لا يمكن أن تمر ذكرى يوم الارض الخالد، بكل ما يعنيه ويجسده من ترسيخ للانتماء والهوية الوطنية والانغراس في تربة الوطن، دون استذكار واستحضار القائد الوطني، والمناضل الفذ، والسياسي الشجاع، والأديب المبدع، والباحث في التراث والفولكلور الفلسطيني، شاعر المقاومة والنضال توفيق زياد (أبو الأمين)، الذي يرتبط اسمه بهذا اليوم الوطني النضالي، كأحد مهندسي وصناع هذه الملحمة الكفاحية، التي اجترحها شعبنا البطل بكل شرائحه الاجتماعية وأطيافه السياسية، وشكلت معْلمًا بارزًا في التاريخ النضالي الناصع لجماهيرنا العربية الفلسطينية الصامدة الباقية في وطنها.
ففي هذا اليوم الفلسطيني الممهور والمكتوب بدم الشهداء الأبرار في الروزنامة الفلسطينية، تعبيرًا عن تمسك الفلسطينيين بارض آبائهم واجدادهم، وتشبثهم بهويتهم الوطنية والقومية، وحقهم في الدفاع عن وجودهم رغم عمليات القتل والقمع والبطش والارهاب والتنكيل السلطوي، وقف الراحل توفيق زياد وقفته البطولية المشرفة المشهودة والأهم في مواجهة عملاء واعوان السلطة من رؤساء السلطات المحلية، وأعلن بأن الموقف في وجه سياسة السلب والنهب ومصادرة اراضي المل، ومشاريع الاقتلاع والترحيل، هو الإضراب العام – أي قرار الشعب، مؤذنًا بانطلاق هذا اليوم المجيد في الثلاثين من آذار عام 1976.
توفيق زياد هو أحد أبرز الشخصيات الوطنية والسياسية والثقافية النضالية، ورجالات الحركة الوطنية في الداخل الفلسطيني، المنتمية للحزب الشيوعي والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، ومن شعراء المقاومة الفلسطينية، الذين كانوا صوت الثورة والقضية الفلسطينية. اتصف بشعره الغاضب المحرض الملتزم بقضايا وهموم شعبه وأمته،ألهب الجماهير بقصائده الوطنية والطبقية والكفاحية الثورية، التي طالما تغنى الشارع الفلسطيني بالكثير منها، وارتفع صوته الصارخ عاليًا مدويًا في وجه مغتصبي الأرض وناهبي حقوق شعبنا بـ "اننا هنا باقون... فلتشربوا البحر ".
تميز توفيق زياد بشخصيته الانسانية النبيلة الكريزماتية، التي جعلت منه شاعرًا مغموسًا بالهم والجرح الفلسطيني النازف، ومندمجًا بقضايا الشعب من عمال وفلاحين وكادحين، ومثّل النخبة المثقفة الطليعية المتنورة كمثقف عضوي وتقدمي ثوري في رفضه لكل مخططات التهويد وسلب الهوية الفلسطينية، وصيانة شخصيتنا الوطنية المستقلة وتراثنا الفلسطيني. وتعلق بالارض ودافع عنها بالنضال من خلال الكلمة والموقف السياسي والعمل التطوعي والعمل البلدي والبرلماني، وما صدر عنه من شعر في المناسبات الوطنية، ودوره البارز في انطلاق وتفجر يوم الارض، وتغذية الانتفاضة الشعبية الفلسطينية، انتفاضة الحجارة.
كان توفيق زياد انسانًا شجاعًا وجريئًا، وحزبيًا منظمًا متمسكًا بالنظرية الايديولوجية الماركسية، وسياسيًا محنكًا بعيد الرؤية والرؤيا، وامميًا واسع الأفق، مجبولًا بحب الناس البسطاء والجماهير الكادحة المسحوقة الطامحة والتواقة للحرية والانعتاق ومستقبل الحياة الحرة الشريفة النظيفة السعيدة. وبسلوكه ومواقفه الجذرية ونضالاته اعطى المثل الحي الذي يحتذى ويقتدى به. وكان محبًا للطفولة وعاشقًا للأطفال، افليس هو القائل: " وأعطي نصف عمري لمن يجعل طفلًا باكيًا يضحك "..!وتوفيق زياد في قصائده وأشعاره اهتم بالمناسبات الثورية، وتفاعل مع الاحداث السياسية الجارية، وأنشد لثورات الشعوب العربية، وهزج للوطن والارض والانسان الفلسطيني. وغنّى للبروليتاريا والثورة الطبقية الحمراء، مثلما غنّاها شعراء الكفاح والمقاومة في العالم. ومن يقرأ قصائده يجدها تعبق بالأمل والتفاؤل الثوري، ومحتشدة بقوة العواطف والمشاعر الانسانية المتدفقة المتضامنة والمنحازة والمنتصرة لجموع فقراء الشعب وكادحي الوطن الرازحين تحت نير الظلم والاضطهاد والاستعباد والاستغلال البشع.
وما يميز هذا الشعر بساطته،وشفافيته،ووضوحه، وخطابيته، وانسانيته، ونزعته الطبقية،وحزبيته، وتحزبه للطبقات الشعبية، وانتماءه للفن الجمالي والواقعية الاشتراكية، وهو يندرج في دائرة "السهل الممتنع".
الحديث عن المرحوم الشاعر والمناضل توفيق زياد يطول ولا يتوقف. وسيظل أبو الأمين رمزًا وعنوانًا ليوم الأرض المجيد الباقي والراسخ في ذاكرة الفلسطينيين. واذا كان الموت غيب جسده فهو لا ولن يغيب، فحضوره ممتد في العمق الفلسطيني على مر الزمان، كالسنديا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المصباح .. دروبــــــ ــ ــ ــ .doroob
/ قال الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية 18/
الرجاء الالتزام بأداب النشرفي كتابة الاستفسارات والتعليق.