أخر الأخبار >> مجلة المصباح دروب ثقافية أدبية * ثقافية * فنون تشكيلية كما نرحب بجميع المساهمات الواردة عبر البريد الإلكتروني m.droob77@gmail.com أهلا بكم أصدقائنا * مع تحيات أسرة التحرير

أحـدث المقالات

قراءة نقدية في رواية شتات الروح للكاتب الصحفي عبد الله مكسور



رفقة شقوربقلم / رفقة شقور
شتات الروح رواية تحاكي أحلام الفلسطينيين في شتات هذه الأرض الرحبة، تسير في ممرات ضحلة عبرها مغتربو العرب من شخصيات الرواية، ومن تنسحب عليهم الكثير مما أعلنته هذه السطور من حقائق تصيب من يهربون من تضييق الحريات إلى مطرقة الغربة وسندان الذاكرة الحائرة في دروب المحاولات للمضي قُدماً في زحمة وقائع الحياة ونوائب الدهر.

تتكاتف الظروف، ويحتشد جنود القدر حتى تصل شخوص هذه الرواية إلى مسرح واحد وهو أرض فرنسا، وبالتحديد في العاصمة باريس، كل منهم معبأ بجعبة من الأمنيات والأحلام المختلفة المشارب والجنسيات، إلا أن الكاتب وكما عهدناه في سابقات هذه الرواية يبدي تأثره البالغ بحالة الانقسام العربية، ويحيل سطور هذه الرواية إلى سيفٍ يمزق عبره الصورة المألوفة عن اختلافات المصالح السائدة الآن بين الأقطار العربية. لتأتي الرواية تظاهرة قومية عربية بامتياز، ليثبت وعبر تصاعد الأحداث أن العرب يجمعهم مصير واحد وهوية واحدة ولا يفرقهم سفاسف الأشياء. تمثل ذلك عبر مكنونات وحوارات شخوص هذه الرواية من بعض الشباب الذين تسري فيهم دماء عربية نقية.

يسافر الكاتب عبر شخوص الرواية بالقاريء إلى تفاصيل كثيرة حول قصور الأحلام التي شرع ثلة من الشباب العربي بناؤها على أرض اختار القدر أن تكون منفاهم الأخير عن صدور أوطانهم، ويبدو عبر المنالوجات التي تدور في خلد الشاب الفلسطيني محور الرواية لوحة كاملة من معاناة فلسطينيي الشتات، وعلى امتداد هذه الأرض الواسعة، الحلم بحضن الوطن، وتنشق رائحة الزعتر والزيتون، حتى كاد أن يتماهى على الإطلاق مع شخص منار الفتاة العازفة على العود ذات الأصل اللبناني والتي تذكره بفتيات فلسطين، إلا أنها تحال مثلها مثل الوطن فرحة مؤجلة لا يطالها رغم كل المحاولات لإبقائها وطناً تستقر فيه روحه.

سلط الكاتب الضوء على آلية تجنيد الصهاينة اليهود لبعض شباب العرب، وكيف تحولهم إلى أداة طائعة من أجل خرق الصفوف العربية والإطاحة بالحلم تلو الآخر، مقابل مال أو نساء وذلك عبر اللوبي الصهيوني والمنظمات الماسونية العالمية.

شتات الروح، هي حديث أرواح ممزقة بين أحلام النفوس وخاطفي تلك الأحلام، زارعي العقبات في وجه الشباب العربي المغترب، والذي يفكر في عمل ما من أجل استحضار الأوطان كما يروها في مخيلتهم عبر تخليصها مما هي عليه من تبعية للغرب وأوهام السلام المزعوم.

يستطرد الكاتب في جنبات الرواية، ويعكس حالات مختلفة من الانفعالات والتفاعلات حيال الكثير من الوقائع العربية، من كل قطر يقع عليه اختيار القلم وشخوص هذه الرواية، ويقدم اقترابات هادئة وسلسة من أجل النهوض من القاع إلى القمة بشكل مرحلي وعبر تقلّد مفاتيح الحكمة التي ضاعت مع انقضاء رموزها العرب الذين أكل الدهر على ذكراهم وشرب.

يوظف الكاتب الكثير من الاقتباسات النادرة في زوايا الرواية بما يخدم عملية طرح المقاربات المنطقية للحلول، وبيان صواب التشخيص الذي يطرحه من خلال عدة نوافذ فتحها وأبواب تركها مشرّعة لكل من يخط بهذا الجانب من أدب القضية الفلسطينية والقضايا العربية بالمجمل.

إلا أن الرواية تبقى تتجاذب هذا الخيط الرفيع الذي يفصل ما هو مباح أو غير مباح في أدب الرواية العربية، مما يزيد حبكتها تشويقاً، وجنوحا في بعض الأحيان للخروج عن المألوف. لتبقى الكثير من القيم العربية الممزقة بعنف بفعل ازدواج البيئات محط استفهام وتساؤلات، تغري بالدراسة من أجل فهم دوافعها المعلنة وغير المعلنة، حتى يظهر بعض شخوص الرواية في حالة شتات فعلي للروح رغم الملمة الظاهرة لكل المكونات، حتى تنساب الأرواح والأجساد تعبيرا متكاتفا عن كل ما يدور في البال من رغبات وعواصف وعواطف. 

تميز الأسلوب بالطرح الواقعي المنطقي دون تجميل لواقع شخوص الرواية الذين قد يكونوا يمثلوا الآلاف ممن هم في شتات هذه الأرض من الفلسطينيين والعرب، ويميل الكاتب في ثنايا السطور إلى بيان الروح العالية التي يتمتع بها ثلة من هؤلاء الشباب، والتي تكاد أن تطال السماء أملاً في قطف النجمات، وإعلاء صوت قضايا أوطانهم وإيصالها بكل الطرق الممكنة إلى الغرب رغم كل العقبات سواء بالقلم أو بالنوتة الموسيقية أو أوتار عود.

________________________________________

رفقة شقور صحفية وباحثة سياسية فلسطينية ومحاضِرة بقسم العلوم السياسية بجامعة النجاح، وأستاذة بجامعة القدس المفتوحة بفلسطين المحتلة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المصباح .. دروبــــــ ــ ــ ــ .doroob
/ قال الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية 18/
الرجاء الالتزام بأداب النشرفي كتابة الاستفسارات والتعليق.

دروب أدبية

دروب المبدعين

دروب ثقافية