l
نديم جرجوره
لا
ينتهي الكلام على الرقابة الأمنية في لبنان. النقاش النقدي حول عمل
الرقابة على الإبداع متشعّب، لكنه مرتكز على القانون والحريات العامّة
وتطوّر المجتمع. الندوة المنعقدة مساء أمس في «مركز عصام فارس للشؤون
اللبنانية» (سن الفيل) شكّلت محطّة جديدة في سياق هذا النقاش، بإضافة جانب
لم يكن حاضراً قبل اليوم، على الرغم من أنه المعنيّ الأول بالموضوع:
الرقيب.
حملت الندوة عنوان «الرقابة في لبنان». قدّمها عبد الله بو حبيب، وشارك فيها العميد منير عقيقي (الأمن العام) والباحثة الاجتماعية دلال البزري والمحامي نزار صاغية. أمام البعض القليل من المهتمّين بهذا الشأن، تحدّث هؤلاء عن جوانب مختلفة للرقابة وأبعادها وتأثيراتها، ما أدّى إلى ظهور رأيين متناقضين تماماً: الرأي الأمني، الذي قدّمه عقيقي بمحاضرة طويلة بدت بياناً دفاعياً عن الأمن العام كـ«مؤسّسة رسمية»، وعن الرقابة المستندة، في عملها على الأعمال الإبداعية، الى قانون صادر في العام 1947، تضمّن بنوداً «مطّاطة». الرأي المدني، الواضح المعالم في مداخلتي البزري وصاغية: رفض صريح للرقابة المسبقة، ودعوة إلى شمولية الدفاع عن الحريات العامّة، أي عن حرية التعبير الإبداعي والسلوك الاجتماعي.
قدّم عقيقي مداخلة طويلة لتبرير عمل الرقابة الأمنية، متفادياً الثغرات القانونية الكثيرة التي تظهر واضحة في ممارسة الرقابة على الإبداع. قال سرداً قانونياً بحتاً، بعد انتقاده سلوك الإعلام في مقاربة الموضوع. حدّد آلية العمل، والأنماط الإبداعية الخاضعة لرقابة الأمن العام، موضحاً أن برامج تلفزيونية وبثّ إلكتروني وغيرهما من وسائط الاتصال الحديثة لا تزال كلّها «خارج» نطاق عمل الرقابة الأمنية، ما دفع صاغية إلى إضاءة جوانب خفيّة في الممارسة الرقابية، كعدم وجود «معايير قانونية» واضحة وصريحة ومباشرة في عمل الرقابة، بل مجرّد «كلمات» يُمكن التلاعب بها كيفما أراد الرقيب. لكن، قبل كلمة صاغية، ربطت البزري بين ضرورة الدفاع عن الحريات كلّها، بدلاً من الاكتفاء بأحداث محدّدة، مشيرة إلى أن معظم الذين تعرّضوا لمقصّ الرقيب باتوا شهيرين، فيما عدد مشاهدي الأفلام المُراقبة ارتفع كثيراً. توقّفت عند «تنّورة ماكسي» لجو بوعيد، الذي «سُحب» من العرض التجاري، بعد الحملة التي شنّها «مقدّم برنامج تلفزيوني»، واصفة إياها بكونها «متشدّدة دينياً»، كما لو أن هناك رغبة ما في إثارة «تشدّد ديني مسيحي في مقابل التشدّد الديني الإسلامي». لم تتغاض البزري عن أن الفيلم نفسه «سيئ» سينمائياً بدرجة كبيرة، مُذكّرة بأن مأزق الدفاع عن الحريات العامّة كامنٌ، أحياناً، في الروتين المتداول دائماً إزاء كل عملية رقابة: ظهور الموضوع فجأة، يؤدّي إلى قيام حملة دفاع عن الحريات، ثم صمت مطبق. بمعنى آخر، ربطت البزري بين ضرورة الدفاع عن الإبداع وحريته، وتحرير المجتمع من رقابات مختلفة.
من جهته، أوجز نزار صاغية مداخلته بتكثيف قانوني وثقافي واجتماعي، موضحاً أن هدف الرقابة الأمنية كامنٌ في حماية مصلحة أصحاب النفوذ في البلد، وتجميلها. تساءل عن سبب كون الرقابة تابعة لجهاز أمني: «لأن السياسيين لا يريدون التورّط بمسائل قمع الحريات». عدّد الرقابات الكثيرة التي تفرضها رقابة الأمن العام على المبدعين (سلطات عسكرية وسياسية وأمنية ودينية متفرّقة). ردّ على عقيقي بالقول إن الرقابة خطر على الفكر والإبداع.
مأزق الرقابة أنها لا تزال بيد سلطة أمنية، بدلاً من أن تتحرّر من قبضة الأمن، وتتحوّل إلى رقابة لاحقة، تتيح للقضاء أن يتدخّل بناء على متضرّر ما، وليس بسبب «أهواء» أصحاب النفوذ ومصالحهم الخاصّة.
حملت الندوة عنوان «الرقابة في لبنان». قدّمها عبد الله بو حبيب، وشارك فيها العميد منير عقيقي (الأمن العام) والباحثة الاجتماعية دلال البزري والمحامي نزار صاغية. أمام البعض القليل من المهتمّين بهذا الشأن، تحدّث هؤلاء عن جوانب مختلفة للرقابة وأبعادها وتأثيراتها، ما أدّى إلى ظهور رأيين متناقضين تماماً: الرأي الأمني، الذي قدّمه عقيقي بمحاضرة طويلة بدت بياناً دفاعياً عن الأمن العام كـ«مؤسّسة رسمية»، وعن الرقابة المستندة، في عملها على الأعمال الإبداعية، الى قانون صادر في العام 1947، تضمّن بنوداً «مطّاطة». الرأي المدني، الواضح المعالم في مداخلتي البزري وصاغية: رفض صريح للرقابة المسبقة، ودعوة إلى شمولية الدفاع عن الحريات العامّة، أي عن حرية التعبير الإبداعي والسلوك الاجتماعي.
قدّم عقيقي مداخلة طويلة لتبرير عمل الرقابة الأمنية، متفادياً الثغرات القانونية الكثيرة التي تظهر واضحة في ممارسة الرقابة على الإبداع. قال سرداً قانونياً بحتاً، بعد انتقاده سلوك الإعلام في مقاربة الموضوع. حدّد آلية العمل، والأنماط الإبداعية الخاضعة لرقابة الأمن العام، موضحاً أن برامج تلفزيونية وبثّ إلكتروني وغيرهما من وسائط الاتصال الحديثة لا تزال كلّها «خارج» نطاق عمل الرقابة الأمنية، ما دفع صاغية إلى إضاءة جوانب خفيّة في الممارسة الرقابية، كعدم وجود «معايير قانونية» واضحة وصريحة ومباشرة في عمل الرقابة، بل مجرّد «كلمات» يُمكن التلاعب بها كيفما أراد الرقيب. لكن، قبل كلمة صاغية، ربطت البزري بين ضرورة الدفاع عن الحريات كلّها، بدلاً من الاكتفاء بأحداث محدّدة، مشيرة إلى أن معظم الذين تعرّضوا لمقصّ الرقيب باتوا شهيرين، فيما عدد مشاهدي الأفلام المُراقبة ارتفع كثيراً. توقّفت عند «تنّورة ماكسي» لجو بوعيد، الذي «سُحب» من العرض التجاري، بعد الحملة التي شنّها «مقدّم برنامج تلفزيوني»، واصفة إياها بكونها «متشدّدة دينياً»، كما لو أن هناك رغبة ما في إثارة «تشدّد ديني مسيحي في مقابل التشدّد الديني الإسلامي». لم تتغاض البزري عن أن الفيلم نفسه «سيئ» سينمائياً بدرجة كبيرة، مُذكّرة بأن مأزق الدفاع عن الحريات العامّة كامنٌ، أحياناً، في الروتين المتداول دائماً إزاء كل عملية رقابة: ظهور الموضوع فجأة، يؤدّي إلى قيام حملة دفاع عن الحريات، ثم صمت مطبق. بمعنى آخر، ربطت البزري بين ضرورة الدفاع عن الإبداع وحريته، وتحرير المجتمع من رقابات مختلفة.
من جهته، أوجز نزار صاغية مداخلته بتكثيف قانوني وثقافي واجتماعي، موضحاً أن هدف الرقابة الأمنية كامنٌ في حماية مصلحة أصحاب النفوذ في البلد، وتجميلها. تساءل عن سبب كون الرقابة تابعة لجهاز أمني: «لأن السياسيين لا يريدون التورّط بمسائل قمع الحريات». عدّد الرقابات الكثيرة التي تفرضها رقابة الأمن العام على المبدعين (سلطات عسكرية وسياسية وأمنية ودينية متفرّقة). ردّ على عقيقي بالقول إن الرقابة خطر على الفكر والإبداع.
مأزق الرقابة أنها لا تزال بيد سلطة أمنية، بدلاً من أن تتحرّر من قبضة الأمن، وتتحوّل إلى رقابة لاحقة، تتيح للقضاء أن يتدخّل بناء على متضرّر ما، وليس بسبب «أهواء» أصحاب النفوذ ومصالحهم الخاصّة.
نديم جرجوره
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المصباح .. دروبــــــ ــ ــ ــ .doroob
/ قال الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية 18/
الرجاء الالتزام بأداب النشرفي كتابة الاستفسارات والتعليق.