الفيسبوك سيف ذو حدّين. سمحت لنفسي بتحوير وتقليد هذه المقولة. بطريقة أو بأخرى، صرنا عبيدا للفيسبوك، وإن بنسب مختلفة. كثر يعتبرونه جهازا تجسسيا بامتياز، ومع ذلك لا يبارحونه. من الايجابيات التي تحسب له، اتاحته الفرصة لنا لإعادة التواصل مع اصدقاء، فقدنا اثرهم من أزمان غابرة، بعد ان ذرتنا رياح الشتات والتيه في أصقاع متباعدة في هذا الكون الفسيح! فوجدت صديقة وأختا روحية، لم تبرح ذاكرتي يوما، سيما كلما مررت من منطقة كركاس حيث كانت تسكن، انها د. نجمة حبيب، فأعدنا وصل ما انقطع من ثمانينيات القرن الماضي. والتقيت بصديقة الطفولة وبدايات الشباب، مي صادق بعد انقطاع خمسين سنة! وفي اول لقاء، محونا المسافة الزمنية
والمكانية، واستعرضنا شقاوة الطفولة، وان لم تكن هي مشاغبة ومتمردة ومشاكسة مثلي! بعض الصديقات صدمني لقاؤهن، فقد بدون نساء تقليديات ولا علاقة لهن بكل ما يجري خارج بيوتهن! لكن هذا الفيسبوك، كثيرا ما يرمي لك من البلاوي والأشخاص الفضوليين والمتطفلين وبطريقة فجة! وكل رأسمالهم انهم ذكور! يحاولون التعدي على خصوصيات الآخرين، وكأنه حق لهم! فأحد الاصدقاء، طرح نفسه خواجة ولا كل الخواجات! رجل اعمال وصاحب شركات، ومثقف لا يشق له رمح. وعالم علامة. اعتاد التعليق على مقالاتي برزانة واحترام. وبعد حين ارسل لي على الخاص، بأن لديه مشروعا تجاريا يناسب امرأة. ويطلب مني مشاركته. اعتذرت لأني لا افقه بالتجارة وأكره لغة الارقام. اجاب بأن علي المشاركة بالمال ويتكفل هو بالعمل! اعتذرت بـأدب وأني لا أملك المال.. كتب وحتما بغضب: "إنت عظمك ذهب"! ضحكت في سري: صيت غنى ولا صيت فقر.. وكان البلوك بانتظاره. لاحقا عرفت من صديقة شخصية لي، بأنه فعلا عالم وفهيم وخبير في تصيد الارامل والمطلقات، والنصب والاحتيال عليهن بمشاريع وهمية! بعض النماذج، تطلب الصداقة، ولا تراها على صفحتك اطلاقا.. هم يريدون فقط زيادة قائمة أصدقائهم، وحصد المزيد من "اللايكات" على منشوراتهم.. أو ربما لا تراهم الا على الخاص، مع صور للورود والقلوب، وياما قلوب هايمة حواليك! فنان عربي طلب صداقتي وحصل عليها. لم ألمح حضوره على صفحتي اطلاقا.. وسرعان ما بدأ بإرسال الورود والقلوب المزوقة بورود اصطناعية، وبذوق بدائي.. لم أرد. ارسل عشرات القلوب والورود ولم يتلق مني اي رد. بدأ بالاتصال هاتفيا عالماسينجر.. وفي كل الاوقات! في الصباح الباكر، يزعج طقوس فنجان قهوتي. في منتصف الليل.. من الثانية عشرة وحتى الثالثة صباحا! أغلق الهاتف لأجله. وفي الغد اجد عشرات الاتصالات.. ولم يلق الا التجاهل.. وأخيرا، كتب رسالة وعيد الانبوكس "والله اذا ما تردين.. أحذرك"! فحصل هو الآخر على بلوك. وشخص محترم آخر، رددت عليه بأن لا وقت لدي للدردشة وطق الحنك، وان التعدي على الخصوصي لا يجوز، وأن العلاقات مكشوفة وحول المنشورات.. لكنه لم يرعو.. والبلوك جاهز. صديقات كثر شكون من ظاهرة هؤلاء "فاضين الاشغال"، المتعبدين امام اجهزتهم. هذا لا يعني عدم بناء صداقات فيسبوكية، جميلة ونقية، صداقات تقوم على الاحترام. وبعض تلك الصداقات، خرجت من العالم الافتراضي الى عالمنا الحقيقي.. صديقتي نادية، زارتني من الجبل، يوم وصولي لبيروت بصندوق تين من بقايا موسم رحل منذ قليل. ما أهجس به دوما، هو كيف اننا نأخذ من الحضارة الغربية قشورها، وكيف نسيء استعمال انجازاتها التكنولوجية، وتسخيرها لخدمة التخلف عندنا، والتهجم على مخترعيها! -
حنان باكير
الحياة الجديدة
والمكانية، واستعرضنا شقاوة الطفولة، وان لم تكن هي مشاغبة ومتمردة ومشاكسة مثلي! بعض الصديقات صدمني لقاؤهن، فقد بدون نساء تقليديات ولا علاقة لهن بكل ما يجري خارج بيوتهن! لكن هذا الفيسبوك، كثيرا ما يرمي لك من البلاوي والأشخاص الفضوليين والمتطفلين وبطريقة فجة! وكل رأسمالهم انهم ذكور! يحاولون التعدي على خصوصيات الآخرين، وكأنه حق لهم! فأحد الاصدقاء، طرح نفسه خواجة ولا كل الخواجات! رجل اعمال وصاحب شركات، ومثقف لا يشق له رمح. وعالم علامة. اعتاد التعليق على مقالاتي برزانة واحترام. وبعد حين ارسل لي على الخاص، بأن لديه مشروعا تجاريا يناسب امرأة. ويطلب مني مشاركته. اعتذرت لأني لا افقه بالتجارة وأكره لغة الارقام. اجاب بأن علي المشاركة بالمال ويتكفل هو بالعمل! اعتذرت بـأدب وأني لا أملك المال.. كتب وحتما بغضب: "إنت عظمك ذهب"! ضحكت في سري: صيت غنى ولا صيت فقر.. وكان البلوك بانتظاره. لاحقا عرفت من صديقة شخصية لي، بأنه فعلا عالم وفهيم وخبير في تصيد الارامل والمطلقات، والنصب والاحتيال عليهن بمشاريع وهمية! بعض النماذج، تطلب الصداقة، ولا تراها على صفحتك اطلاقا.. هم يريدون فقط زيادة قائمة أصدقائهم، وحصد المزيد من "اللايكات" على منشوراتهم.. أو ربما لا تراهم الا على الخاص، مع صور للورود والقلوب، وياما قلوب هايمة حواليك! فنان عربي طلب صداقتي وحصل عليها. لم ألمح حضوره على صفحتي اطلاقا.. وسرعان ما بدأ بإرسال الورود والقلوب المزوقة بورود اصطناعية، وبذوق بدائي.. لم أرد. ارسل عشرات القلوب والورود ولم يتلق مني اي رد. بدأ بالاتصال هاتفيا عالماسينجر.. وفي كل الاوقات! في الصباح الباكر، يزعج طقوس فنجان قهوتي. في منتصف الليل.. من الثانية عشرة وحتى الثالثة صباحا! أغلق الهاتف لأجله. وفي الغد اجد عشرات الاتصالات.. ولم يلق الا التجاهل.. وأخيرا، كتب رسالة وعيد الانبوكس "والله اذا ما تردين.. أحذرك"! فحصل هو الآخر على بلوك. وشخص محترم آخر، رددت عليه بأن لا وقت لدي للدردشة وطق الحنك، وان التعدي على الخصوصي لا يجوز، وأن العلاقات مكشوفة وحول المنشورات.. لكنه لم يرعو.. والبلوك جاهز. صديقات كثر شكون من ظاهرة هؤلاء "فاضين الاشغال"، المتعبدين امام اجهزتهم. هذا لا يعني عدم بناء صداقات فيسبوكية، جميلة ونقية، صداقات تقوم على الاحترام. وبعض تلك الصداقات، خرجت من العالم الافتراضي الى عالمنا الحقيقي.. صديقتي نادية، زارتني من الجبل، يوم وصولي لبيروت بصندوق تين من بقايا موسم رحل منذ قليل. ما أهجس به دوما، هو كيف اننا نأخذ من الحضارة الغربية قشورها، وكيف نسيء استعمال انجازاتها التكنولوجية، وتسخيرها لخدمة التخلف عندنا، والتهجم على مخترعيها! -
حنان باكير
الحياة الجديدة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المصباح .. دروبــــــ ــ ــ ــ .doroob
/ قال الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية 18/
الرجاء الالتزام بأداب النشرفي كتابة الاستفسارات والتعليق.