غدا قطاع غزة اليوم كخليةِ نحلٍ لا تهدأ، وسوقٍ مفتوحٍ لا يفتر، ومزارٍ كبيرٍ لا ينقطع زواره ولا يتوقف رواده، وكأنه عاصمة يطرق أبوابها المسؤولون، ويزورها المندوبون، ويهرول إليها ممثلو البعثات الدولية والمؤسسات الأممية، ومسؤولو الملفات الفلسطينية وقادة الأجهزة الأمنية، وغيرهم كثيرٌ من مختلف الجهات والبلاد.
كلٌ منهم يحمل معه حقيبته وأوراقه، ويطرح على المسؤولين في القطاع ملفاته واهتماماته، ويشرح لهم الأسباب التي دفعتهم لزيارته، ويبين لهم قلقه على أوضاعه وسكانه، وتخوفه من تدهور الأوضاع فيه وانزلاق المنطقة نحو حربٍ جديدةٍ، تكون
آثارها كارثية على القطاع خصوصاً وعلى المنطقة برمتها عموماً، حيث أن نذرَ الحرب قد لاحت، وأزمات المنطقة قد تفاقمت، وأوضاع الفلسطينيين في قطاع غزة قد ساءت، وظروفهم المعيشية والحياتية قد تدهورت إلى مستوىً لا يستطيعون احتماله، ولا يمكن للمجتمع الدولي الصبر عليها وإهمالها، أو عدم الاهتمام بها والتأخر في محاولة علاجها.
لكن لا يبدو أن أوضاع القطاع المأساوية وظروفهم المعيشية السيئة هي التي حركت المجتمع الدولي، ودفعت قادة العالم وأصحاب القرار فيه إلى سرعة التحرك وإيفاد المبعوثين والموفدين المختصين إلى المنطقة، فقد مضى على قطاع غزة أكثر من عشرة سنواتٍ وهو محاصرٌ ومعاقبٌ أهله وسكانه.
كما لا يمكننا أن نصدق أن ضمير المجتمع الدولي قد صحا فجأةً واستيقظ، وأن قادة الدول الكبرى والأمين العام للأمم المتحدة ومسؤولي المنظمات والمؤسسات الدولية، قد أنبهم ضميرهم، فقرروا القيام بواجبهم الذي تأخروا عنه، فعجلوا بعرض مشاريعهم الاقتصادية والإغاثية، وأبدوا استعدادهم لتعويض سكان القطاع وخلق فرص عملٍ مناسبة لهم، تقضي على البطالة، وتساعد في تحسين ظروف عيشهم، وتنقد القطاع كله من كارثة بيئيةٍ، ومن أزمةٍ حقيقية في مياه الشرب وخدمات الصرف الصحي والكهرباء وغير ذلك.
لكن الكيان الصهيوني القلق المضطرب، هو الذي أجبر المجتمع الدولي على سرعة التحرك وتكثيف الجهود، فوصل إلى قطاع غزة السفير الألماني لدى الكيان الصهيوني، ولعل مهمته معروفة ومكشوفة، ولا يحتاج إلى من يدل عليها أو يُعرِّف بها، فقد عُرف الألمان قديماً وما زالوا بأنهم مهندسو صفقات تبادل الأسرى والمعتقلين، فهم الذين أشرفوا على أغلب الصفقات التي تم التوصل إليها بين قوى المقاومة الفلسطينية والعربية والكيان الصهيوني، وهم اليوم في قطاع غزة يريدون فتح ملف جنود جيش الاحتلال أو أشلائهم، وغيرهم من الذين تحتجزهم المقاومة الفلسطينية، حيث لا يرى الإسرائيليون أفقاً لأي تهدئة مع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة دون التوصل إلى صفقةٍ يعود بموجبها مستوطنوه، ويستلم فيها رفات جنوده أو بقاياهم.
كما وصل إلى القطاع وفدٌ ألمانيٌ آخر يرأسه مدير بنك التنمية الألماني، وهو غير مرتبطٍ بالوفد الأمني الذي يرأسه السفير الألماني، حيث أن مهامه مختلفة واهتماماته مغايرة عن وفد بلاده الأول، فهو يبحث عن مشاريع اقتصادية وإنمائية وإغاثية يمكن أن تساهم فيها ألمانيا بصفتها الخاصة، بعيداً عن عضويتها في الاتحاد الأوروبي، حيث يتطلع مدير البنك إلى تقديم هباتٍ ومساعداتٍ، وتمويل مشاريع ومؤسسات، أو تنظيم تقديم قروضٍ متوسطة لتمكين المواطنين من فتح مشاريع صغيرة، تمكنهم من تشغيل أنفسهم وتحريك اقتصادهم.
ولا يغيب عن الوفد الألماني وإلى جانبه وفد الاتحاد الأوروبي الذي يزور قطاع غزة أيضاً، مساعي تمويل وكالة الأونروا التي قطع عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المساهمة السنوية الأمريكية، حيث تتطلع ألمانيا ومعها بعض دول الاتحاد الأوروبي إلى إعادة تمويل الوكالة ليستمر عملها، وتتواصل خدماتها، إلى حين التوصل إلى تسوية شاملة وحل جذري لقضية اللاجئين الفلسطينيين عموماً، حيث بدا عدم موافقة الاتحاد الأوروبي على قرارات الرئيس الأمريكي الأخيرة.
ووصل إلى قطاع غزة بالتزامن مع الوفود السابقة وفدٌ كبير من ألـــــ "UNDP"، وهي المنظمة التابعة للأمم المتحدة، المعنية بالبرامج الإنمائية للدول الشعوب، ولكن اهتمامها في قطاع غزة يتركز على محاربة الفقر، وتطوير قدرات المجتمع، والنهوض بالمرأة وضمان حقوقها، وقد حمل أعضاء الوفد معهم تصوراتٍ لمشاريع كثيرة تخص سكان قطاع غزة، وهي تصورات لمشاريع قديمة وجديدة، ولكن تنفيذها وتشغيلها يلزمه تهدئة وضمان عدم نشوب حرب، أو وقوع عمليات عسكرية من شأنها الإضرار بهذه المشاريع، وتحظى هذه المنظمة بدعم أغلب أعضاء الأمم المتحدة، ويبلغ عدد الدول المعترفة بها والمتعاونة معها أكثر من 180 دولة.
أما الوفد الأكثر أهمية والأبرز حضوراً والأكثر تأثيراً، فهو الوفد الأمني المصري، الذي يضم كبار ضباط المخابرات العامة المهتمين بالشأن الفلسطيني، والذين سيمهدون لزيارة وزير الأمن المصري اللواء عباس كامل، الذي سيتولى بنفسه الإشراف على حوارات التهدئة المرتقبة، حيث يعلق الفلسطينيون في قطاع غزة آمالاً كبيرة على جهود هذا الوفد، ويرون أن مصر هي الطرف الأكفأ والأكثر قدرة على إدارة هذا الملف، في الوقت الذي يأمل فيه الإسرائيليون كثيراً، بأن تنجح المخابرات العامة المصرية في نزع فتيل الحرب الوشيكة، وإنهاء حالة الاحتقان المستمرة، ووقف مسيرات العودة المربكة للكيان والمكلفة للفلسطينيين، الأمر الذي يجعل من مهمة هذا الوفد الأصعب والأكثر أهمية، والذي على أساسه تقوم مشاريع الوفود الأخرى، وبغير نجاحه لا يتمكن أي فريقٍ آخر من تمرير مشاريعه وأفكاره.
هؤلاء جميعاً قد وفدوا، وغيرهم كثيرٌ قد سبق، وآخرون سيلحقون جميعاً إلى قطاع غزة قبل الجمعة الثلاثين لمسيرات العودة الوطنية الكبرى، وهو اليوم الذي يرى فيه قادة الكيان الصهيوني أنه سيكون يوماً مفصلياً، وسيكون له ما بعده، وبناءً عليه ستتحدد السياسات اللاحقة والخطوات القادمة، فإما المباشرة في حربٍ جديدةٍ، وتوجيه ضربةٍ قاسيةٍ إلى النواة العسكرية لحركة حماس وقوى المقاومة الفلسطينية الأخرى، أو الانتقال نحو مشاريع إغاثية واقتصادية في ظل تهدئة أو هدنة ترعاها مصر وتشرف عليها، وتضمن تطبيق بنودها والالتزام بكل شروطها، وأخذ كافة الاحتياطات لمنع خرقها والانقلاب عليها.
لا يخفي المسؤولون الإسرائيليون في مختلف المؤسسات القيادية السياسية والأمنية والعسكرية، عدم اتفاقهم على قرار الحرب أو التهدئة مع قطاع غزة، فأكثرهم لا يريد الحرب وقليلٌ منهم يؤيد شنها، لهذا فإنهم يعلقون آمالاً كثيرة على جهود الوفد الأمني المصري، فهل تكون الجمعة الثلاثون لمسيرة العودة هي جمعة التهدئة المأمولة والمرجوة، أم ستكون جمعة الثورة والانتفاضة، وجمعة الحرب والغضب.
بيروت
كلٌ منهم يحمل معه حقيبته وأوراقه، ويطرح على المسؤولين في القطاع ملفاته واهتماماته، ويشرح لهم الأسباب التي دفعتهم لزيارته، ويبين لهم قلقه على أوضاعه وسكانه، وتخوفه من تدهور الأوضاع فيه وانزلاق المنطقة نحو حربٍ جديدةٍ، تكون
آثارها كارثية على القطاع خصوصاً وعلى المنطقة برمتها عموماً، حيث أن نذرَ الحرب قد لاحت، وأزمات المنطقة قد تفاقمت، وأوضاع الفلسطينيين في قطاع غزة قد ساءت، وظروفهم المعيشية والحياتية قد تدهورت إلى مستوىً لا يستطيعون احتماله، ولا يمكن للمجتمع الدولي الصبر عليها وإهمالها، أو عدم الاهتمام بها والتأخر في محاولة علاجها.
لكن لا يبدو أن أوضاع القطاع المأساوية وظروفهم المعيشية السيئة هي التي حركت المجتمع الدولي، ودفعت قادة العالم وأصحاب القرار فيه إلى سرعة التحرك وإيفاد المبعوثين والموفدين المختصين إلى المنطقة، فقد مضى على قطاع غزة أكثر من عشرة سنواتٍ وهو محاصرٌ ومعاقبٌ أهله وسكانه.
كما لا يمكننا أن نصدق أن ضمير المجتمع الدولي قد صحا فجأةً واستيقظ، وأن قادة الدول الكبرى والأمين العام للأمم المتحدة ومسؤولي المنظمات والمؤسسات الدولية، قد أنبهم ضميرهم، فقرروا القيام بواجبهم الذي تأخروا عنه، فعجلوا بعرض مشاريعهم الاقتصادية والإغاثية، وأبدوا استعدادهم لتعويض سكان القطاع وخلق فرص عملٍ مناسبة لهم، تقضي على البطالة، وتساعد في تحسين ظروف عيشهم، وتنقد القطاع كله من كارثة بيئيةٍ، ومن أزمةٍ حقيقية في مياه الشرب وخدمات الصرف الصحي والكهرباء وغير ذلك.
لكن الكيان الصهيوني القلق المضطرب، هو الذي أجبر المجتمع الدولي على سرعة التحرك وتكثيف الجهود، فوصل إلى قطاع غزة السفير الألماني لدى الكيان الصهيوني، ولعل مهمته معروفة ومكشوفة، ولا يحتاج إلى من يدل عليها أو يُعرِّف بها، فقد عُرف الألمان قديماً وما زالوا بأنهم مهندسو صفقات تبادل الأسرى والمعتقلين، فهم الذين أشرفوا على أغلب الصفقات التي تم التوصل إليها بين قوى المقاومة الفلسطينية والعربية والكيان الصهيوني، وهم اليوم في قطاع غزة يريدون فتح ملف جنود جيش الاحتلال أو أشلائهم، وغيرهم من الذين تحتجزهم المقاومة الفلسطينية، حيث لا يرى الإسرائيليون أفقاً لأي تهدئة مع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة دون التوصل إلى صفقةٍ يعود بموجبها مستوطنوه، ويستلم فيها رفات جنوده أو بقاياهم.
كما وصل إلى القطاع وفدٌ ألمانيٌ آخر يرأسه مدير بنك التنمية الألماني، وهو غير مرتبطٍ بالوفد الأمني الذي يرأسه السفير الألماني، حيث أن مهامه مختلفة واهتماماته مغايرة عن وفد بلاده الأول، فهو يبحث عن مشاريع اقتصادية وإنمائية وإغاثية يمكن أن تساهم فيها ألمانيا بصفتها الخاصة، بعيداً عن عضويتها في الاتحاد الأوروبي، حيث يتطلع مدير البنك إلى تقديم هباتٍ ومساعداتٍ، وتمويل مشاريع ومؤسسات، أو تنظيم تقديم قروضٍ متوسطة لتمكين المواطنين من فتح مشاريع صغيرة، تمكنهم من تشغيل أنفسهم وتحريك اقتصادهم.
ولا يغيب عن الوفد الألماني وإلى جانبه وفد الاتحاد الأوروبي الذي يزور قطاع غزة أيضاً، مساعي تمويل وكالة الأونروا التي قطع عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المساهمة السنوية الأمريكية، حيث تتطلع ألمانيا ومعها بعض دول الاتحاد الأوروبي إلى إعادة تمويل الوكالة ليستمر عملها، وتتواصل خدماتها، إلى حين التوصل إلى تسوية شاملة وحل جذري لقضية اللاجئين الفلسطينيين عموماً، حيث بدا عدم موافقة الاتحاد الأوروبي على قرارات الرئيس الأمريكي الأخيرة.
ووصل إلى قطاع غزة بالتزامن مع الوفود السابقة وفدٌ كبير من ألـــــ "UNDP"، وهي المنظمة التابعة للأمم المتحدة، المعنية بالبرامج الإنمائية للدول الشعوب، ولكن اهتمامها في قطاع غزة يتركز على محاربة الفقر، وتطوير قدرات المجتمع، والنهوض بالمرأة وضمان حقوقها، وقد حمل أعضاء الوفد معهم تصوراتٍ لمشاريع كثيرة تخص سكان قطاع غزة، وهي تصورات لمشاريع قديمة وجديدة، ولكن تنفيذها وتشغيلها يلزمه تهدئة وضمان عدم نشوب حرب، أو وقوع عمليات عسكرية من شأنها الإضرار بهذه المشاريع، وتحظى هذه المنظمة بدعم أغلب أعضاء الأمم المتحدة، ويبلغ عدد الدول المعترفة بها والمتعاونة معها أكثر من 180 دولة.
أما الوفد الأكثر أهمية والأبرز حضوراً والأكثر تأثيراً، فهو الوفد الأمني المصري، الذي يضم كبار ضباط المخابرات العامة المهتمين بالشأن الفلسطيني، والذين سيمهدون لزيارة وزير الأمن المصري اللواء عباس كامل، الذي سيتولى بنفسه الإشراف على حوارات التهدئة المرتقبة، حيث يعلق الفلسطينيون في قطاع غزة آمالاً كبيرة على جهود هذا الوفد، ويرون أن مصر هي الطرف الأكفأ والأكثر قدرة على إدارة هذا الملف، في الوقت الذي يأمل فيه الإسرائيليون كثيراً، بأن تنجح المخابرات العامة المصرية في نزع فتيل الحرب الوشيكة، وإنهاء حالة الاحتقان المستمرة، ووقف مسيرات العودة المربكة للكيان والمكلفة للفلسطينيين، الأمر الذي يجعل من مهمة هذا الوفد الأصعب والأكثر أهمية، والذي على أساسه تقوم مشاريع الوفود الأخرى، وبغير نجاحه لا يتمكن أي فريقٍ آخر من تمرير مشاريعه وأفكاره.
هؤلاء جميعاً قد وفدوا، وغيرهم كثيرٌ قد سبق، وآخرون سيلحقون جميعاً إلى قطاع غزة قبل الجمعة الثلاثين لمسيرات العودة الوطنية الكبرى، وهو اليوم الذي يرى فيه قادة الكيان الصهيوني أنه سيكون يوماً مفصلياً، وسيكون له ما بعده، وبناءً عليه ستتحدد السياسات اللاحقة والخطوات القادمة، فإما المباشرة في حربٍ جديدةٍ، وتوجيه ضربةٍ قاسيةٍ إلى النواة العسكرية لحركة حماس وقوى المقاومة الفلسطينية الأخرى، أو الانتقال نحو مشاريع إغاثية واقتصادية في ظل تهدئة أو هدنة ترعاها مصر وتشرف عليها، وتضمن تطبيق بنودها والالتزام بكل شروطها، وأخذ كافة الاحتياطات لمنع خرقها والانقلاب عليها.
لا يخفي المسؤولون الإسرائيليون في مختلف المؤسسات القيادية السياسية والأمنية والعسكرية، عدم اتفاقهم على قرار الحرب أو التهدئة مع قطاع غزة، فأكثرهم لا يريد الحرب وقليلٌ منهم يؤيد شنها، لهذا فإنهم يعلقون آمالاً كثيرة على جهود الوفد الأمني المصري، فهل تكون الجمعة الثلاثون لمسيرة العودة هي جمعة التهدئة المأمولة والمرجوة، أم ستكون جمعة الثورة والانتفاضة، وجمعة الحرب والغضب.
بيروت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المصباح .. دروبــــــ ــ ــ ــ .doroob
/ قال الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية 18/
الرجاء الالتزام بأداب النشرفي كتابة الاستفسارات والتعليق.