يسرى مقدم
ولئن كانت طبيعة الموضوع الذي تطرحه روايته الجديدة "معبد ينجح في بغداد"، هي ما قد يسوغ به رشيد استخدامه للغة الراسخة الوعرة عينها – استعان على إفهام بعض معانيها ومفرداتها بالمعاجم (معجم البلدان وسواه...). بذريعة مناسبة الخبر للغة اخباره،
فلنا ما يسوّغ سؤالنا له عما حمله على استنباش التراث ومقاربة تاريخ حافل بأمجاد اللغة الموروثة، هذه التي يلح على عتقها من أسر ماضيها.
فهل في الرواية التي لا تُعنى كثيراً بالأسئلة، ما يفتح كوّة ننفذ منها الى ما تقتنع به الرواية ويقنعنا؟
في مستهلها، تنهض الرواية على الشعر وتجعله باباً لكل الأغراض وعتبة لأصوات الغناء. وانطلاقاً من سيرة الأب (رباح) تؤرشف لحكاية الابن (معبد). ورباح مولى عبد، أتاه شيطان الشعر وهو في سن الشباب، ووشوش له بالقصيد العظيم ارتجاه سبيلاً يعتقه ويعلي مقامه. "كيف لا والشعر أمر عظيم، فيه يستسقى، ويعلو الشرف، وتفك الرقاب، ويرد الأعداء". يحلم رباح بمجد في بغداد لكنه لا يصلها فيقصر أحلامه على مصر ويكتفي بما حققته له أعطيات أمرائها، مكنته من مبتغاة ويسرت له الزواج من جارية بيضاء أولدت له صبياً أبيض البشرة سماه معبد. وتشاء الرواية ان تسحر شياطين الغناء الصبي اليافع، تجيئه في النوم فيحكي أصواتها لمّا يفيق "ولا يصدّق ما يجري له"، ثم حين يزداد إلحاح الأصوات يعالن أباه بسرها فيستعظم الأمر وينكره عليه ويعزم على تزويجه عله ينصرف إلى ما هو أكفل للعيش من التبذل في المغنى. إلى أن تقيض له الصدفة لقاءً بالمغنية خليدة المكية "تعده بإيصاله الى أبعد مما يمكن أن يتصور". فيعلمها أصواتاً تغني منها لحناً يذهب بعقل سيدها الجديد خزيمة بن خازم، أحد كبار المتنفذين في بلاط الخلافة.
يتقن رشيد حبك الخيوط السردية بتلميحات استباقية تؤسس لنهوض الحدث وترهص بتناميه، فتموت خليدة لتبدأ رحلة معبد إلى بغداد بعدما بلغته رغبة خزيمة في لقائه. وفي مدينة الحلم يتوالى السرد ممهداً للقاء عابر يتم بين معبد والجارية (شارية) المتخفية بثياب الغلمان، تهبه بكارتها قبل ان تغيب وتنقطع أخبارها، ثم للقائه بأبي زكاء المغني المتعصّب للمأمون، وصولاً الى دخوله قصر الخلافة وغنائه في حضرة الخليفة الأمين. بين هذا وذاك يستحضر السرد ما يضيء سيرة الرشيد وزبيدة والعباسة ونكبة البرامكة وأخبار مشاهير المغنين والجواري. ويعرّج أحياناً على أخبار بعض القبائل العربية القديمة وصراعاتها، في تسجيلية مستقاة من بطون الكتب التراثية، يستثمرها الضعيف ببراعة فيعيد تشكيلها بما يخدم منطق الرواية وهي تتكئ، في ما تسرده عن زمن معبد، على خلفية الصراع الخفي ثم المعلن حول الخلافة بين الشقيقين العدوين: الأمين والمأمون. تتفاقم الأحداث ويشتد حصار المأمون على بغداد وينتهي بهرب الأمين ثم مقتله، ما يفجع معبد ويوقعه في الخوف من الملاحقة والقصاص فيهرب إلى البصرة بوحي من عناية لا يعرف مصدرها تدفعه للياذ بحمى امرأة يجهل هويتها تستضيفه عاماً كاملاً قبل ان تُسهل له لقاء جزيمة الذي يكرمه ويخبره بوفاة خليدة ووفائها له. ثم حين يصارح معبد المرأة برغبته في الرحيل الى بغدد تكشف له عن سرها. فهي أم شارية الجارية المتخفية بثياب غلام، حبلت منه يوم واقعها وأنجبت له صبياً يحمل اسمه. هكذا ينزاح السرد ليضيء حكاية الأم وابنتها في شهرزادية لافتة مبثوثة في أكثر من مكان، هذا قبل ان يتحول سياقه إلى ما يبشر معبداً بدخول جنة المأمون الذي استتب له عرش الخلافة في بغداد. لكن الأقدار تعاكسه فلا يغني معبد في البلاط، اذ تموت مناصرته علية بنت المهدي، عمّة المأمون، ولا تسعفه مؤازرة صديقه أبي زكار، بل تُثار قضيته مع الجارية شارية ليلام بأمر من الخليفة ويعذب في حفرة كالقبر فتضيق الدنيا في وجهه. ثم يطلق سراحه فيقصد خزيمة الذي يطمئنه ويمهله إلى ان تسنح له الفرصة ويسمح المأمون باستقباله فيغني معبد في حضرته كما لم يفعل من قبل ويحمل الخليفة المسحور طرباً على الرقص برجل واحد.
على هذا النحو ينجح معبد في بغداد، ينال فيها أخيراً مباركة الخليفة واعجابه، فترد له شارية وابنها، ويحظى بما ابتغاه من مجد ومال وشهرة ويسعى للمزيد...
بين الفن والتاريخ
في ما أقرأنا إياه التاريخ، قبل ان يصير علماً مستقلاً بذاته ثم ما بعد ذلك، عن شخصيات ملفقة أو حقيقية قد يكون لمعبد بن رباح، في بعض الوجوه، شبيه أو قرين، وقد لا يكون له نظير إلا في رواية الضعيف، من دون ان يعني ذلك ان الكتابة الروائية إما وهم خالص، وإما واقع صرف. فالذاكرة الروائية مزيج يولّف بين الاثنين لينتج ذاكرة خاصة أو تاريخاً خاصاً يقول فيه فيصل دراج "انه ذاكرة المقموعين" فيما يجعل منه نبيل سليمان "تاريخاً حديثاً للبشر يعتني بدقائق حياة المهمشين ودخائلهم"، يعدهم، في ما ينتجه ويراكمه ويحيد فيه عن الثبات والجمود، باحتمالات واقع متغير، متطور ومتجدد. في هذا الباب ينتمي معبد بن رباح هذا، الى عالم روائي يسرد ابداع المهمشين، مرموزاً إليه بوحي شياطينهم، لا ينصفون ولا يتكرس نجاحهم إلا بمباركة السلطان، في زمن يبعد كثيراً لكنه لا يختلف عن الحاضر في شرطي المراعاة أو الإنكار. ومن هذا الباب أيضاً يحذر رشيد الضعيف القارئ، قبل الشروع في قراءة الرواية، من الوقوع في فخ الالتباس بين شخصية بطله المتخيل "معبد بن رباح الذي تسوق الرواية أخباره" والشخصية الحقيقية "لمعبد بن وهب، نابغة الغناء العربي في عصر الدولة الأموية" وينبه إلى "ان كل شبه بين الاثنين هو من قبيل الصدفة البحت".
وعلى هذا تحديداً، يقيم رشيد الفارق بين التاريخ الموضوعي والتعامل التخييلي مع هذا التاريخ، يعاد في فن الرواية بناؤه وتشكيله داخل النص استناداً إلى القوانين أو المعايبر الفنية للكتابة الروائية التي تتكفل بإنتاج خطابها الخاص، وهو ينأى عن تبعيته للخطاب التاريخي، ينزاح عنه وينعتق من رقابته. فالرواية التي تتوكأ على التاريخ فتقارب مادته أو أحداثه أو علاقاته الاجتماعية، إنما تمس منه على ما يُفترض جانباً جزئياً فقط تستثمره لتوفر لشخصياتها وضعاً وجودياً كاشفاً يمكّن هذه الشخصيات من استيفاء شرط كينونة محتملة وممكنة التحقق في الخيال كما في الواقع، والا لتحولت الرواية إلى تاريخ منسوخ وفقدت ما يسوغ كتابتها.
ولا نجادل في ان رشيد لم ينهل من منابع "الأغاني" للأصفهاني، أو من معين "المروج" للمسعودي بغية المعرفة التاريخية وتقصي حقائقها لتعيين رؤية موضوعية قد لا تتحقق حتى لمتخصص في علم التاريخ، فما بالك بالروائي! كما لم يتوخ بالتأكيد ترميز الحاضر في عملية إسقاط تخضع هذا الحاضر للنقد وللنقض بغية تسفيهه أو تغييره. وان كان قد فعل، فذلك لم يكن على الأرجح، دافعه الأول إلى كتابة الرواية، ولا شكل له هاجساً واعياً ومقصوداً بذاته. هذا علماً أن الكثير من كتّاب الرواية تورطوا في مثل هذا الهاجس، من دون ان يبلغوا من خوضهم فيه "مطمحاً جليلاً سوى مساس جزئي بالمشكلات المطروحة"، بحسب ما يقول عبدالرحمن منيف. إلى ذلك لم يكن ارتحال رشيد إلى رحاب العصر العباسي في زمن الأمين والمأمون، واستلهام عوالم الشعر والغناء والاجتماع آنذاك، بدافع التوثيق لهذه العوالم في نسيج روائي يسائل الحقائق المثبتة حولها في كتب التراث، بل على النقيض من ذلك، فالروائي العليم، المحيط بكل شيء في الرواية، يخرج أحياناً بملاحظات هامشية يتجاوز فيها زمن النص الداخلي إلى ما بعده بمئات السنين. كأن يشير مثلاً إلى ما تذكره معبد عن قول يشبه إلى حدّ بعيد عبارة كتبت بعد ذلك التاريخ بألف سنة "تجد دائماً بين الأشياء حبّة حنطة"، أو أن ينسب (باعتباره حكماً ومرجعية) بناء بيت المتنبي الذي قاله في هجاء كافور، إلى شطر بيت شعر قديم لشاعر مجهول، واذ يسرد أحداثاً واقعية بعينها، ويورد أبياتاً شعرية ثابتة لشعراء مخلّدين، من دون أن يؤكد أو ينقض هذه أو تلك ببرهان أو دليل، إنما يفعل ليولّف، أولاً، بين التاريخي والتخييلي بمعنى تضمين المادة التاريخية المسجلة وترشيدها بهدف أداء وظيفة أدبية تشتغل على إيقاع زمن خاص بالرواية، على مساحته يؤدي المتخيل والمفترض والواقعي من جهة، والسجل التاريخي من جهة أخرى دوراً مشتركاً لتشكيل عوالم النص وفضاءاته. ثم ليعود ثانياً، فيعيث خراباً متعمداً في سجلات العوالم التي يسرد عنها، تتداخل فيها الأحداث والأزمنة حد التعارض والالتباس أحياناً بما يشبه العبث، تبعث إليه ربما، الرغبة في إعادة ترتيب الأشياء وفق مشيئة روائية تسلم قيادها لمخيّلة تتشهى اللهو الخالص، تستجلب عبره لذة السرد العابث المتفلت من رقابة المدونين. ولنا على ما يثبت هذا، ما تشير إليه الرواية، تمثيلاً لا حصراً، من مفارقة كاشفة بين رواية رباح (الأب) يحدق كيف شهد بعينه وفاة قيس بن الملوّح مع ما رافقها من ندب وبكاء وتفجع. ورواية معبد (الابن) الذي عاين بنفسه خلال رحلته الموعودة إلى بغداد، حادثة وفاة الشاعر العامري المجنون مرفقة بالتفاصيل الحرفية نفسها، في زمن لاحق ومتأخر عن زمن الأب بنحو نصف قرن، تلك المفارقة لا ينقضها أو يسقط عنها حدثيتها ما علق به أحد رجال بني عامر اذ قال: "رجلان ما عرفا في الدنيا وما وجدا قط إلا بالاسم، وهما مجنون بني عامر وابن القريه... فقد وضعهما الرواة واخترعوهما"". بذا تتوازى ذاكرة الرواة في ميلها إلى التلفيق مع ذاكرة الرواية، تلفق، ان جاز التعبير، ما شاءت من الأحداث والشخصيات لينشأ التباس مزدوج. ولئن أشار ما يخص منه شخصية المجنون إلى ما أحيط بها من تشكيك وغموض، يبقى الآخر تمثيلاً على انسياق الرواية إلى اللعب والعبث مرة بالأزمنة وأخرى بالسجلات الموثقة تاريخياً، فيعاصر مشاهير الشعراء الأموات والأحياء منهم ويعيش ابن المقفع والجاحظ وأبي نؤاس في زمن واحد. كذلك يردد الشعراء السابقون أبيات الشعراء المتأخرين في خلط تتداخل فيه العصور والشخصيات حتى لتضيع الفوارق بين الحقيقة والخيال. في ضوء هذا نرتاب في ان الحقيقة هي ما تهجس به رواية رشيد، بل هو شيء آخر يقرب ما وصفه جرجي زيدان بـ"الفكاهة" وسماه جمال الغيطاني المتعة، وبين الحقيقة والمتعة على ما نظن حدّ، هو نظير ما بين التاريخ والفن. فهل هي المتعة الصرف ما حرّض حقاً على كتابة الرواية، أم ان رغبة في الكشف تخالطها لتسد نقصاً يقصّر فيه التاريخ اذ يغفل أحداثاً تتعلق بالإنسان في حياته اليومية البسيطة فيتولى الفن تعويض هذه الغفلة في ما يرويه عن حياة المهمّشين؟
سؤال نبقيه عالقاً لمن تهمه قراءة التاريخ بعين الكتابة الروائية وتأويلاتها.
المصدر
الحياة 2005/02/28
***
بالغناء وحده نجح معبد في بغداد المتقاتلة
محمود الريماوي
بطل الرواية ينتمي إلى زمن الخلافة العباسية، حيث ازدهرت حينذاك فنون الشعر والغناء والتلحين وحياة اللهو في قصور الخلفاء، إلى جانب الصراعات بين هؤلاء، والقسوة المفرطة إلى حد الوحشية بحق المعارضين. ومعبد البطل ليس له من غاية أو رجاء سوى أن ينقطع إلى التلحين، وأن يصل إلى قصر الأمين ثم المأمون، حيث يتم هناك "تطويب" موهبته، وينال حظه من العطايا. وهو لم يختر التلحين بمحض إرادته، ولا تم قسره في الوقت ذاته عليه. كل ما في الأمر أن الأصوات المنغمة، كانت تأتيه في الليل وأحياناً في النهار يسمعها بوضوح، بغير ما يصادفه النائم من أحلام. ولا شك أن إدراك مصدر الإلهام هذا يمثل مشكلة للقارئ، فكيف للنائم أن يسمع أصواتاً فيما هو يخلد إلى النوم، إن لم تكن هذه من محمولات الأحلام والمنامات؟
غير أن المؤلف رشيد الضعيف، يميز تلك المسموعات عن مشمولات الأحلام، بقدرة أصحابها على تذكر ما يسمعون بوضوح تام ودون عناء يذكر، خلافاً للأحلام التي تتبدد عادة، ما أن يستقيظ النائم باستثناء القليل منها. أياً يكن الأمر ، فثمة باعث جواني أو علوي، يدفع صاحبه دفعاً إلى الانغماس في التلحين وغناء ما يلحنه. وهذه الأعطية الكبرى توجه حياته وتحسم خياراته لسلوك هذا الدرب، ويصطدم أول ما يصطدم برفض أبيه، فالغناء محظور على العبد كما هو حال معبد، وعلى الرجال "كان والده يفهم أن تغني جارية، لكن أن يغني رجل.. إن في ذلك إمعاناً في العبودية".
غير أن عزم معبد على ما لا خيار له فيه، يحرره في النهاية من العبودية، ويمتعه بالحظوة لدى بلاط الأمين والمأمون، بعد سلسلة من المصاعب والحظوظ العاثرة، يتمكن من مواجهتها بفضل أشخاص يدركون مدى تميز موهبته.
بين ما تنجح به الرواية، أنها تنقل قارئها إلى بغداد أخرى، على طرف نقيض مع بغداد اليوم، بعد أن يتم إيهام القارئ عبر العنوان، بأن الرواية تخاطب اهتماماته عن بغداد شاغلة الناس هذه الأيام.
ويستعين رشيد الضعيف إلى حد كبير، بأخبار تاريخية عن حاضرة العباسيين، كما هو دأب أمين معلوف في رواياته، حيث المشهد التاريخي هو الخلفية والأرضية معاً للأحداث. مع اختيار زاوية معينا بعينها و"اختلاق" شخصية إلى جانب الشخوص الذين يحمل التاريخ أخبارهم.
أجل بغداد أخرى، رغم ما تحفل به الرواية من مشاهد ووقائع العبودية وعن الصراع المرير بين الخليفة الأمين والمأمون، وانحياز بقية سلالة هارون الرشيد لهذا وذاك، والحروب التي تقع والرؤوس التي تقطع. بمن فيها رأس الأمين، الذي فشل في العثور على مطرح للصلح، ليس بسبب تعنت أخيه المأمون، بل بسبب طموحات القائد العسكري المأموني أكثر من المأمون، على غرار الملكي الأكثر من الملك. ويكاد معبد الموسيقي المغني أن يذهب ضحية الصراع على السلطة بين الشقيقين. ذلك أنه بعد أن نال حظوة لدى الأمين، بات، بسبب ذلك، محل شبهة لدى المأمون، وهو الذي لا غاية له سوى الاعتراف بموهبته ومنحه فرصة للغناء في مجلس الخليفة، ومخالطة أجواء اللهو والأنس، وقد سبق له أن نال حظاً من ذلك في مجلس الخليفة الأمين وفي مجتمع الجواري والغلمان.
وبالفعل فإنه يتعرض لقدر من التنكيل قبل أن يتوسط له الوسطاء، ويبرهنوا على سلامة مقاصده ونواياه، والتي لا تتعدى الإنشاد في مجالس الخلفاء، وحيث لا اعتراف بمغنّ أو منشد أو ملحن في الديار كلها، إن لم يبدأ هذا الاعتراف من قصر الخليفة. ليس بسبب سطوة الخليفة بل لأنه، ومع وزيره وناصحه، يتخيرون بالفعل الأكثر فرادة وتميزاً. أي أن الاحتكام يتم إلى المعايير الفنية حقاً. وعلى هذا النحو فإن معبد ينجح في بغداد، كما ينبئ بذلك العنوان التقريري للرواية التي تواكب الاهتمام الطاغي ببغداد، عن طريق استحضار أوراق من تاريخها. فعاصمة العنف هي ذاتها عاصمة الفنون، ويقترن الانفتاح على الآخرين والتحرر "الاجتماعي"، بشيوع نظام العبودية، وحاجة العبيد لشراء حريتهم من حر أموالهم.
وتحفل الرواية بطبقات ومستويات من الأحداث التاريخية والفردية، وقد يأخذ القارئ على المؤلف، اندفاعه في بعض المواضع لرواية حوادث طويلة، يبهت معها متن الرواية المتعلق بمعبد. ذلك الذي يأتيه الاهتمام من هرة سوداء وأخرى بيضاء، وأحياناً من شجرة ناطقة. وهذا هو السحر الذي ينبعث من هذه الشخصية المأسورة بالإبداع، والتي لا تصادف حريتها إلا عبر الأسر والارتهان له، دون أن يكون صاحبها شخصاً أثيرياً أو مترهبناً، إذ أنه يسير في طريق الملذات الحسية الأخرى. ومن أسف أن تاريخ العراق من بعد، قد غلب عليه جانب واحد من العنف، وهو عنف السلطة المادي العاري والعسكري، على حساب عنفوان الفنون وعنف الحواس، الذي تشهد عليه قصة معبد بن رباح، عبر هذا الأثر الفريد لمؤلفه رشيد الضعيف.
المصدر
المستقبل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المصباح .. دروبــــــ ــ ــ ــ .doroob
/ قال الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية 18/
الرجاء الالتزام بأداب النشرفي كتابة الاستفسارات والتعليق.