أخر الأخبار >> مجلة المصباح دروب ثقافية أدبية * ثقافية * فنون تشكيلية كما نرحب بجميع المساهمات الواردة عبر البريد الإلكتروني m.droob77@gmail.com أهلا بكم أصدقائنا * مع تحيات أسرة التحرير

أحـدث المقالات

مدرسة المشاغبين || حنان باكير

الذاكرة تدوّن الفرح كما الحزن تماما! محادثة اثيرية مع صديقتي بروفيسور نجمة حبيب، كانت كفيلة ببعث ذاكرة عملنا في ثانوية مار الياس. لانتقالي للتدريس في ثانوية مار الياس قصة، أضحك لها الآن، لكن في حينها لم تكن كذلك. منتصف الثمانينيات، وخلال ما درجنا على تسميتها حرب المخيمات. كان عملي في ثانوية الناصرة للبنات. كانت ثانوية مثالية. عصر نهار شتائي، سقط وقف اطلاق النار بين المخيمات ومحيطها،
فاختلطت اصوات القذائف بأصوات الرعد.. وفي مثل هذه الحالة، تنتشر الحواجز الطيارة، في الطرقات، بحثا عن الفلسسطيني.. كنت في المدرسة، خمس عشرة دقيقة تبقّى من دوام اليوم. سألت المدير ان أغادر المدرسة قبل انتشار الحواجز الطيارة. قال: روحك مش أغلى من أرواحنا! أجبت: صحيح.. لكن بيتي بعيد، وبيوتكم قرب المدرسة ولا مشكلة لديكم! شغل المدير نفسه بورقة أمامه. فهمت، وعدت الى صفي... في طريق العودة للبيت، أرعبني مشهد توقيف بعض الشباب ومعاملتهم بقسوة.. حاولت الهرب من طريق خلته آمنا، ولم أدر أني قمت بتسليم نفسي للمليشيا.. فقد وجدت نفسي في عقر مركزهم الرئيسي. قال لي أحد المسلحين: أهلا! إنت جيتي ولا الهوا رماكي!! وعلى الطريقة الأميركية، أوقفوني تحت مطر كانوني غزير. وجهي الى السيارة ويداي مرفوعتان على سقفها! وصلت البيت في العاشرة ليلا.. وطيلة الساعات الست، كنتها تحت المطر.. تذكرت السياب بغير رومانسية. صبيحة اليوم الثاني، كان الرجل الذي اعتدته لسنوات، يذهب الى مكتب الاونروا.. وتم نقلي الى ثانوية مار الياس الواقعة في بيروت.. النقل التأديبي للأساتذة يكون اليها! كانت تلك المدرسة، ألعن من مدرسة المشاغبين! كون الطلاب ينتمون الى الفصائل والحركات المتناحرة كافة، وكثيرة الاشتبكات المسلحة، كانوا يحضرون الى المدرسة بمسدساتهم وقنابلهم احيانا. لم أكن سعيدة. فما أن أدير مفتاح سيارتي بعد الدوام حتى أنفجر في بكاء طويل.. وبطول الطريق الى البيت. الرجل الذي اعتدته، ضاق ذرعا بتذمري واحباطي. الى أن قال لي ذات يوم: إن كنت حقا وطنية وفلسطينية.. هذا هو شعبك الذي يحتاج مساعدتك، وما فضلك على الذين لا يحتاجون توجيهك وتربيتك؟ ألم يكرز المسيح بين الخطاة والزناة! لماذا لم يتوجه الى النخبة؟ صباح اليوم التالي، سكنني شعور بأني أنا لم أعد أنا.. ولا المدرسة هي المدرسة ذاتها.. كان الفرح للقيا طلابي، يسابق سيارتي.. مرّ شهر بكثير من الصبر والعمل الشاق، وقضاء اوقات الاستراحة، وما بعد الدوام في العمل.. تغيرت سلوكيات الطلاب، يأتون بغير سلاح، يلتزمون بالدوام، وتمت تسوية الخلافات بينهم. تلاشى الحديث في موضوع الدين. ونجحت في سحب تسعة عشر طالبا وطالبة من مجموعة دينية متطرفة. كان انجازا، يمدني بالفرح كلما استذكرته. وفي أول يوم دوام لي بعد خروجي من الإعتقال. كانت آثار التعذيب أكثر من واضحة على وجهي، الذي بدا مثل وجه "زومبي"، في افلام الرعب! وبلمح البصر حضرت الاعلام والقربة الفلسطينية.. وتحول ملعب المدرسة الى ساحة مهرجان فلسطيني. ما أغبطني، أن الايدي المختلفة الانتماءات ما بين الفصائل كافة تتشابك في الدبكة.. ولم يغب عن المشهد الغناء للشهيد القائد ابي عمار.. خفت من إثبات تهمة العرفاتية على نفسي! للصديقة د. نجمة قصتها مع ثانوية مار الياس، وكيف تركت بصمتها الانسانية على الطلاب! ولأن اصحاب الرسالات محاربون، فقد تعرضنا لمضايقات جمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المصباح .. دروبــــــ ــ ــ ــ .doroob
/ قال الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية 18/
الرجاء الالتزام بأداب النشرفي كتابة الاستفسارات والتعليق.

دروب أدبية

دروب المبدعين

دروب ثقافية