"شيخ البحر" أبو رشاد |
غزة- نسمة حمتو
هو الحاج أبو رشاد الهسي الذي أطلق عليه الصيادين لقب "شيخ البحر".. "فلسطين" صعدت إلى مراكب شيخ البحر لتتحدث عن رحلة صيد عمرها يفوق ال70عاماً من خلال التقرير التالي:
من يافا إلى غزة
أبو رشاد المسمى رجب محمد عبد المنعم الهسي (86عاماً) يعمل في مهنة الصيد منذ عام 1943, فجدّه كان يعمل في نفس المهنة وبعد ذلك ورثها والده ومن ثم هو, لم يعرف يوماً باب مدرسة إنما لجأ للبحر منذ صغره ليصبح صياداً ماهراً.
بدأت حكاية الحاج أبو رشاد في مدينة يافا حيث لم تكن حينها مهنة الصيد معروفة سوى في ميناء يافا , وبعد احتلال اليهود عام 1948 مدينة يافا هاجر مع والده إلى مدينة خانيونس ومن ثم انتقل إلى غزة حاملاً معه مراكب الصيد التي هرب فيها من يافا إلى غزة ليكمل رحلته الأولى في مهنة الصيد ذاتها.
بدأ الحاج رجب يعمل في غزة بكل جدٍ ونشاط وتطور في عمله حيث انتقل من العمل على المجداف و"الضلوع" والشراع عام 1948 إلى أن اشترى ماكينة من انجلترا عام 1961 بثمن 400 ليرة استرليني, فكان أول من صنع "اللنش" في غزة.
وبعد انتشار "اللنش" في مدينة غزة لجأ أبو رشاد إلى توسيع اللنش بعد شرائه جراراً كبيراً ليخرج اللنش من البحر بدلاً من استخدام الأيدي في إخراجه, كبر العمل أكثر معه واشترى "جرافة" مصنوعة من "الجنازير" , ومن ثم قرر أن يتطور من صناعة غزل الشَّبَك عن طريق اليد إلى صناعته عن طريق المكن.
خرج أبو رشاد من يافا وعمره لم يتجاوز 20 عاماً فرأى حكم الإنجليز لفلسطين وبعدها حكم المصريين ثم حكم الإسرائيليين حتى أنه كان يصاحب الإنجليز والمصريين في رحلات الصيد, ليقول:"تطورت في عملي أكثر عندما حكمت إسرائيل غزة فأصبحت أتعلم صنع المراكب منهم وصنع الشباك وكلما أرى شيئاً غريباً يساعدني في عملي كنت أحاول تقليده وصنعه من جديد".
صناعة الشبك
ويروي لنا إحدى القصص التي تعلم منها صناعة شبك السردين ليقول:"عندما هُرِّبَ من إسرائيل لنش إلى غزة قمت بشرائه من المخابرات المصرية عام 1964 فكانت بداخله قطعة من الشبك الحديث المصنوع في إسرائيل وعلى الفور أخذت القطعة واستطعت أن أصنع مثلها في أيام قليلة لتبدأ بعدها مهنة صناعة الشبك وغزله".
وبعد حدوث حرب الـ67 هرب أبو رشاد إلى مصر وبعد انتهاء الحرب عاد إلى غزة عن طريق الصليب الأحمر الدولي.
وعن سبب تسميته بشيخ البحر يضيف:"أسسنا جمعية للصيادين كنت رئيسها لهذا السبب أطلقوا عليَّ اسم شيخ الصيادين لأنني حكمت الصيادين من رفح حتى بيت حانون, حتى عندما كان يُعتقل أحد من الصيادين أو يستولي الاحتلال على أحد المراكب كنت أتفاوض مع الاحتلال من أجل إرجاعه".
عمل أبو رشاد مع المصريين في مهنة الصيد حتى أنه علمهم الطرق الصحيحة للصيد عن طريق الشبك وطوره لهم حتى أنهم حتى الآن يعملون بنفس النظام الذي علمهم إياه أبو رشاد.
لم يتعلم الحاج رجب في حياته سوى مهنة الصيد التي يحبها حتى أنه اشترى "لنشاً" كبيراً كلفه في ذلك الوقت 132 ليرة إسرائيلية في حين كان سعر دونم الأرض 7 ليرات فقط وقد فضَّل أقرباؤه شراء الأرض على امتلاكه اللنش إلا أنه رفض.
ورغم عمله في الصيد طوال هذه الفترة إلا أن البحر أُغلق وأصبحت مهنة الصيد بالنسبة له مهنة غير مجدية, خاصة مع زيادة الحصار على البحر من قبل الاحتلال فلا يسمحون لهم بخوض أكثر من 3 أميال فقط ليصيدوا السمك.
صعوبات جمة
ويؤكد أنهم كصيادين يواجهون صعوبات جمة أهمها عدم توفر البنزين اللازم للسفن رغم زيادة أعداد مراكب الصيد, فالصياد يخرج من منزله إلى البحر الساعة السادسة صباحاً ولا يعود إلى أهله وأبنائه سوى الساعة السادسة مساء ليوفر لقمة العيش فقط!.
أحب أنواع السمك لأبو رشاد هو سمك الوطواط وسمك البلاميدا "التونة" وسمك الغزلان لكن بسبب التضييق الزائد على البحر توقف عن عمله إلا عندما تتاح له الفرصة لصيد يعتبره ثميناً فهو حينها لا يدخر جهداً للقيام بذلك.
الكثير من المغامرات خاضها شيخ البحر طيلة 65 عاماً حتى عندما كان يعاني من مرضٍ في كليته كان يركب مع الصيادين ويتابع عمله كما لو لم يكن مريضاً وذات مرة اعتقله الطراد الإسرائيلي وهو مصاب.
الحاج رجب لديه من الأبناء 8 أولاد و9 بنات جميعهم متزوجون , وله من الأحفاد أكثر من 100 حفيد, وجميع أولاده الذكور يعملون في مهنة الصيد وراثة عن والدهم، وقد علموا أبناءهم الصيد والسباحة منذ صغرهم .
أمل شيخ البحر الآن بعد أن أصبح عمره 86 عاماً أن يموت وهو في البحر وأن يكون بصحة جيدة حتى لا يحتاج إلى مساعدة أحد, وأمنيته الثانية أن يصبح أحد أكبر المعمرين في غزة الذين حافظوا على مهنة الصيد وطوروها.
المصدر: صحيفة فلسطين