لا يذكر أهل القدس رجل دين حمل على الأكتاف منذ عهد الحاج أمين الحسيني، في ثلاثينيات القرن الماضي، حتى اليوم، سوى الشيخ عكرمة صبري رئيس الهيئة الاسلامية العليا، الذي حمله أبناء القدس على أكتافهم في الانتفاضة أو الهبة الشعبية الراهنة.
وتحولت المرجعيات الدينية في القدس، أثناء الهبة الشعبية هذه، الى قيادة سياسية ووطنية، فيما يبدو، بسبب غياب أو ضعف القيادة السياسية، أو لفقدان الثقة بها، كما يقول كثير من أبناء المدينة.
وغابت القيادة السياسية عن أحداث القدس في الأسبوع الاول، ما فتح الطريق امام ظهور قيادات ميدانية ووطنية جديدة، تصدرتها المرجعيات الدينية التي وضع الناس ثقتهم بها لحمل مطالبهم المتمثلة في إزالة كل الأجهزة والمعدات والعقبات التي وضعتها سلطات الاحتلال على بوابات أسوار المسجد الاقصى، عقب العملية التي وقعت على إحدى بواباته في الرابع عشر من تموز الجاري.
وسارعت القيادة السياسية الى اللحاق بالحدث المقدسي، فعاد الرئيس عباس الى البلاد، واتخذ سلسلة قرارات داعمة لاهل القدس وانتفاضتهم، بعضها غير مسبوق، مثل تجميد الاتصالات مع الجانب الاسرائيلي.
وتميزت الهبة الشعبية المقدسية التي حملت اسم "انتفاضة الصلاة" و"انتفاضة القدس" أو "انتفاضة الاقصى 2" بعمق شعبي قل نظيره في التاريخ الفلسطيني، حيث شارك فيها غالبية ابناء البلدة ومن كافة الاعمار والطبقات والقناعات. وقال فخري ابو دياب احد رواد المسجد الاقصى: "من المرات النادرة التي تجد فيها جميع افراد العائلة في حدث وطني واحد هو هذه الهبة". واضاف: "في الماضي عندما كان يغيب ابنك عن البيت كنت تسارع للبحث عنه، اما في هذه الهبة، فلا داعي للبحث عنه، فزوجتك وابناؤك الى جانبك".
ويرجح ان تترك "اتتفاضة الصلاة" في القدس اثرا بعيد المدى على الحركة السياسية الفلسطينية وعلى السياسات الاسرائيلية تجاه الفلسطينيين.
فمن جهة، أظهرت هذه الانتفاضة ان ما لا يمكنك تحقيقه بالقوة والعنف، يمكنك تحقيقه بالعمل الشعبي العميق والسلمي الذي يحيد سلاح الفتك الاسرائيلي، ويخلق زخما شعبيا محليا واقليميا ودوليا قاهرا لا يملك الاحتلال ازاءه ان يصنع شيئا.
"نحن جئنا الى هنا لنطالب بحقنا في الصلاة، ولن تستطيع اي قوة في العالم ان تمنع انسانا من حقه في الصلاة في مسجده"، قال طبيب قلب من شعفاط في الرابعة والثلاثين من عمره. واضاف: "انا آتي الى هنا كل يوم مساء، ولن اغادر الا بعد ان يفتح الاقصى كما كان".
وجاء تحرك اهل القدس جارفا بسبب قلقهم العميق على مصير الاقصى وعلى مصيرهم في مدينتهم التي يشهدون عملية تهويد مبرمجة لها، طالت الغالبية العظمى من اراضيها واجزائها.
"البوابات المعدنية هي الشرارة التي فجرت الانتفاضة، لكنها ليست كل شيء، فقد سبقها الكثير"، قال الحاج خليل ابو عرفة (64 عام).
ولا يخفي الاسرائيليون محاولاتهم الدؤوبة السيطرة على المسجد الاقصى أو تقسيمه او حتى هدمه واقامة الهيكل مكانه، معتبرينه المكان الأكثر قدسية لهم في الاراضي المقدسية.
وبدأت السلطات الاسرائيلية مساعيها الرامية للسيطرة على المسجد الاقصى منذ بدايات احتلال عام 67، حيث استولت على مفاتيح باب المغاربة، احد ابواب المسجد، واخذت تدخل إليه مجموعات يهودية صغيرة تحت اشراف الاوقاف الاسلامية، في فترة السياحة الاجنبية.
وبعد اندلاع الانتفاضة الثانية، ازاحت السلطات الاسرائيلية الاوقاف عن الاشراف على السياحة الاجنبية، واخذت تدخل إليه مجموعات يهودية كبيرة تعد بالمئات. وفي مرحلة لاحقة، أخذت تسمح بدخول رجال دين ورجال سياسة ومنظمات تحمل اسم "الهيكل" وتسعى لاعادة بنائه في باحات المسجد التي تبلغ مساحتها 144 دونما.
"الأقصى هو البيت، وعندما يضيع البيت يضيع كل شيء"، قال الطبيب المقدسي الذي كان يقف الى جانب صديقه المهندس محمد ابو زنيد من مخيم شعفاط، عقب صلاة المغرب في باب الاسباط، بانتظار أداء صلاة العشاء. وأضاف: "انظر حولك، من يتواجد هنا ليس أولاد شوارع، انهم اطباء ومهندسون ومحامون وأساتذة جامعات ونساء وتلاميذ مدارس، من يقف هنا هم كل أبناء القدس".
وتحول باب الاسباط الى "ميدان تحرير" فلسطيني في "انتفاضة الصلاة"، حيث تجمع المقدسيون بشكل يومي، لممارسة الصلاة والسياسة والعلاقات الاجتماعية.
وحرص كل مقدسي على ان تكون له صلة مباشرة فيما تسمى "انتفاضة الصلاة"، فاخذت النساء يطهون الطعام، واخذ رجال الاعمال يتبرعون بتقديم الكثير من وجبات الطعام وكميات كبيرة من الماء والعصائر وسجاد الصلاة للمصلين الذين أدوا الصلوات الخمس على الاسفلت الحار.
وحظيت انتفاضة اهل القدس بمؤازرة كبيرة من فلسطينيي الداخل، حملة الهوية الاسرائيلية التي تؤهلهم لدخول القدس والوصول الى بوابات الحرم، فكانوا يتوجهون اليها في عشرات الحافلات التي تاتي يوميا من ام الفحم والطيبة ويافا والجنوب.
وحاولت مختلف القوى السياسية الفلسطينية اللحاق بركب الانتفاضة المقدسية وترك بصمة فيها ولو في الهواء، لكن العمق الشعبي لهذا التحرك أبقاه وطنيا عاما اكثر مما هو سياسي خاص.
محمد يونس
الحال ــ القدس
وتحولت المرجعيات الدينية في القدس، أثناء الهبة الشعبية هذه، الى قيادة سياسية ووطنية، فيما يبدو، بسبب غياب أو ضعف القيادة السياسية، أو لفقدان الثقة بها، كما يقول كثير من أبناء المدينة.
وغابت القيادة السياسية عن أحداث القدس في الأسبوع الاول، ما فتح الطريق امام ظهور قيادات ميدانية ووطنية جديدة، تصدرتها المرجعيات الدينية التي وضع الناس ثقتهم بها لحمل مطالبهم المتمثلة في إزالة كل الأجهزة والمعدات والعقبات التي وضعتها سلطات الاحتلال على بوابات أسوار المسجد الاقصى، عقب العملية التي وقعت على إحدى بواباته في الرابع عشر من تموز الجاري.
وسارعت القيادة السياسية الى اللحاق بالحدث المقدسي، فعاد الرئيس عباس الى البلاد، واتخذ سلسلة قرارات داعمة لاهل القدس وانتفاضتهم، بعضها غير مسبوق، مثل تجميد الاتصالات مع الجانب الاسرائيلي.
وتميزت الهبة الشعبية المقدسية التي حملت اسم "انتفاضة الصلاة" و"انتفاضة القدس" أو "انتفاضة الاقصى 2" بعمق شعبي قل نظيره في التاريخ الفلسطيني، حيث شارك فيها غالبية ابناء البلدة ومن كافة الاعمار والطبقات والقناعات. وقال فخري ابو دياب احد رواد المسجد الاقصى: "من المرات النادرة التي تجد فيها جميع افراد العائلة في حدث وطني واحد هو هذه الهبة". واضاف: "في الماضي عندما كان يغيب ابنك عن البيت كنت تسارع للبحث عنه، اما في هذه الهبة، فلا داعي للبحث عنه، فزوجتك وابناؤك الى جانبك".
ويرجح ان تترك "اتتفاضة الصلاة" في القدس اثرا بعيد المدى على الحركة السياسية الفلسطينية وعلى السياسات الاسرائيلية تجاه الفلسطينيين.
فمن جهة، أظهرت هذه الانتفاضة ان ما لا يمكنك تحقيقه بالقوة والعنف، يمكنك تحقيقه بالعمل الشعبي العميق والسلمي الذي يحيد سلاح الفتك الاسرائيلي، ويخلق زخما شعبيا محليا واقليميا ودوليا قاهرا لا يملك الاحتلال ازاءه ان يصنع شيئا.
"نحن جئنا الى هنا لنطالب بحقنا في الصلاة، ولن تستطيع اي قوة في العالم ان تمنع انسانا من حقه في الصلاة في مسجده"، قال طبيب قلب من شعفاط في الرابعة والثلاثين من عمره. واضاف: "انا آتي الى هنا كل يوم مساء، ولن اغادر الا بعد ان يفتح الاقصى كما كان".
وجاء تحرك اهل القدس جارفا بسبب قلقهم العميق على مصير الاقصى وعلى مصيرهم في مدينتهم التي يشهدون عملية تهويد مبرمجة لها، طالت الغالبية العظمى من اراضيها واجزائها.
"البوابات المعدنية هي الشرارة التي فجرت الانتفاضة، لكنها ليست كل شيء، فقد سبقها الكثير"، قال الحاج خليل ابو عرفة (64 عام).
ولا يخفي الاسرائيليون محاولاتهم الدؤوبة السيطرة على المسجد الاقصى أو تقسيمه او حتى هدمه واقامة الهيكل مكانه، معتبرينه المكان الأكثر قدسية لهم في الاراضي المقدسية.
وبدأت السلطات الاسرائيلية مساعيها الرامية للسيطرة على المسجد الاقصى منذ بدايات احتلال عام 67، حيث استولت على مفاتيح باب المغاربة، احد ابواب المسجد، واخذت تدخل إليه مجموعات يهودية صغيرة تحت اشراف الاوقاف الاسلامية، في فترة السياحة الاجنبية.
وبعد اندلاع الانتفاضة الثانية، ازاحت السلطات الاسرائيلية الاوقاف عن الاشراف على السياحة الاجنبية، واخذت تدخل إليه مجموعات يهودية كبيرة تعد بالمئات. وفي مرحلة لاحقة، أخذت تسمح بدخول رجال دين ورجال سياسة ومنظمات تحمل اسم "الهيكل" وتسعى لاعادة بنائه في باحات المسجد التي تبلغ مساحتها 144 دونما.
"الأقصى هو البيت، وعندما يضيع البيت يضيع كل شيء"، قال الطبيب المقدسي الذي كان يقف الى جانب صديقه المهندس محمد ابو زنيد من مخيم شعفاط، عقب صلاة المغرب في باب الاسباط، بانتظار أداء صلاة العشاء. وأضاف: "انظر حولك، من يتواجد هنا ليس أولاد شوارع، انهم اطباء ومهندسون ومحامون وأساتذة جامعات ونساء وتلاميذ مدارس، من يقف هنا هم كل أبناء القدس".
وتحول باب الاسباط الى "ميدان تحرير" فلسطيني في "انتفاضة الصلاة"، حيث تجمع المقدسيون بشكل يومي، لممارسة الصلاة والسياسة والعلاقات الاجتماعية.
وحرص كل مقدسي على ان تكون له صلة مباشرة فيما تسمى "انتفاضة الصلاة"، فاخذت النساء يطهون الطعام، واخذ رجال الاعمال يتبرعون بتقديم الكثير من وجبات الطعام وكميات كبيرة من الماء والعصائر وسجاد الصلاة للمصلين الذين أدوا الصلوات الخمس على الاسفلت الحار.
وحظيت انتفاضة اهل القدس بمؤازرة كبيرة من فلسطينيي الداخل، حملة الهوية الاسرائيلية التي تؤهلهم لدخول القدس والوصول الى بوابات الحرم، فكانوا يتوجهون اليها في عشرات الحافلات التي تاتي يوميا من ام الفحم والطيبة ويافا والجنوب.
وحاولت مختلف القوى السياسية الفلسطينية اللحاق بركب الانتفاضة المقدسية وترك بصمة فيها ولو في الهواء، لكن العمق الشعبي لهذا التحرك أبقاه وطنيا عاما اكثر مما هو سياسي خاص.
محمد يونس
الحال ــ القدس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المصباح .. دروبــــــ ــ ــ ــ .doroob
/ قال الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية 18/
الرجاء الالتزام بأداب النشرفي كتابة الاستفسارات والتعليق.