أتذكر أني في صغري كنت حين أرى عجوزا كانت تتطرق لذهني فكرة غريبة " أيموت هذا الشخص فيفنى و تدفن سيرته معه تحت التراب ؟ " ، كنت انظر إلى نفسي متأملة جسدي هامسة : " هل أموت و ارحل عن هذه الأرض ! " .
أؤمن بالبعث، لكن البعث يكون في بعد آخر بعيد كل البعد عن عالمنا هذا و هناك شيء بداخلي يقول لي أن المائة سنة (عمر الإنسان الافتراضي) لا تكفيني على الأرض .
تبخرت تلك الفكرة كليا من رأسي حين كبرت حتى سمعت بمصطلح : reincarnation فأحياها في عقلي من جديد .
التقمص (reincarnation):-
التقمص .. ركن اساسي من اركان الاديان الشرقية .. دورة يمر بها كل انسان ..
في رواية انجليزية عنوانها ( my cousin Rachel)، يحدثنا بطلها عن شعور تملكه فأحس أن ساقاه ساق امبروز (إحدى شخصيات القصة) وأن عيناه عين امبروز و أن كله امبروز و كأن امبروز تملكه كليا أو انه عاد للحياة بداخله ... شعور غريب .. لكن مألوف ! .
الرواية بعيدة كل البعد عن التقمص إلا أن التقمص مبني على فكرة مشابهة لتلك المشاعر التي تملكت بطلها . التقمص له تعريفه هو انتقال الروح من جسد إلى أخر . قد تبدو الفكرة ساذجة للقارئ ، لكن بعض العلماء المعاصرين يؤمنون بصحتها معتقدين أن التقدم الطبي والجيني وعلوم تكنولوجيا الاتصالات وتطور نقل الصوت والصورة في الهواء داخل الكرة الأرضية وبين الأجرام السماوية ومركبات الفضاء وعلوم الفلسفة والمنطق قادرة علي أثبات صحتها.
مهلا ... التقمص ليس فقط نظرية علمية بل هو معتقد ديني و فكري وجد لدى عدة حضارات .
البوذيين يعتقدون بالتقمص ، فالحياة في اعتقادهم عذاب ومعاناة ، وهي دورة مستمرة ، تموت الأرواح لتولد من جديد في أجساد أخرى ، والبشر الأشرار ، أي الأرواح الشريرة ، قد تموت لتعود إلى الحياة في هيئة حيوان أو كائنات تعيسة .
رمز التقمص لدى البوذيين |
هذه الدورة ، أي التقمص ، تستمر حتى يسمو الإنسان بروحه فيتغلب على مطامعه ورغباته ، فالرغبة بحسب بوذا هي سبب كل معاناة ، الرغبة بالمال والجاه والشهرة والجنس الخ .. وهذا نرى الكهنة البوذيين والهندوس – وغيرهم من أصحاب الديانات الشرقية – يعتكفون ويتأملون ويزهدون بالحياة .. كل ذلك من اجل أن يسمون بأرواحهم فيتخلصوا من دورة العذاب – التقمص – ويصلوا إلى الـ نيرفانا ، أي السلام الروحي التام والخلو من المعاناة .
التقمص في الدرزية يختلف قليلا ، فهو حكر على الإنسان دون الحيوان و النبات ، فحين يموت القميص الجسدي للإنسان تاركا الروح ، عندها تنتقل الروح في سرعة لا يتخيلها العقل لجسد آخر و ربما إلى زمان مختلف.
للتقمص دلالات ، فقد تمكن بعض ممن ادعوا التقمص ، أي أنهم عاشوا حياة سابقة ثم ولدوا بجسد جديد ، تمكنوا من الإدلاء بمعلومات عن أقاربهم ومنازلهم وبيئتهم في الحياة السابقة وغير ذلك من الأشياء التي تؤكد الظاهرة.
فكرة التقمص ، أو كما عرفت في الكتابات العربية القديمة بأسم التناسخ – تناسخ الأرواح - ، كان لها مؤمنون في الحضارات القديمة، فالفلسفات اليونانية اعتبرت أرسطو أول من افنى حبره ليكتب عن التناسخ ومنهم من اختلف فارجع الفضل إلى افلوطين المصري في اكتشاف تلك الظاهرة.
قصص عن التقمص
كريس فيسنز .. يزعم بأنه كان مارلين مونرو في حياة سابقة ! ..
من منا لا يعرف النجمة الشقراء مارلين مونرو بقوامها الممشوق و ضحكتها البريئة و وجهها الملائكي ، أضحت مارلين مونرو حلم الرجال حيث تجسد الجمال في صورتها وطلتها في ذهن الرجل الغربي ... الكثيرات حاولن تقمص مارلين ، فأصبح من البديهي أن تقوم كل فتاة حالمة بالشهرة و الأضواء بالتنازل عن لون شعرها لتحصل على الأشقر البلاتيني الخاص بمارلين . تخيل معي عزيزي القارئ فيما لو تقمصت روح مارلين جسدا اليوم ... بالطبع ستكون فاتنة القرن و جميلة الجميلات ... كم من رجل هنا يتمني أن تمر مارلين بظاهرة التقمص ؟ .. لا عليك عزيزي القارئ فمارلين أمس أضحت كريس اليوم ..
كريس فيسنز شاب في أواخر العشرينات من عمره يدعي أن عاش من قبل كمارلين مونرو ! .. فيبدأ سرد تفاصيل عن حياتها الشخصية و المهنية ... يقول كريس انه بالبداية ظن انه شخص غير عاقل يتوهم ، لكنه استطاع التعرف على تفاصيل دقيقة عن حياة النجمة التي ولدت باسم نورما جين لتصبح مارلين مونرو ثم كريس فينيس ... إنها صدمة بكل المقاييس لكل الرجال أن صدقت مزاعمه
كريس فيسنز .. يزعم بأنه كان مارلين مونرو في حياة سابقة ! .. |
باربرو كارلين تعتقد بأنها تقمص لروح آن فرانك .. الفتاة اليهودية التي قضت نحبها في معسكرات الاعتقال النازية وتركت مذكرات شهيرة عن محنتها ومحنة عائلتها ..
بربرو كارلين لم تصدق يوما أن حياتها هي تلك التي تعيشها ... بل آمنت بأنها آن فرانك . العجيب أن باربرو أدلت بتفاصيل لا يعرفها احد عن آن فرانك إلى القائمين على منزلها كمزار للناس اليوم ...
بربرو لم تسافر قط فما أدراها بتفاصيل تم كتمها عن الناس عن منزل تغير ليكون مزار سياحي في أمستردام ! ..
تمكنت بربرو من وصف مشهد الورق المعلق في غرفة فرانك و الإضاءة و الأثاث بتفاصيل دقيقة لا يعطيها إلا زائر للمكان متأمل فيه ...
طبعا إن زرت منزل آن اليوم فلن تري شيئا من ما وصفته بربرو ... لا الإضاءة ولا الورق ولا بعض الأثاث ، لكن القائمين على المنزل أكدوا أن الورق وجد في نفس المكان الذي وصفته بربرو ، وأن الأثاث والإضاءة التي وصفتها آن دقيقة جدا ، لكنهم غيروا في تفاصيل المنزل لكي لا يتلف من عبث الزوار و لم يذكروا لأحد عن تلك التغيرات التي أجروها على المكان .. فكيف تمكنت بربرو من وصف كل ذلك .. الصدفة لا يمكن أن تكون بهذه الدقة ! ..
كانت صورة المنزل مألوفة لبربرو ، لكنها لم تعرف من كان يعيش فيه حتى طرقت كلمة آن فرانك مسامعها في المدرسة فأدركت أنها هي آن فرانك.
تعتبر قصة بربرو دليل دامغ للمؤمنين بالتقمص لدقة بربرو في وصف كل ما يتعلق بحياة آن فرانك من تفاصيل عجز المؤرخون عن إحصائها.
منزل آن فرانك... مزار سياحي أم دليل علي التقمص ؟ .. اترك لك الإجابة عن هذا عزيزي القارئ .
فكرة التقمص لا تخيفني و لا تفزعني لكن قد أكون أنا شخصيا أما لهؤلاء الذين يكبروني من مدرسين أو مشرفين أراهم كل يوم ... أو قد تكون روحي روح جندي شجاع أو فنان وسيم ... أو قد تكون روحي حكرا على جسدي فقط .. من يدري؟ ..
بالنهاية فأن نصف سكان الكرة الأرضية يؤمنون بتلك الظاهرة – التقمص - فلا يجب تجاهلها.
و أنت عزيزي القارئ .. يا ترى من كنت في السابق .. و من ستكون في المستقبل ؟ ..
بقلم : نور بدر - مصر
مصادر :
- Reincarnation
- Anne Frank
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المصباح .. دروبــــــ ــ ــ ــ .doroob
/ قال الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية 18/
الرجاء الالتزام بأداب النشرفي كتابة الاستفسارات والتعليق.