بقلم: أمل عيسى عبدالوهاب
سنتحدث عن حكاية لا تكتب على الورق المتداول اليومي . حكاية نكتبها بحبر
الماء ونعلقها على الجدران الصامتة . حكاية لها راو أصيب في السؤال بين
البحر والموج ، من عساه يشرقُ قبل الاخر . راو قليل الكلام . راو لاينام .سقف الحكاية سماء . حين قرأنا صفحاتها الاولى أحسسنا بوعينا يغوص في ادراك جديد للوقت ، للحب ، للموت ، وللزمن . تملكتنا رغبة الهجر لكل ما هو حميم ويومي وعادي .
أغرتنا ملائكة الحب بحنانها . جرتنا موجات عظيمة الى نور شاهق كبياض خيل تعبُ في مرج من ذهب . تدانت خيوط النور والعتمة امامنا حتى خلنا اللحظة لن تمر. والبهاء لن يزول . أغرانا مخاض العقل واحتمال الولادة البهية.
للحكاية جدار وحيد اتكات عليه خيبات المنتظرين للنهايات السعيدة . للحكاية هوس الورد بالتفتق رغم الاجل . ولها رغبة امتداد الليل بين عاشقين . للحكاية عشاق .. ولكن .. لها ايضا .. قتلة.
قد تكون هي حكايتنا مع الابواب والنوافذ السرية . اخذتنا اللهفة فاستعجلنا. دخلنا اول الابواب متجاهلين نوافذ عدة اتساعها كالبحر .
كان بابا ينفرج على دواخلنا . يمكننا الدخول ولا يمكننا الخروج ، فقد كان ذلك درسا اخر فهمناه متأخرا.
العالم خلف أول الأبواب كان رماديا باهتا كأنه دخول أول الليل وخروج آخر النور . قليل من الوحشة مع قليل من خفقان القلب والحنين لأشياء وأوقات نحسها لكنها مجهولة . نظرنا الى بعضنا بعيون متسائلة مشدوهة . لم نستطع الكلام اختنقنا بغبار بعضنا البعض وبذكريات خلنا اننا نسيناها. خرجنا بحثا عن معنى آخر . عن أمل آخر.
صادفتنا نافذة انتبهنا لوجودها لأننا كنا بحاجة لهواء نقي . مددنا أيدينا وفتحناها سوية مغمضين عيوننا آملين في هواء عليل مع أول الشهيق. ماشعرنا به كان يشبه الحلم . نسمات ندية ورائحة زرع أفاق لتوه من وجبة مطر ثقيلة . عببنا منه ما ا ستطعنا ثم فتحنا أعيننا ، فاذا بالبراري الخضر تمتد الى أبعد من حدود البصر . كأن السماء أضحت خضراء . وددنا لو ندخل وننهل من هذا الأخضرار لكنها نافذة وليست بابا . نافذة اطلالتها بسعة الكون .
سرنا مبهورين . كعطشان وجد الماء ولم يشرب . كم هي مستترة دواخلنا بستار أسود ثقيل . كم هو محجوب داخلنا عنا . لسنا بهذا السوء ولسنا بهذه الغربة . ثمة جمال يغيب عنا كلما صرنا قريبين
منه . ثمة مايبعدنا عن حقيقتنا . أتكون هي الواجبات اليومية الثقيلة . أو تكون هى عدم الافصاح بحاجتنا للاخرين . أو هو الخوف من اقتراب الرحيل .
دخلنا أبواب عدة مختلفة الأشكال والألوان . كنا نسقط حينا في أودية الروح فنفرح ، وحينا كنا نتوه في دروب دواخلنا فيعترينا الخوف ويشل أفكارنا ويبعثر نوايانا .
لا أحد يعرف بهذه الأبواب لكننا نعرف . لا أحد يمكنه أن يقترب من هذه الأسرار لكننا نقدر . ونعرف جيدا مخابىء الروح التى تؤلمنا. ونعرف متى تستعر حاجتنا لاكتشاف المزيد من الأبواب السرية لكننا لانعترف.
رحلتنا كانت بهية . بأحزانها ومفاجآتها ومخاوفها . لو سألنا أنفسنا عن كل باب مررنا به سنجيب بانبهار . وسنقص بعض الحكايات ونزيد ونؤلف حكايات أخرى . ولكن لو يسألوننا عن النافذة الوحيدة التى استوقفتنا ، سننظر الى بعضنا البعض ونسقط في نشيج عميق وطويل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المصباح .. دروبــــــ ــ ــ ــ .doroob
/ قال الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية 18/
الرجاء الالتزام بأداب النشرفي كتابة الاستفسارات والتعليق.