيداً عن النزعات الفوضوية الغير مسؤولة .
2- الأساس النفسي والاجتماعي : ومن الأسس النفسية والاجتماعية التي ترتكز عليها مراكز رعاية الموهوبين :-
أ- مراعاة الفروق الفردية بين الأطفال واحترامها من ناحية ومراعاتها داخل الطفل نفسه بما يوجد لديه من تمايز في القدرات والمواهب .
ب- إن شخصية الطفل وحدة متكاملة ، فكل مظهر من مظاهر النمو الجسمي أو العقلي أو الانفعالي أو الاجتماعي يؤثر في البناء الكلي للشخصية سلباً أو إيجاباً .
ج- إن الطفل الإنساني عضو في جماعة يتفاعل معها ويتأثر بسلوكها وأفكارها ، فلابد أن تتم التربية الإبداعية في وسط اجتماعي يألفه الطفل ويكون أفراده قريبين منه يشاركونه ويشجعونه على المبادأة في نشاطاته وألعابه ، وهذا يعني مشاركة الأباء والمعلمين والأطفال ممن هم في سنه في برامج العناية والرعاية حتى يتم دعم الطفل الموهوب ومساندته عاطفياً واجتماعياً
ثالثاً : القوى البشرية والتجهيزات التقنية والمعملية :-
لضمان نجاح المركز في القيام بمسؤولياته ومهامه ومن ثم تحقيق أهداف ينبغي أن يتوافر بالمركز المقومات الأساسية لممارسة نشاطه ويمكن تحديدها في الآتي :-
1- القوى البشرية . 2- المقر المناسب للمركز . 3- التجهيزات التقنية والأجهزة المعملية .
وفيما يلي بيان بأهم هذه العناصر وتوصيف لبعض مكوناتها :-
1- القوى البشرية : وتتكون من :
أ- أمين المركز ويعاونه أمينان مساعدان أحدهما للشئون الفنية و الآخر للشئون العلمية والمتابعة .
ب- الأخصائيون : وتتضمن مجموعة الأخصائيين ثلاث فئات وهي : أخصائيون نفسيون و يتولون القيام بعمليات التقويم والقياس النفسي وتصميم الاختبارات النفسية وتقنينها على الموهوبين واكتشافهم مبكراً وإجراء الدراست التجريبية والمسحية بهدف اشتقاق معايير للنمو خاصة بالبيئة الليبية .
أخصائيون اجتماعيون : ويتولون متابعة الحالات وفتح الملفات وإجراء المقابلات في المدارس والمؤسسات وتقديم الخدمات الاجتماعية والنفسية للموهوبين من الأفراد والجماعات ووضع البرامج والأنشطة الاجتماعية والترفيهية .
أخصائيون في المجال التعليمي ( أخصائي تعليمي ) : ويتولون تطبيق البرامج التعليمية والتدريبية التي تهدف إلى تنمية مواهب المبدعين والقيام بتدريب المعلمين الذين يتم اختيارهم للإشراف على رعاية الموهوبين في الفصول الخاصة بالموهوبين في المدارس .
ج- معلمون ومدربون متخصصون : ويتكون هذا الفريق من مجموعتين أحدهما تكون قارة في المركز بصورة دائمة يمارسون نشاطهم مع الموهوبين الذين يستضيفهم المركز ، ويتولى الإشراف عليهم وتقديم الخطة الدراسية المتكاملة لتنفيذها أثناء البرامج التدريبية في العطلات الصيفية وأوقات الفراغ لديهم والمجموعة الأخرى من المعلمين والمدربين يمارسون نشاطهم في المدارس ومراكز ا لتدريب عد تأهيلهم في المركز عن طريق برامج خاصة برعاية الموهوبين .
د- أطباء : ويلحق بالمركز أطباء عامين وأطباء نفسيين لتقيم الحالات وتقديم تقارير عنها .
ه- موظفون وعاملون في الأعمال الإدارية والمالية وفي أعمال الصيانة للأجهزة والمعدات وسائقي السيارات.
2- المقر المناسب للمركز : يجب أن يتوفر للمركز مقر مناسب يشتمل على مكاتب إدارية وقاعات للمحاضرات وأخرى لإقامة البرامج التعليمية والتدريب ومكتبات علمية أحدها خاصة بالباحثين وهيئة الاختصاص وأخرى خاصة بالأطفال الموهوبين والشباب .
كما يجب أن يحتوي المركز على عدد كاف من الورش المتكاملة في مختلف المجالات التقنية والمهنية والفنية.
3- التجهيزات التقنية والأجهزة المعملية : هناك قائمة من التجهيزات الأساسية اللازمة لإنشاء مثل هذا المركز تتضمن الأدوات والأجهزة لإنجاز الأعمال الإدارية والفنية مثل آلات التصوير والسحب وأجهزة الحواسيب والأجهزة المرئية والفيديو .
وهناك أيضاً الأجهزة المعملية التي يجب أن يتوافر عليها المركز وتشمل :-
المتاهات : مثل متاهة كلين ومتاهة يانج .
أجهزة خاصة لقياس عمليات الإدراك والإحساس والانتباه وقياس التعب والمجهود العضلي وأجهزة أخرى لقياس درجة نمو المدرك الكلي والألغاز الميكانيكية وجذب الانتباه وغيرها .
كما يجب أن يتوفر بالمركز جميع الاختبارات والمقاييس النفسية والعقلية والاجتماعية والتحصيلية المحلية والعربية والعالمية لإمكانية الاستفادة منها وتطبيقها بعد تقنينها على البيئة العربية الليبية .
وهناك الآن العديد من الشركات العالمية المتخصصة في تجهيز مثل هذه المعامل وإنتاج الوسائل التعليمية ذات التقنية العالية .
المركز وعلاقته بالمؤسسات التربوية ذات العلاقة بالموهوبين :-
إن الضمان لبناء علاقة تربوية ناجعة بين المركز والمؤسسات الاجتماعية الرسمية (الروضة والمدرسة) وغير الرسمية (الأسرة) هو مد جسور التعاون والانفتاح بينهما لتكوين علاقة تكاملية هادفة تسعى إلى تحقيق الهدف المنشود وهو تنمية قدرات الطفل الموهوب المبدع ، وقبل استجلاء هذه العلاقة التكاملية والتعرف على طبيعتها واتجاهاتها يجدر بنا أن نتطرق بالشرح والتوضيح إلى طرفي هذه العلاقة وهما :-
1- المؤسسات التربوية وما يجب أن تقوم به من أدوار ومسؤوليات تجاه تنمية الموهوبين .
2- البناء التنظيمي للمركز وما يجب أن يحتويه من وحدات إدارية رئيسية وفرعية تتولى مهام ومسؤوليات معينة تيسر العمل التربوي الخاص بتنمية الموهوبين وتحقق الأهداف المشار إليها.
ومن ثم نحاول أن نستوضح أبعاد هذه العلاقة بين المركز والمؤسسات التربوية .
1- دور المؤسسات التربوية في تنمية الموهوبين :-
أ- دور الأسرة ومسؤولياتها . ب- دور المدرسة ومسؤولياتها .
أ- دور الأسرة ومسؤولياتها في تنمية الطفل الموهوب
ببحوث الإبداع مجلة السلوك الإبداعي The Jornal of creative behavior التي صدرت في أمريكا عام 1967 م .وقد سبق هذا التاريخ إرهاصات متعددة منذ الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي دفعت إلى هذا الاهتمام ، وبخاصة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية حيث بدأ التسابق العلمي والتقني بين الدول الصناعية ، وخاصة بين الشرق والغرب إذ واجهت الولايات المتحدة الأمريكية تحديات كبيرة عندما سبقتها روسيا إلى غزو الفضاء والوصول إلى القمر الأمر الذي دفع بها إلى إعادة النظر في مناهجها ومؤسساتها التربوية والعلمية ، فكان الاهتمام بالمبدعين باعتبارهم ثروة قومية يجب أن توظف في خدمة المجتمع وتقدمه ، وسرعان ما وجهت الجهود حول الظاهرة الإبداعية من قبل العلماء والباحثين والمعلمين ليس على مستوى أمريكا فحسب ، بل على المستوى العالمي طيلة هذه الفترة وتحققت نتائج علمية باهرة وتطبيقات تربوية حول مظاهر العملية الإبداعية وتنمية المبدعين تتمثل في الجوانب الآتية :
1- استكشاف طبيعة العملية الإبداعية ومراحلها ومكوناتها وما يحدث بينها من تفاعل دينامي .
2- التعرف على الخصائص النفسية للمبدعين وما يرتبط بها من سلوك وأنشطة إبداعية .
3- تنمية قدرات التفكير الإبداعي لدى الأطفال والطلاب عن طريق البرامج التعليمية والتدريبية المختلفة باستخدام الأساليب العلمية المحكمة ووضع البرامج الإرشادية والأدلة التي تساعد المعلمين والمربين على تهيئة الظروف الملائمة والمشجعة على التفكير الخلاق .
علاوة على ما سبق يضيف الباحث ( الحالي ) إن هذه الفترة قد حققت إنجازات مهمة في تطوير أدوات وأساليب القياس الخاصة بالمبدعين وبالعملية الإبداعية ، حيث صممت مئات الاختبارات وأدوات القياس الموضوعية ، كما تم تقنين وتجريب هذه الاختبارات على نطاق واسع من البيئات والثقافات في العالم ، بدلاً من الاعتماد على اختبارات الذكاء التقليدية التي أظهرت الدراسات التي أجريت منذ عقود مضت أنها لا يمكنها التنبؤ بحدوث النتاج الإبداعي لأفراد معينين ” إذ لوحظ أنه بالرغم من ضرورة وجود حد أدنى للذكاء للأنشطة الإبداعية ، إلا أن هذا الحد الأدنى يختلف من مجال إلى آخر ، كما أن توافر الحد الأعلى من الذكاء لدى بعض الأفراد لا يؤدي بالضرورة إلى نمو الإبداع لديه ” .
ويشير الكسندرو روشكا ، 1989 عالم النفس الروماني إلى أن هناك ثمة مشاكل كبيرة من قبل باحثين عديدين من أمثال جيلفورد وبارون وغيرهم في قيمة الاختبارات التقليدية للذكاء العام التي تتضمن عادة مشكلات نمطية يمكن حلها بإجابة واحدة ، ولهذا أعدت اختبارات خاصة بالإبداع تقوم على التنوع في الإجابة لكي يأخذ التفكير اتجاهات متباينة في حل المشكلات ، ومن هنا كانت اختبارات جيلفورد تؤكد أنماط التفكير التباعدي أو التشعيبي انطلاقاً من التفكير الإبداعي هو تفكير تباعدي .
وهكذا نخلص إلى القول بأن الاهتمام بالعملية الإبداعية لدى الأطفال باتت من الأهداف الأساسية التي ينادي بها الباحثون والمعلمون والمربون بدأ من مراحل الاكتشاف المبكر لمواهبهم وقدراتهم ثم التعرف على خصائصهم ومن ثم العمل على تنمية هذه المواهب أو الابتكارات عن طريق التعليم والتدريب الموجه وتحاول هذه الورقة تسليط الضوء على الموهوبين واقتراح مشروع مبدئي لمحاولة تنمية الأطفال في الجماهيرية انطلاقاً من إحساسنا بقلة الاهتمام إن لم يكن انعدامه بهذه الشريحة المهمة في المجتمع التي تمثل ثروة قومية يجب العناية بها على مختلف المستويات الاجتماعية التي يتفاعل معها الطفل بداية من الأسرة والروضة ثم المدرسة والمجتمع بمؤسساته .
الطفل الموهوب المبدع : تعريفه وخصائصه :-
هناك عدة مفاهيم وألفاظ تطلق على الأطفال الموهوبين ، فقد يقال عنهم بأنهم أذكياء ، أو عباقرة أو نوابغ مبتكرين أو فلتات الجيل ، وإذا كانت هذه الألفاظ تعبر عن معاني المدح والثناء ، ووصف الموهوب بصفات إيجابية سوية ، فهناك بعض الناس من يصفهم ويصورهم بصورة خاطئة فيرى بأنهم شاذين ، غريبي الأطوار ، مخبولين ، وأنهم من ذوي الاضطرابات العصبية وغير مستقرين نفسياً .
والسؤال هنا هل الأطفال الموهوبين المبدعين لديهم شيء من هذه الصفات أم تلك ؟
تشير الدراسات التي أجريت على عينات كبيرة من الأطفال الموهوبين والأطفال العاديين إلى أن الموهوبين عموماً يتمتعون بقوة بدنية عالية ولديهم قدرات عقلية عامة وخاصة تفوق غيرهم من العاديين ، وأنهم يهتمون باهتمامات علمية وفنية وأدبية وميول تطبيقية للجوانب النظرية ، كما يتوافرون على دافعية للتعلم ، ويفكرون ملياً في حل المشكلات وقدرة عالية على طرح الحلول والبدائل للمشكلة الواحدة ، والأطفال الموهوبون ليسوا جميعاً على وتيرة واحدة في القدرات والاهتمامات ، بل يختلفون عن بعضهم البعض شأنهم في ذلك شأن الأطفال العاديين فمنهم من يمتلك خصائص وقدرات عقلية عالية في مختلف المجالات العلمية والأدبية والفنية والتقنية ، ومنهم من يتميز ببعض هذه الخصائص والميزات فقط ، فيكون موهوباً ومبدعاً في لون واحد أو اثنين من ألوان النشاط أو مظاهر الإبداع ومن الناحية الصحية والعضوية ، فغالباً ما يتسم الأطفال والشباب الموهوب بصحة بدنية عالية وقوة وطاقة جسمية مرتفعة تؤهله للقيام بالعديد من الأنشطة والرياضات ، غير أن ذلك لا يعني أن لا يوجد من بينهم المعاقون حركياً أو عضوياً وعادة ما تفسر مثل تلك الظواهر الإبداعية لدى هؤلاء المعاقين عند علماء النفس بالمواهب التعويضية .
وإذا أردنا أن نمضي قدماً في التعرف على شخصيات الموهوبين وعرض خصائصهم فينبغي أن نشير إلى أهم التعريفات التي وردت في التراث التربوي والنفسي للموهوبين والمبدعين. فقد عُرف الطفل الموهوب بأنه ” كل طفل يتميز بالتفوق العقلي عن مرحلته العمرية في بعض القدرات التي تجعله مساهماً عظيماً وفعالاً في تحقيق الرفاهية للمجتمع .
وتشير الموسوعات النفسية والتربوية إلى وصف الطفل الموهوب المبدع بأنه ” الطفل الذي يؤدي أي عمل بكفاءة عالية وبصورة أفضل ممن هم في سنه ، وبأسلوب يبشر بتحقيق إنجازات وإسهامات عالية في المستقبل ” .
ومن التعريفات أيضاً تعريف سبيرمان Spearman للتفكير الإبداعي للطفل بأنه قدرة على إدراك العلاقة بين شيئين بطريقة ما ينبثق عنها ظهور شيء ثالث مخالف لشكليهما الأولين ” .
وتذهب مدرسة الجشتالت Gestalt في علم النفس إلى أن المبدع الموهوب ، هو ذلك الفرد القادر على إعادة دمج المعارف والأفكار بشكل جديد .
وهناك طائفة أخرى من التعريفات تؤكد على تميز الموهوب بقدرات عقلية عليا ، فالموهوبون المبدعون هم أولئك الأفراد الذين يتحصلون على درجات عالية من الذكاء بنسبة 1% من الأطفال حديثي السن.
ويذكر عثمان نجاتي ، 1983 ، بان فئة العباقرة أو الموهوبين هم ذوي الذكاء المرتفع الذين تصل نسبتهم إلى 145 درجة ويمثلون حوالي واحد في الألف من الإحصاءات السكانية العامة وأما فئة الأذكياء فتتراوح نسبة ذكائهم ما بين 130-145 درجة ويمثلون حوالي 2% تقريباً ويتميزون بالتفوق في التحصيل الدراسي .
وكما يلاحظ على هذه التعريفات أنها اعتمدت أسس ومحكات مختلفة في تعريف الموهوب أو المبدع منها محك القدرات العقلية والسمات الشخصية كما ورد في التعريف الأول والتعريفان الأخيران ومنها ما اعتمد على محك التفكير كما هو في تعريف سبيرمان حيث يصف التفكير المبدع بأنه إدراك العلاقة بين شيئين في حين يذهب تعريف مدرسة الجشتالت إلى محك النتاج الإبداعي ، فهو إعادة دمج المعارف والأفكار بشكل جديد .
وبالطبع فهناك محكات أخرى لجأ إليها العلماء والباحثون في تعريفهم للموهوب والمبدع منها وصف العملية الإبداعية والمراحل التي تمر بها وكذلك محك السمات الانفعالية والاجتماعية والقدرة على الإحساس بالمشكلات وطرح البدائل والحلول لحها فقد جاء في تعريف تورانس Torance وهو من الأعلام المشهورين في دراسة الإبداع : إن الإبداع يعني الإحساس بالمشكلات والقدرة على إيجاد الحلول لها ، فالتفكير الإبداعي يعني الإحساس بالثغرات والعناصر المفقودة (في المشكلة) وتكوين الأفكار ووضع الفروض الخاصة ومحاولة اختبارها والوصول إلى النتائج .
خصائص الأطفال الموهوبين : وفي ضوء التعريفات السابقة ، وما توارث في التراث التربوي والنفسي أنه يمكن أن نستنتج جملة من الخصائص والسمات التي يتميز بها الموهوبون :
1- التفوق العقلي : يتسم الموهوبون بالقدرة العقلية العالية فالموهوب يتربع على قمة السلم الهرمي في استجاباته على اختبارات الذكاء ، وكذلك في اختبارات التفكير الابتكاري .
2- القدرة على أداء الأعمال بكفاءة عالية ، وذلك بما يمتكله من مهارات متميزة تنبئ بتحقيق إنجازات عظيمة مستقبلاً وبما يمتلكه من طاقة حيوية هائلة يسخرها للسيطرة على الأشياء .
3- القدرة العالية على الفهم والإدراك في تصور العلاقات بمختلف مستوياتها كالعلاقات الزمانية والمكانية والمجردة بين الأشياء والأفكار والوقائع ، ويظهرون مرونة في التفكير في إنتاج البدائل الجديدة والحلول التي تتصف بالجدية والأصالة والحداثة، فالموهوبون يتعلمون عن طريق الاكتشاف، ويرفضون أساليب الحفظ والتقليد .
4- ولعل من أهم خصائص الموهوبين أيضاً تميزهم بالاستقلالية والثقة بالنفس إلى درجة المخاطرة والمغامرة في القيام بالمهام الصعبة وفي تناول الأشياء وتجريبها ، وتلعب دافعية الموهوب المتزايدة دور في رغبته في التعلم وفي الاكتشاف والفضول المعرفي فهو كثير الأسئلة والتساؤل مما يسبب الإزعاج والقلق لوالديه ومعلميه في أحيان كثيرة .
5- الحساسية للمشكلات والمواقف : إذ أن الموهوب المبدع أكثر حساسية للمشكلات الاجتماعية والمواقف التعليمية ، فهو غالباً ما يميل إلى اكتشاف التناقض في المواقف ، ويظهر العناصر المفقودة في حل المشكلة .
ونظراً لأهمية هذه الخصائص والمميزات لدى الموهوبين المبدعين فقد كانت الأساس التي اعتمد عليها العلماء في بناء اختبارات التفكير الإبداعي التي تؤكد جميعاً على قياس السمات الأساسية الثلاث وهي : الأصالة والمرونة والطلاقة .
أساليب وأدوات الكشف عن الموهوبين المبدعين :
تتعدد الأساليب والأدوات المستخدمة في الكشف عن الأطفال والطلاب الموهوبين ، وفي التعرف عليهم ، وبعض هذه الأساليب والأدوات تقليدية معروفة منذ القدم وبعضها الآخر يُعد حديث نسبياً .
وتعتمد هذه الأساليب والأدوات على محكات معينة لتقدير الموهبة والحكم على الموهوب أو المبدع من قبل المربين والمعلمين والباحثين وتظهر المواهب عادة من خلال ممارسة الأنشطة والميل إلى الهوايات التي يظهرها الأطفال و الطلاب سواء في المدرسة أو البيت أو النادي وغيرها عند ممارستهم لمختلف الأنشطة الرياضية أو الموسيقية أو الفنية أو الأدبية والعلمية ، غير أن عملية الاكتشاف تلك تتطلب من القائمين عليها وبخاصة المعلمين ضرورة الإلمام بالموهبة أو العملية الإبداعية وعناصرها وطبيعتها ، وهذا لا يتأتى إلا بالتدريب والتأهيل وفق برامج خاصة تؤهلهم للتعرف على المواهب واكتشافها ورصد مؤشراتها منذ سن مبكرة وكيفية العناية بها ورعايتها ، حتى لا تطال تلك المواهب والإبداعات مظاهر الإحباط والتراجع والفشل إذا لم تلق العناية والتنمية اللازمة ، فقد أشارت دراسة شكلية وهانزفورد ، 1992 ، Shaklee & Hansford ، أنه ” يمكن إعاقة هؤلاء الأطفال من التمثيل لقدراتهم ذا ما قلت المثيرات والخبرات التربوية والتعليمية في البيئة المنزلية والمدرسية الأمر الذي يحد من التنمية الذهنية ، كما أن نقص الغذاء يمكن أن يؤدي إلى خفض القدرة على التركيز وكذلك العزلة الاجتماعية يمكنها تأخير نمو الفرد” .
ومن أهم الأساليب والأدوات المستخدمة في اكتشاف المواهب لدى الأطفال والطلاب في المدارس والنوادي والمعسكرات في كثير من الدول المتقدمة تتمثل في إجراء الاختبارات والملاحظة والتقديرات الذاتية للتلاميذ وإقامة المسابقات ، وبالرغم من أن معظمها تقليدية ، فهي للأسف لم تتوفر في المدارس الليبية ، فلم تطبق أي نوع من الاختبارات والمقاييس المقننة في اكتشاف المواهب ولم تكن الملاحظة من قبل المعلمين والأخصائيين النفسيين حاضرة في المدارس ، كما أن الاستفتاءات لاستطلاع أراء الأطفال والتلاميذ والطلاب لم تكن مألوفة أو مستخدمة فيها وربما الأداة الوحيدة المعهودة في المدارس هي إجراء المسابقات وإقامة المعارض في نهاية العام الدراسي وعند إقامة بعض الأنشطة الرياضية والموسيقية والمسرحية التي غالباً ما تنتهي بانتهاء العام الدراسي ، دونما الاهتمام بأية برامج للرعاية والتنمية للمواهب التي تبرز في مثل هذه الأنشطة والمسابقات وفيما يلي إشارة موجزة لهذه الأدوات :-
1- الملاحظة : تُعد الملاحظة العلمية لسلوك الأطفال والطلاب وإنجازاتهم الأكاديمية وغير الأكاديمية ، وتحصيلهم الدراسي من الأدوات المهمة المستخدمة في التعرف على الموهوبين وتوجيه الانتباه إليهم ، وينبغي أن يكون هذا الاهتمام موجهاً للأطفال منذ مراحل مبكرة لتشمل مرحلة ما قبل المدرسة ثم مرحلة التعليم الأساسي .
2- الاختبارات والمقاييس النفسية : تعد الاختبارات والمقاييس النفسية من الأدوات الموضوعية التي يلجأ إليها الباحثون والأخصائيون النفسيون في قياس القدرات العامة ( الذكاء ) والقدرات الخاصة : كالقدرة العددية والقدرة اللفظية ، كما أن اختبارات قدرات التفكير الابتكاري من الأساليب الشائعة الآن في اكتشاف الموهوبين من الأطفال و المراهقين والشباب ، ولعل من أشهر تلك الاختبارات اختبار تورانس للتفكير الابتكاري .
3- التقديرات الذاتية للتلاميذ : إذ يمكن للأطفال والتلاميذ أن يفصحوا عن مواهبهم وإبداعاتهم ، ويكشفوا عن طموحاتهم وأمانيهم المستقبلية عن طريق المقابلات الشخصية فنتعرف على هواياتهم وأساليب ممارستها وكيفية قضاء أوقات فراغهم ، وجميع الأنشطة المدرسية وغير المدرسية التي يمارسونها.
4- إقامة المسابقات المتعددة والمعارض المدرسية : ومن الأساليب المتعارف عليها في المدارس حالياً إقامة المسابقات الفكرية والأدبية والفنية والرياضية التي تجرى بين الفصول الدراسية في المدرسة الواحدة أو بين مجموعة من المدارس ، وقد تشمل أيضاً إقامة المعارض المختلفة لإبراز مظاهر النشاط المدرسي وكذلك العروض الموسيقية والمسرحية وإقامة الحفلات وهي لا شك تمثل فرصاُ ثمينة لاكتشاف المواهب والتعرف على شخصيات المبدعين .
وهكذا يمكن للمدرسة أن تلعب دوراً مهماً ليس فقط في اكتشاف الموهوبين ، بل في العناية بهم ورعايتهم بوضع برامج لتنمية مواهب الأطفال والطلاب التي تحترم ثقافتهم، وتعمل على إشباع حاجاتهم وتأكيد نجاحهم في المدرسة والبيت وذلك من خلال مد جسور التعاون والتنسيق بين أسر الموهوبين والمدرسة بما يحقق تشجيع الموهوبين وحفزهم على الإنتاج الإبداعي وتعزيز مكانتهم في المجتمع .
المشكلات والمعوقات التي تواجه الموهوبين المبدعين :
إذا أردنا أن نستقصي المشكلات والعقبات التي تواجه فئة الموهوبين وتعترض مظاهر نموهم الطبيعي ، وتكون سبباً في إحباطهم وفشلهم أحياناً أو تعثر موهبتهم وإبداعاتهم وتأخرها أحياناً أخرى ، فيمكن إرجاعها إلى المصادر التالية التي يتفاعل معها الموهوب وتشكل شخصيته وهي :-
1- مشكلات ذاتية شخصية تتعلق بالموهوب نفسه :-
أ- قد يعاني الطفل الموهوب من مشكلات نفسية تؤدي به إلى سوء التوافق النفسي والاجتماعي ، فالموهوب كما أشرنا يتميز بدافعية عالية نحو التعلم ولديه رغبة في البحث والاستطلاع واستكشاف المعرفة ، فهو يفكر في كل ما يجري من حوله ، فإذا ما مر الطفل بخبرات مؤلمة وبخاصة في مراحل حياته الأولى أو أخفقت البيئة في إشباع حاجاته ، فقد يصاب بالإحباط والفشل وينتابه القلق والتوتر ، وتتحول حياته إلى صراعات نفسية داخلية تدمر ذاته وتقتل الإبداع لديه ، فإما القبول بهذا الواقع الذي لا يتوافق مع ذاته وتطلعاته أو التخلي عن تلك الأنشطة الإبداعية ، ويحدث ذلك في جميع المراحل العمرية للطفل ، وفي كل الأحوال تكون الخسارة فادحة للفرد المبدع وللمجتمع بكامله يفقده مثل هذه المساهمات الفردية والإنجازات الجادة مستقبلاً .
ب- يختار الموهوبون من التلاميذ والطلاب أحياناً مسارات من الدراسة أو أنواع من المهن غير مألوفة لدى الأسرة أو تتعارض مع رغبات الأباء أو يشعرون بأنها لا تتناسب مع مكانتهم الاجتماعية ، مما يدفع بالأباء إلى الوقوف في وجه أبناءهم ومنعهم من الالتحاق بذلك النوع من الدراسة أو المهنة ، مما يؤدي بهؤلاء الموهوبين إلى التراجع والتقهقر ومن ثم الإحباط والفشل.
2- مشكلات تتعلق بالبيئة المنزلية :-
أ- يواجه الأطفال الموهوبين بعض المشكلات أو العقبات التي يكون مصدرها المباشر الأباء أو الأخوة أو الأخوات ، ولعل أهمها عدم اكتراث الأسرة بمواهب الطفل العقلية أو الفنية فتتجاهل نشاطاته ، بل تكرهه أحياناً على عدم ممارسته لها ، ولا توفر له الإمكانات المادية والمعنوية مهما كانت بسيطة ، وهكذا قد تعمل الأسرة على وأد الموهبة في مهدها ، فالأطفال الموهوبون غالباً ما ينسحبون ويتخلون عن مواهبهم وممارسة هواياتهم في حالات الفشل المتكرر ، وبخاصة في المراحل الأولى ، وكذلك في حالات الشعور بالخوف والتهديد من قبل أهلهم وذويهم ، وقد يرجع ذلك إلى أن الموهوبين يتسمون بالعواطف الجياشة من ناحية والحساسية الاجتماعية من ناحية أخرى .
ب- قد تتبع الأسرة أساليب خاطئة في عمليات التربية والتنشئة الاجتماعية ، فلا تتقبل الطفل ومواهبه ، وتنظر إليه على أنه مشاكس وجالب للمشاكل ، وتطلق عليه ألفاظاً وعبارات لا يقبلها أو تسخر منه ومن طموحاته ، وفي المقابل هناك أنماطاً أخرى من التنشئة الاجتماعية الخاطئة أيضاً ، كأن تبالغ الأسرة في إطلاق عبارات الشكر والثناء على ابنها وتمنحه من العطف والتدليل أكثر من اللازم ، مما قد يؤدي به إلى الغرور والشعور بالاستعلاء والتكبر .
ج- ومن الأخطاء التي يقع فيها الأباء أيضاً أنهم يوجهون أطفالهم ويلقنونهم مفاهيم خاطئة وقوالب جامدة في التفكير كالقول بأن حل هذه المشكلة أو تلك لا تتم إلا بطريقة واحدة فقط ، وهي كما يدركونها هم وتعودوا عليها ، وما عداها من الحلول والبدائل فهي خاطئة ، وهذا بطبيعة الحال يقتل روح الإبداع لدى الأطفال الذين يمكنهم اكتشاف حلولاً وبدائل أخرى جديدة ، وغير مألوفة لدى الكبار وأولياء الأمور ، وفي هذا الصدد يشير بليزر وسيويروت ، 1990 ، Blazer & Siewert إلى أنه يمكن إحباط كل الوظائف الذهنية ( لدى الموهوبين ) من خلال المنازل غير اللائقة لحياتهم .
3- مشكلات وصعوبات تتعلق بالبيئة المدرسية :-
تحتوي البيئة المدرسية على متغيرات متعددة ووسائط متنوعة تلعب دوراً مهماً في تنمية الإبداع وصقل الموهبة لدى الأطفال ذ ما تم استغلالها لصالح الطفل ، وفي المقابل يمكن أن تكون مصدراً لإثارة المشكلات لدى الموهوب فتعرقل نموه وتحد من مواهبه وإبداعاته ولعل من أهم تلك المشكلات ما يلي :-
أ- تثار الكير م المشكلات في الفصل الدراسي بين الموهوبين والمعلمين بسبب إن الموهوبين كثيراً ما يبحثون عن فرديتهم الخاصة التي تميزهم عن أندادهم في الفصل ، فقد يكثرون من الأسئلة حول القضايا والموضوعات التي يدرسونها أو حول الأفكار والحلول التي يطرحونها لمعالجة المشكلات أو أنهم يطرحون حلولاً وبراهين مختلفة غير مألوفة لدى المعلمين أو يسألون أسئلة صعبة ومعقدة ، فيضيق المعلمون والمدراء بهم ذرعاً فيلجأون إلى قمعهم أو الاستهزاء بأفكارهم وآرائهم وقد يصفونهم بالمشاكسين والمتخلفين وإنهم يثيرون الفوضى في الفصل الدراسي ، وقد نشرت إحدى الصحف الأمريكية عام 1992 ( جريدة بروفدنس ) Providence وثيقة مفادها: إن أباء الأطفال الموهوبين في إحدى المدن قد احتجوا على الطريقة التي يعامل بها أطفالهم الموهوبين و المبدعين في المدارس ، وقدم هذا الاحتجاج إلى مجلس المدينة من طرف السكرتيرة لجمعية الأطفال الموهوبين والمبتكرين تتهم فيها المدارس العامة بوضع الطلاب المبتكرين في نفس الفصول الدراسية للمتخلفين عقلياً وبسبب المشاكل السلوكية التي تحدث بينهم فإنهم يعاملون معاملة المتخلفين عقلياً . وهكذا يصنف الموهوبون والمبدعون ويوضعون مع فئة المتخلفين عقلياً في أكثر الدول حضارة وتقدماً ، فكيف يكون حال الموهوبين في الدول النامية والمتخلفة إذن .
ب- لما كان الأطفال الموهوبين لا يميلون إلى الحفظ والتلقين ، بل ينتجون أساليب في التعلم مثل التعلم الاكتشافي والبحث عن المعلومات والحقائق بأنفسهم ، أي باستخدام أسلوب التعلم الذاتي ، كما أنهم يعتمدون على أنماط التفكير القائمة على الملاحظة والاستنتاج والتحليل والتقويم ، أي تلك المستويات العليا في التفكير ، فإنهم كثيراً ما يشعرون بالملل والضيق عندما يستخدم المعلمون طرائق تقليدية في التدريس تقوم على أساليب التلقين والتفكير النمطي ، كما أن المناخ المدرسي التقليدي وقلة الإمكانات المدرسية وعدم توفر الأنشطة المدرسية المتنوعة كالأنشطة الرياضية والموسيقية والفنية وبرامج الرحلات والزيارات ، كل ذلك يبعث على السأم والملل لدى الأطفال والتلاميذ الموهوبين ويعوق نموهم الطبيعي الحر .
المشروع التربوي المقترح لتنمية الموهوبين ورعايتهم
مقدمة : تعتبر الطفولة من أهم المراحل النمائية التي يمر بها الإنسان ، فهي تمثل نقطة البدء في النمو بمختلف مظاهره الجسمية والعقلية والانفعالية والاجتماعية ، كما أنها الأساس في بناء الشخصية وفي اكتساب المعارف والمهارات ، وفي تكوين الميول والاتجاهات ، ومن هنا يؤكد علماء النفس – وبخاصة التحليليين منهم – على ضرورة العناية بمرحلة الطفولة وتهيئة البيئة المناسبة لإثارة دوافع الطفل وإبداعاته انطلاقاً من البيئة المنزلية ثم بيئة الروضة فالبيئة المدرسية ، إذ أن هذه البيئات هي مصدر الإلهام الإبداعي للطفل وهي المسؤولة عن نموه وارتقائه أو إحباطه وفشله ، فإذا كانت البيئة خصبة ثرية مشجعة تثير دوافع الطفل وتشبع حاجاته العضوية والنفسية والاجتماعية وتجيب على تساؤلاته وحواراته ، ويسودها الاطمئنان النفسي والثقة بالنفس وتتوافر أيضاً على الإمكانات المادية المناسبة للمرحلة العمرية ، فإن ذلك ييسر عملية الإبداع ، فتنمو الموهبة وتترعرع صاعدة نحو الكمال لتحقيق الإنجازات الهائلة مستقبلاً ، وأما إذا كانت فقيرة معدمة في مثيراتها الفكرية ويسودها روح التسلط والخوف وتنعدم فيها الثقة بالنفس ولا تتوافر على العناصر المادية ، والثقافية اللازمة للعملية الإبداعية ، فغالباً ما تكون سبباً في إحباطات الموهوب وفشله .
وهكذا يمكن القول إن الاهتمام بعملية تنمية التفكير الإبداعي يجب أن تتركز على جانبين الأول : البيئة بمفهومها الواسع التي تشمل البيئة الاجتماعية والنفسية والمادية بأبعادها الثلاثة : الأسرة ( البيئة المنزلية ) والمدرسة ( بما فيها الروض ) والمجتمع بمؤسساته المتعددة الرياضية والاجتماعية والثقافية .
والجانب الثاني : هو الطفل نفسه باعتباره محور الاهتمام الأساسي في عملية التنمية الإبداعية ، وكلا البعدين يكملان بعضهما البعض ، إذ أن الاهتمام بالبيئة هو اهتمام بالطفل في حد ذاته .
وفي إطار هذا الاهتمام بالجوانب المتكاملة للموهوبين وتنمية التفكير الإبداعي لديهم نتساءل عن مدى استجابة النظام التعليمي الليبي الحالي لمطالب التربية الإبداعية وهل يمكن اتخاذ بعض الإجراءات المهنية والبرامج التدريبية في بينة ومحتوى العملية التعليمية لتلبية احتياجات الطفل الموهوب في مدارسنا ؟
إن الإجابة القاطعة على هذه التساؤلات الأساسية ليست بالبساطة وتحتاج إلى تشخيص العملية التعليمية وإجراء دراسة معمقة تتناول كافة المتغيرات في النظام التعليمي ، وهو ما يخرج عن نطاق هذه الورقة وأهدافها ، غير أنه يمكن القول من واقع الملاحظات الإمبريقية وخبرة الباحث الشخصية عن العملية التعليمية إنها تفتقر إلى سياسة تعليمية واضحة المعالم محددة ترمي إلى تنمية التفكير الإبداعي للمواهب وأن ما يمكن ملاحظته من إظهار للمواهب الأهداف واكتشاف البارزين في بعض الأنشطة الرياضية أو الفنية أو الموسيقية والمسرحية في نهاية العام الدراسية ، ما هي إلا حالات وظاهر ظرفية موسمية مؤقتة سرعان ما تفقد هذه المواهب بريقها ويخمد وهجها بانتهاء العام الدراسي ، وهذا لا يحقق مفهوم التنمية الإبداعية للموهوبين التي ينبغي أن تكون عملية مستمرة متواصلة تستند على خطة علمية واضحة المعالم ومحددة الأهداف ، وهذا بالطبع لا يتأتى إلا بإقامة مؤسسة تربوية متخصصة تتبنى برامج تعليمية وتدريبية موجهة تعنى بتنمية مواهب المبدعين ، وتقدم الاستشارات للأسر والمدارس التي تحتضن الموهوبين وتتعامل معهم ، وتحاول هذه الورقة تقديم ملامح مشروع مبدئي يحتوي على إنشاء مركز لتنمية الموهوبين ورعايتهم في الجماهيرية العظمى يرتبط بالمؤسسات التعليمية والأسر التي تختص الموهوبين ارتباطاً وثيقاً ، وذلك بما يقدمه من خطط وبرامج تعليمية وتدريبية يستعين بها المعلمين والمربيين في التعامل مع هذه الفئة ، وتتحدد على ضوء هذه العلاقة المهام والأدوار التي ينبغي أن تقوم بها كل من المدرسة والأسرة تجاه الموهوب بما يحقق نموه الإبداعي ، ونقترح فيما يلي مكونات المشروع وعناصره .
أولاً : اسم المركز وأهدافه :-
اقترح أن يكون اسمه : المركز الوطني لرعاية الموهوبين ، وأما أهدافه فهي :-
- الكشف عن الأطفال الموهوبين منذ سن مبكرة من قبل متخصصين في المجال النفسي والتربوي باستخدام أدوات وأساليب موضوعية ، والتعرف على خصائصهم الشخصية ، ومظاهر الإبداع لديهم
( في مجال واحد أو أكثر ) .
- تنمية التفكير الإبداعي لدى الأطفال الموهوبين باتباع طرق وأساليب منهجية منظمة وبرامج تعليمية موجهة وفق خطة علمية محددة الأهداف .
- تحقيق النمو المتكامل للموهوبين من النواحي الجسمية والعقلية والانفعالية والاجتماعية بما يكفل حسن التوافق النفسي والاجتماعي مع البيئة المنزلية والمدرسية وخلق بيئة مناسبة لإبراز المواهب والأنشطة الإبداعية للموهوبين .
- دعوة المجتمع بفئاته ومؤسساته ذات العلاقة بالموهوبين من باحثين متخصصين وأخصائيين نفسيين ومعلمين ومربين وأولياء أمور وصانعي القرار إلى العناية بالموهوبين من الأطفال والشباب واتخاذ التدابير التعليمية والقانونية لتنمية الموهوبين باعتبارهم ثروة قومية يجب العناية بها واستثمارها .
- توعية الجماهير بمفاهيم الموهبة والتربية الإبداعية والتأكيد على ضرورة رعاية الموهوبين في المدارس والجامعات ، والعمل على إبراز القدرات الإبداعية والتعريف بها في كافة الوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة والمقروءة .
ثانياً : الأسس التربوية والنفسية التي تقوم عليها مراكز رعاية الموهوبين :-
1- الأساس الفلسفي في التربية الإبداعي : تقوم الفلسفة التي ترتكز عليها مثل هذه المراكز على أسس ومبادئ أهمها :-
أ- إن الطفل الموهوب المبدع طفل حر خلاق يمتلك قدرة أو قدرات عالية في مجال أو أكثر من المجالات المعرفية أو النفسية أو الفكرية أو التقنية وهذه القدرات قابلة للنمو والتطور إذا ما توافرت لها الأساليب التربوية المناسبة وهيأت لها الظروف البيئية الملائمة .
ب- إن الطفل الموهوب كائن اجتماعي حر له أهدافه وطموحاته يمكنه أن يحدد أهدافه ويرسم الخطط لحياته المستقبلية في إطار من الحرية الموجهة المبنية على احترام قدراته وتنمية مواهبه وطاقاته إلى أقصى حد ممكن بعيداً عن النزعات الفوضوية الغير مسؤولة .
2- الأساس النفسي والاجتماعي : ومن الأسس النفسية والاجتماعية التي ترتكز عليها مراكز رعاية الموهوبين :-
أ- مراعاة الفروق الفردية بين الأطفال واحترامها من ناحية ومراعاتها داخل الطفل نفسه بما يوجد لديه من تمايز في القدرات والمواهب .
ب- إن شخصية الطفل وحدة متكاملة ، فكل مظهر من مظاهر النمو الجسمي أو العقلي أو الانفعالي أو الاجتماعي يؤثر في البناء الكلي للشخصية سلباً أو إيجاباً .
ج- إن الطفل الإنساني عضو في جماعة يتفاعل معها ويتأثر بسلوكها وأفكارها ، فلابد أن تتم التربية الإبداعية في وسط اجتماعي يألفه الطفل ويكون أفراده قريبين منه يشاركونه ويشجعونه على المبادأة في نشاطاته وألعابه ، وهذا يعني مشاركة الأباء والمعلمين والأطفال ممن هم في سنه في برامج العناية والرعاية حتى يتم دعم الطفل الموهوب ومساندته عاطفياً واجتماعياً
ثالثاً : القوى البشرية والتجهيزات التقنية والمعملية :-
لضمان نجاح المركز في القيام بمسؤولياته ومهامه ومن ثم تحقيق أهداف ينبغي أن يتوافر بالمركز المقومات الأساسية لممارسة نشاطه ويمكن تحديدها في الآتي :-
1- القوى البشرية . 2- المقر المناسب للمركز . 3- التجهيزات التقنية والأجهزة المعملية .
وفيما يلي بيان بأهم هذه العناصر وتوصيف لبعض مكوناتها :-
1- القوى البشرية : وتتكون من :
أ- أمين المركز ويعاونه أمينان مساعدان أحدهما للشئون الفنية و الآخر للشئون العلمية والمتابعة .
ب- الأخصائيون : وتتضمن مجموعة الأخصائيين ثلاث فئات وهي : أخصائيون نفسيون و يتولون القيام بعمليات التقويم والقياس النفسي وتصميم الاختبارات النفسية وتقنينها على الموهوبين واكتشافهم مبكراً وإجراء الدراست التجريبية والمسحية بهدف اشتقاق معايير للنمو خاصة بالبيئة الليبية .
أخصائيون اجتماعيون : ويتولون متابعة الحالات وفتح الملفات وإجراء المقابلات في المدارس والمؤسسات وتقديم الخدمات الاجتماعية والنفسية للموهوبين من الأفراد والجماعات ووضع البرامج والأنشطة الاجتماعية والترفيهية .
أخصائيون في المجال التعليمي ( أخصائي تعليمي ) : ويتولون تطبيق البرامج التعليمية والتدريبية التي تهدف إلى تنمية مواهب المبدعين والقيام بتدريب المعلمين الذين يتم اختيارهم للإشراف على رعاية الموهوبين في الفصول الخاصة بالموهوبين في المدارس .
ج- معلمون ومدربون متخصصون : ويتكون هذا الفريق من مجموعتين أحدهما تكون قارة في المركز بصورة دائمة يمارسون نشاطهم مع الموهوبين الذين يستضيفهم المركز ، ويتولى الإشراف عليهم وتقديم الخطة الدراسية المتكاملة لتنفيذها أثناء البرامج التدريبية في العطلات الصيفية وأوقات الفراغ لديهم والمجموعة الأخرى من المعلمين والمدربين يمارسون نشاطهم في المدارس ومراكز ا لتدريب عد تأهيلهم في المركز عن طريق برامج خاصة برعاية الموهوبين .
د- أطباء : ويلحق بالمركز أطباء عامين وأطباء نفسيين لتقيم الحالات وتقديم تقارير عنها .
ه- موظفون وعاملون في الأعمال الإدارية والمالية وفي أعمال الصيانة للأجهزة والمعدات وسائقي السيارات.
2- المقر المناسب للمركز : يجب أن يتوفر للمركز مقر مناسب يشتمل على مكاتب إدارية وقاعات للمحاضرات وأخرى لإقامة البرامج التعليمية والتدريب ومكتبات علمية أحدها خاصة بالباحثين وهيئة الاختصاص وأخرى خاصة بالأطفال الموهوبين والشباب .
كما يجب أن يحتوي المركز على عدد كاف من الورش المتكاملة في مختلف المجالات التقنية والمهنية والفنية.
3- التجهيزات التقنية والأجهزة المعملية : هناك قائمة من التجهيزات الأساسية اللازمة لإنشاء مثل هذا المركز تتضمن الأدوات والأجهزة لإنجاز الأعمال الإدارية والفنية مثل آلات التصوير والسحب وأجهزة الحواسيب والأجهزة المرئية والفيديو .
وهناك أيضاً الأجهزة المعملية التي يجب أن يتوافر عليها المركز وتشمل :-
المتاهات : مثل متاهة كلين ومتاهة يانج .
أجهزة خاصة لقياس عمليات الإدراك والإحساس والانتباه وقياس التعب والمجهود العضلي وأجهزة أخرى لقياس درجة نمو المدرك الكلي والألغاز الميكانيكية وجذب الانتباه وغيرها .
كما يجب أن يتوفر بالمركز جميع الاختبارات والمقاييس النفسية والعقلية والاجتماعية والتحصيلية المحلية والعربية والعالمية لإمكانية الاستفادة منها وتطبيقها بعد تقنينها على البيئة العربية الليبية .
وهناك الآن العديد من الشركات العالمية المتخصصة في تجهيز مثل هذه المعامل وإنتاج الوسائل التعليمية ذات التقنية العالية .
المركز وعلاقته بالمؤسسات التربوية ذات العلاقة بالموهوبين :-
إن الضمان لبناء علاقة تربوية ناجعة بين المركز والمؤسسات الاجتماعية الرسمية (الروضة والمدرسة) وغير الرسمية (الأسرة) هو مد جسور التعاون والانفتاح بينهما لتكوين علاقة تكاملية هادفة تسعى إلى تحقيق الهدف المنشود وهو تنمية قدرات الطفل الموهوب المبدع ، وقبل استجلاء هذه العلاقة التكاملية والتعرف على طبيعتها واتجاهاتها يجدر بنا أن نتطرق بالشرح والتوضيح إلى طرفي هذه العلاقة وهما :-
1- المؤسسات التربوية وما يجب أن تقوم به من أدوار ومسؤوليات تجاه تنمية الموهوبين .
2- البناء التنظيمي للمركز وما يجب أن يحتويه من وحدات إدارية رئيسية وفرعية تتولى مهام ومسؤوليات معينة تيسر العمل التربوي الخاص بتنمية الموهوبين وتحقق الأهداف المشار إليها.
ومن ثم نحاول أن نستوضح أبعاد هذه العلاقة بين المركز والمؤسسات التربوية .
1- دور المؤسسات التربوية في تنمية الموهوبين :-
أ- دور الأسرة ومسؤولياتها . ب- دور المدرسة ومسؤولياتها .
أ- دور الأسرة ومسؤولياتها في تنمية الطفل الموهوب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المصباح .. دروبــــــ ــ ــ ــ .doroob
/ قال الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية 18/
الرجاء الالتزام بأداب النشرفي كتابة الاستفسارات والتعليق.