كانت أكبر مائدة في التاريخ ستظل الناس تتذكرها ...
مائدة وضعت عليها صاحبتها كل ما تحلم به النفس سواء أكانت هذه النفس أمارة بالسوء أم نفساً لوامة ، إنما أمام كل طيبات الطعام و العصائر وألوان الشراب المختلفة التي تأخذ العقول ...جميعهم أصبحوا متشابهين . وكيف لا وهي مائدة لم تخلوا من شيء مما تشتهي إليه النفس والروح...
و إلتف الأخوة والأصدقاء حول المائدة فارهة الثراء... تشاركوا معا في نهم ما يقدم عليها ...إنما بدا شيئا غريب يحدث أثناء جلسة التسامر ..كانت يد المائدة بها حالة غريبة لأول مرة تصيبها في هذه الليلة ، كأنما أصابها سحراً أو حلت عليها لعنةً فكلما تمد يدها للطعام كان ذراعها يقصر و يتآكل ويضمحل إلى أن وجدت يدها معلقة في رقبتها و لم يعد بمستطاعها الأكل بكلا يديها ...إستعدت حالتها للفضول ممن حولها من المدعويين والذين خلطوا التسامر والتمتع بالطعام والشراب بالتهامس على حالة سيدة المائدة وإختلاس النظرات المارقة عليها التى مالبثت إلا وتحولت لإبتسامات ماكرة صامته.
نظرت حولها السيدة مدهوشة من وضعها الصعب وطلبت نجدة الأخوة والأصدقاء لكنهم أصيبوا بالدهشة أكثر منها و بعد أن كانوا يختلسون النظر من بعيد وقلوبهم كلها شوق للمرح على المشهد المثير وقد منعهم الخجل أن يفعلوا حماقة مع صاحبة النعمه وقلب المائدة إنما فى هذه اللحظة لحظة سؤالها مساعدتهم تغير بهم الحال و فجأة إنفجروا ضاحكين مازحين فنظرت لهم و شعرت باشمئزاز من موقفهم المهين هذا .لذا فكرت لو أدركت الموقف وتخلصت من مشكلتها بمحاولتها الجديدة فسوف تلقنهم درسا كييرا على استخفافهم بها . و هكذا رفعت قدميها و راحت تأكل بهما ، فاذ بأحد الأخوة تصيبه العزة بنفسه وكان أكبرهم غرورا وكرشا عظيما فيندفع نحوها بسكينه و يقطع قدمها لينظر المدعوون له بذهول و خوف من صاحبة المائدة ...
إنما تجراء أخ آخر بعد أن رأى المرأة تعسة حزينة مرتبكة فى دمائها و لم تعد تملك مفر من موقفها البائس... و أحس الرجل برغبة ثائرة قوية لإلتهام قدمها فطبق عليها بأسنانه إلى أن إنتهى منها وشعر بالسعادة الفاجرة تروي شرايين شيطانه و تلهمه بإلتهام المزيد منها في ظل وجوم المدعويين الآخرين . وقال أحدهم:
"ألم يكفك طعام صاحبة المائدة حتى تقدم علي إلتهام قدمها "
أشاح الرجل نظره بعيدا و كانت عيناه ترمقان بل تحدق في جزء آخر من جسد السيدة الضعيفة كي يلتهمه . وأجاب بنشوة الذهول :
" ما أجمل لحمها هذا هو اللحم الذي إشتهينا إلتهامه سنينا "
وقبل أن يفرغ من جملته نظروا جميعا لبعض وفجأة إعتلت الصالة الضحات الشيطانية و إنقضوا معا على السيدة ليلتهموا ما تبقى من جسدها .
و إنفضت المذبحة وأعينهم تشع سعادة جمة على ما حصلوا عليه من متعة كبيرة فى إلتهام السيدة بل والقضاء عليها أيضا كم كانت عائقا لكثيرا منهم ...و بعد أن إنتهوا لاحظ أحدهم أنهم تركوا قلبها وكان شديد السواد فقال كبيرهم:
"ليس علينا بأكل القلب لقد أصيب بكدمات ثقيلة حبست دمها الأسود فيه وأخاف أن نأكله نصاب بأذى "
فضحك آخر وقال مازحا:
" أجل لقد تلون دمها باللون الأسود غضبا بعد أن رفضت يدها أن تطيعها وأُجبرت أن تأكل بقدميها "
تدخل آخر لائما على ما فعله بأكل أعز و أقرب انسان له ولا يعرف ماذا دهاه كي يفعل جريمته في حقها وصاح فيهم :
" ربما تلون القلب من ضربنا لها ونحن ننهال على جسدها إلتهاما."
رمقه الكبير من بعيد وصاح فيه:
" أشعر بحزنك عليها و إن لم تنتهِ لن تكون عندنا أفضل منها ."
قضب الرجل الضخم الجبين مما دعا بالآخر لكتم صوته و إلتزم الصمت المخيف.
إنما صمته لم ينهِ الجدال مما دفع الكبير نحو القلب وقال :
" ليس عليكم به سوف أُمزقه إربا ثم أرمي به للكلاب خسارة نرمي أي جزء منها للتراب. "
وهمَّ بذبح القلب و لم يدرك أنه لم تنضب منه الحياة بعد و مازال ينبض بل أنه على غرة نفر أحد شرايينه السكين ثم إنفجر بدمه الأسود في وجه الرجل ليغرق فيه ، صرخ الكبير صائحا وإستغاث بالآخرين ليكرروا جميعا فعل الشيء ذاته وتكون النتيجة أن القلب قفز بكل ما لديه من دماء سوداء فى وجوههم .
وفجأة أحسوا جميعا بشيء غريب يتحرك في جسدهم ، شيء يعيش على دمائهم و يتنفس على رئتهم ثم ما لبث إلا و إستولى على بطونهم و أحشائهم و قلوبهم و أكبادهم ...نظروا لبعضهم البعض بحيرة مما يحدث وصاح كبيرهم :
" يا للسماء أشعر بأن هناك جسدا آخر داخلي يتحرك "
رمقه الرجل اللائم وهتف فيه بجرأة كأنما إطلع على النهاية الوشيكة :
"ء الآن تذكرت السماء ؟!"
لم يمهله القدر أن يرد عليه ولاعلى أي أحدا آخر،لقد تمزقت جلودهم وتحللت عظامهم ليخرج من كل واحد منهم جسدا جديدا ، كانوا جميعا لجسد سيدة المائدة .
مرت دقائق قليلة إلتحمت الأجساد مع بعضها البعض لتعود سيدة المائدة كما كانت بل أقوى لقد أعادت قلبها الثمين لصدرها لاسيما أنه تخلص من أوجاعه ، وعلت ضحكاتها لتنهي بها مأدبة عشاء الليلة وتعد نفسها لمائدة الحياة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المصباح .. دروبــــــ ــ ــ ــ .doroob
/ قال الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية 18/
الرجاء الالتزام بأداب النشرفي كتابة الاستفسارات والتعليق.