أمل جمعة
(فلسطين)
(فلسطين)
-1-
كنت
أراه هنا يَتلفعُ بسوادٍ دائم، صامتاً يبدو لي وبلا عمل، وأكاد أن أصفه
حزينا بعض الشيء ولكنليلا، الأولى عنه كاذبة فهو يقهقه بجنونٍ حارق وهو يرد
مكالمات لا تنقطع من هاتفه النقال، لكنه ينسحب فجأة وجيب معطفه يخفي جهازه
الصغير إلى مندهش كامل يقف أمام ذاكرتي المغلقة تماما، يدور حول حديقتي
ببساطة تدُله الأشجار على عطشها وبسرعة تسحبه المخيلة إلى نوافذي المغلقة
هيا أيها المجنون أطلق خطوة نحوي ادفع الباب الصدئ سينفتح بعد صرير طويل هو
أكثر رخاوة من رماد ساخن .ينسحب بعد جولة أو اثنتين يحدق طويلا بالنوافذ أثلاثين عاماعينيه نشوة ما كأنه يواعد نفسه بالعودة ليلا، لا ضير يا صديقي فانا لم ارحل بعد لدي عمل كثير .
آه ‘ سأصفه لكم لست متيقنة حقا من لون بشرته فانا أراه دوما من خلف الظلال ولكن ظله الممتد في باحة حديقتي متطاول وضخم ويتحرك بنزق واضح ويلقي ببعض أللفتات لسائقي السيارات تبدو لي متعجرفة أحيانا لكنها بعيدة عن نظرة لص، اهو زائر قديم انتظر حبيبة هنا يوما ما، أو ربما_وما اقس خيالي_ جنين احد الأََسرة الكثيرة لم يعد له من ذاكرة الأب إلا مكان اعترفت به أمه بعد طول مماطلة، هربت والرجل الذي أحبت من أطراف المدينة وهنا في الدور الثالث في الغرفة السادسة خبأت خوفها وشهواتها في عرق جسد لفظ أخر قطراته ورحل، وربما يبحث عن بيت للإيجار،لكن هذا فندق،لا يبدو منظره مستثمرا يريد شراء البيت،يحلو أن أتخيله باحث عن ذكريات وحكايات تعال لدي الكثير، أتكون ابن الأرملة الجميلة والتي كانت تختطف مني قلوب زوار الفندق، فانا يا صغيري لم أتقن طوال عمري إلى الذوبان في قصص حب تذهب للنهاية،أيها الأسود المتطاول ربما تكون طفل الليلة المسروقة تلك.
أعود وقد رحل اشرب قهوتي واسمع رجالا في الخارج يحركون سياراتهم برجولة فاضحة
مليئة بثقة زجاجية مثل رواد عبروا إلى هنا قبل ثلاثين عاما،حليقو الوجوه بسوالف مهندمة وسيقان رائعةزاهية الألوان كانوا يأتون بصخب تذبل عيونهم على المنعطفات
بانتظار حبيبات يعشقن جمع الأزهار، ويصقلن أقدامهن كالزجاج النساء في زمني الجميل امتلكن سيقان رائعة، أتعلم لقد رفضت الكثير ممن تقدموا لي بانتظاره هو، لماذا احكي
لك أيها الأسود ؟؟ كنت مثل الجميع مثقلة بالأحلالجهاز،ا حينها، وتماما مثل هذا الفندق الصغير اعشق النزلاء واحدا تلو الأخر، بلا كلل كنت استعد للحب الجديد، ليس أفضل من فندق لتجد حبيبا كل يوم، وراق لي دوماً تفقد الغرف بعد مغادرة النزلاء،ابحث عن رسائل تركت صور تحت المخدات خربشات على الحائط، لدي من لكنوز الكثير،غدا سأدعوه لتناول القهوة .
-2-
كانت تدخن بلا انقطاع، وتصمت كثيرا، تأتي بحركات صبيانية غريبة ترقص قليلا في باحة منزلها رقصة قصيرة لا تتجاوز بضع ثواني، تتعلق أحيانا بحبل الغسيل وتجعله أرجوحه، تنشر قطع غسيل تبدو لي زاهية الألوان من شرفتي، صرت اعرف مواعيدها، لكن ما أن ارتب أجندتها حتى تغير جميع الخطط،تمضي الوقت وحيدة صباحا وتنشغل مساء في سقي حديقتها وكثيرا ما تغيب، لست أعي متى رأيتها للمرة الأولى،ربما كنت منشغلا في شرفتي أشذب بعض الزهور عندما عبرت في الشارع الفاصل بيننا،كانت على وشك أن تدخل بيتها عندما رن هاتفها النقال، أخذت تبحث عنه دون جدوى أفرغت محتويات حقيبتها على الأرض والتقطت الهاتف الذي سكت للتو كما يبدو،
ضحكت في سري كلهن يحملن هذا الجهاز،
التقطت أغراضها الكترتيب، الأرض ودستها في حقيبتها بغير ترتيب، مشهد لا يسترعي الكثير من الانتباه ولكنه أثار فضولا داخلي نحو المرأة في مقتبل العمر، ما شدني إليها
كان امرأ آخر رجل بالأسود يزورها كل مساء، وبغير تخطيط أدمنت مراقبتها، تهيأ لي قصة حب جميلة تدور أسفل شرفتي، يضحك هو بنشوة، دائما يجلسان في ذات المقاعد الخشبية في نفس المكان في الحديقة ويتحدثان بلا انقطاع، بشكل خاص كان يشدني هذا الحديث البعيد ولا اسمع إلا صدى ضحكات عندما يغادر وينفلت الاثنان بضحكة واحدة أحيانا، يلوح لها في نهاية الشارع أراك غدا، أراقبها بعد رحيله تنظر خلفه قليلا وتجلس وحيدة صامتة لبعض الوقت، قليلا ما رفعت عيناها نحو شرفتي . ونادرا ما اقتربت من شرفتي، هذا المساء لي رغبة بشرب القهوة سأترك برج مراقبتي،لي رغبة برؤيتها تلك المرأة وربما الليلة سأقول لها لماذا تركت الصورة أسفل المخدة،كم تبدو بعض الأسرار سخيفة إذا تفككت، المرأة في مقتبل العمر تمر مثل طيف خلف ستائرها المسدلة،وأنا سأخرج عن صمتي، لا تصدقوا بتاتا إنني في الستين من العمر، فقط هم اختطفوا مني لون شعري الأسود، لا قصة مثيرة لي فقط عدت بعد ثلاثين عاما ربما ولدت هذا الصبية يوم ما غادرت، تلك المفارقة،سأسألها فقط عن تاريخ ميلادها،ستمر صباحا من أمام قهوتي الصباحية ككل الأيام،كلما اقتربت أتذكر أن الصيف والشتاء بيننا،فأحِملُ سؤالي للمطر،
وأتذكر إنني تركت عمدا صورةً لشاب غزير الشعر في أحد الفنادق، تسحب الفتاة ستائرها وتنظر للسماء .
-3-
صمت قاتل يغلف المكان، يحمل بعض الخوف، والأشجار مشغولة تماما بإلقاء
أرديتها بلا اكتراث تنفض عنها الورق الأصفر تماما كما تنفض سيدة طحينا علق
بثوبها، وتسرع لتحريك المربى الذي يفور فوق موقدها، تبدو لها السماء غريبة
هذا المساء كمن يكظم سرا طال ستره وضاق به، تتفقد المكان بعيون أم تودع
شابا على وشك السفر وتراه يبتعد بهمة إلى مجهول ساحر، تدور في مكانها عدة
دورات وتصاب بما يشبه الدوار تتقافز من أمامها صور شتى وتعبر غيمة هازئة،
أيلول عاد الخريف .على غير العادة تختار طريقا طويلة إلى مكان عملها، ثمة مصادفات تخبأ لها في أيلول، تسمع حفيف الشجر وسقوط ورقة جافة، رجل مسن يجلس أسفل شعره الأبيض يشرب القهوة في مكان عام تنظر إليه فيبتسم، ترتبك من سلامه الكامل وصباحه المبكر، لديها فضول لتسأل : كم من العمر مضى ؟؟ يبدو لها الأمر سخيفا، يلوح لها بيده مطمئنا فتمضي دون أسئلة .
في الطريق تدخل بابها،جأة وتطلب أقلاما ودفاتر كعادتها كلما قدم أيلول، يسألها البائع القادم حديثا، دفاتر جامعية ويعرض عليها مجموعة فاخرة، تهز رأسها دفتر بغلاف اسود جلدي وأقلام حبر سائلة، تتذكر أكواما من الدفاتر بغلاف جلدي اسود تحتل مكتبتها منذ أعوام ودائما تمتلئ بغير قصدها، وعشرات الأجندات الفاخرة فارغة من المواعيد، بقدر ما تستهوليها بقدر ما تهملها بعد أيام من شرائها، تجد كل الأشهر الممتدة من شباط وحتى أيار فارغة دوما، تستعيد أوراقها حيويتها في حزيران ولكن تشتد حاجتها في أيلول فقط لأقلام سوداء تحمل أغراضها وتعود للبيت تتفقد الشرفة قبالتها منذ أيام وستائرها مسدلة رغم أن الزهر يانع ومشرق.
فيضحك ولكنطرق بابها،انقطعت زيارته المسائية منذ أشهر،تجد يدها تمر على شعرها بخصلاته البيضاء والرجل الستيني يعبر، تسأله مبتسمة لا زلت أنيقا رغم المساء وشعري الأبيض ؟ يضحك ولكن حديقتك شابة في العشرين مشيرا إلى التنظيف الهائل وابالأسود،يقة الكبيرة، هي على موعد الشتاء يا عزيزي ألا تتجمل ؟ يجلسان هناك على المقعد الخشبي يقول اجلسي قبالتي أود أن أراك تماما ؟ يفكر هل عادت للبيت الآن المرأة في مقتبل العمر هل جاء الرجل بالأسود، تفكر لماذا لم يتسكع حول بيتها هذا المساء ترى كيف ستدعوه لشرب القهوة ولديها زائر، لا ضير ربما يأتي غدا
في الطريق كان شابا مليئا بالهواجس والإحزان يعبر أيلول منتشيا بقدوم الشتاء يفرك يديه كمن ينتظر وعدا ويغرق بالسواد يقول في نفسه منذ أيام لم اذهب للفندق المهجور، سأقتحمه ذات ليلة، في دفترها كتبت أما الليلة فسأتذكره على مهل وسأكتب قصتنا أخيرا، طرقات على الباب تخفي دفترها الأسود تحت الوسادة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المصباح .. دروبــــــ ــ ــ ــ .doroob
/ قال الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية 18/
الرجاء الالتزام بأداب النشرفي كتابة الاستفسارات والتعليق.