أخر الأخبار >> مجلة المصباح دروب ثقافية أدبية * ثقافية * فنون تشكيلية كما نرحب بجميع المساهمات الواردة عبر البريد الإلكتروني m.droob77@gmail.com أهلا بكم أصدقائنا * مع تحيات أسرة التحرير

أحـدث المقالات

نجوم الغانم: في يدها بوصلة سوداء لتتبع الليل المميت

يوسف أبو لوز
(الأردن)
موقع حسين توك تقع جزيرة الشاعرة الإماراتية نجوم الغانم في قارة الليل، أو في قارة النهار، إذ هما وجهان للقصيدة التي تكتبها على مهل..ومن دون استعجال، وكأنها حائكة خيط الحرير على نول من العاج، لا نول من الخشب، وإذ هي في نولي الحياة..مشغولة أبداً بهذا الدأب والصمت على (الحياكة-الكتابة)، فإنها تتخذ بوصلة، ونجماً كنجم سهيل، وتتخذ من ضمن ما تتخذ، طاولة أو ركناً أو زاوية..لا لتكون صوفية إلا بحدود، ولا لتكون صامتة إلا بحدود أيضا.
تسبقها ابتسامتها وهدأتها..
هي الذاهبة إلى (مساء الجنة) وإلى (ملكوت الطاولة)، لكأنها تبتسم للشعر، أو تبتسم عليه بكل وضوحها الخفور، وبكل استرخائها في قصيدتها، كما لو تسترخي في سريرها..(سرير الكتابة) لا وشم الكتابة.
لم تتخذ اسماً مستعاراً، ولم تسدل ستاراً على خشبة مسرحها..وذهبت كالينابيع إلى جمرة الماء.
نجوم الغانم طفلة شاحبة مصنوعة من الرمل (الدبوي) البحري الصافي صفاء الشمس في نهارها، وصفاء القمر في ليله.
يتخيلها الناقد الأكاديمي، والآخر الأيديولوجي، والثالث الطبقي (امرأة شعر) قادمة من أرض الخليج بكل بذخ دهن العود، وحرير الثوب، ورنين الأساور..فيما هي في خيال الشاعر ليست سوى ضحكة بيضاء في أول الليل. ولذا هي مقروءة باقتراب نقدي أكثر من جانب أولئك الذين سكنوا الشعر وأقاموا فيه إقامة دائمة..لا بل أعطاهم الشعر الجنسية والهوية وجواز السفر.
لا تدّعي أنها شهيدة، ولا تقول كلاماً كبيراً مفخخاً كمثل ما فخخت عليه القصائد العملاقة التي تزعم أنها ستعيد (الأندلس) إلى (الأندلسيين القدامى).
لم تذهب في (التنظير) ولم تذهب إلى (جبهات الدفاع النسائية) ولم تقل شيئا من خارج لسانها الشعري..اللسان الذي يقولون عنه أنه لسان العرب.
شاعرة في (حالها)..
في بساطتها وفي رقتها وفي خفوتها وفي انسحابها إلى ذاتها..ذات الشعر.
لم تتمرد إلا على القصيدة، أو على إدراك القصيدة بوصفها المادة الشعرية الأقرب إلى روح الأنثى، وفي كتابات نجوم الغانم كلها كانت هناك (بوصلة) (حذرة حذر "الضب" في روايات الليبي الجميل إبراهيم الكوني)..باعتبار أن الحذر في العمل الفني هو مسعى نقدي أكثر منه مسألة خوف في الكتابة. خرجت البارحة من المدرسة الثانوية وقد امتلأت بسأم المنهج..كانت قد حفظت كرامات المتنبي، ولمست فلسفة المعري، ورأت بالروح لا بالعين أحزان البدوي الساذج ذا الرمة، ثم، كبرت نجوم الغانم ابنة الثانوية العامة في إحدى مدارس دبي، وقرأت (سان جون برس) و(جاك بريفير) و (قاسم حداد)... ثم الأهم أنها قرأت خالد بدر..ولو بعد حين.
بالمصادفة أو بالملل، أو لتلك الشاعرية النابتة في التغيير ذهبت الفتاة الثانوية إلى (أمريكا) مع فتيات كبيرات خرجن منها، ويصغرنها بأقل السنوات.
هي تقول ..إذا ابتسمت
(أهدي لنا ابنك يافينوس
نجعل منه شاطئا للرحيل
غريباً، يمنح الأيدي مغاريف الوديان
أهدي لنا ابنك يا سيدة القتلى
نأسر به المرتدين عنك..)
وتقول ما تقوله النجوم الكثيرة التي لا يعدّها أحد في وجه السماء. فقد خرجت من بذخ اللغة وأناقتها وراحت إلى قصيدة مركزة متخلصة من التراكيب والتذهين والتأمل، ثم الأهم، أنها في تجربة شعرية نسوية، في منطقة الخليج راحت تكرس نفسها على نحو إبداعي ترى أنه هو التحو وأنه هو البلاغة.
اجترحت لها في ثلاث مجموعات الشعرية (بالأحرى هي أربعة حتى هذه اللحظة) (وهي العاملة غي مجال الصحافة) (قاموساً) صغيرا جداً يشبه الهدية زاد معناها..مثلا تقول:
(لا أكترث لعبوس الينابيع
آخذ نومي، وأبقى لأربك دفاتر الماء بالأشعار).
وتقول: ( البيت شيخ عليل)
(ويل لم كثرت أحلامه)
(ما أنا بهاربة، ولكني أبحث عن نفسي).
شاعرة مواربة، أمومية، رفاقية، حنونة، زوجية، أليفة، متفهمة، تنهب يدها من يدها في الكتابة، وتعوّل على حضور الغياب لأنها تعتقد بأن الذاكرة شجرة خضراء على الدوام، لا تلويها فصول ولا تفعل بها أفاعيل الطبيعة والطبع.
في الإمارات العربية المتحدة وفي منطقة الخليج العربي هناك عدد من الشاعرات اللائي أطلقن أسماءهن في فضاء الساحات العربية وبقوة وثبات ومن دون ادعاء.
لا يمكننا مثلا في منطقة الخليج أن ننسى أو نتناسى حمدة خميس، ظبية خميس، فوزية أبوخالد...وبعد ذلك تحضر بقوة نجوم الغانم، الشاعرة الراسخة في مضمونها المعذب والسهل، البسيطة مثل زهرة مبللة بالندى، الأليفة مثل كأس الماء.
أقول ذلك لأن الشعر (النسوي) يكاد يندثر بعد (جدّتهن) نازك الملائكة..ثم الجدة الأخرى فدوى طوقان والجدة (لميعة عباس عمارة).
على ضفاف الجدات الكبيرات الآن نشأت كتابة شعرية تمثلت في شاعرة جميلة مثل غادة السمان كانت تهرب من وطأت الرواية إلى راحة الشعر.
ثم حاولت زليخة أبو ريشة في الأردن أن تتبوأ مكاناً شعرياً نسائياً ملائماً لمكانتها كامرأة خارج سياق المرأة كما تقول دائماً.
أرى أن ذلك كله هباء في هباء إذا لم يكن مرتهناً إلى بوصلة..إلى تلك البوصلة (السوداء) التي تتبعها نجوم الغانم في تيهها مترامي الأطراف في الليل الميت.

عن الخليج الثقافي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المصباح .. دروبــــــ ــ ــ ــ .doroob
/ قال الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية 18/
الرجاء الالتزام بأداب النشرفي كتابة الاستفسارات والتعليق.

دروب أدبية

دروب المبدعين

دروب ثقافية