كتبتها ذات نهار على حائط صفحتي في "الفيسبوك": إذا ما أردت معرفة مدى إحساسك؟ قسْه بمدى إحساسك بالآخرين.. بمدى أن تحدس وقوع الدمعة الرقراقة من عين الرحمة على منظر بؤس أو مشهد شقاء، بعمق أن تستشعر بأن الحب الناجم عن الإحساس بالآخر هو التعويض العادل عن كل بشاعات العالم.
ثمة بشر يختارون المبهج من تلاوين الحياة، ويتحركون وفق قياس الخسائر لا وفق اتجاهات بوصلة القيّم الإنسانية و المبادئ، يقرون بقرب الإنسانية لأرواحهم المعجونة بالشعور
والتصاقها بالعروق الآدمية ولا ينكرون بأن الإنسان خلق بذهن يلوك فيه الأفكار وبقلب تمر فيه ذات الأفكار فقد يبكي لفرط حسه آلام من لا يعرفه وإنْ كان شخصية خيالية في رواية أدبية أو بطل حادثة تاريخية أو أسطورة، ولكنهم يفضلون أن يكون هذا النوع من التفكير إلى جانب الترف وأن تكون هذه الفضيلة النفيسة موصدة في جوهر الروح، بل محشورة في ذهن موصد بدلا من أن تكون ملكّة تصدر اهتزازا للحياة.
أن تذهب وتحاول منع هدم جدران منزل يعمد أرواح أسرة فقيرة، أن يصبح أعلى قائمة خياراتك أن تساعد إنساناً على وجه الأرضية بدلا من أن تشرب فنجان اكسبرسو في مقهى تحبه أو تذهب للسينما برفقة أصدقائك وتمضي وقتا طويلا في السوق لتختار ثيابا تليق بخطوط الموضة الدارجة.. أن تحتل خارطة ضميرك قضية إنسانية ولا تكترث بمن يقلق مضجعها في فكرك ويتهمك بالخيانة وينعتك بالسذاجة كونك لم تقرأ معطيات العواقب الوخيمة التي قد تقفل حياتك للأبد وترسم حدود قبرها وأنت تتعاطف مع قضية دولية.
لم تكن هذه الأفكار مجرد أفكار مطروحة تلفها لحظات زمنية ولا تذكر في روزنامة التاريخ، بل كانت الأجندة التي كتبتها فتاة أمريكية عشرينية رفضت أن تكون أيامها توائم متشابهة من رحم العمر ترغد بالحياة وتشخصن رغباتها. راشيل كوري فتاة ذات أربعة وعشرين ربيعاَ انضمت إلى حركة التضامن الدولية وسافرت فلسطين لتصنع من جسدها الصغير درعا بشرياَ يحمي العرب ويختصر عذابات أسرة فلسطينية واحدة على الأقل، في ظل مؤشرات تؤكد انهزامها أمام قوى عالمية عظمى لا تأبه بروح شابة رفضت أن تتعقلن لقرارات دولية وتنتمي لدبق الجوامد.
كوري الشابة اليافعة لم تمجد الموت، وكتبت في صفحة من مذكراتها ذات يوم وهي تحمي منزل من الهدم:" حلمت بأني أسقط، أسقط إلى التشبث بقوة وكلما تحطم موطأ قدم أو جزء في الصخرة، مددتً يدي وأنا أهوي وأمسكت، لكني واصلت .... لا يمكن أن أموت". الموت عند راشيل هو في الخنوع والاستسلام وتجاهل صوت الضمير الإنساني، بيْد أنها وضعت مبادئها أمام حياتها وإن كانت قد تنازلت عن التقاط أنفاسها للأبد في السادس عشر من مارس 2003.
بتول حميد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المصباح .. دروبــــــ ــ ــ ــ .doroob
/ قال الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية 18/
الرجاء الالتزام بأداب النشرفي كتابة الاستفسارات والتعليق.