أخر الأخبار >> مجلة المصباح دروب ثقافية أدبية * ثقافية * فنون تشكيلية كما نرحب بجميع المساهمات الواردة عبر البريد الإلكتروني m.droob77@gmail.com أهلا بكم أصدقائنا * مع تحيات أسرة التحرير

أحـدث المقالات

تلك الأيام التي . / الكاتب أحمد المؤذن



قصة قصيرة
أخذ يحدق في السقف الخرساني المزخرف بأناقة الجبس المذهب ، ألتفت إلى الثريا الفخمة التي تتلألأ بأضوائها البرتقالية تتناغم مع بريق الكريستالات ، هكذا تحب رؤيتها زوجة ابنه التي تحرص على أناقة أصغر وأتفه الأشياء ، واصل التحديق وكأنه في مكان آخر لا ينتمي إليه ، حيث أرضية الرخام كما الماء الرقراق والستائر المخملية الطويلة التي ..
حومة الألم أو الحسرة ، لايعرف كيف يصف الحالة التي تعصف به الآن ، يحرك رأسه التسعيني الأشيب من على الكنبة التي تحمل تعب عمره ، يكاد يختنق بهذا الجو . يشده الحنين هذه اللحظة ، لا .. لن يفتح مثل كل مرة هذه النافذة الخرقاء كي يشاهد الساحل وقد أحتضر تحت زحف الدفان وصخب الشاحنات التي تهدر ليلاً ونهاراً . قرر أن يذهب إلى

حيث عشقه الأول ، هذه المرة لن يعتمد على تسويفات ابنه ، سيتجاوز ألمه ويعتب باب الفيلا متعكزاً شيخوخته نصفها تعب ومرض وغربة تطوح به في أيام طويلة من السأم ، يقتله ببطء ، يفكر .. يا ورطة العمرالمحمل بالعناء .
أستبدل ملابسه وأخذ تلك العصا المعدنية التي يتوكأ عليها ، وتوجه إلى باب الفيلا ، لحقت به الخادمة لتذكره بموعد أخذ الدواء ، تجاهلها وفتح الباب ثم خرج إلى الشارع . لوح لسيارة أجرة بكفه المرتعشة وصعد في الحال ، سأله السائق :
- أهلا يا حجي ، وين رايح يا الطيب .
- خذني هناك .. السيف ، نعم السيف ، يرحم الله والديك .
- السيف يا حجي ، الشركة أشترته من الحكومة ، ممنوع المرور !
- لازم أشوف السيف ، لازم أشوف ..
لحظات حتى وصل إلى المكان ، رائحة البحر تقاوم تلال الرمل المرتفعة والجرافات تنهش بمخالبها الحديدية صدر الماء الأزرق المستسلم ، نزل من السيارة دون أن يدفع شيئا ! السائق يحتج ثم يرفع صوته ، يقرر أن يمكث مكانه .
وهو .. يتوكأ على عصاه فوق جثة الساحل المحاصر ، آليات كثيرة تنفث دخان الديزل الأسود ورجال غرباء يتحركون بنشاط ، يعتمرون الخوذ البلاستيكية الصفراء . تجاهل كل شيء حوله وجاء إليه ..
إنه هنا .. يلتحم بتراب البحر كما تركه في المرة الماضية ، مهجور تطل من على سطحه أشباح الرجال السمر الراقصين في وجه الخطر و المبتسمون عند معانقة الموج الأزرق وأحتضان الدانات ، كأنهن حوريات من البياض والشهوة ، يتذكر الآن ..
يتذكر كيف كانت تلك الحناجر تصدح بأغاني البحر، تنتشي رقصاً غير مبالية ، يشويها الحر و التعب ، تهاجمها أوامر( النوخذة * ) التي لا ترحم و .. نعم كان فتياً يومها ، لا أحد يسبقه إلى مكامن اللؤلؤ فيختطف تلك الدانات من فم الموج الغاضب ، لكنه في الغطسة الأخيرة ، كائن أسود غريب عضه في ساقه !
يتذكر كيف تحول إلى سعفة مصفرة في وجه الهجير ، هاجمته الحمى ، تراءت له أشباح في مخيلته وأخذ يهذي ويهذي .. أنطلقت حنجرته بالصراخ وهو مكبل بأذرع الرجال وقد غاص السيخ المحمي في لحمه ، يومها شم رائحة جلده وهو يشوى !
الآن .. ينقلب المشهد ، ماذا تفعل أخشاب هذا التعيس وقد توقف هنا لينتحر ؟! كتلة من الخشب المهتريء ، هيا قم وغادر الشاطىء ، مكانك هناك وسط الموج .. ساكن مكانه كالجثة ، كل ماتبقى من تلك الأيام التي لن تعود . فجأة يسمع هدير الجرافة ، تقترب ببدنها الحديدي الضخم من جثة ( البانوش* ) ، السائق يطلق تحذيره ، لكنه لايبتعد عن المكان . أخذ يرميه بالحصى ، هكذا فقط لا يدري وقد أختبأ خلفه البحر والبانوش وفلول الذكريات ، يدافع عن رمقها الأخير قبل أن تحاصرها سطوة الجشع و الرمل والخرسانة التي تبتلع الزمن الذي كان !
• النوخذه .. هو صاحب المركب والآمر الناهي ، تعود إليه ثروة اللؤلؤ الذي يتم اصطياده خلال رحلة الغوص .
• البانوش .. نوع من السفن الشراعية الضخمة التي استعملت لرحلات الغوص و النشاط التجاري في الخليج العربي .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
  الكاتب أحمد المؤذن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المصباح .. دروبــــــ ــ ــ ــ .doroob
/ قال الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية 18/
الرجاء الالتزام بأداب النشرفي كتابة الاستفسارات والتعليق.

دروب أدبية

دروب المبدعين

دروب ثقافية