أخر الأخبار >> مجلة المصباح دروب ثقافية أدبية * ثقافية * فنون تشكيلية كما نرحب بجميع المساهمات الواردة عبر البريد الإلكتروني m.droob77@gmail.com أهلا بكم أصدقائنا * مع تحيات أسرة التحرير

أحـدث المقالات

تلويحة تحية ووداع لأحمد دحبور | د. عـبد القادرحسين ياسين


غـيـَّب الموت يوم 8 نيسان الشـاعـر الفلسطيني المخضرم، أحـمـد دحـبـور،عـن 71 عـامـاً بعد معاناة طويلة مع المرض، أثر إصابته بفشل كلوي.
خسرت فـلسطين عـلماً من أعلامها، وأحد أبرز أعمدة الفكر والإبداع الفلسطيني، ورمزاً من رموز الحركة الثقافية والوطنية ، القامة الأدبية الكبيرة ، صاحب الإرث والتاريخ الشعري والنثري الذي رسخ من خلاله عـدالة القـضية وأصالة الهوية الفلسطينية.
حين وصلني نبأ رحيله ، تذكرت بيت الشعر المأثور عن أبي الطيب المتنبي ،
عندما جاءه نبأ وفاة صديق عزيز :
"طـوى الجـزيرة حـتى جاءني خـبـرٌ
فـزعـتُ منه بآمالي إلى الـــــكـذب.."

برحيل أحـمـد دحـبـور تـفـقـد فـلسطين ليس فقط واحداً من رموزالأدب والإبداع الفلسطيني،
بل بوصلة كانت حتى اللحظات الأخيرة تؤشر إلى فلسطين.

وُلـد أحـمـد دحـبـور في نيسان عام 1946 بمدينة حيفا ،التي غادرها بـعـد الـنـكـبـة مع عائلته إلى لبنان، ثم إلى سوريا ، حيث نشأ في مخيم النيرب بحمص في سوريا، وعاش فيه إحدى وعشرين سنة. وكان لحياة المخيم ، بكل ما يمثله من فـقـر وحرمان وبؤس وضياع، تأثير في تكوينه النفـسي والاجتماعي والسياسي والشعري.

تعـلق بالحرف والأبجدية منذ الصبا ، فأصدر ديوانه الأول "الضواري وعيون الأطفال" وهو في سن الثامنة عشرة. لم يتلق أحـمـد دحـبـور تعليماً أساسياً كافيًاً ، لكنه كان قارئًا نهمًا وتواقًا للمعرفة، فصقـل موهبته الشعرية بقراءة عـيون الشعر العربي قديمه وحديثه. وكرَّسَ حياته للتعبير عن التجربة الفلسطينية المريرة، وعمل مديرًا لتحرير مجلة "لوتس" حتى عام 1988، ومديرًا عامًا لدائرة الثقافة بمنظمة التحرير الفلسطينية، وعضواً في الأمـانـة الـعـامـة للإتـحـاد الـعـام للكتّاب والصحافيين الفلسطينيين. كتب الشعر والمسرح والدراما التلفزيونية والمقالة وتميـَّز في كتابة الأغـنية في تجربة جميلة مع فرقة "العاشقين".

حملت قصائده رسائل المحبة والسلام والتصقـت دواوينه بالأرض والحلم والحرية والمقاومة والوجود والهوية. أصدر العديد من الدواوين الشعرية من أشهرها "الضواري وعيون الأطفال" و"حكاية الولد الفلسطيني" و"طائر الوحدات" و"بغير هذا جئت" و"اختلاط الليل والنهار" و"شهادة بالأصابع الخمس" وغـيـرهـا.

من الصعب سدّ الفراغ الذي سيتركه أحـمـد دحـبـور ،الشـاعـر الـذي نـظـم الأغنيات الخالدات، ومنها: “اشهد يا عالم”، و”يا شعـبي يا عود الند”، و”الله لأزرعـك بالدار”، و”يا بنت قولي لامك”، و”صبرا وشاتيلا”، وغيرها الكثير من الأغنيات التي كان الوطن جوهـرها.

دون غـيره من شعـراء جيله الذين حملوا، أو حـَمـَل بعـضهم على الأقـل، لقـب “شعراء المقاومة” منذ سبعينات القرن الماضي، يمتاز الشاعـر أحـمـد دحـبـور بثباته الإبداعي على قاموس ذلك اللـقـب، بجدارة فائقة. ففي الوقت الذي كان فيه هذا اللقب المتأجج والصاعد من الوجدان الشعبي، قبل أن يكون مجرد نحت من اللغة الإعلامية، يتساقط وينهار، ثم ينطفئ ويختفي من المشهد الشعري الفلسطيني وامتداده العربي ، تحت ثقـل التغـيرات والتحولات السياسية التي اجتاحت المقاومة الفلسطينية، وانزاحت بها نحو مواقع واتجاهات مشوشة، بقي دحـبـور على حبة القلب من حرصه على روح المقاومة في كل قصائده.

ظل محافظاً على خصوصيته وصوته المتميز، ملتزماً تجاه فـلسطين التي كانت قضيته الأساسية التي تشغله، والتي انعكست على سائر إبداعه، يسرد حكايا الطرد والتهجير، ويحاكي الهم والحلم البعيد الذي شكل وعيه وتجربته التي لم تنشأ من ترف بل من روح ذاقـت الوحشة والخوف والقسوة وغياب العدالة.

كان دحـبـور أحـد الـرواد الذين عملوا على صياغة الهوية الوطنية والثقافية للشعب الفلسطيني، حيث ساهم بإبداع وعطاء فياض قـلَّ نظيرة مع رواد الثقافة الوطنية في بلورة الشخصية الحضارية للثورة الفلسطينية المعاصرة. كان يكتب شغفا بالإبداع ، وكذلك لإيمانه بأن الكتابة رسالة والتزام للدفاع والذود عن قضايا شعـبه الوطنية والطبقية ، وهي سلاح ثقافي بتار في معارك التحرير والاستقلال، وهو كشاعر ثوري وتقدمي ملتزم يرى في القصيدة جسداً كاملاً ومزيجاً بين لغة الحلم ولغة الواقع.

ولعل أشهر قصائده هي "حكاية الولد الفلسطيني"، التي كتبها إبّان انطلاق الثورة ويتساءل فيها عـن مـا سيخسره الفقراء، سوى جوعهم والقيد، حين يقاومون، وينهيها، وهو ممتلئ إصراراً على المقاومة.

لـقـد ترجل طائر الوحدات، واليوم يـُودِّع شـعـبـنـا واحداً من أهم القامات التي كانت من الكتيبة الأولى التي بشرت بالثورة وواكبتها وغـنـَّت لها....

أبـا يَـســار ؛
لست أجد الكلمات التي تليق بوداعـك الذي فاجأنا دون عـناق ولا مصافحة ولا تلويحة بالأيدي المتعبة..

أيها الفـلسطيني الكبير والأخ العزيز والصديق الصدوق ، هل أقول سـلامـا ، أم أقـول وداعـا؟
أنت أكبر من السـلام ، وأكبر من الوداع.

أبـا يَـســار ؛
سـلامـا وتحيـة ، ففي التحيـة الحياة... التحية هي المحافظة على وديعـتك التي أودعـتـهـا لدى كل من ما زال مؤمنـا بأن المقاومة هي كل ما نملـك ، وبأن الوعي النقـدي هو الطريق.
أبـا يَـســار ؛؛ أيـهـا الـحـيـفـاوي الكبير، ســلامـا...!


* كاتب وأكاديمي فلسطيني مقيم في السويد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المصباح .. دروبــــــ ــ ــ ــ .doroob
/ قال الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية 18/
الرجاء الالتزام بأداب النشرفي كتابة الاستفسارات والتعليق.

دروب أدبية

دروب المبدعين

دروب ثقافية